المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأتزان!!!



هاشم
18-12-2014, 08:27 AM
الأتزان!!!

للحكيم برمهنسا يوغانندا

الترجمة: محمود عباس مسعود

الغربيونيشددون على الراحة الجسدية. فعندما يكون الطقس شديد الحرارة يتألم الغربي في غيابوسائل التبريد، وعندما يكون شديد البرودة يشعر بالمضايقة لعدم توفر التدفئةالاصطناعية. لكن معلمي الهند يلقنون فلسفة ذات طابع مغاير. فهم يقولون أن الحساسيةللحرارة والبرودة واللذة والألم تحْدِث بسبب الإيحاءات الوهمية للحواس المخادعة وبفعل تحقق الإنسان مع حواسه والاستجابة لمتطلباتها التي لا تقف عند حد. لكن الحكيمهو الذي يفلت من قبضة الحواس ويسمو على آل الثنائيات. العظماء لا يقترحون بأن يهذبالإنسان نفسه لدرجة إلحاق الضرر بجسمه. إنهم بالأحرى ينصحون بالتحرر الفكري منالإحساس بالحر أو البرد عندما يكون الحر أو البرد لا يطاق، وفي نفس الوقت التماسعلاج منطقي لتلك الحالة.
إن المقيَّدين بالملذات الحسية لا قدرة لهم على إحرازالإتزان " :Gita تقول الغيتا العقلي اللازم للتأمل، ولا يستطيعون التوحد مع الله عنطريق نشوة الصمادهي للغبطة الروحية. Samadhi

عندما يتمكن الإنسان من عزلنفسه فكرياً عن المضايقات الحسية يجلب لنفسه السلام. وإذ يبقى عديم التأثربالإحساسات التي تأتي وتذهب يُظهر سكينة الروح الجوهرية التي لا تتغير أبدا.

وفي ذلك الوعي الثابت الراسخ يصبح واحداً مع المطلق اللانهائي الممتنعالتغيير. إن الإستجابة الخانعة لشتى الإحساسات الجسدية تضايق العقل والنفس معاً. وإذ تضطرب النفس يفقد الإنسان طبيعته الحقة التي هي الهدوء. الله موجود في أشدمناطق الأرض حرارة وبرودة. إنه في القطب الشمالي وفي الربع الخالي ولا يتأثربالحالات والدرجات القصوى لخليقته الأرضية.
والإنسان المخلوق على صورته يجب أنيحاول الإقتداء به في تصرفه. لقد وضعنا الله في هذا الجسد الخاضع للحرارة والبرودةواللذة والألم، لكنه يريدنا أن ننظر إلى هذه الإزدواجيات بعين الإتزان العقلي. إنهيريدنا أن نترفع عن الثنائيات على اختلافها.

ويجب أن ننمي القدرة والإحتمالدونما تهوّر وعدم تبصّر. عندما لا نستطيع تجنب درجات الحرارة أو البرودة الشديدةيجب أن نفصل العقل عنها. فكلما بذلنا مجهوداً لممارسة ذلك آلما حرر العقل ذاته بحيثلا يمكن للإحساسات غير المرغوبة التأثير سلباً على الوعي أو الشعور. إن سطح الجلدلا يشعر بإحساسات اللمس، فتلك الإحساسات يتم اختبارها أصلا في الدماغ.

لا يستطيع الشخص أن يتذوق أو يلمس أو يشم أو يسمع أو يرىإلا بواسطة العقل.
يبدو لنا أننا نختبر الطَعم على سطح اللسان، لكن فيالحقيقة الدماغ هو الذي يسجّل ذلك الطعم.

وبالمثل، عندما يصاب أحد أعضاءالجسم بأذى يكون الألم أساساً في العقل وليس في العضو المتضرر. لدينا آلتان للإحساسبالألم: العصب ومادة الدماغ النخاعية، والإحساس يحدث عندما يسمح العقل بالإتصال بينالعصب والنخاع.
وما لم يعترف العقل بالألم فالألم غير موجود. ذلك هو الإآتشافالرائع لمعلمي الهند العظماء.

