المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه



سامر سويلم
23-08-2014, 09:14 PM
سيدي أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه


هو أحد كبار أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري، يقول ابن خلكان: "هو طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى بن علي البسطامي الزاهد المشهور، كان جده مجوسيا فأسلم وكان له أخوان زاهدان عابدان: آدم وعلي، كان أبو يزيد أجلهم". ولد العارف أبو يزيد رضي الله عنه، سنة مائة وثمان وثمانين (188 هـ) ببسطام في بلاد خراسان، في محلة يقال لها محلة موبدان –باسم أجداده رضي الله عنه– وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين ( 261هـ) عن ثلاث وسبعين سنة. ولم يثبت محل دفنه على وجه التحديد بل اشتهرت له أضرحة كثيرة في أماكن متفرقة.

تلقى العارف سيدي أبو يزيد طريقته الصوفية عن عدة سلاسل ترتقي إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى صحابته الأكرمين. فأحد هذه الروافد عن الإمام علي الرضا بن سيدي موسى الكاظم عن أبيه وجده حتى البيت العلوي. وقيل إن سيدي علي الرضا هو الذي لقب سيدي أبا يزيد بــ (طيفور)، ومعناه الطائر الذي لا يعلوه طائر. أما اسمه فأحمد كما وجد محفورا على ضريحه بمنيل الروضة.

فهو صاحب المقام الرفيع والقدر الجليل، وقد ذكره الإمام أبو عبد الرحمن السلمي صاحب طبقات الصوفية ضمن الطبقة الأولى مع أئمة التصوف من أمثال الحارث المحاسبي وذي النون المصري وأبي سليمان الداراني، رضوان الله عليهم أجمعين.

ويترجم له المناوي فيقول: هو رضي الله عنه إمام أئمة العارفين وشيخ مشايخ الصوفية المحققين، وناهيك بقول الخوافي "هو سلطان العارفين".

قال صاحب الكواكب الدرية: "أشرف من يذكر وأعرف من أن يُعرف كان نادرة زمانه حالاً وأنفاسا وورعاً وعلما وزهدا وإيناسا".

قال أبو نُعيم الأصفهاني في حلية الاولياء (10/33): "ومنهم التائه الوحيد، الهائم الفريد، البسطامي أبو يزيد". تاه فغاب، وهام فآب، غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات، فارق الخلق ووافق الحق. فأيد بأخلاء الخير، وأمد باستيلاء البر، إشارته هانئة، وعبارته كامنة، لعارفيها ضامنة، ولمنكريها فاتنة.

وقال العارف الهجويري في كشف المحجوب في ترجمة سيدي أبي يزيد رضي الله عنه: "كان من جلة المشايخ وأكبرهم مقالا وأعظمهم شأنا، إلى حد أن قال الجنيد رحمه الله: "أبو يزيد منا بمنزلة جبريل من الملائكة".

وحسبنا في التعرف على مقام أبي يزيد أن ترجمان الصوفية الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي قدس الله سره كان يسميه أبا يزيد الأكبر، وذكر في كتبه أنه كان القطب الغوث في زمانه، كما ذكر صاحب [ المواهب السرمدية، ص 45]، حيث قال في ترجمة سيدي أبي يزيد: "ذكر الشيخ الأكبر أنه كان القطب الغوث في زمانه، حيث قال: "من الأقطاب من يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، رضى الله عنهم، ومنهم من له الخلافة الباطنة ولا حكم له في الظاهرة كأبي يزيد. وأنه لما تكلم في علوم الحقائق ولم يفهم أهل عصره كلامه رموه بالعظائم ونفوه من بلده سبع مرات، وهم في كل مرة يختل أمرهم وينزل بهم البلاء حتى أذعنوا له وأجمعوا تعظيمه".

وحكى الأصفهاني و ابن باكويه و ابن خميس في "مناقب الأبرار" طرفا من زهده وكراماته وخوفه وورعه وجميل صفاته وعباداته. يقول العباس بن حمزة: "صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر، فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالا لاسم الله تعالى وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه. فهالني ذلك.

وقد جاء في مناقب الشيخ مولانا أبي يزيد شيخ بسطام ووليها الصالح أنه كان يقول: "الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله أن يحاسبني". فقيل له : ولمَ يا أبا يزيد؟ قال: "لعله أن يقول لي فيما بين ذلك يا عبدي، فأقول: لبيك"، فقوله لي "عبدي" أحب إلي من الدنيا وما فيها، وبعد ذلك يفعل بي ما شاء.

