اشتمل البيت على خمسة فصول متضمنة لجواب خمس سؤالات و هي ما في الكلمة المشرفة من أقسام المد و ما من حروف المد فيها , و ما حد المد الذي فيها, و هل يجوز تركه أم لا , و ما يجب قصره فيما لا يجوز مده . فهذه خمسة من السبعة المتقدمة . فهي اثنى عشر فصلا . قوله أقسام مد , أي و ما في الكلمة المشرفة من أقسام المد . الفصل الثامن المتضمن لجواب السؤال الثامن في بيان أقسام المد , أي و ما في قول لا اله الا الله من أقسام المد . اعلم أن المد قسمه بعضهم الى ستة عشر قسما , و قسمه الشيخ خالد الأزهري في شرحه للجزرية الى أربعة عشر قسما . الأول , مد حجز كقوله تعالى : " آانذرتكم " , و سمي بذلك لدخول الألف بين الهمزتين حاجزة بينهما . الثاني , مد عدل كقوله تعالى : " و لا الضالين " , و سمي بذلك لأنه يعدل حركته و يسمى اللازم المشدد . الثالث , مد التمكين و يسمى المتصل أيضا , كقوله تعالى : " و السماء " , سمي به للتمكين من تحقيق الهمزة . الرابع , مد البسط , و يسمى المنفصل أيضا , كقوله تعالى : " بما أنزل اليك " , سمي به لأنه يبسط بين الكلمتين بساطا , أو لأنه يفصل بين الكلمتين . الخامس , مد الروم , كقوله تعالى : " هانتم " , سمي به لأنهم يرومون الهمزة و لا يحققونها , و انما يثبتونها و يشيرون اليها . السادس , مد الفرق , كقوله تعالى : " الله خير " , سمي به لأنه يفرق بين الاستفهام و الخبر . السابع , مد البنية , كقوله تعالى : " و زكرياء " , سمي به لأنه يبين بنية الممدود من المقصور . الثامن , مد البدل من الهمزة في نحو قوله تعالى : " آدم , و آمن , وايمان , و أوتوا العلم " , سمي به لأنه يبدل الهمزة الثانية من جنس حركة ما قبلها . التاسع , مد الأصل , نحو جاء و شاء , كان أصله جيء و شيء . العاشر , المد العرض المخفف , نحو نستعين , سمي به لعروض السكون في الوقف . الحادي عشر , المد الطبيعي كالألف من قال , و الواو من يقول , و الياء من العالمين , سمي بذلك لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقص المد في ذلك عن مقدار حركتها . الثاني عشر , مد لازم مخفف , نحو ص , ق , يس . الثالث عشر , مد تعظيم , كالله , سمي به لأنه أوتي به لتعظيم الجلالة . الرابع عشر , مد مبالغة , كقوله تعالى : " أنه لا اله الا الله " , سمي بذلك للمبالغة في نفي الألوهية عما سوى الله تعالى . قلت و كلها ترجع الى قسمين , أصلي و فرعي . فالأصلي هو الذي لا تقوم ذات الحرف الا به , و يعرف بالمد الطبيعي , و لا يتوقف على سبب , نحو الذين آمنوا , و عفا , و هو كل ألف قبله فتحة , و لا يكون الا ساكنا . و كل واو ساكنة فبلها ضمة , و كل ياء ساكنة قبلها كسرة . قال بن الجزري :
فألف الجوف و أختاها وهي حروف مد الهواء تنتهي
و الفرعي خلاف ذلك , و له سببان , اما همزة و اما سكون . و المد للسكون قسمان , لازم و عارض . و المد للهمزة قسمان , واجب و جائز . فاللازم ما لزم حالة واحدة في المد عند جميع القراء , و سمي لازما للزوم سببه , و الوجب ما اجتمع القراء على مده , لكن اختلفوا في مقداره , و سيأتي بيانه , و سمي واجبا لأنه لا يجب قصره . و الجائز ما جاز مده و قصره عند جميع القراء , و العارض من قسم الجائز و حكمه مثله , و هو ما عارضه السكون للوقف , و سيأتي ان شاء الله تعالى . قال ابن الجزري :
و المد لازم و واجب أتى و جائز و هو قصر ثبتا