عندما يكون الشخص تحت تأثير الكلوروفورم أوالمخدر (البنج) لا يحس بالألم لإن الإحساسات لا تصل إلى الدماغ. وفي أطراف الأعصابتوجد شعيرات دقيقة من خلالها تنتقل إحساسات الألم إلى الدماغ.

المخدر يحولدون انتقال إشارات الألم تلك. الدماغ هو الجهاز الحساس للعقل، وآل إحساسات الجسدتُنقل إلى العقل عن طريق الأعصاب والدماغ. وآون العقل مقترناً بالدماغ فإنه يستقبلتلك الإحساسات ويفسّرها. العقل القوي بفعل التفكير الإيجابي هو قليل التأثربإحساسات اللذة والألم. إنه على دراية بتلك الإحساسات لكنه ليس مقيداً بها. لقدمُنح الإنسان الحساسية بغية حماية الجسد.
فبدون الشعور قد يصاب الشخص بجرح بالغأو حرق خطير دون أن يعرف ذلك. الحيوانات لم تنمِّ هذه المقدرة التي يتمتع بهاالإنسان ولذلك فإن إحساسها بالألم أقل، وإلاّ لكانت الفظاعة التي تمارس علىالحيوانات باستخدام بعض أساليب القتل والذبح لا تطاق. السرطان البحري يُلقى فيالماء الحار، عند درجة الغليان، وهو حيّ! ولأن الألم واللذة آليهما من خلقالعقل،

فالألم الجسدي يمكن تخفيفه بممارسة ضبطالعقل. عندها يستطيع الشخص أن يختبر إحساساً آمؤشر لوجود حالة غير طبيعية،دون الشعور بالألم. البهاغافاد غيتا تعالج الموضوع بتعمق أكبر. ففرط الحساسية سواءللذة أو الألم يقوّي مفعولهما،

بينما الحساسية المخففة تجعل الشخص أقلتأثراً بالألم وأقل خضوعاً واستعباداً للملذات الحسية.

لقد درّبتُ جسميوعقلي آي يصبحا أقل حساسية للمؤثرات فوجدت نفسي متحرراً من المشوشات الحسية. ذلك التدريب هو الطريق للتحرر من قبضة الحواس ومتطلباتها التي لاتنتهي. أحد الأطباء آان يتمتع بمثل هذه القوة العقلية بحيث تمكن من إجراءعملية جراحية خطيرة على نفسه! طبعاً هذا غير ممكن بالنسبة للعقل المستعبد للتعلقاتالجسدية. لكن بالتدريب يمكن أن يصبح العقل قوياً جباراً. فكلما درّب وهذب الإنسانُعقله آلما تمكن من التحكم به.
إن الطفل المدلل أو (المدلّع) يتألم جداً لمجردأذى طفيف يلمّ به، في حين قلماً ينكمش الطفل المدرّب على التحمل والجلَد أو ينكصألماً أمام إصابات خطيرة. ومن هذه الناحية فإن منهاج التدريب الذي يقول به معلموالهند العظام يختلف آلياً عن نظيره الذي يُدرَّس في الغرب. معلمو الهند الروحيون يدربون تلاميذهم على تحرير أنفسهمتحريراً تاماً من الإستعباد للجسد وإحساساته.إن وسائل الراحة المستنبطة فيالغرب تشجع على تدليل الجسد،