ومما روي عن أحواله في مجاهدة النفس ومخالفتها أنه قيل يوما لسيدي أبي يزيد رضي الله عنه، حدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك. فقال: "دعوتها إلى الله فنكلت عليّ، فعزمت عليها أن لا أشرب الماء ولا أذوق النوم سنة، فأذعنت".

كان رضي الله عنه شديد البر بوالدته التقية النقية، فيقول: طلبت أمي ماء في ساعة متأخرة من الليل شديدة البرد فذهبت لآتيها بالماء، ولما عدت والماء في يدي وجدتها نائمة فأشفقت أن أوقظها وكانت قد طعنت في السن فقمت عند رأسها أنظر يقظتها فلما استيقظت قالت: أين الماء يا طيفور؟ فناولتها الكوز وكان قد سال الماء على أصبعي ساعة انتظاري فالتصقت أصبعي بالكوز جامدة من شدة البرد في تلك الليلة، فلما أخذت الكوز انسلخ جلد أصبعي فسال الدم وهي تنظر متعجبة فقالت: ما هذا يا بني؟ فأخبرتها بما كان، قالت: اللهم إني راضية عنه فارض عنه. وكانت في مدة حملها به لا تمد يدها إلى طعام فيه شبهة.

أيضا في بره رضي الله عنه، جاء في عيون المجالس أنه قال : كنت ابن عشرين سنة وقد تعلق قلبي بقيام الليل فدعتني أمي في ليلة من الليالي إلى النوم شفقة منها علي فامتثلت ونمت بجوارها وجعلت يدي وسادة تحت رأسها ويدي الأخرى أمررها على ظهرها وأنا أقرأ قل هو الله أحد، فخدرت يدي تحت رأس أمي، فقلت: اليد لي وحق الوالدة لله. فصبرت على ذلك كله ولم أسحب يدي حتى طلع الفجر وقد قرأت قل هو الله أحد عشرة آلاف مرة. ولم أنتفع بيدي التي خدرت.

ذكر الأصفهاني في حلية الأولياء [10/36]: "حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى الصرفي، حدثنا أحمد بن محمد بن جابان، حدثنا عمر البسطامي، عن أبي موسى، عن أبي يزيد البسطامي قال: "ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب، من حبك لي وأنت ملك قدير"".

حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت يعقوب بن إسحاق يقول: سمعت إبراهيم الهروي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: "غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء: توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه؛ فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته سبقت معرفتي ومحبته أقدم من محبتي وطلبه لي أولاً حتى طلبته".

حدثنا عمر بن أحمد، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا عثمان، عن أبي موسى، قال: قال أبو يزيد: "لم أزل ثلاثين سنة، كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره".

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، حدثنا أبو الحسن الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: قال أبو يزيد البسطامي: "لم أزل أجول في ميدان التوحيد، حتى خرجت إلى دار التفريد؛ ثم لم أزل أجول في دار التفريد، حتى خرجت إلى الديمومة؛ فشربت بكأسه شربة لا أظمأ من ذكره بعدها أبداً".

حدثنا أحمد بن أبي عمران، حدثنا موسى، حدثنا منصور، قال: جاء رجل إلى أبي يزيد فقال: أوصني. فقال له: انظر إلى السماء فنظر صاحبه إلى السماء فقال له أبو يزيد أتدري من خلق هذا? قال: الله. قال أبو يزيد إن من خلقها لمطلع عليك حيث كنت فاحذره.

حدثنا أحمد، حدثنا منصور، حدثنا موسى قال: جاء رجل إلى أبي يزيد فقال: بلغني أنك تمر في الهواء. قال: "وأي أعجوبة في هذه?! طير يأكل الميتة يمر في الهواء، والمؤمن أشرف من الطير!" قال: ووجه إليه أحمد بن خرب حصيراً وكتب معه إليه: صل عليه بالليل. فكتب أبو يزيد إليه: "إني جمعت عبادات أهل السموات والأرضين السبع فجعلتها في مخدة ووضعتها تحت خدي".

حدثنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصور بن عبد الله، يقول: سمعت أبا عمران موسى بن عيسى، يقول: سمعت أبي، يقول: قال أبو يزيد: "عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد.

