المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية النبي يقظة ادلتها وصحتها (الطريقة التجانية العلية)



تبارك
29-11-2014, 11:42 PM
رؤية النبي يقظة

القول الفصل في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة كما بحثه أهل العلم من صلحاء هذه الأمة الخيرة
رؤية النبي يقظة
وأدلتها الحقة من أهل الحجج والدقة
كما ورد في البغية
وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً بِعَيْنِ الرَّأْسِ لِذَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَحُكيَ وُقُوعُهَا لِكَثِيرٍ مِنَ الْعَارِفِينَ الْكَامِلِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ جَلاَلُ الدِّينِ السُّيُوطِي رضي الله عنه فِي مُؤَلَّفِهِ الذِي تَرْجَمَهُ بـ [الإِعْلاَمُ بِحُكْمِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ] عِنْدَ ذِكْرِهِ لِعِدَّةِ أُمُورٍ اسْتَنَدَ فِيهَا إِلَى أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا نَزَلَ يَجْتَمِعُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ مَانِعَ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ شَرِيعَتِهِ، مَا نَصُّهُ: "الثَّالِثُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّةِ الشَّرِيعَةِ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مِنْ كَرَامَاتِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ يَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَيَجْتَمِعُ بِهِ فِي الْيَقَظَةِ، وَيَأْخُذُ عَنْهُ مَا قُسِّمَ لَهُ مِنْ مَعَارِفَ وَمَوَاهِبَ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْغَزَالِي، وَالْمَازْرِي، وَالتَّاجِ ابْنِ السُّبْكِي وَالْعَفِيفْ اليَافِعِي وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ: الْقُرْطُبِي، وَابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، وَابْنُ الْحَاجِ فِي الْمَدْخَلِ" اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَحَكَى أَيْضاً، أَعْنِي الشَّيْخَ جَلاَلُ الدِّينِ السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، فِي كِتَابِهِ الذِي تَرْجَمَهُ [بَتَنْوِيرِ الْحُلَكِ، فِي إِمْكَانِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ وَالْمَلَكِ]، الْقَوْلَ بِإِمْكَانِ رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً كَذَلِكَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ الْعَرَبِي الْمَالِكِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ [قَانُونُ التَّأْوِيلِ].
وَذَكَرَ فِي [الْجَيْشِ الْكَبِيرِ] أَنَّ اللَّقَانِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى حَكَى اتِّفَاقُ الْحُفَّاظِ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَرَى الرَّائِي ذَاتَهُ الشَّرِيفَةَ حَقِيقَةً أَوْ مِثَالاً يَحْكِيهَا، فَذَهَبَ إِلَى الأَوَّلِ جَمَاعَاتٍ، وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي الْقَرَافِي، وَالْغَزَالِي اهـ. وَذَكَرَ هَذَا الْخِلاَفَ السُّيُوطِي فِي [تَنْوِيرِ الْحُلَكِ] وَقَالَ بَعْدَهُ مَا نَصُّهُ: "وَفَصَّلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْنُ الْعَرَبِي فَقَالَ: رُؤْيَتُهُ صلى الله عليه وسلم بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ إِدْرَاكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَرُؤْيَتُهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ إِدْرَاكٌ للْمِثَالِ. وَهَذَا الذِي قَالَهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ".
قَالَ، يَعْنِي السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَلاَ يَمْتَنِعُ رُؤْيَةُ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَسَائِرُ الأَنْبِيَّاءِ أَحْيَاءٌ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ بَعْدَمَا قُبِضُوا، وَأُذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَلَكُوتِ الْعُلْوِي وَالسُّفْلِي. وَقَدْ أَلَّفَ الْبَيْهَقِي جُزْءاً فِي حَيَاةِ الأَنْبِيَّاءِ، وَقَدْ أَلّفْنَا فِيهَا جَزْءاً لَطِيفاً" اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلاَمٍ هُنَا مَا نَصُّهُ: "فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّقُولِ وَالأَحَادِيثِ، أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ وَيَسِيرُ حَيْثُ شَاءَ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وَفِي الْمَلَكُوتِ، وَهُوَ بِهَيْئَتِهِ التِّي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ لَمْ يَتَبَدَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ مُغَيَّبٌ عَنِ الأَبْصَارِ كَمَا غُيِّبَتِ الْمَلاَئِكَةُ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً بِأَجْسَادِهِمْ. فَإِذَا أَرَادَ اللهُ رَفْعَ الْحِجَابِ عَمَّنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ رَآهُ عَلَى هَيْئَتِهِ التِي هُوَ عَلَيْهَا، لاَ مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ دَاعِيَ إِلَى التَّخْصِيصِ بِرُؤْيَةِ الْمِثَالِ" اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ أَيْضاً.
وَهَذَا التَّحْصِيلُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الذِي اعَتَمَدَهُ السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْخِلاَفِ إِمْكَانَ رُؤْيَتِهِصلى الله عليه وسلم يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً بِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَهُوَ أَيْضاً كَافٍ فِي رَدِّ جَمِيعِ مَا يَخْدِشُ فِي وَجْهِ صِحَّتِهِ كَمَا تَرَى.
وَذُكِرَ فِي [الْجَيْشِ الْكَبِيرِ] أَنَّ شَيْخَ مَشِايِخِ الْمَالِكِيِّةِ أَبَا الْحَسَنِ سَيِّدِي عَلِيّاً الأَجْهُورِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى نَقَلَ هَذَا التَّحْصِيلَ بِلَفْظِهِ فِي نَوَازِلِهِ، فَهُوَ قَائِلٌ بِهِ.
وَقَالَ الإِمَامُ السَّاحِلِي فِي [بُغْيَةِ السَّالِكِ] بَعْدَ مَا ذَكَرَ طَبَقَاتِ النِّاسِ فِي انْطِبَاعِ صُورَتِهِ الشِّرِيفَةِ صلى الله عليه وسلم فِي نُفُوسِهِمْ: "وَوَرَاءَ هَذَا مَا هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَرَاهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ عِيَّاناً فِي عَالَمِ الْحِسِّ. وَلاَ تُنْكِرْ هَذَا، فَقَدْ يُكْرِمُ اللهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِإِقَامَةِ صُورَتِهِ الْكَرِيمَةِ لَهُ حَتَّى يُشَاهِدَهَا. وَهَذَا مِنْ جَائِزِ الْكَرَامَاتِ التِي يُتْحِفُ اللهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ" اهـ نَقْلُهُ فِي [الْجَيْشِ].
وَنَقَلَ إِثْرَهُ كَلاَمَ صَاحِبِ [رَوْضَةِ النِّسْرِينِ] فِي طَبَقَاتِ مَنِ انْطَبَعَتْ صُورَتُهُ الْكِرِيمُةُ صلى الله عليه وسلم فِي نُفُوسِهِمُ؛ وَنَصُّ مَا نَقَلَهُ مِنْهُ:
وَمُـكْثِـرُ الـصَّـلاَةِ فِـيـهِ يُـشْــــــــــرِقُ