و المد اللازم الذي سببه السكون كما تقدم , ينقسم أيضا قسمين , الى كلي نحو الحاقة و الصاخة , و الى حرفي نحو ص و ق و ن . و المد الذي سببه الهمز ينقسم قسمين , لاحق له و سابق عليه . فالأول كآمن و ايمانا و أوتوا العلم و غيره . فلورش فيه المد و القصر و التوسط . و الثاني , و هو قسمان أيضا , الى متصل نحو جاء و سيءو ابءوا. سمي متصلا لاتصال الهمزة بحرفالمد في كلمة واحدة , و هو الوجب المتقدم ذكره , و سمي واجبا لوجوب مده عند القراء , و انما الخلاف في مقداره كما تقدم . و الى منفصل , و هو ما كان حرف المد في آخر كلمة و الهمزالذي هو سببه في أول كلمة أخرى , نحو أتى أمر الله , و هو من المد الجائز لاختلاف القراء فيه . فمنهم من لا يرى فيه الا المد و هو ورش و حمزة و عاصم و ابن عامر و الكسائي . و منهم من لا يرى فيه الا القصر , و هو ابن كثير و السوسي . و منهم من يرى الوجهين , و هو قالون و الدوري . فتلخص أن في الكلمة المشرفة من أقسام المد مد المبالغة , و هو مد لا كما تقدم , و باضافة اله صار مدا منفصلا . و قد عرف أن المد المنفصل من أقسام الجائز لاختلاف القراء فيه على ما تقدم . و في اله المد لأنه لحق سببه الذي هو الهمزة و هو من الجائز أيضا و الله أعلم , لأن الواجب خصصه ابن الجزري بقوله رحمه الله تعالى :
و واجب ان جاء قبل همزة متصلا ان جمعا بكلمة
كجاء مثلا يفهم منه الذي لا توجد فيه هذه القيود , فهو من المد الجائز , و لم أر من نبه عليه , و في حرف الاستثناء المد الطبيعي الأصلي المتقدم ذكره , و ترك النطق به لالتقاء الساكنين المتجانسين . و لذلك يظهر في الوقف و المد في الجلالة للتعظيم كما تقدم . و هو مد طبيعي أصلي , و اذا عرض له السكون للوقف صار المد لازما , أي حمل على الازم . قال الشيخ زكرياء : " و في المد للسكون المذكور ثلاثة أوجه , الطول حملا له على اللازم بجامع اللفظ , و التوسط لعروض السكون المنحط عن لزومه , و القصر بجواز التقاء الساكنين في الوقف . فاستغني عن المد , فتعين في الكلمة المشرفة أربعة أقسام , المد اثنان من الأصلي الطبيعي , و اثنان من الفرعي السببي " . و هذا معنى قوله أقسام مد , و الله أعلم . ثم قال حرفه , أي وما من حروف المد فيها . الفصل التاسع : في الجواب على السؤال التاسع , اعلم أن حروف المد ثلاثة يجمعها قولك (واي) , و تسمى حروف المد و اللين , لامتداد الصوت بها و لينه , أي سهولته . و أصل هذه الحروف الألف , لأنها لا تكون الا ساكنة و لا يكون ما قبلها الا مفتوحا . و أما الواو و الياء فلا يكونان حرفي مد الا بشرطين : أن يكونا ساكنين و أن يكون ما قبلهما حركة من جنسيهما , لأنهما لو تحركتا فلا تكونان حرفي مد , و ان كان ما قبلهما حركة غير مجانسة لهما , كذلك قال ابو العباس , و لا يمكن أن يدخل المد في هذه الحروف . و انما كان ذلك , لأن هذه الحروف أصوات و الحركات مأخوذة منها , بامتداد الصوت بها يتمكن و يسوغ فيها التطويل و التوسط و القصر , و لا يسوغ ذلك في شيء من الحروف سواهن . قال , و لذلك جاز وقوع الساكن المدغم بعدهن من أجل أن المد عوض عن الحركة و امتنع اجتماع الساكنينن اذا كانا حرفي سلامة . يعني به , و مع حرف العلة لا يمتنع اجتماع الساكنين . قال سيبويه : " و هذه الحروف الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها " . قال : " و أخفاهن و أوسعهن مخرجا الألف , ثم الياء , ثم الواو " . قال ابن الجزري :
فألف الجوف و أختاها و هي حروف مد للهواء تنتهي
