صدر النظم بعد البسملة الشريفة بالحمدلة الكريمة المنيفة سلوكاعلى جادة منهاج الأمة , و عملا بالكتاب و السنة , و غير خاف ان الاتيان بالتسمية على قصد الاتباع تبركا و تيمنا حمد تام و ذكر عام , لكن المقتصر عليها لا يسمى حامدا عرفا , فأتي به لذلك و امتثالا لقوله صلى الله عليه و سلم : "ان الله عز و جل يحب ان يحمد ", رواه الطبراني و غيره . و أخرج الديلمي عن الأسود بن سريع مرفوعا , ان الله عز وجل يحب الحمد , يحمد به ليثيب حامده , و جعل الحمد لنفسه ذكرا و لعبده ذخرا . و روى البيهقي و غيره , بسند رجاله , ثقات , لكن فيه انقطاع , عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الحمد رأس الشكر , ما شكر الله عبد لا يحمده . و روى الطبراني في الأوسط , بسند فيه ضعف عن النواس بن سمعان , قال :"سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليهه وسلم الجدعا , فقال : "لان ردها الله علي لأشكرن ربي ", فردت , فقال : "الحمد لله ". فانتظروا هل يحدث صوما أو صلاة , فظنوا أنه نسي , فقالوا له ذلك فقال : " ألم أقل الحمد لله ". و روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : " الحمد لله كلمة الشكر , فاذا قال العبد الحمد لله , قال الله تعلى شكرني عبدي . و في صحيح مسلم , عن أبي مالك الأشعري مرفوعا , "الحمد لله تملأ الميزان ". و روى أبو داوود و النسائي و غيرهما عن أبي هريرة مرفوعا , "كل أمر ذي بال لا يبتدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ". وروي بالتعريف و بالضم و بالكسر , و معنى أقطع ناقص , على طريقة التشبيه البليغ , أي ناقص البركة , اما حسنا أو معنى , كنقصان الحيوان المقطوع أحد الأعضاء بالنسبة الى الكامل . و قد اختلف المتكلمون في تعريف الحمد على أقوال , و الذي اختاره التفزتاني هو الثناء بالكلام على قصد التعظيم , سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها . و الشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما , سواء كان نطقا باللسان أو عملا و خدمة بالأركان , أو محبة و اعتقاد بالجنان . فعلم من الحديثين أن كلا منهما أعم من الآخر من وجه , و أخص منه من وجه آخر . فالحمد أخص من الشكر موردا , فانه لا يقع الا باللسان و أعم متعلقا فانه يقع على السراء و الضراء . و الشكر أعم موردا لأنه يقع باللسان و بالأركان و بالجنان و أخص منه متعلقا , لأنه لا يقع الا على السراء , و هذا مذهب الجمهور . و ذهب سيبويه و ثعلب الى ترادفهما . و اعلم أن الحمد من المصادر التي سدت مسد الأفعال , و بيانه أن الأصل في قولنا "الحمد لله " , حمدت حمد الله , بجملة فعلية . و الجملة الفعلية تدل على التجدد و الانقطاع ان كانت ماضية , و على التجدد و الاستمرار ان كانت استقبالية , و المقام هنا يقتضي الثبوت و الاستقرار , و الموضوع لذلك الجملة الاسمية . فحول الاسناد فرار من هذا العارض , فحذفوا الفعل , فبقي حمد الله بنصب حمد , فاحتيج اذا الى تقدير عامل يعمل فيه , لأنه منصوب و النصب أثر , فلا بد له من مؤثر لاستحالة وجود أثر بلا مؤثر . فقدر له فعل ينصبه و المقدر في حكم المنطوق به , فتصير الجملة بذلك فعلية . فرفعوا حمدا و قالوا حمد لله , على أن حمد مبتدأ و لله خبره , فلزمهم الابتداء بالنكرة بغير مسوغ , فأدخلوا الألف واللام و قالوا الحمد لله , و استفيد من ذلك حصر المبتدا في الخبر , و معناه أن المحامد كلها لله عز وجل . و بيانه أن المحامد أربعة , حمدان قديمان و حمدان حادثان . فالقديمان وصفه و الحادثان فعله , لقوله تعالى " و الله خلقكم و ما تعملون ". فثناء العبد على مثله ,و ربه بخلقه تعالى , و