فِـــي قَـلْـبِـهِ نُـورٌ لَــهَــا يُـحَـقِّـــــــــقُ
وَالـنَّـــاسُ فِــــي ذَاكَ لَــهُــمْ مَــرَاتِـبُ



بِـقَـــــدْرِ مَــا تَــصْــفُــو لَـهُمْ مَشَارِبُ
لَـــهَا بِــذِهْــــنِ بَــعْــضِــهِـمْ تَـصَــوُّرُ



بَـــعْـــدَ تَــــــأَمِّــــلٍ وَفِـــكْــرٍ يَــكْـثُـرُ
يَــــرَاهُ فِــي الــنَّــــوْمِ بِــلاَ كَــمَـــــالٍ



وَذُو تَـــصَــــوُّرٍ لَــــــدَى اعْـــتِـزَالِ
أَحْــيَـــانَ ذِكْـــرِهِ يَــفُــوقُ مَـنْ سَلَفْ



وَكَـــامِـــلُ الـــرُّؤْيَــا بِــهَا قَدْ اتَّصَفْ
وَمَـــنْ إِذَا يَــسُــــدُّ عَــيْــناً أَبْــصَـــرَا



نَــــوْمــاً وَضِـــدَّهُ سَــمَــا مَـــنْ غَبَرَا
فَــمَـــنْ بِــعَـيْــنِـي رَأْسِـــــــهِ يَــــرَاهُ



