( و هل يجوز مد همز قبل لام و هل يجوز حذف ها و ي بعد لام )

اشتمل البيت على سؤالين عن اسم الجلالة الأول , هل يجوز مد الهمزة منه . السؤال الثاني , و هل يجوز حذف الالف الهاوي الذي بعد اللام الثانية و قبل الهاء أم لا و بهما يكون سبعة و عشرون سؤالا . قوله و هل يجوز مد همز قبل لام , أي الهمزة الأولى منه التي قبل لام التعريفية أو التعظيمية على قول , كما سيذكر ان شاء الله تعالى . الفصل السادس و العشرون : في الجواب على قوله , و هو يجوز مد الهمزة من اسم الله تعالى أم لا . اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص : " اذا مدت الهمزة منه لا يكون ذكرا , بل يكون استفهاما , كقوله تعالى " قل الله أذن لكم ام على الله تفترون " , و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز الكلام على تركيب هذا الاسم المعظم و في معناه و عدمه . قيل ينبغي الامساك عنه اجلالا و تعظيما , أو لعدم الاذن فيه شرعا , و الصحيح الجواز , قاله غير واحد ثم اختلفوا في أصل وضعه , فقيل عجمي , و قيل عربي . و اختلف القائلون بأنه عجمي اللفظ , فقيل عبراني , و قيل سرياني , و الصحيح أنه عربي . و اختلف القائلون بأنه عربي هل هو علم أم لا , و الحق أنه علم و هو مذهب سيبويه و الخليل و أكثر الأصوليين و الفقهاء لوجوه مذكورة في المطولات . و احتج نفات العلمية أيضا بوجوه مذكورة في محالها , ثم اختلفوا أهل هو مرتجل أو منقول . الأصح أنه مرتجل و ليس منقول و لا مشتق . قال فيه زائدة لازمة لا للتعريف بل كذلك وضع , قاله السهيلي . و القول بأنه منقول اختلفوا فيه , فأما الكوفين فقالوا أصله الاه , فأدخلت الا عليه للتعظيم , ثم حذفت الهمزة الاصلية استثقالا لكثرة جريانها على الألسنة كما تقدم , فاجتمع لامان أدغمت أولاهما ثم غلضت اللام تعظيما . و أما البصريون فقالولا صله لاه فألحقوا به ال و أنشدوا :
و لاهك قد يغشى العشيرة نوره و نورك نور في الجديدين ساطع
أي ارتفاعك و سؤ ددك علو شأنك . و القول بأنه مشتق , قال فيه زائدة لازمة , و عليه في مادته ربعة اقوال . أحدها ن مادة لام و ياء وهاء من لاه يليه اذا ارتفع . الثاني , أن مادته لام و واو و هاء من لاه يلوه اذا احتجب , فألفه على الأول منقلبة عن ياء , و على الثاني منقلبة عن واو لتحركها و انفتاح ما قبلها . الثالث أن مادته همزة و لام و هاء من أله أي عبد . فالاه فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعن مكتوب كما تقدم , و الألف التي قبل الهاء على هذا زائدة , و الهمزة التي بين اللامين أصلية أي التي بين لام التعريف و لام الاصل . وحذفت اعتباطا بالعين المهملة من الحذف الآخر للشيء من غير استحقاق عارض و الله أعلم . قال في المصباح , الاعتباط أن ينحر البعير و غيره من غير علة , كما في ناس أصله أناس . الرابع , أن مادته واو و لام و هاء من وله , ادا اضطرب , فالهمزة فيه على هذا مبدلة عن واو . و زعم بعضهم أن ال فيه من نفس الكلمة , و وصلت الهمزة لكثرة الاستعمال . و رد بأنه لو كان كذلك لنون , لأن وزنه حينئذ فعال كعلام و أواب , و لا مانع من تنوينه , انتهى و الله أعلم . تنبيه : و لما جاز الكلام في تركيبه و معناه , فلا مانع أن يجوز الكلام في حكم تركيبه مع حروف النداء ما عدى يا و الميم المشددة , و هي ستة . الهمزة و اي مقصورتين و مدودتين , و أيا و هيا . و قوله في الجوهر الخاص " اذا مدت الهمزة من الجلالة لا يكون ذكرا " , فيه نظر, لأنه اذا