يعني أن هذه الحروف ليس لها مخرج محقق , و لا حيز تنتهي اليه كغيرها من حروف الهجاء , بل مخرجها الجوف أي داخل الفم , و تنتهي بانتهاء هوائه , أي هواء الفم و هو الصوت . قال الامام شمس الدين البقري : " الجوف هو الخلاء الداخل في الفم لا حيز له محقق " . و تسمى هذه الثلاثة جوفية , لخروجها من الجوف و لأن النفس ما دام موجودا كانت موجودة , و اذا انقطع النفس انقطع المخرج . قال الشيخ زكرياء : " و تميز بتصعد الألف و تسفل الياء و اعتراض الواو بين التصعد و التسفل , و نسبت الى الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجها , و سميت حروف المد و اللين لأنها تخرج بامتداد و لين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها . فان المخرج اذا اتسع , انتشر الصوت و امتد و لان . و اذا ضاق انضغط فيه الصوت أي انحبس و صلب . و كل حرف مساو لمخرجه الا هي و لذلك قبلت الزيادة " , انتهى . حروف المد هي التي لا يتصور وجود الحروف الا بها . فاذا لو قلت مثلا ب ت ث و لم تشبع الحروف , كانوا حركات , فاذا أشبعت الحركات الثلاثة التي على الحروف , و هي الفتحة مثلا , أوالكسرة أو الضمة , تولدت من حروف المد الثلاثة لأنها تنشأ عنها اذا أشبعت و الله أعلم . فتعين أن في الكلمة المشرفة من حروف المد الألف و هو أصلها و أوسعها مخرجا كما تقدم . و هذا معنى قوله أقسام مد حرفه , أي ما حرف المد الذي في لا اله الا الله , ثم قال ما حده , أي السؤال العاشر و ما حد المد فيها . الفصل العاشر : في جواب على حد المد في الكلمة المشرفة , أي مقداره . اعلم أن الأصل في المد ما أخرجه سعيد ابن منصور في سننه , قال : " حدثنا شهاب بن خراش , حدثني مسعود بن يزيد الكندي , قال : كان ابن مسعود يقرىء رجلا , فقرأ الرجل " انما الصدقات للفقراء و المساكين " , مرسلة , فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال كيف أقرأها يا عبد الرحمان . قال اقرأنيها " انما الصدقات للفقراء و المساكين " , فمدها . هذا حديث جليل في الباب أخرجه الطبراني في الكبير . و المد عبارة عن زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي , و هو الذي لا يقوم ذات حرف المد دونه , و القصر ترك الزيادة و ابقاء المد الطبيعي على حاله . و حروف المد الألف مطلقا و الواو و الياء بشرطين كما تقدم . و سببه لفظي و معنوي . فاللفظي اما همز أو سكون . فالمد يكون بعد حرف المد و قبله . فالثاني نحو آدم و آمن و اله , و الأول ان كان معه في كلمة واحدة فهو المتصل , نحو أولئك , يشاء الله , السوءى , كما تقدم . و ان كان حرف المد آخر كلمة و المد أول كلمة أخرى , فهو المنفصل , نحو يا أيها , قالوا آمنا و لا اله . و وجه المد لأجل الهمزة ان كان حرف المد خفي و الهمز صعب , فزيد في الخفي ليتمكن من النطق بالصعب و السكون , و ان تقدم , لكن زيادة بيان ينفع وجودها و لا يضر سقوطها . اما لازم وهو الذي لا يتغير في حاليه , نحو الضالين و دابة و أ لم , أو عارض و هو الذي يعرض للوقف و نحوه , نحو العباد و الحساب و نستعين و يوقنون . حالة الوقف , و فيه هدى , و قال لهم , و يقولون ربنا . حالة الادغام و وجه المد للسكون التمكن من الجمع بين الساكنين , فكأنه أي المد قام مقام حركة. و قد أجمع القراء على مد نوعي المتصل و ذي الساكن اللازم , و ان اختلفوا في مقداره و اختلفوا في مد النوعين الأخيرين , و هما المنفصل و ذو الساكن العارض , و في قصرهما . فأما المتصل فاتفق الجمهور على مده , قولا واحدا مشبعا من غير افحاش . و ذهب آخرون الى تفاضله كتفاضل المنفصل . فالطول لحمزة و ورش , و دونها لعاصم , و دونها لابن عامر و الكسائي , و خلف دونها لأبي عمرو و الباقين , و ذهب بعضهم الى تفاوته . و أما المنفصل , و يقال له مد الفصل , لأنه يفصل بين الكلمتين , و مد البسط و مد الاعتبار لاعتبار الكلمتين من كلمة , و مد حرف بحرف أي مد كلمة لكلمة , و المد الجائز من أجل الخلاف في مده و قصره . فقد اختلفت العبارات في مقدار