كتاب غنية المريد

بسم الله الرحمن الرحيم



وصلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحبه و سلم

iهذا الكتاب المبارك للعلامة سيدي عبد الرحمان باش تارزي الذي يتمثل في شرح نظم مسائل كلمة التوحيد
وهو فريد من نوعه فنتمنى أن يفيد الجميع





قال عبد الرحمان و هو المذنب يرجو رضاء من اليه المهرب
الحمد لله الذي أورثنا كتابه و حصنه أدخلنا
ثم الصلاة و السلام أبدا على النبي الهاشمي أحمدا
و آ له و صحبه الكرام ما ذكر الله على الدوام
و بعد ان سألت يا أواه عن علم لا الاه الا الله
فهاك مفصلا جاء على مثال خمس و أربعين سؤلا
معناها شرط أدب اعرابها تلاوة ما فضلها تكرارها
أقسام مد حرفه ما حده و هل يجوز تركه ما قصده
و هل يجوز ابدال الهمز بيا تلاوة ذكرا كمد الا بيا
و هل فيهما تسكين الهاء من اله و هل تأويل خبر في ذكر الله
و هل من غير نية عنه يثاب وما هو التأويل يا أولي الألباب
و ما هو الأفضل للذاكر من هيللة أو مفرد له زكن
و هل حروفه مفسرا تكون و هل آخره محركا يكون
و ما هو التحريك من اشكال و كم له من أحرف يا تال
و هل يجوز مد همز قبل لام وهل يجوز حذف ها وي بعد لام
و ما هو الأفضل في الاكثار ذكر صلا تعلم أو قاري
هل اكتساب مع لزوم الواجبات و ما هو الترتيب في الأفضليات
و هل ما بعد مغرب و فجر سن احياؤه و أي فيهما حسن
و ما هو الأفضل سرا أو علن و هل في مسجد جماعة علن
أذكر أم فكر وعد أفضل و هل بقدره الثواب يحصل
و هل ملائكة سرا تكتب و أي حال فيه قطعا يندب
ما أفضل ذكر أم جهاد و ما توحيد واحد يفيد
و ما اذكر ربك اذا نسيت حمدلة هيللة فضلت
ما أفضل تسبيحكم تحميدكم و ما معناه اذكروني أذكركم
فهذه خمس مع أربعين مسئلة قد وردت يقين
في عام غوع نظمتها سنة شر حي رجاء نفع أمة البشير
و الحمد لله على التمام ثم صلاته على التهامي
و آله و صحبه الأخيار ما حنت الاطيار للأوكار


ـــــ( كتاب غنية المريد )ـــ




ـــ( في شرح نظم مسائل كلمتي التوحيد )ـــ



تأليف العالم العامل الناسك الكامل ذو الفيوض الربانية ناشر
الطريقة الرحمانية الشيخ سيدي عبد الرحمان بن أحمد بن حموده
ابن مامش المعروف بباش تارزي الجزائري منشأ
القسنطيني دارا صاحب التآليف المفيدة و الرسائل
المجيدة ناظم الرحمانية المشروحة بقلم ابنه الشيخ
مصطفى توفي في حدود عام 1221 و دفن
بقسنطينة وهو تلميذ سيدي محمد بن
عبد الرحمان الشهير دفين الجزائر
طيب الله ثراهما و أسكنهما
فسيح جنانه
آمين


( حقوق الطبع محفوظة لآل باش تارزي القسنطيني )