ثناء الحق على ذاته الكريمة و صالح عباده بكلامه القديم المنزه عن التغيير بوصفه تعالى . و حكمه الوجوب في العمر مرة بقصد أداء الواجب , كالنطق بالشهادتين , و لو في حق المسلم الأصلي , و ما زاد على ذلك فمستحب . (فائدة) وقع الخلاف في أفضل المحامد , فقيل أفضل ما حمد الله تعالى به الحمد لله , بجميع محامده كلها , ما علمت منها و ما لم أعلم , على جميع نعمه كلها ما علمت منها وما لم أعلم , و زاد بعضهم , عدد خلقه كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم . و قيل أفضلها , الحمد لله حمدا يوافي نعمه و يكافي مزيده , لما ورد أن الله تعالى لما أهبط آدم عليه السلام الى الأرض , قال "يا رب شغلتني بكسب يدي , فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح ". فأوحى الله تعالى اليه ان قل ثلاث مرات عند الصباح و عند كل مساء , " الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه و يكافي مزيده , فقد جمعت لك جميع المحامد " . و قيل أفضل المحامد " اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". و ثمرة الخلاف تظهر في بر من حلف ليثنين على الله تعالى بأفضل الثنائات , فالأولى أن يأتي بجميعها لتعارض الأحاديث فيها , و ان أتى بواحد منها , أو بلا اله الا الله بر , لقوله عليه السلام " أفضل ما قلته أنا و النبيون من قبلي لا اله الا الله ", و الله أعلم . و الخلاف أيضا في أفضلها , هل المطلق و به قال الشافعي رحمه الله تعالى , لصدقه على جميع المحامد كلها . و قال مالك رحمه الله تعالى المقيد أفضل من المطلق , كما يرى أيضا أن المقيد بالاثبات أفضل من المقيد بالنفي , مستدلا بكثرة وروده في القرآن , و لأنه يثاب عليه ثواب الواجب , لأن الغالب عليه وقوعه في مقابلة نعمة . و لذلك قيد الناظم الحمد هنا بقوله , عفى الله عنه , الذي أورثنا كتابه , اشارة الى قوله تعالى "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها ", الآية . أورثنا , أي أدخلنا و أعطانا و منحنا وتفضل علينا بكتابه , الذي معناه " لا اله الا الله" , جيل عن جيل و أب عن أب من غير مشقة و لا تعب فضلا منه و منة و اصطفاء . كتابه , قال في مفتاح الجنة : واعلم , اسم الكتاب يطلق على كل ما أمر الله تعالى به أو نهى عنه أو أخبر به بالوحي . فمن الكتاب أخذت علوم الأولين والآخرين , وعبر على أشرافها في مراتب الدين و اليقين و علو التمكين , واتفق جميع العلماء أن ذكر الله تعالى أعلاها و أولاها , و أطهر للنفوس و أزكاها . ألا ترى الى ما قدمنا من معنى قوله تعالى " وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر و لذكر الله أكبر ", انتهى كلامه. قلت , وأعلى الذكر " لااله الا الله ", كما سيأتي بيان ذلك . و لحديث " أفضل ما قلته أنا و النبيئون من قبلي لا اله الا الله ", و فيه براعة الاستهلال و هي كما قال الصفي الحلي , و هو أن يكون المطلع دالا على ما بنيت عليه القصيدة , كقول أبي تمام , " السيف أصدق انباء من الكتب ", لما كان بناؤه على ذكر الفتح و التحريض على الحرب , الخ. و هنا لما كان النظم محتويا على بعض ما يتعلق بمعنى " لا اله الا الله "و الجلالة , قال الحمد لله الذي أورثنا كتابه , مشيرا الى المعنى المتقدم ذكره , أي أورثنا " لا اله الا الله " التي هي معظم معنى الكتاب المذكور , بل كله . قال الغزالي , رحمه الله تعالى في كتابه جواهر القرآن و درره : سر القرآن و لبابه الأصفى و مقصده الأقصى , دعوة العباد الى الجبار الأعلى , رب الآخرة و الأولى , و خالق السماوات العلى و الأراضين السفلى و ما بينهما و ما تحت الثرى , الخ . و هذا معنى لااله الا الله , لقوله عليه السلام : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لااله الا الله " , الحديث . و لما كانت الآية المتقدم ذكرها منجية الى الذكر , قال المفسرون , الظالم لنفسه هو ذاكر الله تعالى على الغفلة , و المقصد تارة بتارة , و السابق بالخيرات باذن الله هو القائم بمعنى الذكر الموفق لشرطه . ثم شملتهم العناية بقوله تعالى "جنات عدن يدخلونها " . و قال في اللباب : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية , فقال : " سابقنا سابق و مقصدنا لاحق و ظالمنا مغفور له " . و لهذا الحديث قال في الحكم : لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه , لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره , فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود يقظة , و من ذكر مع وجود يقظة الى ذكر مع وجود حضور , و من ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور , و ما ذلك على الله بعزيز . (تنبيه) انما قدم الظالم لنفسه على السابق , مع أن السابق أفضل ذكر, في كنز اليواقيت ثمانية أقوال , و ذكر ابن العربي في القانون أربعة عشر قولا , منها : لئلا يقنط من رحمة الله تعالى , و منها لئلا يجتمع عليه همان , هم الجفا و هم التأخير . و منها أنه مسيء و الكريم الربا يحسن للمحسن و المسيء , و منها أنه منكس الرئس حياء من جرمه , فلما تنكس رأسه رفعه الله تعالى . فائدة : انما قال أورثنا دون غيره , نحو أعطينا , ففيه أقوال . منها : الميراث لا ينتزع بخلاف العطية , ومنها الميراث يكون بالهناء دون التعب و العناء بخلاف غيره , و منها الميراث يشترك فيه العاصي و المطيع , و الكتاب يشترك فيه الظالم و المقتصد و السابق , الخ . و من أراد استيعاب ذلك فعليه بالمطولات . قوله و حصنه أدخلنا , اشارة الى ما رواه ابن النجار سند يعمل به , عن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم , يقول الله تعالى لااله الا الله حصني , فمن دخله أمن من عذابي " . و روى ابن النجار أيضا بسند يعمل به عن أنس بن مالك رضي الله عنه , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز و جل لا اله الا الله حصني من دخلها أمن من عذابي , و معنى دخولها التحقق بها و بموجبها من توحيد الله تعالى الواقع لعوام المؤمنين , المحصل لاعتقاد أن الله تعالى واحد لا شريك له و لخواصهم , كافر اذا لحق تعالى بالقصد والوجهة و الايثار على ما عداه , و الاعراض عند ملاحظة عظمة الذات عما سواه تعالى , لأن التوحيد ينقسم على ثلاثة أقسام .
تقليدي و نظري و ذوقي . فالتقليدي هو الظاهر الذي يعصم الدماء الا بحقها , واما النظري , " أفلا تنظرون الى الابل كيف خلقت " , الآية . و أما الذوقي فله مراتب سبعة . فالأولى منها تفيد حسن الابتداء بالباطن لنيل المذاق , و الله تعالى يحب ذاته بصفاته , و صفاته بأفعاله , و أفعاله بما اشتملت عليه طباع الانسان من الركون الى المألوفات , انتهى , من الساحلي باختصار . (تنبيه) انما كانت " لا اله الا الله " حصنه تعالى , فان معنى الحصن , كما في القاموس , كل موضع حصين لا يوصل الى جوفه , لأنها مشتملة على صفة الألوهية , و صفة الألوهية جامعة لكل كمال , مانعة لكل النقائص و الأرذال , و كمالاته تعالى لا نهاية لها و لا يوصل اليها , أي الى منتهاها . و قوله " أمن من عذابي " , قالوا الدنياوي و الأخراوي . أما الدنياوي , فهو عصمة الدماء و الأموال و غيره , و قيل كل كرب و كل محنة و آفة لعموم اللفظ , فان من دخلها , أي تحقق بها و امتزجت مع دمه و لحمه , كما أشار اليه السنوسي , فانه يرى لها من الأسرار و العجائب ما لا يدخل تحت حصر . منه ما يمنعه الله تعالى من كل عذاب دنياوي و غيره . قال عليه السلام " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله , فاذا قالوها عصموا مني دمائهم و أموالهم الا بحقها ", الحديث . فلا شك أن عصمة الدماء و الأموال أمان من عذاب دنياوي , و كذلك ما شوهد من الداخلين في حصن لا اله الا الله من البركات و العافيات و النجاة من المكاره , ما لا ينكره الا ضعيف يقين و الحمد لله رب العالمين . و من ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا اله الا الله تدفع عن قائلها سبعة و سبعين بابا من البلاء , أدناها الهم , رواه الديلمي بسند يعمل به في الفضائل . وأما الأخراوي , فهو النجاة من النار و النكال , لما رواه أبو نعيم في الحلية بسند يعمل به , عن عمر رضي الله تعالى عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , انني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا الا حرم على النار , لا اله الا الله " . و مما أخرجه ابن حبان بسند صحيح عن عثمان عن عمر رضي الله تعالى عنهما , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم , اني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبهه فيموت على ذلك , الا حرمه الله تعالى على النار " . و الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة لا تحصى . فتبين أن الدخول في حصنها أمن من عذاب الدارين بفضله تالى , جعلنا الله تعالى بمنه من الداخلين في حصنها بجوده , آمين . ثم قال عفا الله عنه , و لما كانت محبته صلى الله عليه و سلم حياة النفوس و نجاة من كل محنة و بؤس , كانت الصلاة التي هي علامتها زينة المحاضر و الطروس و مرقاة لمرضاة الملك القدوس , كمل ثنائه بعد البسملة و الحمدلة بالصلاة و السلام على خير البرية , فقال :

( ثم الصلاة و السلام أبدا على النبي الهاشمي أحمدا )

امتثالا لأمر الله و عملا بسنة رسول الله , قال تعالى : " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما " . و قال عليه السلام : " من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب " , و قال عليه السلام : " كل كلام لا يبدأ فيه بالصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة " . و للاجماع أيضا , قال القاضي عياض, رحمه الله تعالى , في الشفا : " وقع الاجماع على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الرسائل و بعد البسملة , و لم يكن هذا في الصدر الأول , و انما أحدث في زمن بني هاشم , فمضى عليه عمل الناس في أقطار الأرض في سائر الأعصار و الأمصار " , انتهى . و معنى الصلاة من الله تعالى رحمة , و من الملائكة استغفار , و من غيرهم دعاء على المشهور المأثور . و هل معنى الرحمة ارادة الاحسان أو نفس الاحسان . قولان قد تقدما , و قيل معناها الرحمة و زيادة الاكرام و الانعام . فمعناها على هذا , اللهم زده اكراما على اكرام و انعاما على انعام . و قال الحليمي في الشعب , معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه . فمعنى قولنا اللهم صل على سيدنا محمد , أعظم محمدا. و المراد تعظيمه في الدنيا باعلاء ذكره و اظهار دينه و ابقاء شريعته , و في الآخرة باجزال مثوبته عنده و تشفيعه في أمته , و ابداء فضيلته في المقام المحمود . و على هذا , فالمراد بقوله تعالى صلوا عليه , ادعوا ربكم في الصلاة عليه . و قيل الصلاة من الله على محمد , تشريف و زيادة تكرمة , و الصلاة من الله على غير محمد رحمة , و من الملائكة دعاء و استغفار , و من العباد عبادة , و حكمها أنها تجب كل ما ذكر صلى الله عليه و سلم , و به قال الطحاوي و جماعة من الحنفية , و الحليمي