فِــــــي عَـــالَــمِ الْــحِـــسِّ لِـمَا عَرَاهُ
وَقَالَ، يَعْنِي صَاحِبُ [رَوْضَةِ النِّسْرِينِ]، فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْبَيْتِ: "وَالذِّي يَظْهَرُ لِي أَنَّ بَعْضَ الأْوِلِيَاءِ يَرَى فِي الْيَقَظَةِ رُوحَهُ مُتَشَكِّلَةً بِصُورَتِهِ الشَّرِيفَةِ، وَأَهْلَ الْمَقَامِ الأَعْلَى يَرَوْنَ حَقِيقَةَ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ كَأَنَّهُ مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم"اهـ. وَقَالَ، يَعْنِي صَاحِبُ [الرَّوْضَةِ] الْمَذْكَورَةِ، فِي مَحَلِّ آخَرَ مِنْ شَرْحِهِ: "هَذَا: وَمِنْ فَوَائِدِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا تُقَرِّبُ الْعَبْدَ مَعَهُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَلْتَقِي مَعَهُ يَقَظَةً، وَبِذَلِكَ يَأْمَنُ مِنَ السَّلْبِ، وَقَبْلَ الْتِقَاءِ الْوَلِيِّ مَعَهُ يَقَظَةً يَكُونُ عَلَى خَوْفٍ مِنَ السَّلْبِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ" اهـ.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا الذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ الأَئِمَّةِ رضي الله عنهم: أَنَّ رُؤْيَتَهُ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنِ الرَّأْسِ فِي عَالَمِ الْحِسِّ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الأَخْذِ عَنْهُ، وَسُؤَالُهُ عَمَّا يَعْرِضُ، وَمُشَاوَرَتُهِ فِي الأُمُورِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَقْلاً، ثَابِتٌ نَقْلاً، لاَ مَانِعَ مِنْهُ لْمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الأَوْلِيَاءِ. وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِهِمْ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ لِثُبُوتِ حَيَاتِهِصلى الله عليه وسلم كَغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَّاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَلِثُبُوتِ الإِذْنِ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ قُبُورِهِمُ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، بِالدَّلاَئِلِ الْقَطْعِيَّةِ، الْقَائِمَةِ تَصْرِيحاً أَوْ ضِمْناً مِنَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ.
قَالَ الْجَلاَلُ السُّيُوطِي، أَوْلَ كِتَابِهِ [إِنْبَاءُ الأَذْكِيَاءُ، لِحَيَاةِ الأَنْبِيَّاءِ]: "حَيَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَبْرِهِ هُوَ وَسَائِرُ الأَنْبِيَّاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مَعْلُومَةٌ عِنْدَنَا عِلْماً قَطْعِيّاً لِمَا قَامَ عِنْدَنَا مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ".
وَذَكَرَ مِنَ الأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمُ فِي صَحيحِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: »أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمْ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ يُصَلِّي قَائِمًا».
وَمِنْ ذَلِكَ حِدِيثُ: »الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ».
وَعَنْ ثَابِتْ البَنَّانِي رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لحُمَيْدٍ الطَّوِِيلِ: "هَلْ بَلَغَكَ أَنَّ أَحَداً يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ غَيْرَ الأَنْبِيَّاءِ؟" قَالَ: "نَعَمْ"، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي هَذِهِ الْكَرَامَةَ"، فَرُوِيَ أَنَّهُ بُقِرَ عَلَى قَبْرهِ فَوُجِدَ قَائِماً يُصَلِّي".
وَذِكْرُ الْقَبْرِ فِي مِثْلِِ هَذِهِ الأَخْبَارِِِِ دِلِيلٌ لِحَيَاةِ الْجَسَدِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الرُّوحُ لَمْ يُحْتَجْ لَتَخْصِيصِهِ بِكَوْنِهِ فِي الْقَبْرِ". قَالَهُ فِي [تَنْوِيرِ الْحُلَكِ].
وَذَكَرَ فِي [إِنْبَاءِ الأَذْكِيَّاءِ] أَيْضاً عَن الْبَيْهَقِي: "أَنَّ منْ شَوَاهِدِ هَذَا الْبَابِ لُقْيَهُ صلى الله عليه وسلم لِجَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَّاءِ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُمْ وَكَلَّمُوهُ، وَأَنَّهُ رَأَى سَيِّدَنَا مُوسَى قَائِماً يُصَلِّي، وَكَذِلِكَ سَيِّدَنَا عِيسَى، وَكَذِلكَ سَيِّدَنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ".
وَذَكَرَ فِي [الإِنْبَاءِ] أَيْضاً عَنْ دَلاَئِلِ النُّبُوَةِ أَنَّ سَعِيدَ بَنَ الُمَسَيَّبِ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيَالِي الْحَرَّةِ وَمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم غَيْرِي وَمَا يَأْتِي وَقْتُ صَلاَةٍ إِلاَّ سَمِعْتُ الأَذَانَ مِنَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ". وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: "لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الْحَرَّةِ". وِفِي رِوَايَةٍ: "فَكُنْتُ إِذَا حَانَتِ الصَّلاَةُ أَسْمَعُ أَذَاناً يَخْرُجُ مِنَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ". وَفِي رِوَايَةِ الدَّارِمِي: "وَلَمْ يَبْرَحْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْمَسْجِدَ، وَكَانَ لاَ يَعْرِفُ وَقْتَ الصَّلاَةِ إِلاَّ بِهَمْهَمَةٍ يَسْمَعُهَا مِنْ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم".
