المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو مدين رضي الله عنه



سامر سويلم
23-08-2014, 09:24 PM
سيدي أبو مدين رضي الله عنه


اسمه شعيب ابن أحمد بن جعفر بن شعيب وكنيته أبو مدين تكنى بابنه سيدي مدين ذي الفضائل المشهورة دفين مصر المحروسة.

http://www.alomariya.org/adminimages/shekh-boumedien.gif

وأما منشؤه ومسكنه وتاريخ ولادته فكان ازدياده رضي الله عنه بالأندلس سنة 492هـ/1098م وبعد منشئه فيها ذهب الى فاس وتفقه بها وسكنها مدة حتى جمع ما يحتاج إليه وقرأ على شيوخ عديدة. وكان يقول: كنت في أول أمري وقراءتي على الشيوخ إذا سمعت تفسير آية أو معنى حديث قنعت به وانصرفت لموضع خال خارج عن فاس اتخذه مأوى للعمل بما فتح الله علي، فإذا خلوت به تأتيني غزالة تأوي إلي وتؤنسني وكنت أمر على الطريق فكانت كلاب القرية المتصلة بفاس تدور حولي وتبصبص لي؛ فبينما أنا ذات يوم بفاس وإذا برجل من معارفي بالأندلس سلم علي فسلمت عليه وأحببت ضيافته فبعت ثوباً بعشرة دراهم فطلبت الرجل لأدفعها له فلم أجده هنالك، فخليتها (تركتها) معي، وخرجت لخلوتي على عادتي فمررت بقريتي فتعرضت لي الكلاب ومنعتني الجواز حتى خرج من القرية من حال بيني وبينها. ولما وصلت خلوتي جاءتني الغزالة على عادتها فلما شمتني نفرت عني وأنكرت علي، فقلت ما أتى ما الذي علي إلا من أجل هذه الدراهم التي معي فرميتها عني فسكنت الغزالة وعادت لما لها معي. ولما رجعت لفاس أخذت الدراهم فلقيت الأندلسي فدفعتها له ثم مررت بالقرية في خروجي إلى الخلوة فدارت بي الكلاب وبصبصت لي كعادتها وجاءتني الغزالة على عادتها فشمتني من مرفقي إلى ما بين قدمي وأنست بي وبقيت كذلك مدة.

ولما فرغ من الاشتغال بالعلم الظاهر تشوف لما وراء ذلك من تصفية الباطن وأخذ الحقائق من أهلها.

هو من أعيان مشايخ المغرب، وصدور المربين، وشهرته تغني عن تعريفه، مدفون بتلمسان بأرض المغرب في جبانة العبادلة، وقد ناهز الثمانين، وقبره ثم ظاهر يزار، وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من بجاية ليتبرك به فلما وصل إلى تلمسان قال: ما لنا وللسلطان! الليلة نزور الإخوان! ثم نزل، واستقبل القبلة، وتشهد، وقال: ها قد جئت ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى؛ ثم قال: الله الحي! وفاضت روحه رضي الله عنه.

قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري: سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخضر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة فسألته عن شيخنا أبي مدين فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت، وسره من الإرادة ذلك. آتاه الله تعالى مفتاحاً من السر المصون بحجاب القدس، ما في هذه الساعة أجمع لأسرار المرسلين منه. ثم قال: ومات أبو مدين رضي الله عنه بعد ذلك بيسير. وذكر الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في الفتوحات قال: ذهبت أنا وبعض الأبدال إلى جبل قاف، فمررنا بالحية المحدقة به فقال لي البدل: سلم عليها فإنها سترد عليك السلام؛ فسلمنا عليها فردت ثم قالت: من أي البلاد؟ فقلنا: من بجاية فقالت: ما حال أبي مدين مع أهلها؟ فقلنا لها يرمونه بالزندقة. فقالت: عجباً والله لبني آدم! والله ما كنت أظن أن الله عز وجل يوالي عبداً من عبيده فيكرهه أحد! فقلنا لها: ومن أعلمك به؟ فقالت يا سبحان الله، وهل على الأرض دابة تجهله! إنه والله ممن اتخذه الله تعالى ولياً وأنزل محبته في قلوب العباد فلا يكرهه إلا كافر أو منافق. انتهى. قلت، وأجمعت المشايخ على تعظيمه، وإجلاله، وتأدبوا بين يديه، وكان ظريفاً جميلا متواضعاً زاهداً ورعاً محققاً مشتملاً على كرم الأخلاق رضي الله عنه.