و جماعة من الشافعية . و قال به اللخمي من المالكية , و بن بطة من الحنابلة . و قال ابن العربي من المالكية , هذا هو الأحوط . و قيل تجب في كل مجلس مرة و لو تكرر ذكره فيه مرار , حكاه أبو عيسى الترمذي عن بعض أهل العلم . و قيل تجب في العمر مرة , كانت في الصلاة أو في غيرها ككلمة التوحيد , قاله أبو بكر الرازي من الحنفية . و قيل يجب الاكثار منها بغير تقييد بعدد , قاله أبو بكر ابن بكير من المالكية . و قيل تجب في الصلاة من غير تعيين عن أبي جعفر الباقر . و قيل في التشهد فقط , عن الشعبي و ابن رهاوية . و قيل في كل دعاء , و قيل غير ذلك . و قال ابن عطية في تفسيره : " الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها الا من لا خير فيه " , انتهى . و أما استحبابها , فقد ورد النص بمواطن منها يوم الجمعة و ليلتها , و يوم السبت و الأحد و الخميس , و عند زيارة قبره عليه السلام , و عند الصباح و المساء , و عند دخول كل مسجد و عند الخروج منه و في التشهد الأول عند الشافعية لذكر النبي فيه , و في الأخير عند المالكية فبل الدعاء , وفي خطبة الجمعة و غيرها من الخطب , و عقب اجابة المؤذن , و عند الاقامة و أول الدعاء و وسطه و آخره , و عقب دعاء القنوت عند الشافعية و الحنفية , و في صلاة الجنازة , و عند كل اجتماع و كل افتراق , و عند الوضوء و عند نسيان الشيء , و بعد العطاس على أحد قولين , و عند الوعض و نشر العلم و قراءة الحديث ابتداء وانتهاء , و عند كتابة السؤال و الفتيا . و لكل مصنف و مدرس و خطيب و خاطب و متزوج و مزوج , و في الرسائل و ما يكتب بعد البسملة , و منهم من يختم بها الكتب و بين سائر الأمور المهمة " . و أما كراهتها ففي سبعة مواضع و هي : الجماع و حاجة الانسان و شهرة البيع و العثرة و التعجب و الريح و العطاس , على خلالف في الثلاثة الأخيرة . و ألحق بعض العارفين الأماكن القذرة و أماكن النجاسة , انتهى , من الفاسي باختصار . قوله "والسلام" , عطف على الصلاة لكراهة افراد أحدهما عن الآخر , و هو لغة كما قال الجوهري , السلامة و الاستسلام , واسم من التسليم و اسم من أسماء الله تعالى , و بالكسر و الفتح أيضا . شجر الواحدة سلامة و سلامة بالكسر , و السلام البراءة من العيوب في قول أمية , انتهى . قال عبد الرؤوف ابن المناوي , و السلام كالسلامة , التعري من الآفات الظاهرة و الباطنة المنافية للكمال و و حقيقة ذلك و كماله لا يكون الا في الجنة , لأن فيها بقاء بلا فناء , و غنى بلا فقر , و عزا بلا ذل , و صحة بلا سقم . و قيل معناه الأمان , و حقيقته زيادة تأمين له و طيب تحية و اعظام . فمعنى اللهم سلم عليه , اللهم زده أمانا على أمان و طيب تحية على طيب تحية و اعظاما على اعظام . (تنبيه) هل زيادة الاكرام و الانعام في الصلاة , و زيادة التحية و الاعظام في السلام , متوقف على دعاء العباد له صلى الله عليه و سلم . و الحق أنه لا يتوقف عليه , و انما عظمه الله تعالى و أنعم عليه و زاده قبل وجود العباد , فضلا عن دعائهم له صلى الله عليه و سلم . فان قيل ما فائدة التخصيص بالدعاء بالصلاة و السلام عليه , صلى الله عليه و سلم , قلت ذلك تعبد الله تعالى لما يعود من نفعه عليهم من غفران ذنوبهم و رفع درجاتهم , لا نفعه صلى الله عليه و سلم , لأنه غني بربه عن خلقه , لكنه صلى الله عليه و سلم , يدخل السرور عليه بغفران ذنوب أمته و رحمتهم و الله أعلم . هل تجوز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم , لقوله عليه السلام : " اللهم صل على آل أبي و أمي " , و قوله , صلى الله عليه و سلم , " و صل على أهل طاعتك أجمعين " . خلاف , و الصحيح , تجوز