وَنقَلَ فِي [الإِنْبَاءِ] أَيْضاً عَنِ الْقُرْطُبِي رَحِمَهَ اللهُ تَعَالَى: "أَنَّ مَوْتَ الأَنْبِيَّاءِ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَنْ يَغِيبُوا عَنَّا بِحَيْثُ لاَ نُدْرِكِهِمْ وَإِِنْ كَانُوا مَوْجِدِينَ أَحَيَاءً، وَذَلِكَ كَالْحَالِ فِي الْمَلاَئِكَةِ فَإِنَّهَمْ مَوْجُودُونَ أَحْيَاءً لاَ يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ نَوْعِنَا إِلاَّ مَنْ خَصَّهُ اللهُ بِكَرَامَتِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ" اهـ.
وَذَكَرَ هُنَا كَلاَمَ الشَّيْخَ عَفِيفَ الدِّينِ الْيَافِعِي، وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِهِ: "الأَوْلِيَاءُ تَرِدُ عَلَيْهِمْ أَحْوَالٌ يُشَاهِدُونَ فِيهَا مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَيَنْظُرُونَ الأَنْبَيَّاءَ أَحْيَاءً غَيْرَ أَمْوَاتٍ، كَمَا نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي قَبْرِهِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا جَازَ لِلأَنْبِيَّاءِ مُعْجِزَةً، جَازَ لِلأَوْلِيَّاءِ كَرَامَةً، بِشَرْطِ عَدَمِ التَّحَدِّي. وَلاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ إَلاَّ جَاهِلٌ" اهـ. قَالَ السُّيُوطِي بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِكَلاَمِ الشَّيْخِ عَفِيفَ الدِّينِ هَذَا رَحَمَهُمَا اللهُ تَعَالَى: "وَنُصُوصُ الْعُلَمَاءِ فِي حَيَاةِ الأَنْبِيَّاءِ كَثِيرَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهَذَا الْقَدْرِ" اهـ.
وَفِي هَذَا الْقَدْرِ الذِي ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ أَيْضاً مِنْ ذَلِكَ كِفَايَةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِكَلاَمِ النَّاظِمِ هُنَا، وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
وَمَا تَعَسَّفَ بِهِ بَعْضٌ هُنَا مِنِ اسْتِحَالِةِ رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَمَشْيِهِ فِي الأَسْوَاقِ، وَخُلُوِّ قَبْرِهِ مِنْ جَسَدِهِ الْمُقَدَّسِ، رَدَّهُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّي بِقَوْلِهِ: "وَهَذِهِ الإِلْزَامَاتُ كُلُّهَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا بِلاَزِمٍ، وَدَعَوَى اسْتِلْزَامَهُ لِذَلِكَ عَيْنُ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ". ثُمَّ بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي [الْجَيْشُ]، فَرَاجِعْهُ فِيهِ إِنْ شِئْتَ. وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ النُّصُوصِ السَّابِقَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا.
وَمَا أَلْزَمَهُ الْحَافِظُ الْعَسْقَلاَنِي أَيْضاً عَلَى الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ رُؤْيَةِ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ فِي عَالَمِ الْحِسِّ، مِنْ أَنَّ الرَّائِي يَكُونُ صَحَابِيّاً، رَدَّهُ الْعَلاَّمَةُ الْهَيْثَمِي أَيْضاً، وَكَذَا السُّيُوطِي فِي [تَنْوِيرِ الْحُلَكِ] بِأَنَّ شَرْطَ الصُّحْبَةِ أَنْ يَرَاهُ وَهُوَ فِي عَالَمِ الْمُلْكِ، وَهَذِهِ رُؤيَةٌ وَهُوَ فِي عَالِمِ الْمَلَكُوتِ، وَهِذِهِ الرُّؤْيَةُ لاَ تُفِيدُ صُحْبَةً. قَالَ السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِأَنَّ جَمِيعَ أُمَّتِهِ عَرَضُوا عَلَيْهِ فَرَآهُمْ وَرَأَوْهُ وَلَمْ يُفِدْهُمْ ذَلِكَ صُحْبَةً لأَنَّ الرُّؤْيَةَ فِي عَالَمِ الْمَلَكُوتِ" اهـ بِمَعْنَاهُ وَغَالِبُ لَفْظِهِ.
قُلْتُ: وَعَالَمُ الْمُلْكِ هَوَ عَالَمُ الْحِسِّ وَالشَّهَادَةِ وَمِنْ شَأْنِهِ دُخُولُ الْمَحْدُودَاتِ وَالْمَرْسُومَاتِ وَالْمُعَرَّفَاتِ تَحْتَ حِيطَةِ الْحُدُودِ وَالرُّسُومِ وَالتَّعْرِيفَاتِ، لَتَقْيِّيدِ الْحِسِّ لِكُلِّ مَحْدُودٍ وَمَرْسُومٍ بِحَدِّهِ وَرَسْمِهِ.
وَعَالَمُ الْمَلَكُوتِ هُوَ عَالَمُ اللَّطَافَةِ وَالْغَيْبِ، وَمِنْ شَأْنِهِ خَرْقُ الْعَوَائِدِ.