ونتيجة لذلك فإن الجهد المبذول في تنميةالقدرات العقلية هو ضئيل وهزيل للغاية.
في الهند نتعلم (في صوامع مرشدينا) آيفيةالقضاء على سلطة الحواس في مهدها حتى لا نصبح عبيداً لها. في مدرستي في مدينة رانشيبولاية بيهار آنا نجعل الصغار ينامون أحياناً على حصائر صغيرة على الأرض القاسية،فنشأوا أصحاء أقوياء جسدياً وعقلياً. الغربيون متعودون على وسائل خارجية عديدة منأجل الراحة والنوم المريح.
في الهند آنا نجلس على الرمل الساخن قصد التأمل. وبالتدريج استطعنا الجلوس في الحر طوال اليوم، وفي البرد بالمثل. ونتيجة لهذا التدريب حصلت على مقدرة عقلية آبيرة بحيث لا يقوى شيء علىتعكير وعيي أو التأثير به.
عندما أفصل عقلي عن الحواس لا يزعجني شيءعلى الإطلاق.
منذ سنين آان الطقس حاراً للغاية، والكل آانوا يلهثون. وعنطريق الترابط العقلي انتقلت إليّ مضايقاتهم بحيث لم أتمكن من ترآيز الفكر وآتابةبعض المقالات. ثم عنفت نفسي قائلاً "لمَ آل هذا؟" وصليت لله: "يا رب إن نفسالكهرباء تصنع الحرارة في الفرن والجليد في الثلاجة. فالطقس معتدل!" وعلى الفورأصبح الجو لطيفاً بالنسبة لي آما لو أن طبقة من الثلج أحاطت بجسمي،
وأخذت أشعربإلهام عظيم وآتبت دون أية صعوبة.
في مرة أخرى منذ سنين، آنت أقوم برحلة عبرالولايات في سيارة تجوال مكشوفة بصحبة مجموعة من الشباب من طلاب معرفة الذات، وآانأحدهم سكرتيري. هو وأنا نمنا في السيارة وتقاسمنا بطانية صغيرة. الليل آان قارساًلدرجة التجمد. فعندما غطيّت في نوم عميق سَحبَ عني الغطاء، وعندما استيقظت جزئياًسحبت البطانية عنه بصورة لا شعورية! هذا استمر لبعض الوقت. من ثم قال عقلي: "لماذاتتصرف بهذه الكيفية؟ كل شيء تمام. إنك دافئ!" عندئذ ألقيت البطانية عني ثم جلستورحت أتأمل فأصبح جسمي آالرغيف الساخن.
أما التلاميذ فلدى استيقاظهم بعد ساعتينوهم يرتجفون من البرد وجدوني عديم الحرآة.
لقد كــنت مستغرقاً في النشوةالمقدسة، فظنوا أني قد فارقت الحياة وأيقظوني من الإنخطاف الروحي بصراخهم، لكننيابتسمت وقلت: "لمَ كـل هذا الضجيج يا شباب؟ هيا بنا نواصل رحلتنا." فاحتجوا قائلين: "لقد كنت جالساً في الزمهرير والبرد المرير دون معطف أو حِرام!" ومع ذلك لم أصببالزكــآام.

وأنا الوحيد الذي كـنت دافئاً! ما ينبغي عمله هو تدريب العقللكي يصبح أكـثر إيجابية.
فإن صممتَ على أنك لن تصاب بالبرد أو الزكــام تصبحاحتمالية إصابتك بالزآام قليلة.
آما ينبغي تدريب العقل أيضاً للتغلب على الألم. الحساسية العقلية تضخم الألم،وتضخيم الألم معناه تناسي صورة الله في النفس.. تلكالصورة المقدسة التي لا تُقهر أبدا.

قال حكماء الهند القدامى أن كــلالعادات يبتدئ تكوينها في الإنسان في سن الثالثة.
ومن العسير جداً تغيير تلكالعادات بعد أن تكون قد رسخت وتجذرت في تربة الوعي. فإن كــانت أسرتك وبيئتك قدخلقتا في عقلك ما تحبه وما تكرهه فقد تلازمك تلك الإنطباعات مدى الحياة.