قصد به النداء كسائر الأعلام , فالصناعة النحوية لا تمنعه كسائر حروف النداء , و يكون ذكرا , فان العبرة بالمقاصد كما تقدم . الا أن يقال أنه لم يرد به السماع , اذ لم يأت اسم الجلالة في القرآن و لا في السنة منادى الا بيا أو الميم المشددة , اما يا . قال سيدي عبد الرحمان الثعالبي, نفعنا الله تعالى به في مفردات مقدماته في علم الاعراب : " هي حرف موضوع لنداء البعيد حقيقة أو حكما , و قد ينادى بها القريب توكيدا , وهي أكثر أحرف النداء استعمالا . و لهذا لا يقدر عند الحذف سواها , و لا ينادى اسم الله تعالى الا بها و ليس نصب المنادى بها و بأخواتها بل ادعوا محذوفا " , انتهى كلامه نقلا من كتب ابن هشام " كالمغني " و " التوضيح " و غيرهما , هكذا قال . قلت , و حكم اسم الجلالة معها ففيه أربعة أوجه . الأول , يا الله باثبات ألفين , أعني ألف النداء و لف الجلالة مقطوعة لأنها لما كانت لازمة أشبهت الأصلية . الثاني , يلله بحذفهما . الثالث , يا لله بحذف الف الجلالة فقط . الرابع , حذفها أي يا و تعوض عنها الميم المشددة زائدة في آخر الجلالة , فتقول اللهم , و هو الكثير و لم يذكر في القرآن سواه . و هل يجمع بينهما أي بين يا و الميم , و لا تجوز الا في ضرورة الشعر . قال ابن مالك رحمه الله تعالى :
و الأكثر اللهم بالتعويض و شذيا اللهم في قريض
يشير بذلك الى قول أبي خراش الهذلي
اني اذا ما حدث الما أقول ياللهم ياللهم
و هذا مما يحفظ و لا يقلس عليه . فائدة : يجوزحذف حرف النداء و هو يا خاصة , سواء كان المنادى مفردا أو جاريا مجراه أو مضافا نحو " يوسف أعرض عن هذا " , " سنفرغ لكم أيها الثقلان " , " أن أدوا الي عباد الله " , الا في ثمان مسائل . منها اسم الجلالة , فلا يجوز حذف يا الندء عنه الا اذا عوض عنها الميم المشددة كما تقدم , و تمامه في التوضيح و غيره . و ما ذكرت هذا و ان كان بعيد المناسبة الا لكثرة المعترضين على الذاكرين , ليكون تبصرة للمبتدا و تذكرة للمنتهي و حجة و محجة للمعتني . فائدة : ذكر الفقهاء أن مد الهمزة من الجلالة في تحريمة الصلاة لا تنعقد به , فالتحريمة , و هو قولنا الله أكبر , شرط أو ركن على الخلاف و الأصح شرط عند الحنيفية , و شرط صحتها أن لا تمد همزة الجلالة كما لا تمد همزة أكبر . و كذلك مد الباء منه , فيقول أكبار , مثلا . قالوا لا يصير شارعا , و ان قال في خلال الصلاة تفسد صلاته , قيل لأنه اسم من أسماء الشيطان , و قيل غير ذلك . قيل لا تفسد , و الأصح الأول , و أما اشباع حركة الهاء من الجلالة في التكبير خطأ من حيث اللغة , و لا تفسد به و كذلك تسكينها في التكبير أيضا , لأن محله الوصل , ليتنبه و الله أعلم . واختلف العلماء في جواز انعقاد الصلاة بالجلالة فقط , قال به أبو حنيفة رحمه الله تعالى , و بكل لفظ يدل على التعظيم , كالعظيم و الجليل و غيره . و قال الشافعي رحمه الله تعالى " تنعقد بالله أكبر " , و قال قال الامام مالك و أحمد رحمهما الله تعالى " تنعقد الا بقولنا الله أكبر " . فعلى هذا ينبغي زيادة تنبيه في التكبير في الصلاة التي هي خالص الذكر و لبه , كما قال تعالى : " أقم الصلاة لذكري " , انتهى و الله أعلم . قوله و هل يجوز حذف هاوي بعد لام , أي و هل بعد اللام الثانية من الجلالة و قبل الهاء ألف أم لا . هكذا في الأصل , كأنه يقول , و هل يجوز حذف ذلك الألف أم لا , بدليل جواب الامام العارف بالله تالى زين الدين سبط المرصفي رحمه الله تعالى , و سمى الألف هاوي , لأنه يخرج من هواء الفم و هو جوفه كما تقدم . الفصل السابع و العشرون : في الجواب على قوله و هل يجوز حذف الحرف الهاوي من الجلالة أم لا . اعلم أنه قال الامام العارف بالله تعالى زين الدين أبو محمد سبط علي بن خليل المرصفي , رحمه الله تعالى و نفعنا به : " قد تقدم أن بعد اللام الثانية ألف لفظية لا خطية , و حكمها أن حذفها في اللفظ لحن لا تنعقد به الصلاة و لا اليمين و لا يكون ذكرا بدونها , و لا يعتد في جواز حذفها بقول الشاعر :