وَحَقِيقَةُ خَرْقِ الْعَادَةِ: الْخُرُوجُ عَنْ مُحِيطَاتِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَمُعْتَادٌ مِنَ الْحُدُودِ وَالرَّسُومِ وَالتَّعْرِيفَاتِ وَسَائِرِ الضَّوَابِطِ الْمُنْحَصِرَةِ فِي عَالَمِ الْحِسِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ لِمَنْ أَكْرَمُهُ اللهُ بِهَا مِنْ بَابِ خَرْقِ الْعَادَةِ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ بَابِ الْكَرَامَةِ كَمَا لاَ يَخَْفَى، فَلاَ يُورِِدُ عَلَيْهَا الإِلْزَامُ الذِي أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ مَنْ لَمْ يُمْعِنِِ النَّظَرَ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَ الْكَلاَمِ فِي بِسَاطِ بَابِ خَرْقِ الْعَادَةِ وَالْكَلاَمِ فِي بِسَاطِ الْحِسِّ وَالشَّهَادَةِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلاَ يَذْهَبْ بِكَ الْوَهْمُ إِلَى أَنْ تُنْفِيَ الْخُصُوصِيَّةَ الْكُبْرَى، وَالْمِزِيَّةَ الْعُظْمَى، عَمَّنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ التِي هِيَ الرَّؤْيَةُ لَهُصلى الله عليه وسلم يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً حَيْثُ انْتَفَتْ عَنْهُ دَرَجَةُ الصُّحْبَةِ. فَإِنَّ دَرَجَةَ الصُّحْبَةِ دَرَجةً سَامِيِّةً لاَ مَطْمَعَ فِي دَرْكِهَا لأَحَدٍ مِمَّنْ عَدَاهُمْ، لِمَكَانِ صُحْبَتِهِمْ لِجَسَدِهِ الطَّاهِرِصلى الله عليه وسلم فِي مُدَّةِ وُجُودِهِ الْحَقِيقِّي الْخَارِجِي، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: »لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً...» الْحَدِيثُ.
وَهَؤَلاَءِ الْكُمَّلِ المُكْرَمُونَ بِرُؤْيَةِ ذَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُكْرَمْ بِذَلِكَ، مَنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ رضي الله عنه فِي الْبَاب الثَّالِثِ عَشَرَ وَثَلاَثِمِائَةٍ مِنَ [الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيِّةِ] مِنْ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَّامَةِ كَمَا يُحْشَرُ الصَّحَابَةُ الْكرَامُ رضي الله عنهم ، قَالَ: "وَأَمَّا مَنْ يَرَاهُ فِي النَّوْمِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ رَآهُ أَلْفَ مَرَّةٍ حَتَّى يَرَاهُ وَهُوَ مَسْتَيِقِظٌ كَشْفاً، وَيُخَاطِبُهُ، وَيَأْخُذُ عَنْهُ، وَيُصَحِّحُ لَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ مَا وَقَعَ فِيهِ الطَّعْنُ مِنْ جِهَةِ طَرِيقِهَا" اهـ.وَهَذِهِ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِهَؤُلاَءِ الْكُمَّلِ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَرْتَقُونَ بِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. فَهِيَ مِثْلُ الْمَزِيَّةِ الْحَاصِلَةِ للَّذِينَ يَرْوُونَ الأَحَادِيثَ الْمُتَّصِلَةَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَإِنَّهُمْ يُحْشَرَونَ مَعَ الرُّسُلِِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَّاءِ فِي التَّبْليغِ، وَالْفَقِيهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ. انْظُرْ [الْفُتُوحَاتُ] فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَقَدْ بَسَطَ الْكَلاَمَ فِيهِ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَرِضِيَ عَنْهُ.
وَأَمَّا مَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْكَرَامَةُ التِّي هِيَ رَؤْيَةُ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ صلى الله عليه وسلم فِي عَالَمِ الْحِسِّ فَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَكَابِرِ رضي الله عنهم:
مِنْهُمُ الشَّيْخُ الْكَامِلُ مَوْلاَنَا عَبْدُ الْقَادِرُ الْجِيلاَنِي رضي الله عنه. فَقَدْ نَقَلَ فِي [تَنْوِيرِ الْحُلَكِ] عَنِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ فِي كِتَابِ طَبَقَاتِ الأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الظُّهْرِ فَقَالَ لِي: يَا بِنِيَّ، أَلاَ تَتَكَلَّمُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَنَا رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ، كَيْفَ أَتَكَلَّمُ عَلَى فُصَحَاءِ بَغْدَادَ؟ فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحْتُهُ، فَتَفَلَ فِيهِ سَبْعاً، وَقَالَ: "تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ وَادْعُ إِلَى سَبِيلِِِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. فَصَلِّيْتُ الظُّهْرَ، وَجَلَسْتُ، وَحَضَرَنِي خَلْقٌ كَثِيرٌ. فأُرْتُجَّ عَلَيَّ، فَرَأْيَتُ عَلِيّاً يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَائِماً بِإِزَائِي فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لِي: يَا بِنِيِّ، لِمَ لاَ تَتَكَلَّمُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ أُرْتُجَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحْتُهُ، فَتَفَلَ فِيهِ سِتاً. فَقُلْتُ: لِمَ لَمْ تُكْمِلْهَا سَبْعاً؟ فَقَالَ: تَأَدُّباً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ تَوَارَى عَنِّي، فَقُلْتُ: غَوَّاصُ الْفِكْرِ يَغُوصُ فِي بَحْرِ الْقَلْبِ عَلَى دُرِّ الْمَعَارِفِ فَيَسْتَخْرِجُهَا إِلَى سَاحِلِ الصَّدْرِ، فَيَنَادِي عَلَيْهِ تُرْجُمَانُ اللِّسَانِ، فيُشْتَرَى بِنَفِائِسِ أَثْمَانِ حُسْنِ الطَّاعَةِ "فِي بُيُوتٍ اَذِنَ اَللهُ أَن تُرْفَعَ " اهـ.