إنأول ما تعلمته من مرشدي الحكيم سري يوآتسوار هو التغلب على الأهواء النفسية فيمايتعلق بالإحساسات.
فعندما ذهبت إليه لأول مرة قصد التدريب كنت أصاب بالزكــام إنلم أستعمل بطانية دافئة في الطقس البارد.
لكن معلمي علمني كيف أستعمل قوة العقلللتغلب على تلك الفكرة.
ونتيجة لذلك تحررت من التعرض للزكآام الذي رافقني منذالطفولة ولغاية الحصول على تدريب المعلم!

بعض الناس يقولونأنه يتوجب علينا الإعتماد على العقل فقط. آخرون يعتقدون أنه ينبغي لنا إشباعالحواس. كللتا الحالتين متطرفتان.
طبقاً لإحدى النظريات يستحسن الحصولعلى فحص طبي بانتظام للتأكد من صحة وسلامة الجسم، تماماً آفحص السيارة من حين إلىآخر. هذا أمر منطقي. لكن الإنسان ليس آلة. فإن كانت حالتك النفسية الصحيحة تتوقفعلى حالة الجسد فعاجلاً أم آجلاً سيصبح العقل رهينة لمتطلبات الجسد بحيث لا تنفعأنواع وكميات الأدوية ووسائل العلاج الجسدي الأخرى.
هذا يفسر إصابتنا بالأمراضالمستعصية. لقد أصبح الوهن الجسدي مستحكماً لأن العقل رفض أن يكونسيد الجسد.من الأفضل التزام الإعتدال في البداية.

فإن أصبتَ بجرحطفيف ضع قليلاً من اليود عليه ولكن لا تعتمد اعتماداً آلياً على الدواء. اتخذالإحتياطات المعقولة المناسبة إلى أن تستطيع الإعتماد تدريجياً أكثر فأكثر علىالعقل.
المعلمون العظام أنفسهم استخدموا الأدوية المصنوعة أصلاً من أعشاب وموادكيماوية خلقها الله.

الأدوية والعقاقير ليست ضرورية للمعلم الروحي، لكن لكييبرهن أن قوة الله تعمل في طرق لا تحصى فقد يختار أحياناً استخدام بعض المستحضراتالطبية. وعلى أية حالفإن الظَفر يكمن في قوة العقل.

فعندما تتوصل إلى القناعة التامة بأنه يمكنكالإستغناء عن آل الأدوية دون أي تأثير سيء تنتصر وتكتب لك السيادة علىالجسد.

ذات مرة أصيب أحد المعلمين بكسر في ذراعه وسمح بمعالجتهاوتضميدها. وعندما أتى أحد الأثرياء لزيارته بعد فترة قصيرة من الحادث ظن التلاميذالمتوجسون خوفاً أن الزائر سيخيب ظنه لدى رؤية ذراع المعلم في حمّالة اليد. فقالالمعلم للزائر: "آما ترى (شوفة عينك)! ذراعي مكسورة وأحس بالألم..

والتلاميذ يتصورون أنك لدى رؤية ذراعي المكسورة ستحسب أن الله قد تخلى عنيولم يعد يهتم بي، فلا تلق بالاً لهم." وفي مرة أخرى كان نفس المعلم ينشد لله فيحالة نشوانية سامية عندما سقط على كومة قريبة من الفحم المتوهج، ومع ذلك واصلغناءه. وعندما رفعه التلاميذ وجدوا أن بعض الفحم الحي قد التصق بظهره ويشوي لحمه،فذعروا من ذلك المشهد المريع،
لكن المعلم ابتسم وقال بهدوء "طيب انتزعواالفحمات بدلاً من آل هذا الارتباك!" ولم يشتكِ من أي ألم.

ذلك هو الترفعالعقلي الذي يثبته المعلمون. وفي هذه المناسبة برهن المعلم أنه كان بالفعل فوقالألم. أما في المناسبة الأولى فقد أظهر أنه كان متأثراً بالألم لكنه احتمله بصبروتواضع. يجب اتخاذ موقف حازم من الجسد ومتطلباته.
تقول الأسفار المقدسة أن أفكارالحرارة والبرودة واللذة والألم تنجم عن ملامسة الحواس لمولّدات تلك الأفكار أوالإحساسات. لكنتلك الأفكار والإحساسات محدودة ببدايةونهاية. إنها عابرة زائلة في طبيعتها فينبغي احتمالها بصبر وأناة.