ــــــــــــــ



طبع بالمطبعة الرسمية العربية بتونس

سنة 1322 ــ 1904









بسم الله الرحمن الرحيم


و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد
و على آله و صحبه و سلم


الحمد لله و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى وبعد , فلما رأيت كثرت الاخوان منشغلين بذكرلا اله الا الله , ولم يتعرضوا لمعرفة معناها و لا لكيفية النطق بها , و كذلك اسم الجلالة , وهو الله تعالى , و كثر الاعتراض عليهم ، و نسبة الجهل اليهم , فطلب مني بعض أفاضلهم أن ألخص لهم كلام في ذلك , ليكون لهم عدة عند كل شدة , و ان كنت لست اهلا لذلك المقام , فعلى الله اعتمادي في البدء و الختام . فاوقع الله تعالى بيدي سؤالا ورد في سنة ست و سبعين و تسعمائة فيما يتعلق بالاسمين المذكورين , أعني لا اله الا الله و الله تعالى , من بعض فضلاء الوقت المذكور لبعض الأكابر من العلماء العاملين الجامعين بين الشريعة و الحقيقة , فنظمته على سبيل الأختصار ليكون سهلا للحفظ و الاحتضار , واقتصرت على ما اجاب به الامام الفاضل العالم العلامة الحبر الفهامة , المحقق المدقق , الجامع بين العلمين و المتوسط بين الطريقين , سيدي محمد زين الدين المغربي الشاذلي , سبط العارف بالله تعالى , علي بن خليل المرصفي الشافعي الأشعري , برد الله ثراه وجعل بحبوحة جنته مأواه , مع زيادة تناسب المقام و ما يفتح الله به عند المرام و على الله الاتكال و اليه المرجع في الحال والمآل , وسميته " غنيت المريد " في شرح نظم كلمتي التوحيد , و هذا أوان الشروع في المراد بعون الرؤوف الجواد.
ولما كان أحق كلام يرسم في الصحائف , وأول مقال تكرره الألسنة و تقرره المعارف , ذكر واجب الوجود و مفيض الفضل والجود , فليكن أول كل ذي خطر وشأن , و طراز كتب العلم في كل أوان "بسم الله الرحمان الرحيم" لما فيها من أبلغ الثناء , وكيف لا وهي مفتاح أشرف الكتب السماوية , ومصباح بصائر أهل المعارف الربانية , لاشتمالها على علوم الأولين و الآخرين , لجمعها معاني الفاتحة الجامعة لمعاني القرآن العظيم , الجامع لمعاني الكتب الالاهية أجمعين . فالابتداء بها مكمل محقق , و عدمه منقص بخبر الصادق المصدق . قال عليه السلام : " كل أمر ذي بال لا يبتدء فيه ببسم الله الرحمان الرحيم فهو أقطع " , رواه ابن حبان وغيره . و أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعا , أنه " أول شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ , بسم الله الرحمان الرحيم ". وأخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعا , "ان أول ما ألقي علي من الوحي بسم الله الرحمان الرحيم ". ومن ثم كان المصطفى صلى الله عليه و سلم يصدر بها كتبه الى الآفاق , كما في الصحيحين و غيرهما .
و سئل صلى الله عليه وسلم عن "بسم الله الرحمان الرحيم " , فقال : " هو اسم من أسماء الله تعالى , وما بينه وبين اسمه الأكبر الا كما بين سواد العين وبياضها من القرب " , رواه الحاكم في مستدركه .
و في تفسير ابن مردويه , عن جابر بن عبد الله , أنه لما نزلت البسملة , هرب الغيم الى المشرق وسكنت الرياح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها , ورجمت الشياطين و حلف الله تعالى بعزته و جلاله أن لا يسمى اسمه تعالى على شيء الا بارك فيه . و في تفسير الامام المجتهد محمد ابن جرير عن أبي سعيد الخدري , أنه صلى الله عليه وسلم قال أن عيسى ابن مريم أسلمته أمه الى الكتاب لتعلمه , فقال له المعلم اكتب "بسم الله الرحمان الرحيم ", فقال له عيسى عليه السلام : " وما بسم الله الرحمان الرحيم " , فقال له المعلم : " لا أدري " , فقال عيسى عليه السلام : " الباء بهاء