قَالَ: وَقَالَ، يَعْنِي السِّرَاجُ بْنُ الْمُلَقِّنِ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ خَلِيفَةِ: "كَانَ كَثِيرَ الرُّؤْيَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم يَقَظَةً وَمَنَاماً، فَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ أَكْثَرَ أَفْعَالِهِ مُتَلَقَّاةٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم. وَرَآهُ فِي لَيْلَةٍ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ قَالَ لَهُ فِي إِحْدَاهَا: يَا خَلِيفَةَ، لاَ تَضْجَرْ مِنِّي، فَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَوْلِيَاءِ مَاتَ بِحَسْرَةِ رَؤْيَتِي".
وَنَقَلَ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ نُوحٍ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ [الْوَحِيدُ] بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَسَمَّاهُ، وَقَالَ فِيهِ: "كَانَ يُخْبِرُ أَنَّهُ يَرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ سَاعَةٍ حَتَّى لاَ تَكَادُ تَمُرُّ سَاعَةً إِلاَّ وَهُوَ يُخْبِرُ".
وَمِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَرَامَةُ أَيْضاً الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِي رضي الله عنه وَتِلْمِيذُهُ وَخَلِيفَتُهُ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُرْسِي. وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ عَلَيْهِ، وَيُجِيبُهُ إِذَا تَحَدَّثَ.
وَمِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَرَامَةُ: الأُسْتَاذُ سَيِّدِي عَلِي بْنُ وَفَا رضي الله عنه ، وَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَآهُصلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ يَقَظَةً لاَ مَنَاماً وَعَلَيْهِ قَميصٌ أَبْيَضُ مِنْ قُطْنٍ، ثُمَّ رَأَى الْقَمِيصَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: "اقْرَأْ"، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ (وَالضُّحَى) وَسُورَةَ (أَلَمْ نَشْرَحْ)، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً أَحْرَمَ للصَّلاَةِ فَرَآهُ صلى الله عليه وسلم قُبَالَةَ وَجْهِهِ، فَعَانَقَهُ، فَقَالَ: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " قَالَ رضي الله عنه: "فَأُوتِيتُ لسَانَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ".
وَذَكَرَ السُّيُوطِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ الأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ فَقِيهٍ، فَرَوَى ذَلِكَ الْفَقِيهُ حَدِيثاً، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيُّ: "هَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ". قَالَ: "وَمِنْ أَيْنَ لَكَ؟". قَالَ: "هَذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِكَ يَقُولُ: إِنِّي لَمْ أَقُلْ هَذَا الْحَدِيثَ". وكُشِفَ للفَقِيهِ فَرَآهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "مَا قُلْتُ ذَلِكَ". فَسَلَّمَ الْفَقِيهُ للْوَلِيِّ اهـ.
وَنَقَلَ فِي الْجَيْشِ الْكَبِيرِ عَنِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ بِاللهِ تَعَالَى سَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ [لَطَائِفُ الْمِنَنِ وَالأَخْلاَقِ]: "أَدْرَكْتُ بِحَمْدِ اللهِ جَمَاعَةً مِمَّنْ رَأَى رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وسلم فِي الْيَقَظَةِ". وَعَدَّ مِنْهُمْ سَيِّدِي عَلِيّاً الْخَوَّاصْ وَالْحَافِظُ السُّيُوطِي وَغَيْرُهُمَا. قَالَ يَعْنِي الشَّعْرَانِي رضي الله عنه : "وَكَانَ سَيّدي إِبْرَاهِيمُ الَمَتْبُولِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: نَحْنُ خَمْسَةٌ فِي الدُّنْيَا لاَ شَيْخَ لَنَا إِلاَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: الْجُنَيْدُ -يَعْنِي نَفْسَهُ- وَالشَّيْخُ أَبُو مَدْيَنَ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْيمِ القَنَاوي، وَالشَّيْخُ أَبُو السُّعُودِ بْنُ أَبِي الْعَشَائِرِ، وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِي رضي الله عنه ".
وَقَالَ الشَّعْرَانِي يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ: "لاَ أَعْلَمُ أَحَداً فِي مِصْرَ الآنَ أَقْرَبُ سَنَداً إِلَى رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم مِنِّي، فَإِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلَيْنِ: سَيِّدِي عَلِيّاً الْخَوَّاصْ، وَسَيِّدِي إِبْرَاهِيمَ الْمَتْبُولِي فَقَطْ".
وَنَقَلَ صَاحِبُ [الْجَيْشْ] عَنْهُ أَيْضاً أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ [الْمِيزَانُ]، بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُجْتِهِدِينَ جَمِيعِهِمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِي رَحَمَهُمُ اللهُ يَقُولُونَ بِرُؤْيَةِ ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ فِي الْيَقَظَةِ وَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ للسُّؤَالِ عَنْهُ مَا نَصُّهُ: "وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الذِينَ هَمْ دُونَ الأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ بَرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيُصَدِّقُهُمْ أَهْلُ عَصْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ كَالشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ الدَّسُوقِي، وَسَيِّدِي الشَّيْخُ جَلاَلُ الدِّينِ السُّيُوطِي، وَالزَّوَاوِي، وَالْمُرْسِي، وَأَبِي مَدْيَنَ، وَأَبِي السُّعُودِ، وَالشَّاذِلِي، وَعَبْدِ الرَّحِيمِ، وَجَمَاعَاتٍ ذَكَرْنَاهُمْ فِي طَبَقَاتِ الأَوْلِيَاءِ".