لماذا التأثر بقليل من البرودة أو الألم. يجب تنمية شجاعة نفسية أكبربتهذيب العقل على التحمل إلى أن يتمكن أخيراً من الترفع عن كل ضروب الألم والمتاعبالأخرى. الجسد هو مجرد قفص مكسو باللحم، به يعيش طائرالحياة لفترة زمنية محدودة. الحياة بذاتها متحررة تماماً من الجسد، لكنالحياة أصبحت مرتبطة ومقترنة بحالات الجسد المحدودة المقيّدة، ولهذا فإنها تتألم.
أثناء ساعات اليقظة تكون على دراية بالإحساسات الجسدية. أما أثناء النوم، عندمايكون عقلك متحرراً من الجسد لا تكون على دراية بتلك الإحساسات، بل تشعر بسلام عميق. وآون الإنسان مخلوقاً على صورة الله فباستطاعته العيش في الجسد منفصلاً آلياً عنالإحساسات الجسدية. لكنه بدلاً من ذلك يأخذ على عاتقه حالات الجسد ويجعلها حقيقيةأآثر من اللزوم. للتحرر من الإحساسات يجب أن يفصل الشخص نفسه عقلياً عن الجسد. لهذاينصح القديسون بالترفع النفسي عن أحاسيس اللذة والألم معاً، وهذا لا يتم إلابالممارسة.

لقد برهنت هذه الحقيقة لذاتي وأعلم أن الحساسية المفرطة تنطويعلى أضرار كثيرة. إن الاستجابة الصاغرة لمتطلبات الحواس هي علة كل ألم وشقاء. اللهلم يكتب علينا التألم والمعاناة. لقد خلق المدركات الحسية آي تهدينا وتسلينا،وأرادنا ويريدنا أن نستخدم الآلة الجسدية بحكمة لا أن نرتبط بها لدرجة تجعلنا تعساءأشقياء.

إن أحب إنسانٌ حيواناً أليفاً بتعلق كبير فإنه سيتجاوب مع إحساساتذلك الحيوان، مع أنه غير مرتبط جسدياً بالجملة العصبية به. وبنفس الكيفية فإنآلامنا الجسدية ناجمة عن التعلق النفسي الكبير بالجسد. يجب أن يحرز العقل سيادةأكبر على الجسد.

رائع أن يتمكن الإنسان من العيشبقوة العقل لأن العقل يستطع فعل كل ما تطلبه منه. وما هي الطريق للإعتمادأكثر فأكثر على العقل؟ بتعويد النفس تدريجياً على الحرارة والبرودة، على النوم علىفراش قاسٍ، وعلى التقليل من الإعتماد على وسائل الراحة المألوفة.

أثناءتحدثي آنت ساهياً تماماً عن درجة الحرارة المرتفعة اليوم، ولكنني لمجرد ذكر الحرارةأخذت أشعر بها. ذات مرة كنت أحاضر في طقس حار للغاية. إضافة إلى ذلك فقد ازدادتالحرارة داخل جسمي، مثلما تزداد آلما أحاضر في الروحيات.
وقال عقلي: "لا تستطيعإكمال المحاضرة دون أن تمسح وجهك الذي يتصبب عرقاً." تحسست جيبي بحثاً عن منديللكنني لم أجده. عندها نظرت إلى العين الروحية وأوحيت إلى عقلي: "لا يوجد حر علىالإطلاق." وعلى الفور تلاشى الشعور بالحر الخانق وواصلت المحاضرة بهدوء واستمتاعببرودة ملطفة.