ألا لا بارك الله في سهيل اذا بارك الله في الرجال
فان ذلك لضرورة الشعر و الله أعلم , انتهى كلامه . قال الامام العارف بالله تعالى , سيدي عبد الرحمان بن الصغير الأخضري في القدسية :
و من شروط الذكر ألا يسقطا بعض حروف الاسم أو يفرطا
في البعض من مناسك الشريعة عمدا فتلك بدعة شنيعة
و الرقص و الصراخ و الصفيق عمدا بذكر الله لا يليق
وانما المطلوب في الأذكار الذكر بالخشوع و الوقار
و غير ذا حركة نفسية الا مع الغلبة القوية
فواجب تنزيه ذكر الله على اللبيب الذاكر الأواه
من كل ما تفعله أهل البدع و يقتدي بفعل أرباب الورع
و قال رحمه الله تعالى في شرحه على الجوهر المكنون (تنبيه) : " لا يجوز حذف ألف الجلالة الذي قبل الهاء لفظا الا في ضرورة الشعر عند الوقف عليه , كقوله :
أقبل سيل بماء من مر الله دل على ذلك حرف الروى
و ينبني على هذه المسألة فروع منها : من قال في يمينه بله , هل تنعقد أم لا . فقيل لا تنعقد لأن لفظ بله اسم للطوبة , قيل تنعقد لأن اللفظ يحسب أصل اللغة جائز , و قد نوى فيه الحلف . و منها قوله عند الذبح أو الاحرام أو الشهادة هل يكفي أم لا . و منها هل يثاب ذاكر ذلك أم يعاقب , لأنه قيد اسم الله تعالى . قال : قلت في استدلالهم على جواز حذف ألف الجلالة للضرورة بوروده في بعض أشعار العرب , نظر لأنها مسئلة شرعية تعبدية لا تأخذ الا من دليل شرعي , فلا تأخذ من أشعار العرب , انتهى كلامه و الله أعلم . قلت , و حيث وجد الخلاف وجب الانصاف , فالعبرة للمقاصد لا لوسائل , و لا خفاء في أن اللفظ وسيلة للمعنى لا العكس , و أن الله تعالى تعبدنا بالمعاني كما قاله امام دار الهجرة مالك رضي الله عنه , و حيث صح القصد فلا التفات الى الضد , و من تأمل قوله صلى الله عليه وسلم : " أذكروا الله حتى يقولوا مجنون " , و نظر شرحه في كتاب السر المصون , فلم يبق له اعتراض على ذاكر حيث ما يكون , و من أمعن النظر في نصرة الفقير للعارف بالله تعالى الشيخ سيدي محمد السنوسي فلا يبقى له ازدراء بفقير . لقد أحسن العلامة بو سعيد رحمه الله تعالى حيث قال :
لكن سر الله في صدق الطلب كم رءي في أصحابه من العجب
اللهم الا اذا تغير القصد و نقص العهد , فيستوجب حينئذ البعد و يقام الحد و الى ذلك أشار العارف بالله تعالى الجامع بين الشريعة والحقيقة , سيدي عبد الرحمان بن الصغير الأخضري في رسالته القدسية كما تقدم فقال :
فقد رأينا فرقة ان ذكروا تبدعوا و ربما قد كفروا
و صنعوا في الذكر صنعا منكرا طبعا فجاهدهم جهادا أكبرا
خلوا من اسم الله حرف الهاء فألحدوا في أعظم الأسماء
لقد أتوا و الله شيئا ادا تخر منه الشامخات هدا
و الألف المحذوف قبل الهاء قد أسقطوه و هو ذو خفاء
و غرهم اسقاطه في الخط فكل من يتركه فمخطي
قد غيروا اسم الله جل و علا و زعموا نيل المراتب العلا
تغرهم مذاقة طبعية سببها حركة نفسية
فزعموا أن لهم أسرارا و أن في قلوبهم أنوارا
و زعموا أن لهم أحوالا و أنهم قد بلغوا الكمالا
