أحد من أصحابه تقبيل يديه حملا لهم على عدم التكلف. و أما صلة الرحم فإنه يصل رحمه الديني (شيوخه) و الطيني (أحبابه)، يقضي حوائجهم و يتفقد أحوالهم و يكرم مثواهم و يكسب معدومهم و يعينهم على نوائب الدهر. لا يحب من ينسب إليه شيئا فإذا صدر عنه شئ من محاسن الأعمال يسنده إلى مجهول، فيقول وقع لبعض الناس، فلا يسمي نفسه. لا يحب من يمدحه بمحضره و لا يحب الظهور و لا من يتعاطاه. يحب آل البيت النبوي المحبة العظيمة و يهتم بأمورهم، يحرص على إيصال الخير إليهم، يتواضع لهم أشد التواضع و ينصحهم و يذكرهم و يرشدهم إلى التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه و سلم و العمل بسنته، و يقول الشرفاء أولى الناس بالإرث من رسول الله صلى الله عليه و سلم. كان رضي الله عنه يمنع بعض أصحابه من أن يتزوجوا بالشريفات، مخافة أن يقع منهم ما يغضبهم و يسوءهم فتغضب بذلك فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و سلم و يغضب أبوها صلى الله عليه و سلم، (الحديث هو: "فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها و يبسطني ما يبسطها")، ثم إن المصاهر لآل البيت قد يرى في نفسه شيئا من المساواة فيخل بهم بالوقار.

ومن مكارم أخلاقه رضي الله عنه الذكاء و الفطنة و الشجاعة و النجدة و الحنان و الشفقة و الرأفة و الرحمة و الصبر و الاحتمال و التواضع و الأدب. و من علو همته العفاف و الصيانة و الوفاء. و من فتوته الكرم و السخاء و الحلم و الأنابة و العفو و الإيثار و السعي في حوائج الأبرار. و من أدبه ما رؤي قط مادا رجله إلى القبلة و ما بصق قط و هو جالس في المسجد و لا رفع فيه صوته. و من ورعه رضي الله عنه أنه لا يأخذ شيئا و لو كان تافها مما يحتاج إليه ممن لا يتقي الحرام.

ولما فتح الله عليه رضي الله عنه كان ذكاؤه في فهمه عن الله مراده و صبره في سكونه تحت مجاري الأقدار و احتماله في قضائه الحوائج و الأوطار و شجاعته في قوة الدين و نجدته في نصرته طريق المهتدين و سخاؤه في بيع نفسه على الله و في الله و علو همته في انقطاعه إلى الله عما سواه و فتوته في وفائه به بمعاملة مولاه. كان عطوفا رؤوفا شفيقا رفيقا يحن على المسلمين و يرق للمساكين. كان كثير التواضع و الآداب و حسن الخلق و المعاشرة، رقيق القلب، رحيما بكل مسلم، متبسما في وجه كل من لقيه و كل من لقيه يظن أنه أقرب إليه من غيره. كان هينا لينا في كل شيء حتى في مشيه يذكرك قوله تعالى "و عباد الرحمن الذين يمشون على