الله تعالى و السين سنائه و الميم مملكته , و الله تعالى الاه الآلهة و الرحمان رحمان الدنيا و الآخرة و الرحيم رحيم الآخرة " , (غريب) . قال ابن كثير , و قد يكون صحيحا مرفوعا أو من الاسرائليات, وفيه أيضا بسند فيه انقطاع عن ابن عباس , الله تعالى ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين , والرحمان فعلان من الرحمة , و الرحيم الرفيق بمن أحب ان يرحمه , و البعيد الشديد على من أحب ان يضاعف عليه العذاب . وروى ابن أبي حاتم عن جابرابن زيد أن "الله تعالى" هو الاسم الأعظم . وروى البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى "هل تعلم له سميا " , قال لا أحد تسمى بالله قط , و نقل ابن جرير عن الحسن , الرحمان اسم ممنوع أي لا يمكن أن يتسمى به . و أما قولهم " لا زلت رحمان " فأجيب عليه .
وروى ابن حاتم عن الحسن , الرحيم اسم لا يستطيع الناس أن يتحلوه , تسمى به تبارك و تعالى .
و عن ابن مسعود , من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر, فليقرأ "بسم الله الرحمان الرحيم " , أي يواظب قرائتها , فيجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنة , من كل واحد منهم , فانهم يقولونها في كل أفعالهم , فيها قوتهم وبها استطاعوا , و ذلك موافق لعدد حروفها الرسمية , واعلم أن الاتيان بالبسملة حمد تام كامل و وذكر مرفوع شامل , لاشتمالها على اسم الله الأعظم الجامع لجميع الأسماء الحسنى . فانه دال على الذات المقدسة المتصفة بالألوهية , التي من اتصف بها وجب له الكمال الحقيقي المطلق , موصوفا بالاسم "الرحمان " المختص به تعالى . فانه ذو الرحمة الحقيقية التي وسعت كل شيء بما لها من الاحاطة و الشمول , ولذلك سبقت رحمته غضبه . و"بالرحيم " , الدال على تخصيصها بالذين يتقون و يؤتون الزكاة , والذين هم بآياته و رسله يؤمنون , حتى كان ورودهم على دار الجحيم عبورا الى دار النعيم اظهارا لكمال تحققهم بنور الايمان بالآيات المكتوبة في قلوبهم , باتباع الرسول النبي الأمي , و ذلك هو أثر الرحيمية الذي يظهر في الآخرة , حيث تقول النار جزني يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي . و يدل على أن رحمة الاختصاص المكتوبة للمؤمنين هي الرحمة الواسعة , قوله تعالى :"ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ",أي أثبتها أو أوجبها ,فهو سبحانه و تعالى , رحمان الدنيا و الآخرة ورحيمهما , كما ورد في رواية . فانه تعالى خص المؤمن في الدنيا بالاسلام والايمان , و في الآخرة بالفضل والامتنان , أو قل رحيمهما, كما ورد في رواية , لتوقف تحقق الاختصاص بالرحمة في الدنيا على ما يكون في عاقبة الأمر فيها , أي الآخرة , وبما تقرر, استبان وجه تقديم الرحمان على الرحيم , فانه اسم للذات الالاهية من حيث اتصافها بصفات الرحمة التي وسعت كل شيء , وهي من أخص أوصافه تعالى , فلا يصح اتصاف غيره بها , ولذلك أجري مجرى العلم كالأسم الأعظم . قال تعالى :"قل ادعوا الله او ادعواالرحمان ", فامتنع اطلاقه على غيره , لماأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها . هذا , وان الأمور النفسانية اذا وصف الحق بشيء منها , حمل على غايته التي هي فعل دون بدايته التي هي انفعال , وغاية الرحمة افاضة النعمة , فيحصل عليها في جانبه تقدس دون الشفقة والحنان والرأفة التي هي مبدأها و قيد المنعم في تفسير الرحمان بالحقيقي , لوجوبها له تعالى من ذاته أو اقتداره على كل نعمة دون غيره , ولذلك لم يتسم به لفظا عربيا معرفا غيره .