و القوم لا يدرون ما الأحوال فكونها لمثلهم محال
حاشى بساط القدس و الكمال تقدمه حوافر الجهال
فقد ادعوا من الكمال منتهى يكل عن ادراكه ألوا النهى
و الجاهلون كالحمير الموكفة و العارفون سادة مشرفة
و هل يرى بساحل الأنوار من لج في بحر الظلام ساري
و قال بعض السادة المتبعة في رجز يهجوا به المبتدعة
و يذكرون الله بالتغيير و يشطحون الشطح كالحمير
و ينبحون النبح كالكلاب مذهبهم ليس على الصواب
قلت و شاع أمر الاشتباه في المتراسلين في اسم الله
و قد تقدم قبله في شروط الذكر
والرقص والصراخ والتصفيق عمدا بذكر الله لا يليق
الخ , انتهى ما قصدنا من كلامه , رضي الله عنه , و لو لا الاطالة التي تفضي الى السآمة لتتبعنا كلامه بالشرح , و ملخصه ما شرنا اليه أولا و هو ظاهر لمن كان له قلب يفهم به عن الرب , و كلام العارفين , أي و نهيهم تحذيرهم . و اعتراضهم ذو وجهين بين الاشارة و العبارة من اللوامة الى الأمارة و هم رضي الله عنهم تارة يوجهون الاشارة الى المطمئنة اللوامة العبارة الى الأمارة كهذا , و تارة بالعكس و لذلك يتوقف في كلامهم , رضي الله عنهم , و يقولون لا يفهم كلام الأخرس الا أمه . قال في الحكم , عبارتهم اما لفيضان وجد و لقصد هداية مريد . فالأول حال السالكين و الثاني حال أرباب المكنة و المتحققين . قال ايضا قبله تسبق انوار الحكماء أقوالهم , فحيث صار التنوير وصل التعبير . الحكماء هم العارفون بالله تعالى , واعلم أنه من لم يبلغ مقاما لا يستطيع أن يعبر عليه . و المقامات سبعة و من بلغ الى السابع له أن يعبر عن جميعها و له أن يعترض على ما دونها , لقوله عليه السلام : " حسنات الأبرار سيآت المقربين " , الخ . و من كان في الأول لا يفهم أيضا حال من هو في المقام الثاني . فاذا اعترض عليه فهو من جهله به , و اعتراضه لم يصادف محلا , و لهذا لما اعترض على سيدنا يوسف عليه السلام , " و ما أبرىء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي " , الآية , و لما كانوا في الامارة لم يفهموا حله فلم يجدوا جوابا الا ما ذكر و ان كان الوجب عليه أن يقول لم أفعل , لأنهم لم يفهموا ذلك . و بيان ذلك على سبيل التقريب و الاختصار , أن غاية تنزل النفس الناطقة الى المقام الأول و هو مقام ظلمات الأغيار و تسمى فيه أمارة بالسوء , ثم تأخذ في الترقي بسبب الأذكار و الطاعات و التقرب الى الله تعالى بالرياضات بعد الايمان و اليقين و السلوك في زمرة المتقين . فلا تزال تترقى مقاما بعد مقام الى السابع الذي هو مقام تجليات الاسماء و الصفات , و تسمى هذه الأمارة بالكاملة فيه , و هذا الكامل من العارفين . فاذا كان ذلك , فمن كان في المقام الاول الذي هو مقام ظلمات الاغيار فلا يقدر أن يعبر عن المقام الثاني الذي هو مقام الأنوار , ولا يفهم كلام من هو فيه للمنافاة التي بين ظلمات الأغيار و بين الأنوار . و من كان في المقام الثاني الذي هو مقام الأنوار فلا يقدر أيضا أنيعبر عن المقام الثالث الذي هو مقام الأسرار , و لا يفهم كلام من هو فيه . و من كان في المقام الثالث الذي هو مقام الاسرار , فلا يستطيع أن يعبر عن المقام الرابع الذي هو مقام الكمال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . و من كان في المقام الرابع الذي هو مقام الكمال فلا يقدر أن يعبر عن المقام الخامس الذي هو مقام الوصال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . ومن كان في المقام الخامس الذي هو مقام الوصال , فلا يقدر أن