ومن كلامه رضي الله عنه:

- ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها.
- الجمع ما أسقط تفرقتك، ومحا إشارتك، والوصول استغراق أوصافك، وتلاشي نعوتك.
- الغيرة أن لا تُعرف.
- أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه.
- الخالي من الأنس والشوق فاقد المحبة.
- من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة تدعوه إلى ذلك فهو مفتون، وكل من رأيته يدعي مع الله حالاً لا يكون على ظاهره منه شاهد فاحذره.
- إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره.
- من تحقق بعين العبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى، وأقواله بعين الافتراء.
- الحق لا يراه أحد إلا مات، فمن لم يمت لم ير الحق.
- الإخلاص ما خفي على النفس درايته، وعلى الملك كتابته، وعلى الشيطان غوايته، وعلى الهوى إمالته.
- إياكم والمحاكمات قبل إحكام الطريق، وتمكن الأحوال فإنها تقطع بكم عن درجات الكمال.
- كل فقير لا يعرف زيادته ونقصه في كل نفس، فليس بفقير.
- الفقر فخر، والعد غنم، والصمت نجاة، والإياس راحة، والزهد عافية، ونسيان الحق طرفة عين خيانة.

ومكث رضي الله عنه سنة في بيته لا يخرج إلا للجمعة، فاجتمع الناس على باب داره، وطلبوا منه أن يتكلم عليهم؛ فلما ألزموه خرج فرأى عصافير على سدرة في الدار، فلما رأته في الدار فرت فرجع، وقال: لو صلحت للحديث عليكم لم تفر مني الطيور. ثم رجع وجلس في البيت سنة أخرى؛ ثم جاءوا إليه فخرج فلم تفر منه الطيور فتكلم على الناس، ونزلت الطيور تضرب بأجنحتها، وتصفق حتى مات منها طائفة، ومات رجل من الحاضرين.

وكان الله تعالى قد أذل له الوحوش، ومر يوماً على حمار، والسبع قد أكل نصفه، وصاحبه ينظر إليه من بعد، لا يستطيع أن يقرب منه. فقال لصاحب الحمار تعال؛ فذهب به إلى الأسد، وقال له: أمسك بأذن الأسد، واستعمله مكان حمارك فأخذ بأذنه، وركبه وصار يستعمله سنين موضع حماره حتى مات. وقيل له مرة في المنام حقيقة سرك في توحيدك فقال: سري مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها، إذ الإشارة تعجز عن وصفها، وأبت الغيرة الإلهية إلا أن تسترها، وهي أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إلا من كان وطنه مفقوداً، وكان في عالم الحقيقة بسره موجوداً، يتقلب في الحياة الأبدية، وهو بسره طائر في فضاء الملكوت، ويسرح في سرادقات الجبروت، وقد تخلق بالأسماء والصفات، وفني عنها بمشاهدة الذات هناك قراري، ووطني، وقرة عيني، ومسكني، والحق تعالى في غنى عن الكل قد أظهر في وجودي بدائع قدرته، وأقبل علي بالحفظ والتوفيق، وكشف لي عن مكنون التحقيق، فحياتي قائمة بالوحدانية، وإشاراتي إلى الفردانية، فروحي راسخ في علم الغيب يقول لي مالكي: يا شعيب كل يوم جديد على العبيد، ولدينا مزيد رضي الله عنه.

قال ابن الزيات رحمه الله:"حدثني محمد بن إبراهيم بن محمد الأنصاري-أقول وهو فقيه من كبار تلاميذ الشيخ أبو مدين- قال: سمعت أبا مدين يحدث ببدء أمره و يقول: كنت بالأندلس يتيماً. فجعلني إخوتي راعياً لهم لمواشيهم، فإذا رأيت من يصلي أو يقرأ القرآن أعجبني ودنوت منه، وأجد في نفسي غماً لأني لا أحفظ شيئاً من القرآن ولا أعرف كيف أصلي. فقويت عزيمتي على الفرار لأتعلم القراءة والصلاة. ففررت فلحقني أخي وبيده حربة. فقال لي: والله لئن لم ترجع لأقتلنك. فرجعت وأقمت قليلاً ثم قويت عزيمتي على الفرار ليلاً. فأسريت ليلة وأخذت في طريق آخر. فأدركني أخي بعد طلوع الفجر. فسل سيفه علي وقال لي: والله لأقتلنك وأستريح منك. فعلاني بسيفه ليضربني. فتلقيته بعود كان بيدي فانكسر سيفه وتطاير قطعا. فلما رآى ذلك قال لي: يا أخي اذهب حيث شئت. فذهبت إلى البحر وعبرت إلى طنجة، ثم ذهبت إلى سبتة. فكنت أجيراً للصيادين. ثم ذهبت إلى مراكش، فدخلتها وأدخلني الأندلس معهم في جملة الأجناد. فكانوا يأكلون عطائي ولا يعطونني منه إلا اليسير. فقيل لي: إن رأيت أن تتفرغ لدينك فعليك بمدينة فاس. فتوجهت إليها ولزمت جامعها تعلمت الوضوء والصلاة وكنت أجلس إلى حلق الفقهاء والمذكرين فلا أثبت على شيء من كلامهم إلى أن جلست على شيخ ثبت كلامه في قلبي، فسألت: من هو؟ فقيل لي: أبو الحسن ابن حرزهم. فأخبرته أني لا أحفظ إلا ما سمعته منه خاصة. فقال لي: هؤلاء يتكلمون بأطراف ألسنتهم فلا يجاوز كلامهم الآذان. وقصدت الله بكلامي فيخرج من القلب ويدخل القلب. ثم سمعت الناس يتحدثون عن كرامات أبي يعزى. فذهبت إليه في جماعة توجهت لزيارته. فلما وصلنا جبل إيروجان ودخلنا على أبي يعزى أقبل على القوم دوني. فلما أحضر الطعام منعني من الأكل. فقعدت في ركن الدار. فكلما أحضر الطعام وقمت إليه انتهرني، فأقمت على تلك الحالة ثلاثة أيام وقد أجهدني الجوع ونالني الذل. فلما انقضت ثلاثة أيام قام أبو يعزى من مكانه. فأتيت إلى ذلك المكان ومرغت وجهي فيه. فلما رفعت رأسي نظرت فلم أرى شيئاً وصرت أعمى. فبقيت أبكي طول ليلتي.