فاندفع النقض بمجيبه في كتاب سليمان عليه السلام الى بلقيس, لأن التعريف هناك واقع على المعنى , لا من حيث هذه اللفظة العربية , كما ذكره بعض المحققين من أهل الله , وذلك أن التسمية في ذلك المحل , أي في سورة النمل , جائت على جهة الترجمة على ما في ذلك الكتاب , لأنه لم يكن عربيا , كيف و التسمية بهذه الألفاظ على هذا الترتيب خص الله تعالى بها النبي الأمي و أمته , وكذا اندفع به التعقب بما جاء مضافا كرحمان اليمامة وهو تعنت كفري جاهلي , و حق العلم و ما كان أعرف التقديم , و أما الرحيم فمعناه المختص برحمته من تولاه , المجمولة فيه بتقدير العزيز العليم , و بالرحيمية المختصة بالمؤمن أرسلت الرسل و تنزلت الكتب و شرعت الشرائع و بينت الآيات لقوم يعقلون و تليت البينات لقوم يسمعون , وتميزت الحقائق لقوم يبصرون و وضعت العلامات لعلهم يهتدون , و نصبت الموازين لعلهم يرجعون و طبع على قلوب الذين لا يعلمون , صم بكم عمي فهم لا يبصرون . قال ابن برجان , ولما كانت هذه الكلمة ,يعني "بسم الله ", معناها العلو وهو يعم السبحات , وكانت سبحاته لا تحصى ولا تتناهى , قرنها باسمه العظيم الدال على جميع الأسماء ثم أمرنا أن نتبرك بها في جميع أمورنا , ونلوذ بعصمتها عند الجميع في جميع أعمالنا , وفي اختصاصها بالأسماء الثلاثة , ايماء الى أن المستحق الذي يلجأ اليه و يستعان في جميع الأمور به و يعول عليه , فانه واجب الوجود المعبود الحقيقي , مولي النعم كلها جليلها و حقيرها , دنيويها وأخرويها , فيتوجه بشراشره أي بكليته اليه, و يعتمد في جميع أموره عليه .
تنبيهات أربعة و فيهن فوائد . التنبيه الأول فيما يتعلق بجملة البسملة : الفائدة الاولى : لأي شيء يبتدأ ببسم الله الرحمان الرحيم , فيه ثلاثة أقوال : قيل تبركا و تيمنا بذكر اسم الله عز وجل و صفاته وقيل اقتداء بالقرآن العظيم , وضعا في المصحف لا نزولا , وقيل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يبتدأ به في رسائله الى الآفاق و الأحاديث المتقدمة . الفائدة الثانية في كيفية نزوله : فاعلم أنه تنزل متفرقا لا مجتمعا لأنه عليه السلام كان يكتب اول الاسلام باسمك اللهم حتى نزل قوله تعالى "بسم الله مجراها ومرساها" فصار يكتب "بسم الله " , حتى نزل قوله تعالى "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان "فصار يكتب "بسم الله الرحمان " , حتى نزل قوله تعالى "انه من سليمان وانه بسم الله الرحمان الرحيم ", فكملت البسملة . الفائدة الثالثة في مواضعها : فاعلم أن مواضعها مبادئ الأفعال و مبادئ الأقوال , لقوله عليه السلام :"من قال في مبدا أفعاله وأقواله بسم الله الرحمان الرحيم دخل الجنة " .
الفائدة الرابعة في المواضع التي لا يزاد الرحمان الرحيم فيها , فهي سبعة و قد نظم ذلك بعض الناس فقال :
فبسمل دون الرحمان في الأكل و الشرب ذكاة وضوء والجماع أخا الفضل
ركوب سفينة مطايا ونحوها وفي غير ذا المعدود زده بلا فصل
وانما لا يزاد الرحمان الرحيم عند هذه الأفعال , للمنافرة بين البسملة المشتملة على صفة الرحمة وبين هذه الأفعال المقتضية لصفة التعذيب , ولا تجتمع الرحمة مع النقمة و العذاب . و قد ورد أحاديث في كيفية البدا بهذه الأشياء المذكورة كالأكل والشرب والجماع و غيره فلا نطيل بها .
الفائدة الخامسة في فائدة الاتيان بها , وذلك ليكتب ذاكرها من أهل التقوى , لقوله تعالى "وألزمهم كلمة التقوى ", الآية , أو لتفر عنه الشياطين لقوله تعالى "واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ", اذ من المفسرين من قال بالآيتين في "بسم الله الرحمان الرحيم " . الفائدة السادسة في فضائلها و هي أكثر من أن تحصى , منها ما قال عليه السلام :"من قال بسم الله الرحمان الرحيم دخل الجنة ", و قال عليه السلام :" من رفع قرطاسا فيه بسم الله الرحمان الرحيم تعظيما له كتب عند الله من