حدثنا عمر بن أحمد، حدثنا عبيد الله بن أحمد، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا عمر بن أبي موسى، عن أبي يزيد قال: "أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة: فأولهم الزاهد بزهده، والثاني العابد بعبادته، والثالث العالم بعلمه"؛ ثم قال: "مسكين الزاهد، قد ألبس زهده وجرى به في ميدان الزهاد؛ ولو علم المسكين أن الدنيا كلها سماها الله قليلاً، فكم ملك من القليل، وفي كم زهد مما ملك?!" ثم قال: "إن الزاهد هو الذي يلحظ إليه بلحظة فيبقى عنده ثم لا ترجع نظرته إلى غيره ولا إلى نفسه. وأما العابد فهو الذي يرى منة الله عليه في العبادة أكثر من العبادة، حتى تعرف عبادته في المنة. وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ، فكم علم هذا العالم من ذلك السطر وكم عمل فيما علم?!".

وقيل له: إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض، فقال: "أنا كل السبعة".

وسئل: متى يبلغ الرجل حد الرجال في هذا الأمر? قال: "إذا عرف عيوب نفسه فحينئذ يبلغ مبلغ الرجال". وقال: "إن لله عباداً لو حجبوا عنه طرفة عين، ثم أعطوا الجنان كلها، ما كان لهم إليها حاجة. وكيف يركنون إلى الدنيا وزينتها؟!".

حدثنا أحمد بن أبي عمران، حدثنا منصور بن عبد الله، قال: "سمعت موسى يقول: سمعت أبي يقول: بينا أنا قاعد خلف أبي يزيد يوماً إذ شهق شهقة فرأيت أن شهقته تخرق الحجب بينه وبين الله، فقلت: يا أبا يزيد رأيت عجباً. فقال: يا مسكين وما ذلك العجب? فقلت: رأيت شهقتك تخرق الحجب حتى وصلت إلى الله تعالى. فقال: يا مسكين إن الشهقة الجيدة هي التي إذا بدت لم يكن لها حجاب تخرقه". وسأله رجل فقال: يا أبا يزيد العارف يحجبه شيء عن ربه? فقال: "يا مسكين من كان هو حجابه أي شيء يحجبه؟".

أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى، قال: سمعت أبا نصر الهروي يقول: سمعت يعقوب بن إسحاق يقول: سمعت إبراهيم الهروي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: "هذا فرحي بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمنتك".

أخبرنا محمد بن الحسين، قال: سمعت منصوراً يقول: سمعت يعقوب بن إسحاق يقول: سمعت إبراهيم الهروي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي وسئل: ما علامة العارف? قال: "ألا يفتر من ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره".

وسئل رضي الله عنه عن السنة والفريضة فقال: "السنة ترك الدنيا بأسرها، والفريضة الصحبة مع الله تعالى؛ وذلك لأن السنة كلها تدل على ترك الدنيا، والكتاب كله يدل على صحبة المولى؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى، والنعم أزلية فيجب أن يكون لها شكر أزلي".

من أقوال سيدي أبي يزيد رضي الله عنه:

- عرفت الله بالله، وعرفت ما دون الله بنور الله.
- مددت ليلة رجلي في محرابي فهتف بي هاتف من يجالس الملوك ينبغي له أن يجالسهم بحسن الأدب.
- رأيت رب العزة في النوم فقلت يا رب كيف أجدك فقال: فارق نفسك وتعال إلي.
- إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار.
- إن في الطاعات من الآفات مالا تحتاجون إلى أن تطلبوا المعاصي.
- ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر.
- لا يعرف نفسه من صحبته شهوته.
- الجنة لا خطر لها عند المحبين وأهل المحبة محجوبون بمحبتهم.
- العارف همه ما يأمله والزاهد همه ما يأكله. وقال: طوبى لمن كان همه هماً واحداً، ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه، وسمعت أذناه. ومن عرف الله فإنه يزهد في كل شيء يشغله عنه.
- لا يحمل عطاياه إلا مطاياه المذللة المروضة.
- اطلع الله على قلوب أوليائه، فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفاً فشغلهم بالعبادة.
- إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فأطاعوه فخلع عليهم خلعة من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه وإني لا أريد من الله إلا الله.
- لأن يقال لي لم لا تفعل أحب إلي من أن يقال لي لم فعلت.
- الجوع سحاب فإذا جاع العبد مطر القلب الحكمة.
- إذا صَحِبكَ إنسان، وأساءَ عشرتك، فادْخُل عليه بحسن أخلاقكَ يطيبُ عيشُك. وإذا أُنعم عليك، فابدأ بشكر الله عز وجلَّ، فإنهُ الذي عَطَف عليك القلوبَ. وإذا ابتُليتَ فأَسْرِع الاستِقالةَ؛ فإنَّهُ القادرُ على كشفِها، دونَ سائر الخلقِ.
- للخلق أحوال ولا حال لعارف لأنه محيت رسومه، وفنيت هويته لهوية غيره وعييت آثاره لآثار غيره فالعارف طيار والزاهد سيار.
- ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك.
- لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة.
- ليس العالم من يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظ صار جاهلا، بل من يأخذ العلم من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني.
- أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت.