قليل لمثلـي زفـرة ونحيــب وليس له إلا الحبيـب مجيـب
وأمثل ما يلقى المحب خضوعه إذا كان من يدعوه ليس يجيـب

فلما أصبحت استدعاني وقال لي: اقرب، يا أندلسي. فدنوت منه، فمسح بيده على عيني، فأبصرت؛ ثم مسح بيده على صدري وقال للحاضرين: هذا يكون له شأن عظيم، أو قال كلاماً في معناه. فأذن لي في الانصراف وقال لي: ستلقى في طريقك أسداً فلا يروعنك فإن غلب عليك خوفه، فقل له: بحرمة يلنور -لقب لمولاي أبي يعزى ومعناه ذو النور أو ذو الحظ- إلا ما انصرفت عني. وسيلقاك ثلاثة من اللصوص عند شجرة، وستعظهم فيتوب اثنان منهم على يدك، ويرجع الثالث فيقتل ويصلب على تلك الشجرة. فودعته وانصرفت. فاعترضني أسد في الطريق، فأقسمت عليه بأبي يعزي وتنحى عن الطريق، وجزت ولم يزل يتبعني إلى أن خرجت من الشعراء فرجع عني. ثم أتيت على ثلاثة من اللصوص وهم جلوس إلى أصل الشجرة. فقاموا إلي فوعظتهم فأثرت الموعظة في قلوب اثنين منهم. فانصرفا وبقي الثالث في أصل الشجرة. فقعد عندها فسمع به الوالي فبعث إليه من ضرب عنقه وصلبه على تلك الشجرة. ولم أزل سائراً إلى أن وصلت بجاية، فأقمت بها.

وقال أبو علي الصواف -وكان قد صحب أبا مدين نحواً من ثلاثين سنة وما فارقه إلى أن مات بقليل-: "كان أبو مدين يقول:رأيت أخبار الصالحين من زمان أويس القرني إلى زماننا، فما رأيت أعجب من أخبار أبي يعزي وينبغي أن تكتب بالذهب".

ويؤثر عن سيدي أبي مدين رضي الله تعالى عنه قصائد رائقة أنشأها في الطريق وفي بعض الجوانب التي لها تعلق بالصوفية وأحوالهم ورسومهم, فمن ذلك قوله:

اللّهَ قل وذر الوجود وما حوى إن كنتَ مرتاداً بلوغَ كمالِ
فالكلُّ دون اللَـه إن حقـقتهُ عدمٌ على التفصيل والإجمال
واعلَم بأنك والعوالـم كلَّـها لولاهُ في محو وفي اضمحلال
من لا وجـودَ لذاتهِ من ذاتـه فوجودهُ لولاهُ عينُ محــالِ
فالعـارفونَ فنوا ولم يشـاهـدوا شيئاً سوى المتكبر المتعال
ورأوا سواهُ على الحقيقةِ هالكـاً في الحال والماضي والاستقبال

شكرى
24-08-2014, 12:06 AM
مشكور على هذه الأتحافات بارك الله لنا فيك وسلمت يداك

ثريا حامد
24-08-2014, 11:45 AM
شكرا على الطرح والموضوع بارك الله فيك

ابو على
26-08-2014, 12:53 AM
شكرا جزيلا وبارك الله فيك

لطائف الله
01-09-2014, 07:15 PM
شكرا جزيلا وبارك الله فيك

ضحى
07-09-2014, 02:08 AM
شكرا على الطرح القيم بارك الله فيك وفى مجهوداتك

مركوش
23-10-2014, 12:02 PM
مشكور وبارك الله فيك على الطرح الطيب