مارس هذه الأشياء بنفسك وتأكد ما إذاكان ما أقوله صحيحاً أم لا.
باستطاعتك مضاعفة الألم بالحساسية وتخفيفهبالتحرر العقلي. عندما يتوفى عزيز علينا فبدلا من الحزن المفرط يجب أن نتيقن أنهذهب إلى مستوى أرقى تلبية للإرادة الإلهية وأن الله يعلم ما هو أفضل له.

يجب أن نشكر الله على تحريره ونبعث له بأفكار المحبة والأماني الطيبةسائلين الله أن يتقبله ويبسط عليه رحمته ورضوانه في دار الخلود حيث لا خوف عليهمولا هم يحزنون. من الطبيعي أن نفقد أحبّاءنا المفارقين وإلا لما آنا بشراً. لكنمشاعر الحزن تؤثر بهم سلباً وتبقيهم أقرب إلى المستوى الأرضي من السماوي. الكآبةالمفرطة تمنع النفس المفارقة من التقدم نحو سلام أعظم وحرية أكبر. إن معظم ساكنيالأرض اليوم ما كانوا هنا منذ مائة سنة. آخرون كانوا هنا قبلنا. ونحن أيضاً لن نكونهنا بعد سنين من الآن.
سينتهي دورنا وينقضي أجلنا، والأجيال القادمة لن تفتكربنا، بل سيشعر الناس آنذاك مثلما نشعر الآن أن هذا العالم هو عالمهم، لكنه سيؤخذمنهم ويؤخذون منه الواحد تلو الآخر. لا بد أن الموت ضرورة بشرية وإلا لما سمح اللهالرحيم بحدوثه لأي شخص. فيجب أن نعزز ثقتنا بالله وأن لا نخشى الموت. الذين يرهبونالموت لا يمكنهم التعرف على طبيعة نفسهم الحقيقية. قال شكسبير: "الجبناء يموتونمراتٍ عديدة قبل موتهم، أما الشجاع فلا يذوق الموت إلا مرة واحدة." الجبان يصرفأيامه في حالة نفسية من الألم والموت البطيء.

الشجاع يختبر الموت الأخيروحسب، بسرعة وبدون ألم. إن مات شخص موتاً طبيعياً أو كان متقدماً روحياً فإن وعيهالروحي يستيقظ فور موت الجسد ويجد نفسه في مستوى آخر من الوجود.. مستوى له كلالإحساسات لكن من دون الجسد.

الإدراك مقره العقل. في الموت يسلخ الإنسان عنه جسمه المادي الكثيف الذي هو صورة للعقل من طبقة دنياوعلة آل متاعب النفس. هناك نوعان من الناس: الشكاؤون البكاؤون على مساوئ العالم،والمتغلبون بابتساماتهم على مصاعب الحياة.. المحافظون على إيجابيتهم بالرغم منالظروف المعاآسة. لا حاجة لأخذ الأمور على محمل آبير من الجدية.
لو كان كلإنسان على قدر أكبر من الإيجابية والإنسجام لكانت أحوال هذا العالم أفضل بكثير مماهي عليه الآن. في أدغال الحضارة.. في مصاعب وتعقيدات الحياة العصرية يكمن الإمتحان. كل ما يصدر عن الإنسان سيعود إليه إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ. من يكره الآخرينسيكرهه الآخرون.ومن يملأ نفسه بالأفكار السلبية والعواطفالمتنافرة يدمر شخصيته ويقضي على سعادته بنفسه.
إن شعرت بالغضب تمشَّوعِدّ من واحد إلى خمسة عشر، أو حوّل تفكيرك إلى شيء محبب بهيج. عندما يسيء الغيرمعاملتك فليس من الحكمة أن ترغب في معاملتهم بالمثل.
حينما تكون غاضباً يغليدماغك وتعاني صمامات قلبك ويصبح جسمك مسلوب الحيوية منهوك القوى. ابعث بأمواج السلام والخير التي تعبّر خير تعبيرعن الطبيعة الحقةلروحك، لصورة الإلوهية في داخلك. عندها لن يقوى أحد علىخضّك أو تعكير صفوك.