بالتبعية و تكره بالانفراد و الله أعلم . فائدة : الصلاة بالألف مبدلة عن واو لفظا و بالواو كتابة الا اذا أضيف أو ثني . يقال صلاتك أو صلاتان, و قال ابن درستويه لم يثبت بالواو في غير القرآن , و هي اسم من التصلية , أي الثناء الكامل , و كذا السلام من اسم التسليم كما تقدم عن الجوهري . و قيل مصدر ثلاثي أو مزيد , و الأول أصح . و المعنى جعله الله تعالى سالما عن كل مكروه , و حياه لما يليق به . و ذكر الحطاب في شرح المختصر عن بعض المتأخرين أنه حذر من اسعمال لفظ التصلية بدل الصلاة , و قال أنه موقع في الكفر و العياذ بالله , لأن التصلية معناها الاحراق , فليتنبه . ثم ذكر أن العرب لم تفه قط في الصلاة الفعلية و لا القولية بصلى تصلية , و انما يقولون صلى صلاة . قال الجوهري : الصلاة اسم يوضع موضع المصدر . يقال صليت صلاة , و لا تقل تصليت . قلت على هذا ما نقل عن النساءي و غيره , و ما نقله الشهاب عن ثعلب و ابن عبد ربه , أنهم قالوا تصلية ضعيف , و الله أعلم . قوله أبدا , أي دائما , قال الجوهري : و الأبد أيضا الدائم , و التأبيد التخليد , و قوله على النبي المراد به محمد صلى الله عليه و سلم . فالألف و اللام عهدية للوصف الآتي بعده , و هو بالهمز و دونه مأخوذ من النبا و هو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل بها العلم , و لا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة . و النبوءة سفارة بين الله تعالى و بين ذوي العقول لازاحة عللهم في معاشهم و معادهم . (تنبيه) انما سمي النبي نبيئا , لكونه منبئا بما , أي بالأخبار و الغيوب عن الله تعالى التي تسكن اليه العقول الزكية الفاضلة , و الأخلاق الشريفة العالية المرضية , فيصح كونه فعيلا بمعنى فاعل أو بمعنى مفعل كذا ذكره بعض المحققين . و قال الحافظ أبو نعيم , سفارة العبد بين الله تعالى و بين ذوي الألباب من خليقته , و قيل النبوءة ازاحة علل ذوي الألباب فيما يقصرون عنه من مصالح الدارين , و لهذا يوصف دائما النبيء بالحجة و الهداية , ليزيح بها عللهم . فمعنى النبيء حينئذ ذو النبأ , أي الخبر , أي يكون مخبرا عن الله تعالى بما أوحى اليه , أو من النبوة بفتح فسكون , المكان المرتفع , و هو أن يخص بضرب من الرفعة , فيجعل سفيرا بين الله تعالى و بين خلقه . و من جعل النبوءة من الانباء بمعنى الاخبار , لم يفرق بين النبوءة و الرسالة . و معنى الرسول المرسل بالفتح , و ارساله أمره بالابلاغ و هو معنى النبأ الذي هو الاخبار بخلاف الأول و الله أعلم . فائدة : النبوءة التي هي السفارة لاتتم الا بخصائص أربعة يهبها الله تعالى له و هي : الفضيلة النوعية , و الفضيلة الاكرامية , و الامداد بالهداية , و التثبيت عند الزلة , و نفي خسائس أربعة و هي التي تعصم منها الأنبياء عليهم الصلاة و السلام و هي الكفر و الكذب على الله تعالى و الفسق و الجهل بأحكام الله تعالى . و معنى الفضيلة النوعية أن الملوك لا ترسل مبلغا عنها الا بكمال العقل مجملا بجميع المناقب . و لهذا لم يوجد نبيء قط فيه عاهة في بدنه , كعمى و جذام و برص و نحو ذلك , و اختلاط في عقله أو دناءة في نسبه أو خسا في أصوله أو رداءة في خلقه , و اليه يرجع قوله سبحانه وتعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته ", انتهى و الله أعلم . و قوله الهاشمي , نسبة الى جده هاشم , لأن أباه صلى الله عليه و سلم , عبد الله , و أبا عبد الله عبد المطلب , و أبا عبد المطلب هاشم الى عدنان . و قد نظمت نسبه صلى الله عليه و سلم سابقا تسهيلا للحفظ و هو :
محمد بن عبد الله انتسب و جده يعرف عبد المطلب
يعزى لهاشم الى مناف الى قصي بن كلاب الكافي