قَالَ: "وَرَأَيْتُ بِخَطِّ جَلاَلِ الدِّينِ السُّيُوطِي عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الشَّاذِلِي، مَرَاسَلَةً لِشَخْصٍ سَأَلَهُ شَفَاعَةً عِنْدَ السُّلْطَانِ قَايَتْبَايْ، وَنَصُّهَا: اعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّنِي اجْتَمَعْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَقْتِي هَذَا خَمْساً وَسَبْعِينَ مَرَّةً يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً، وَلَوْلاَ خَوْفِي مِنِ احْتِجَابِهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي بِسَبَبِ دُخُولِي للْوِلاَةِ لَطَلَعْتُ الْقَلْعَةَ وَشَفَعْتُ فِيكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ خُدَّامِ حَدِيثِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الأَحَادِيثِ التِّي ضَعَّفَهَا الْمُحَدِّثُونَ مِنْ طَرِيقِهِمْ. وَلاَشَكَّ أَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ نَفْعِكَ أَنْتَ يَا أَخِي" اهـ.
قَالَ، يَعْنِي الشَّعْرَانِي رضي الله عنه: "وَيُؤَيِّدُ الشَّيْخُ جَلاَلُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ بْنِ زِينِِ الْمَادِحِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ يَقَظَةً وَمُشَافَهَةً، وَلَمّا حَجَّ كَلَّمَهُ مِنَ الْقَبْرِ. وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مَقَامُهُ حَتَّى طَلَبَ مِنْهُ شَخْصٌ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَجْلَسَهُ عَلَى بِسَاطِهِ، فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ الرُّؤْيَةُ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَطَلَّبُ مِنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَرَاءَى لَهُ مِنْ بَعِيدٍ، فَقَالَ: تَطْلُبُ رُؤْيَتِي مَعَ جُلُوسِكَ عَلَى بِسَاطِ الظَّلَمَةِ، لاَ سَبِيلَ لَكَ إِلَى ذَلِكَ. فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اهـ.
وَنُقْلَ فِي [الْجَيْشْ] أَيْضاً عَنِ الشّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الأَجْهُورِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ رَأَى جَمَاعَةً مِمَّنْ وَقَعَتْ لَهُمْ رُؤْيَتُهُ وَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، قَالَ: "مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى شْيَخُ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ البُنُوفْرِي "، قَالَ: "وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِجَمْيعِ النَّاسِ. وِمِنْهُمْ أَيْضاً شَيْخُنَا الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى الشَّيْخُ الْحَمَّالِي الْمَشْهُورُ بِحُشَيْشٍ، وَكَانَ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيراً. وَالْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِهِمَا فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مُفِيدَةٌ للْقَطْعِ. وَمِنْهُمْ شَيْخُنَا نُورُ الدِّينِ القُلُوصِي، وَشَيْخُهُ الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى الشَّيْخُ أَحْمَدُ الأَحْمَرِي، وَقَدْ اجْتَمَعْتُ بِهِ مِرَاراً عَدِيدَةً وَدَعَا لِي بِالدَّعَوَاتِ الصَّالِحَةِ" اهـ.
وَذَكَرَ السَّيُوطِي فِي [تَنْوِيرِ الْحُلَكِ] وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْعَبَّاسِ الْقَسْطَلاَنِي دَخَلَ مَرَّةً عَلَى النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "أَخَذَ اللهُ بِيَدِكَ يَا أَحْمَدُ". وَذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي السُّعُودِ بْنِ أَبِي الْعَشَائِرِ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَزُورُ شَيْخِي أَبَا الْعَبَّاسِ وَغَيْرَهُ مِنْ صُلَحَاءِ مِصْرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ لِي شَيْخٌ إِلاَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم"، وَأَنَّهُ كَانَ يُصَافِحُهُ عَقِبَ كُلِّ صَلاَةٍ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّيْخِ مَوْلاَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ: "لَمْ أَتَزَوَّجْ" إلخ.
وَفِي هَذِهِ النُّبْذَةِ التِّي اقْتَصَرْنَا عَلَيْهَا هُنَا مِنْ ذِكْرِ مَنْ اتَّفَقَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَرَامَةُ الْعَظِيمَةُ، كِفَايَةٌ لِمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للتَّصْدِيقِ وَالتَّسْلِيمِ لِهَذِهِ الْعِصَابَةِ الْكَرِيمَةِ.
بغية الستفيد