ودخل على أبي يزيد عالم بلده وفقيهها يوماً فقال: يا أبا يزيد علمك هذا عمن وممن ومن أين? فقال أبو يزيد: علمي من عطاء الله وعن الله ومن حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم" فسكت الفقيه.

وروي أنه سار رجل من أصحاب سيدي ذي النون المصري خلف أبي يزيد، فقال له: من تطلب؟ قال: أبا يزيد. فقال: "يا بني أبو يزيد يطلب أبا يزيد من أربعين سنة!!" فرجع الرجل إلى ذي النون وأخبره بما حدث، فغشي عليه، فلما أفاق قال: "إن أخي أبا يزيد فقد نفسه في حب الله فصار يطلبها مع الطالبين".

ويسأله رجل: دلني على عمل أتقرب به إلى الله؟ قال: "أحبب أولياءه ليحبوك، فإنه ينظر في قلوبهم إلى اسمك في قلب وليه فيغفر لك".

وفي مقام التوكل بلغ ما بلغه من الكمال رضي الله عنه فكان إماما فيه، وها هو يصلي مرة خلف إمام فلما فرغ من صلاته سأله الإمام: يا أبا يزيد من أين تأكل؟ قال: "اصبر حتى أعيد صلاتي، فإنك شككت في رزق المخلوق ولا تجوز الصلاة خلف من لا يعرف الرزاق".

وقيل له: متى يكون الرجل متواضعاً، فقال: "إذا لم ير لنفسه مقاماً ولا حالا ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه".

وسئل: بماذا يستعان على العبادة? فقال: "بالله إن كنت تعرفه".

ويسأله رجل: بِمَ نالوا المعرفة؟ فيجيبه: "إنما نالوا ما نالوا بتضييع ما لهم والوقوف مع ما له تعالى".

وروي أنه سمع رجلا يكبر فقال له: ما معنى الله أكبر؟ قال: الله أكبر من كل ما سواه، فقال أبو يزيد: "ليس معه شيء فيكون أكبر منه". قال: فما معناه؟ قال: "معناه أكبر من أن يقاس أو يدخل تحت القياس أو تدركه الحواس".

روي أن رجلا من أهل الحديث قال لسيدي أبي يزيد رضي الله عنه – وهو صبي-: يا غلام: تُحسن أن تصلي؟ فقال: "نعم إن شاء الله"، فقال له: كيف تصلي؟ قال: "أكبِّر بالتلبية، وأقرأ بالترتيل، وأركع بالتعظيم، وأسجد بالتواضع وأُسلِّم بالتودُّع". فقال: يا غلام، إذا كان لك هذا الفهم والفضل والمعرفة، فلم تدع الناس يتمسحون بك؟ قال سيدي أبو يزيد: "ليس بي يتمسحون، لكن يتمسحون بحلية حلّانيها ربي، فكيف أمنعهم من ذلك؟ وذلك لغيري؟!"

ويحج مولانا سيدي أبو يزيد حج العارفين بالله فيقول: "صرت مرة إلى مكة فرأيت البيت – أي الكعبة – مفردا، فقلت: "حجي غير مقبول، لأني رأيت أحجارا كثيرة من هذا الجنس". وذهبت مرة أخرى فرأيت البيت ورب البيت، قلت: "لا حقيقة للتوحيد بَعْدُ. وذهبت مرة ثالثة فرأيت الكل رب البيت ولا بيت!! فنوديت في سري: أن يا أبا يزيد: إذا لم تر نفسك ورأيت العالم كله لما كنت مشركا، وإذا لم تر العالم كله ورأيت نفسك كنت مشركا، وعندئذ تبت، وتبت أيضا عن رؤية وجودي".