خلاصة القول كل شيء يبدأ في العقل. الخطيئة منخلق العقل. الأطفال الصغار يسيرون عراة دون أي شعور بالخطيئة. كل شيء نقي لصاحبالفكر الطاهر النقي،
أما بالنسبة للفاجر الخليع فكل شيء يبدو سيئاً وشريراً. (إذا ساءَ فعلُ المرء ساءتْ ظنونهُ وصدَّق ما يعتادهُ من توهّم ) ا

العقل غير المنضبط يخلق الإضطراب في حياتنا. ذوو العقول المستعبدة للحواسهم مشعلو نيران الفتن والحروب وأقطاب الظلم والظلام.

لقد رآكب اللهأرواحنا في هذه الأجساد المزودة بالإحساسات لكي نتمكن من العيش في هذا العالموالإستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين، دون أن نرهن سعادتنا بما يدور حولنا منأحداث ومتغيرات دائمة التقلب والتبدّل.
آما يريدنا الله أن نتحكم بمشتهياتنابدلا من السماح لها بالتحكم بنا وأن نمتلك اتزاناً عقلياً ليس عندما يكون آل شيءباسماً مشرقاً وحسب، بل في صميم المصاعب وخضم المتاعب أيضاً. إن معرفة الذات تمنحناتلك السيادة. رقصة الحياة والموت لا تتوقف،

لكن الإنسان يمتلك المقدرةالنفسية للترفع عن كل الإختبارات الحسية وعدم التأثر بتناقضات الحياة. بإمكانالإنسان التغلب على نسبيات الحياة إن هو نظر إلى الأشياء والأحداث نظرة متوازنة. وبذلك يُظهر طبيعته الروحية التي لا يقوى شيء على قهرها والنيل منها. الذين توصلواإلى هذه المرحلة من الانضباط يعيشون ملوكاً بين الأنام ويتوحدون مع المطلقاللانهائي الذي لا يخضع للتغيير والتبدّل.

إن تعاليم اليوغا الروحية تعالجتفاصيل الحياة بدقة متناهية وتلقن الكيفية التي ينبغي بواسطتها أن يتصرف المرء تحتكل الظروف. الناس مخلوقون على صورة الله لكنهم فقدوا التواصل مع تلك الصورةالمبارآة وعليهم اكتشافها من جديد في باطنهم. الذهب الصافيالمطمور تحت أآداس التراب يبقى ذهباَ خالصاً ويحتفظ بكامل خواصه بالرغم مناحتجابه. وللكشف عليه يجب الحفر في التربة والتنقيب عنه حتى يتم العثورعليه.

وبالمثل فإن طبقات عديدة من العادات الصلصاليةوالإحساسات الطينية تغطي النفس الذهبية الشريفة. هذا "الطين" هو علة مشاكلالإنسان النفسية من عصبية وخوف وحقد وحسد وعُقد نقص ونظرات خاطئة وأساس كل الصفاتالذميمة الأخرى.

وللتخلص من ذلك الطين المهين يجب تنمية حالة نفسية قويةومنيعة إزاء الجسد والحواس.

التعلق بالجسد تنجم عنه مخاوف شتى. لقد تصورتُفي عقلي كل ضروب الألم وقهرتها جميعاً. ولكي يدرك الإنسان أنه مصاغ على صورة اللهالنقية يجب أن يترفع عن الخوف والغضب ويقضى على الحساسية المفرطة.

بعض الناسيصعب إرضاؤهم لأنهم مكبَّلون ومثقلون بعادات سطحية وتفاصيل حياتية تافهة.
أماصاحب العقل القوي فبإمكانه القول: "باستطاعتي اليوم أن أنام على سرير وثير وغداًعلى الأرض لأنهما عندي سيّان."