شمس ابراهيم
30-11-2014, 11:15 AM
شكرا وبارك الله فيك

فريدة
03-12-2014, 01:35 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر

نور الهدى
05-03-2015, 05:18 AM
شكرا وبارك الله فيك

ba3mran
06-03-2015, 04:23 PM
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان حسناتك

هدى راضى
07-03-2015, 01:18 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر

خالد الطيب
08-03-2015, 06:29 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر

تبارك
15-04-2015, 06:47 PM
مشكورين على المرور الطيب

لاشين العامرى
18-04-2015, 04:56 PM
شكرا وبارك الله فيك

صالح
15-06-2015, 03:37 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر

عيون المها
15-06-2015, 06:09 PM
بارك الله فيك اخي على الطرح المميز،جعله الله لك في ميزان حسناتك

رؤى
16-06-2015, 08:59 PM
بارك الله فيكم وجعله فى ميزان حسناتكم

الشيخ / خالد الجعفري
28-06-2015, 11:51 PM
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا مولانا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي الي صراط المستقيم عدد قدره ومقداره العظيم وارض اللهم علي شيخنا الشيخ درويش عبود المغربي وكل من سلك طريقة الي يوم الدين وكرمنا وإياكم برؤية الحبيب المصطفى صلى الله و عليه وسلم تسليماً

الشيخ / خالد الجعفري
08-09-2015, 01:33 PM
عليك أفضل وأتم التسليم يا حبيبي يا رسول الله صلى الله و عليه وسلم تسليماً بارك الله فيك شيخنا الفاضل

العنقاء
14-12-2015, 02:55 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر

المشتاقة لربها
15-12-2015, 07:18 PM
جزاكم الله كل خير على هذا الطرح الطيب العطر