المقربين ". وقال عليه السلام : " ما من كتاب يوضع في الأرض وفيه بسم الله الرحمان الرحيم الا وبعث الله من يرفعه , فاذا رفعه حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر و كتب عند الله من المقربين و خفف الله تعالى عن والديه العذاب , ومنها ما قال عليه السلام : " ان المؤمن اذا أراد أن يدخل النار قال بسم الله الرحمان الرحيم تباعدت النار منه مقدار سبعين ألف سنة ", ومنهاما قال عليه السلام : " لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمان الرحيم ". وروي , وأقسم رب العزة جل جلاله أن لا يذكر اسمه على شيء , الا وبورك فيه ولا على عليل الا وشفي ,( مختصر) . الفائدة السابعة في حكم النطق بها : فيه قولان , السر أوالجهر و لكل دليل . فدليل الاسرار قوله تعالى : " ادعوا ربكم تضرعا و خيفة ", الآية , و قوله عليه السلام " خير الذكر الخفي " . و دليل الجهر قوله تعالى : "فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا " , الآية .و قوله عليه السلام " يقول الله تعالى :"من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملا ذكرته في ملا غيره " , الحديث . و ذكر الملا لا يكون الا عن جهر, وأيضا في الجهر سبعة أشياء محمودة لم تكن في السر , و هي تنبيه الغافل وتعليم الجاهل وتذكير للذاهل و اكثار للعمل و ايقاظ للفوائد وابعاد للنعاس و زيادة للنشاط . الفائدة الثامنة في اعرابها , أي "بسم الله الرحمان الرحيم " باسم جار ومجرور متعلق بمحذوف , واختلف فيه هل اسم أو فعل مقدم أو مؤخر , خاص أو عام , أقوال . قال البيضاوي يضمر كل فاعل ما جعلت التسمية مبدأ له , بناء على أنه خاص الخ , و الله مخفوض بالاضافة , و الرحمان بالتبعية أو البدلية أو عطف البيان , أقوال . و الرحيم نعت باتفاق , واختلف فيه هل نعت لله تعالى , فهو نعت بعد نعت أو للرحمان على القول بعمليته وفيها سبعة وجوه , خمسة جائزة واثنان ممنوعان . فالممنوعان الاتباع بعد القطع , و هو خفض الرحيم مع رفع الرحمان ونصبه , والخمسة الباقية جائزة .
التنبيه الثاني , فيما يتعلق باسم الجلالة و هو الله تعالى . الفائدة الأولى في معناه : فمعنى الله تعالى ,الظاهر بالربوبية بالدلائل , المحتجب عن جهة التكييف عن الأوهام , و هو المعبود بحق , و قيل المتصف بصفة الكمال المنزه عن صفة النقصان , و قيل اسم لموجود واجب الوجود , موصوف بالصفات منزه عن النقائص و الآفات لا شريك له في المخلوقات . الفائدة الثانية : هل هو جامد أو مشتق . قولان , فمذهب جمهور النحات أنه مشتق , و مذهب جمهور الفقهاء أنه غير مشتق , بل هو اسم علم ليس فيه معنى صفة أصلا كسائر الأعلام الجوامد . الفائدة الثالثة : هل هو منقول أو مرتجل , قولان . ذهب جمهور النحات الى أنه منقول من الجنس الى الاختصاص , و ذهب جمهور الفقهاء الى أنه غير منقول من شيء , و أنه اسم علم مرتجل لم يسبقه اسم آخر ينقل منه , و هو قول أهل التأويل و أهل المعرفة بأسرار التنزيل . الفائدة الرابعة : من أي شيء اشتق . على القول بالاشتقاق فيه أقوال . قيل من أله يله , اذا عبد تألها , أي استحق العبادة و منه سمت العرب الأصنام آلهة, لزعمهم أنها مستحقة للعبادة , و قيل من الألهية وهي القدرة على الاختراع و التصرف في كل شيء على التمام والكمال , وقيل من ولهت اليه اذا افتقرت اليه و فزعت اليه في الشدائد , و قيل من الوله الذي هو الطرب و هو خفة تصيب الانسان من شدة الفرح , و هذه صفة ترجع الى الخلق من الفرح بشأن الخالق و عظم قدرته و سعة رحمته . و منه الواله وهو الشديد الشوق , و قيل من أله اذا تحير , و هذا أيضا يرجع الى الخلق , و قيل من لاه يلوه اذا احتجب , و قيل من لاه اذا علا و ارتفع , و قيل من أله بالمكان اذا أقام به على حالة واحدة لا تتبدل. الفائدة الخامسة : من أي شيء نقل على القول بأنه منقول . فاعلم أنه نقل من الجنس الى الاختصاص و هو من الاه , الواقع على كل معبود بحق أو باطل , لقوله تعالى : " اجعل لنا الاه كما لهم آلهة " , ثم أدخلت عليه الألف والام فصار اسما خاصا بالباري جل وعلى , و الصحيح خلافه , أي غير منقول .