مده اختلافا لا يمكن ظبطه . و الحاصل أن له سبع مراتب : الأولى , القصر و هو حذف المد العرضي و ابقاء ذات حرف المد على ما فيها من غير زيادة , و هي في المنفصل خاصة لأبي جعفر و ابن كثير , و لأبي عمرو عند الجمهور . الثانية , فويق القصر قليلا و قدرت بألفين و بعضهم بألف و نصف , و هي لأبي عمرو في المتصل و المنفصل عند صاحب التيسير . الثالثة , فويقها قليلا و هي التوسط عند الجميع , و قدرت بثلاث ألفات , و قيل بأفين و نصف و بألفين على أن ما قبلها بألف و نصف , و هي لابن عامر و الكساءي في الضربين عند صاحب التيسير . الرابعة , فويقها قليلا و قدرت بأربع ألفات , و قيل بثلاث و نصف , و قيل بثلاث على الخلاف فيما قبلها , و هي لعاصم في الضربين عند صاحب التيسير . الخامسة , فويقها قليلا و قدرت بخمس ألفات و أربع و نصف , و بأربع على الخلاف , و هي فيهما لحمزة و ورش عنده . السادسة فويق ذلك , و قدرها الهذلي بخمس ألفات على تقدير الخامسة بأربع , و ذكر أنها لحمزة . السابعة , الافراط , قدرها الهذلي بست و ذكرها لورش . قال ابن الجزري : " و هذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه , بل هو لفظي , لأن المرتبة الدنيا و هي القصر اذا زيد عليها أدنى زيادة , صارت ثانية , ثم كذلك حتى تنتهي الى القصوى , فعلم من هذا أن الكلمة المشرفة كيفما نطق بها , جاز ما لم يخرج عن المراتب السبعة المذكورة . و أما المد العارضي فيجوز فيه لكل من القراء كل من الأوجه الثلاثة , المد و القصر و التوسط , و هي أوجه تخيير . فعلم أن الاسم الأعظم كيفما نطق به جاز ما لم يخرج به عما ذكر , أو يوصله كما تقدم . و أما السبب المعنوي , فهو قصد المبالغة في النفي , و هو سبب قوي مقصود عند العرب و ان كان أضعف من االلفظ عند القراء . و منه مد التعظيم في نحو لا اله الا الله , و لا اله الا هو , و لا اله الا أنت . و قد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى , و يسمى مد المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي الاهية ما سوى الله تعالى " . قال و هذا مذهب معروف عند العرب , لأنها تمد عند الدعاء و عند الاستغاثة و عند المبالغة في نفي شيء , يمدون ما لا أصل له بهذه العلة . قال ابن الجزري : " وقد ورد عن حمزة مد المبالغة في النفي في لا التي للتبرئة , نحو لا ريب فيه , لا شية فيها , لا مرد له , لا جرم , و قدره في ذلك وسط لا يبلغ الاشباع , لضعف سببه , نص ابن المقضاع " .
و قد يجتمع السببان اللفظي و المعنوي في نحو لا اله الا الله , و لا اكراه في الدين , و لا اثم عليه , فيمد لحمزة مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمزة , و يلغي المعنوي اعمالا للأقوى و الغاء للأضعف . قاعدة : اذا تغير سبب المد جاز المد مراعاة للأصل , و القصر نظرا للفظ , سواء كان السبب همزا أو سكونا , و سواء تغير الهمز بين بين أو بابدال أو بحذف . و المد أولى فيما بقي لتغيره اثر نحو " هاؤلاء ان كنتم " في قراءة قالون و البزي , و القصر فيما ذهب اليه , نحو " ها " في قراءة أبي عمرو . قاعدة أخرى : متى اجتمع سببان قوي و ضعيف , عمل بالقوي و ألغي الضعيف اجماعا , و يتخرج عليها فروع , منها الفرع السابق في اجتماع اللفظي و المعنوي , و منها نحو جاءوا أباهم , و رأى ايديهم , اذا قرىء لورش لا يجوز فيه القصر ولا التوسط بل الاشباع عملا بأقوى السببين و هو المد لأجل الهمز بعده , فان وقف على جاءوا , و رأى , جازت الأوجه الثلاثة بسبب تقدم الهمزة على حرف المد و ذهاب سببية الهمزة بعده , انتهى , من " الاتقان في علوم القرآن " . هذا معنى