ويقص علينا سيدي يحيى بن معاذ رضي الله عنه بعض مشاهدات سيدي أبي يزيد رضي الله عنه فيقول: "رأيته في بعض مشاهداته كالغريق، ضاربا بذقنه على صدره، شاخصا بعينيه من العشاء إلى الفجر، ثم سجد عند السحر، فأطال سجوده، ثم قعد فقال: "اللهم إن قوما طلبوا منك فأعطيتهم طي الأرض، والمشي على الماء، وركوب الهواء، وانقلاب الأعيان؛ وإني أعوذ بك منها!!. ثم التفت فرآني، فقلت: يا سيدي، حدثني بشيء. قال: "أحدثك بما يصلح لك: أدخلني الحق في الفلك الأسفل، فدورني في الملكوت الأسفل، فأرانيه، ثم أدخلني في الفلك العلوي، وطوّف بي السموات، فأراني ما فيها من الجنان إلى العرش، ثم أوقفني بين يديه، فقال: سلني أيّ شيء رأيته حتى أهبه لك!!.قلت: ما رأيت شيئا حسنا فأسألك إياه، فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقا، لأفعلن بك وأفعلن... وذكر أشياء".

ومما رواه صاحب "النور في كلمات أبي طيفور" قائلا: يحكى عن أبي يزيد أنه قال: "غصت في بحار المعرفة حتى بلغت بحر محمد صلى الله عليه وسلم، فرأيت بيني وبينه ألف مقام لو اقتربت من واحد منها لاحترقت".

قال ابن الملقن في طبقات الأولياء ( ص 401 ): وروى أن شقيقا البلخي وأبا تراب قدما عليه فقُدّمت السفرة، وشاب يخدم أبا يزيد فقالا له: "كل معنا يا فتى!" فقال: "أنا صائم" ، فقال له أبو تراب: "كل ولك أجر صوم شهر" فأبى، فقال له شقيق: "كل، ولك أجر صوم سنة" فأبى. فقال أبو يزيد: "دعوا من سقط من عين الله!" فأُخذ ذلك الشاب في سرقة -بعد سنة- فقطعت يده.

وقال أحمد بن خضريه: "رأيت ربك العزة في المنام، فقال: يا أحمد؟ كل الناس يطلبون مني، إلا أبا يزيد فانه يطلبني ".

ومن شعره قدس الله سره الشريف:


غرست الحب غرساً في فـؤادي فلا أســـــلو إلى يوم الـتـنـــــــــــــادي
جربت القلب مني بـالاتـصـال فشــــــوقي زائد، والحـب بــــــادي
ســــقانـي شـربـاً أحـيى فــؤادي في كاس الحب، في بحر الودادِ
فلـــــــولا اللـه يحـفــــظ عـارفـيــــــه لهــــــــــــــــام العارفـــــــــون بـكـل وادي


وروي أن يحيى بن معاذ الرازي كتب إلى يزيد: "أني سكرت من كثرة ما شربتُ من كأس محبته". فكتب إليه أبو يزيد: "غيرك شرب بحور السموات والأرض وما روي بعد، ولسانه خارج، وهو يقول: هل من مزيد?!". وأنشد:


عجبت لمن يقول: ذكــــــرت ربـي وهل أنسى فأذكر من نســــيتُ?!
شربت الحب، كأســـــاً بعد كـأس فما نفد الشــــــــــــــرابُ، ومـا رويتُ


رضي الله عنه ونفعنا به. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. والحمد لله رب العالمين.

شكرى
24-08-2014, 12:03 AM
مشكور على هذه الأتحافات بارك الله لنا فيك وسلمت يداك

ثريا حامد
24-08-2014, 11:47 AM
شكرا على الطرح والموضوع بارك الله فيك

ابو على
26-08-2014, 12:55 AM
شكرا جزيلا وبارك الله فيك

لطائف الله
01-09-2014, 07:11 PM
شكرا جزيلا وبارك الله فيك

سامر
19-10-2014, 11:48 AM
شكرا على الطرح والموضوع بارك الله فيك