الفائدة السادسة : في أصله . فيه أربعة أقوال : قيل اله وقيل ولاه , وقيل لوه و قيل ليه . أما على القولين الأخيرين تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله , قلب ألفا فصار لاه , ثم أدخلت عليه الألف و اللام فصار اللاه , فأدخلت اللام في اللام فصار الله تعالى , ففيه على هذا خمسة تصاريف فلا نطيل بها . وأما على القولين الأولين وهو الاه و ولاه فان الواو تقلب همزة كما تقلب في وشاح و وسادة , ثم أدخلت الألف واللام ثم حذفت الهمزة تخفيف على غير قياس أو على قياس النقل ثم تدغم ثم تفخم .
ففيه ستة تصاريف على القول الأول , وخمسة على الثاني . الفائدة الثامنة : في معنى الألف واللام فيه . ففيه أربعة أقوال : التعريف و التعظيم والتعويض و العهد . أما التعويض , فمن الهمزة والواو بعد نقله الى الهمزة المحذوفين في لاه و ولاه المتقدم ذكرهما . و اما العهد , أي الالاه الذي عهدت منه الألوهية , و لا يجوز أن تكون للجنس و يلزم الكفر و فليتنبه . (التنبيه الثالث ) فيما يتعلق بالرحمان :
الفائدة الأولى في معناه , فاختلف في معنى الرحمان و الرحيم , قيل مترادفان و قيل لا , و اختلف على هذا القول في معناهما , قيل ترك العقوبة لمن يستحقها , و قيل معناهما ذو الرحمة , نظيرهما ندمان و نديم , و سلمان و سليم , واختلفوا في معنى الرحمة , قيل هي ارادة الانعام و الاحسان , وقيل نفس الانعام والاحسان , و تظهر ثمرة الخلاف في القائل في الدعاء " اللهم اجعلنا في مستقر رحمتك " , فعلى الأولى لا يجوز , لأن ارادة الله تعالى صفة قائمة بذاته قديمة أزلية , فلا تحلها الحوادث و لا العوارض , و على الثاني يجوز , فان نفس الانعام و الاحسان الجنة . و على القول بأنهما غير مترادفين بل متباينان , فاختلفوا فيهما على ثلاثة أقوال : قيل الرحمان في الدنيا و الآخرة , و الرحيم في الآخرة فقط . و قيل الرحمان لجميع خلقه و الرحيم لعباده المؤمنين خاصة , فالرحمان على هذين القولين أعم . و قيل الرحمان لأهل السماء و الرحيم لأهل الأرض , فلا عموم و لا خصوص على هذا القول . فرحمته لأهل السماء بأن رزقهم الطاعات و جنبهم الآفات و قطع عنهم الطعام و اللذات , و رحمته لأهل الأرض بأن أرسل اليهم الرسل و أنزل عليهم الكتب .
الفائدة الثانية في وزنه , فوزنه فعلان كندمان و سكران من أوزان المبالغة , فان زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى . الفائدة الثالثة , هل هو صفة أو علم قولان , و صحح قوم كونه صفة . الفائدة الرابعة , هل هو عربي أو عجمي قولان , و الصحيح أنه عربي . الفائدة الخامسة , في معنى الألف واللام فيه قولان , قيل للتعريف و قيل للعهد , معناه الرحمان الذي عهدت منه الرحمة . الفائدة السادسة , هل هو منصرف أو غير منصرف قولان , و الصحيح أنه غير منصرف للعلمية و زيادة الألف والنون . الفائدة السابعة , في تسمية غير الله به قولان , و الصحيح لا يجوز تسمية غير الله تعالى به و كذلك الرحيم معرفا على المشهور , و كذلك الرب معرفا أيضا , و أما مع التنكير , فالصحيح الجواز في الأخيرين و الخلاف في رحمان , و أما الله تعالى فلا تجوز التسمية به اجماعا .
و الحاصل , أسماء الله تعالى على ثلاثة أقسام : قسم لا يجوز التسمية به باتفاق , و هو الله تالى