قوله ما حده و الله أعلم . فتعين في الكلمة المشرفة و في اسم الجلالة الذي هو آخرها , اذا استعملا في الذكر , يجوز فيهما الثلاثة الأوجه , و كذلك اله على ما تقدم . فمن علم ذلك فلا يعترض على ذاكرها بوجه , و الله الموفق للصواب و اليه المرجع و المئاب . قوله و هل يجوز تركه , أي ترك المد في لا اله الا الله . الفصل الحادي عشر : في الجواب على السائل هل يجوز ترك المد في الكلمة المشرفة أم لا . اعلم أنه تقدم في الكلمة المشرفة ثلاثة أمداد و الرابع لا يظهر الا عند الوقف عليه و هو الا للتقاء الساكنين المتماثلين على ما تقدم , و بقي الثلاثة أمداد . الأول منفصل , و هو مد لا التبرئة و الخلاف فيه على سبعة مراتب كما تقدم . الأول من المراتب , ترك المد و الابقاء على القصر و هو ترك المد الزائد على الطبيعي على ما تقدم . و الثاني , مد اله , و هو من المد المتصل و هو الذي سببه مد بشرط , كون السبب و حرف المد في كلمة واحدة , الا أنه أي الهمز تقدم على حرف المد فهو من الجائز على ما تقدم من الخلاف فيه . قال في " الاتقان في علوم القرآن " : " و قد أجمع القراء على مد نوعي المتصل و ان اختلفوا في مقداره " , الخ . نعم نوعا المتصل هو ما تقدم , السبب فيه نحو آدم و آمن و اله , وما تأخر نحو جاء و شاء و سيء . فاتفق الجمهور على المد فيهما مشبعا من غير افحاش , و ذهب آخرون الى تفاضله فيها كتفاضل المنفصل , و كل ذلك تقدم في الفصل قبل هذا . و الثالث مد الجلالة , و هو لا يسقط بحال لأنه مد طبيعي و يعرض له الطول و التوسط و القصر لأجل السكون العارض للوقف كما تقدم تفصيل ذلك كله , و سيأتي الكلامليه ان شاء الله تعالى , لأن بعض العرب نطقت به في أشعارها من غير مد أصلا . و هل ينعقد به الذكر أم لا , يأتي ان شاء الله تعالى . فتعين جواز ترك المد في الكلمات الثلاث في لا اله الا الله , فتلخص أن الكلمة المشرفة كيفما استعملت جاز , و من هذا قيل مهما قل العلم كثر الاعتراض و العكس بالعكس و الله أعلم . قال في الجوهر الخاص , أن للعلماء في كلمة لا اله الا الله ثلاثة أقوال , أحدها استحباب المد لقوله صلى الله عليه و سلم : " من قال لا اله الا الله مادا بها صوته دخل الجنة " , و قوله : " يغفر الله للمؤذن مادا صوته " . و الثاني , استحباب القصر خوفا من فجأة الموت في النفي . و الثالث و ان كافرا استحب له القصر لألا يموت قبل اتمامها , و ان كان مسلما استحب له المد كالمؤذن . قوله ما قصره , أي ما يجب قصره فيما لا يجوز مده . الفصل الثاني عشر : في الجواب على قول السائل و ما جب قصره فيما لا يجوز مده من لا اله الا الله , اعلم أن الذي يجب قصره مما لا يجوز مده فيها , الهاء من اله , لأنه اذا مد عليها صار مثنى , و الألف من الا أيضا للتقاء الساكنين و فقد سبب المد , قاله في الجوهر الخاص . قلت , و لا خصوصية لهذين الحرفين , فان كل حرف مقصور على معناه , اذا زيد عليه المد خرج عن معناه . فان الهمزة من اله اذا مد عليها خرجت عن معناها , فيجب القصر عليها , و كذلك الهمزة من الا فاذا مد عليها خرجت عن معناها . و كذلك الهمزة المبتدأ بها اسم الجلالة اذا مدت صارت استفهاما , الا الهاء منه في الوصل , فانها لا تخرج عن المعنى في الحركات الثلاث , بل وفي السكون . ففي النصب تشير الى الشهود في الاصطلاح عند أهل الاشارات بالهاء التنبيهية , و في الرفع الى الهوية المطلقة , و في الخفض الى الذات المشرفة , و في السكون الى الفناء عن الفناء و الله أعلم , و هذا معنى قوله ما قصره . قال عفى الله تعالى عنه :

( و هل يجوز ابدال الهمزة بيا تلاوة ذكرا كمد الا بيا )