يعبر عن المقام السادس الذي هو مقام تجليات الأفعال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . و من كان في المقام السادس الذي هو مقام تجليات الأفعال فلا يقدر أن يعبر عن المقام السابع الذي هو مقام تجليات الأسماء و الصفات , و لا يفهم أيضا كلام من هو فيه , و يعبر على كل مقام سلكه وما دونه لا ما فوقه , فافهم و الله أعلم , و بسببه وقع الانكار و الخلاف . و العارف لا يخرج عن مركز دائرة الانصاف و الانتصاف , و أسماء النفس في هذه المقامات قد تقدم , و هذا معنى قولهم " كل مقام له مقال " , فافهم و الله تعالى يتولى هدانا و هداك , و لا ينزل القياس على كل الناس , و انما سنح بنا الكلام حتى خرج عن المقام حماية للذاكرين و شفقة عن المنكرين . واعلم أن من بلغ الى المقام الثالث الذي تسمى النفس فيه ملهمة لم يبق له اعتراض على أحد , لأنه يشهد بأن الله تعالى آخذ بناصية كل دابة , فلم يبق له اعتراض على مخلوق أصلا , حتى اذا اعترض , انما يعترض في حال الفرق الذي هو بعد الجمع عملا بظاهر الشرع مع التسليم القلبي . و انما تقع كثرة الاعتراض من المقام الثاني الذي هو مقام الانوار , و تسمى النفس فيه لوامة . و اللوم انما هو على الأول و بقية شيء منه في المقام الثاني كما هو معلوم في صناعة السير و السلوك . و انما و قع اللوم و الانكار في المقام الثاني على الأول , لأنه علم الحق حقا و الباطل باطلا و لم يقدر على الانفصال منه , أي من الباطل و لذلك لام نفسه . و لأن الثاني مقام الأنوار , و بالأنوار ينكشف ما في ظلمة الاغيار , فيقع الاعتراض و اللوم و الانكار الى الثالث , و هذه فائدة الترقي . و هذا كله قطرة من بحر علم شيخنا الازهري نفعنا الله تعالى به , آمين . و لولا خيفة الاطالة و الخروج عن المناسبة لبينا كل مقام على لسان العلم , و لكن ان دعت المناسبة اليه أشرنا الى ما يحتمله المقام , و الله علم . فالملخص من هذا الكلام أن الانكار و اللوم و الاعتراض انما يتوجه الى أهل المقام الأول و بعض اهل المقام الثاني لأنه لا يستطيع أن يميز بين الحق و الباطل , فهو كما قيل :
يغبى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
و العارفون لا يعنون الا ما ذكر , و ان عمموا بقولهم فذلك للتأنس و عدم الايحاش و سلوك الأدب مع الحق و الناس . ألا ترى قوله تعالى , " و الوالدات يرضعن أولادهن " , الى قوله " و على المولود له رزقهن و كسوتهن " , الآية , ايناسا و رحمة بالأمهات سبحانه و تعالى و تعليما لنا . فقد اشار باللام لدالة على اختصاص الولاد بالوالد دون الوالدة رحمة بالم ي لا تحزن و تتألم بصريح الخطاب الوارد و لا شك أن الاشارة أغمض من و لأجل أن لا يفهمها كل
كان عليه السلام يقول : " ما بال أقوام " كذا و كذا , و يعني به واحدا . و هكذا سيرة العارفين , لا يعنون الا الأمارة , وهو معنى قولنا اذا تغير القصد و نقض العهد الخ . و كذلك قولنا لا ينزل القياس على كل الناس . و لذلك كان يجب قبل كل شيء بعد الايمان بالله و تعلم ما يجب تعلمه أولا , على كل مكلف أن يأخذ في السير و السلوك و يفحص عليه و على أهله حتى يجده , فان من جد وجد . و ينبغي له أن لا يقول لا وجود له و لا لأهله , فان الله تعالى لا يعجزه شيء , و لو يبعث له من رجال لغيب . و قد صرحت السنة بذلك بحديث " لا تزال طائفة من أمتي " ... الخ . و بالصدق و النية و الاخلاص تدرك مراتب الخواص و خواص الخواص و الله أعلم . ثم قال عفا الله تعالى عنه :