وقس على ذلك. هذا الحياد النفسي يدرّب العقلويجعله يأتمر بأوامرك وينفذ ما تطلبه منه. العقل أيها الأصدقاء مخادع للغاية. لكنبالتهذيب يتعلم الأدب ويحسن التصرف. عندما تقول "لا يمكنني الإستغناء عن ذلك النوعمن الطعام" يردد العقل "الإستغناء عن ذلك النوع من الطعام أمرٌ مستحيل!" ولكنكَروحٌ أسمى من العقل. فلو قلتَ "لن أسمح لأي إنسان أو لأي شيء بأن يستعبدني" سيستجيب العقل ما دام الأمر حازماً والإيحاء قوياً. أنتسيد العقل والجسم معاً فلا تكن خادمهما ولا ترقص على أنغامهما.

التحرر منعبودية الحس هي الطريقة الوحيدة للسلام والسعادة. ومهما تكن الأحول والظروف حاولالترفّع عن كل الحساسيات المؤلمة واجعل نفسكَ سعيداً لأن باستطاعتك ذلك!

تقول نصوص الحكمة الشرقية: "إن حالة السكينة النفسية التامة التي يتمبلوغها بتأمل اليوغا.. والتي بها تفرح النفس برؤية الذات العليّة ساطعة كالشمس فيعز الظهيرة.. حيث تدرك وتتذوق بصيرة الروح الفرحَ الأعظم..
ويبتهج اليوغيبمعرفة السر المكنون. من يصل إلى تلك الحالة المباركة يهنئ نفسه لعثوره على كنزالكنوز.. ويظل آمناً من غدر الدهر ومفاجآت الحياة.. مطمئناً في ذاته.. تلك الحالةالتي تعرف باليوغا.. هي حالة التحرر من الحزن والألم.

فطوبى لمن يسعىلبلوغها بقلب جريء وتصميم قاطع..
وهنيئاً لمن يعثر عليها ويتنعم بغبطتها التيتفوق حد الخيال.. وتعصى على الوصف.."
والسلام عليكم.


ملاحظة إلىالقارئ الكريم: ندعوك لمعاودة قراءة هذه المواضيع الروحية مؤكدين لكَ بأنك إن أعدتقراءتها بتمعن بحثاً عن درر الأفكار وروح المعاني فستجد في كل مرة مدركآااتٍ جديدةتختلف عن سابقاتها وكــــأنك تقرؤها للمرة الأولى.
وفي هذا تكمن أهمية هذهالتعاليم ومصداقيتها. وهذا يذكرنا بالقول المأثور: It is through repetition that we learn the most
في الإعادة أكـــبر إفادة مع تحياتناالقلبية.

نسائم الرحمن
18-12-2014, 05:12 PM
مشكور اخي هاشم بارك الله فيك

ثريا حامد
31-12-2014, 07:36 PM
شكرا على الموضوع القيم

حياة الروح
28-01-2015, 11:24 AM
بارك الله فيك استاذ هاشم على الموضوع القيم والمهم

نسمة الغزالى
16-12-2015, 04:20 PM
شكرا على الموضوع القيم والمعلومات المفيدة

جنة
22-12-2015, 04:24 PM
بارك الله فيك استاذ هاشم على الموضوع القيم والمهم

فايق المعداوى
23-12-2015, 10:53 PM
مشكور اخي هاشم بارك الله فيك

رشيدة
26-12-2015, 10:13 AM
بارك الله فيكم وأحسن الله إليكم وجزاكم الله كل خير

حنين
01-01-2016, 05:35 PM
شكرا على الموضوع القيم والمعلومات المفيدة

وليد البلوشى
02-01-2016, 11:15 AM
شكرا على الطرح القيم

حنين
07-01-2016, 12:32 AM
شكرا على الطرح القيم

نور الهدى
10-01-2016, 02:25 PM
شكرا على الموضوع القيم والمعلومات المفيدة

Maya
28-03-2016, 01:15 PM
بارك الله فيك اخي هاشم على الموضوع الجميل