اشتمل البيت على ثلاث سؤالات على لا اله الا الله . الأول , هل يجوز ابدال الهمزة ياء من لا اله , و من الا الله بعد فتح الهاء عند تلاوة القرآن أم لا . الثاني , هل يجوز ذلك في الذكر أم لا . الثالث , هل يجوز مد همزة الا الله المكسورة أم لا . و يجاب عليها أيضا في ثلاثة فصول مع الاثني عشر فصلا السابقة , فهي خمسة عشر فصلا . قوله و هل يجوز ابدال الهمزة بيا تلاوة . الفصل الثالث عشر , في الجواب على قوله و هل يجوز ابدال الهمزة ياء من لا اله و من الا الله في تلاوة القرآن أم لا . اعلم أنه يجوز ذلك عند جميع القراء لأنها تصيرالكلمة لا يلاه يلله , و هذا خلاف ما أنزل الله تعالى في كتابه و كلامه الفصيح . تنبيه : انما سأل السائل عن جواز ابدال الهمزة ياء في الكلمة المشرفة لأنهما , أي الهمزة و الياء من حروف الابدال . قال ابن مالك :
حروف الابدال هدأت موطيا فأبدل الهمزة من واو ويا
فلجواز ابدال الهمزة بالياء و العكس سأل , لكن لما لم تتوفر شروط الابدال في لا اله الا الله التي اشار اليها بقوله :
و افتح ورد الهمزيا فيما أعل لا ما و في مثل هراوة جعل
الخ , قلنا لا يجوز ذلك عند جميع القراء كما تقدم . قلت , و ذكر الامام تاج الدين ابن عطاء الله رحمه الله تعالى في مفتاح الفلاح في اشتقاق اسم الجلالة , أن اله أصله ولاه بالواو , فأبدلت همزة , كما قالوا في وشاح أشاح مثلث الفاء . و الوله هو المحبة الشديدة , و كان يجب أن يقال مألوه كما يقال معبود الا أنهم نقلوه كما قالوا في مكتوب كتاب و محسوب حساب , انتهى كلامه . فحينئذ لا مرية في جواز ابدال الواو ياء للقواعد المقررة في قواعد التصريف . فعلى هذا ما يسمع من أكثر العوام كأهل البدو , خصوصا الجبليين منهم , و أكثر النساء من الحاضرة و البادية . ابدال الهمزة ياء من اله و عدم حسن النطق بها لا ينكر عليه أشد نكير اذا لم يكن أهلا للتعليم , و لا يحكم له بعدم الانتفاع بها و الثواب عليها , بل يثاب عليها و يكفيه قدرته على النطق بها كيف ما كان , يؤيد هذا حديث الامة التي سألها صلى الله عليه و سلم عن الرسالة , أشارت اليه و سألها عن الألوهية أشارت الى السماء , فقال صلى الله عليه و سلم : " اعتقها فانها مؤمنة " . فاكتفى منها صلى الله عليه وسلم بما وسعها من غير زيادة عليه و الله أعلم . فان قلت ان من لا يحسن النطق بها فلا يحسن الوقوف على معناها غالبا , و ما ذكرتم من الثواب و الانتفاع منوط بالمعنى . و قد ذكر في المعيار الامام أبو العباس الونشريسي جواب فقهاء بجاية , سيدي أحمد ابن عيسى و سيدي عبد الرحمان الوغليسي فيمن ينطق بالشهادتين يصلي و يصوم , و قد نشأ بين أظهر المسلمين و لم يقف لهما على معنى , و انما رأى الناس يقولون فقال , و رآهم يفعلون ففعل , فقال , أي علماء بجاية المذكورين , مثل هذا لا يضرب له في التوحيد بسهم , و لا يفوز منه بنصيب و لا ينسب الى الايمان و لا الى الاسلام , بل هو من جملة الهالكين و زمرة الكافرين , و حكمه حكم المجوسي في جميع أحكامه الا في القتل , فانه لا يقتل الا اذا امتنع من التعليم . هذا ملخصه باختصار و تمامه في الكتاب المذكور . قلت نعم و لابد من معرفة التوحيد فقط من الكلمة الكريمة مع التفرقة بين الرسالة و الألوهية , كما في حديث الأمة المذكورة سابقا و لو بالتقليد و الا فلا . و لا يشترط في حق هذا معرفة اندراج العقائد فيها و غيره , لأن معرفة ذلك فرعية و الله أعلم . و قد علمت الخلاف في ايمان المقلد , و لكن الذي عليه المعول صحيح معتبر كما هو معلوم في كتب الكلام . قال في بدا الأمالي :
و ايمان المقلد ذو اعتبار بأنواع الدلائل كالنصال