المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آداب الاستيقاظ



نسائم الرحمن
25-06-2015, 12:48 PM
آداب الاستيقاظ




الاستيقاظ هو الانتباه من النوم ، وقد يكون انتباهًا طبيعيًّا بعد أن يأخذ الجسم راحته من النوم ؛ وقد يكون استيقاظًا لعارض من قلق أو كابوس أو نحو ذلك ؛ ولكل حالة من حالات الاستيقاظ أدبٌ وذكرٌ يخصها .


ولنذكر أولا آداب الاستيقاظ الطبيعي ، والتي جمعها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ :


" يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ؛ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ "


ولفظ مسلم : " فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ " ( [1] ) ، وقافية الرأس : مؤخرتها ؛ وقيل : القفا ، وآخر كل شيء قافيته ، ومنه : قوافي الشعر ، لأنها أواخر الأبيات ، ومنه قيل لنبينا صلى الله عليه وسلم : المقفى ، لأنه آخر الأنبياء .

وكيف يعقد الشيطان على رأس ابن آدم ؟ قال النووي - : واختلف العلماء في هذه العقد ؛ فقيل : هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام ؛ قال الله تعالى : [ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ] [ الفلق : 4 ] ؛ فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر ؛ وقيل :


يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد ؛ وقيل : هو من عقد القلب وتصميمه ، فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلا طويلا فتأخر عن القيام ؛ وقيل : هو مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل ( [2] ) ؛ أما القول بإنها كعقد السحر فلا يقف على حقيقته أحد ؛ وقال ابن عبد البر :


إن الشيطان ينوِّم المرء ، ويزيده ثقلا وكسلا بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه ، إلا عباد الله المخلصين ( [3] ) .


والحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر، فإن اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة إلا وقد ذهب الليل ؛ قاله أبو العباس القرطبي في ( المفهم ) ، وقال البيضاوي : التقييد بالثلاث إما للتأكيد ، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء : الذكر والوضوء والصلاة ، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه ، وكأن تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه ، وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته ( [4] ) .


ومعنى قوله : " يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " أي : يضرب بيده على العقدة تأكيدًا وإحكامًا لها ، قائلا ذلك ؛ وقيل:


معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ ، ومنه قوله تعالى : [ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ] [ الكهف : 11 ] أي: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا ( [5] ) ؛ وذلك مقصود ذلك العقد ومراد الشيطان منه ، ويعني بقوله : " عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " تسويفه بالقيام ، والإلباس عليه بأن في بقية الليل من الطول ما له فيه فسحة ؛ ونقل ابن بطال عن المهلب قال : قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى العقد ، وهو قوله : " عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " كأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ إلى حزبه ، فيعتقد في نفسه أنه بقيت من الليل بقية طويلة ، حتى يروم بذلك إتلاف ساعات ليله وتفويت حزبه ( [6] ) .


وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله Y يُطرد به الشيطان ، وكذلك الوضوء والصلاة ؛ وقال النووي - :


ومنها التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قلَّت ( [7] ) ؛ فقد بين الحديث ثلاثة آداب لحل عقد الشيطان الثلاثة :


الأول : ذكر الله تعالى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :


" فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " فقد استفيد منه الحث على ذكر اللّه تعالى عند الاستيقاظ ، وأنه يحل عقدة من عقد الشيطان الثلاثة ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر مخصوص لا يجزئ غيره ، بل كل ما صدق عليه ذكر الله U أجزأ ، ويدخل فيه : تلاوة القرآن ، وقراءة الحديث النبوي ، والاشتغال بالعلم الشرعي ؛ لكن الأذكار المأثورة أفضل ( [8] ) .


ومما ورد من أذكار الاستيقاظ ؛ ما تقدم من حديث حذيفة وأبي ذر والبراء رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اسْتَيْقَظَ قَالَ :


" الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( [9] ) ؛ وفي رواية الترمذي لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم في الذكر عند النوم:


" فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ " ( [10] ) .

ومن ذلك حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :


" مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الْحَمْدُ للهِ ، وَسُبْحَانَ اللهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا ، بِاللهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ " رواه أحمد والبخاري وأهل السنن ، وهذا لفظ البخاري،ولأحمد:


" ثُمَّ قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي (أَوْقَالَ: ثُمَّ دَعَاهُ اسْتُجِيبَ لَهُ) ، فَإِنْ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى تُقُبِّلَتْ صَلَاتُهُ " ونحوه عند الباقين ( [11] ) ؛ قال الخطابي - : يتعار معناه : استيقظ من النوم ، وأصل التعار : السهر والتقلب على الفراش ، ويقال : إن التعار لا يكون إلا مع كلام وصوت ، وهو مأخوذ من عِرار الظليم .ا.هـ. زاد ابن الأثير في (النهاية): وقيل: هو تمطى وأنَّ ([12]) .



الثاني : الوضوء ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :


" فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " ، وعند مسلم :


" وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ " وفيه التحريض على الوضوء في هذه الحالة ، وهو كونه تنحل به إحدى عقد الشيطان وإن لم تنضم إليه في تلك الحالة صلاة ؛ فإذا انضم إلى ذلك حل العقدة بالذكر كان المنحل من العقد بالذكر والوضوء عقدتان ، وهو معنى رواية مسلم .


قال ابن حجر - : إنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب ، وإلا فالجنب لا يحل عقدته إلا الاغتسال ، وهل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك ؟ محل بحث ؛ والذي يظهر إجزاؤه ؛ ولا شك أن في معاناة الوضوء عونًا كبيرًا على طرد النوم ، لا يظهر مثله في التيمم ( [13] ) .



الثالث : الصلاة : " فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " ، وعند مسلم : " فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ " المراد أنه انحل بالصلاة تمام عقده ، فإنه قد انحل بالذكر والوضوء اثنان منها ، وما بقي إلا واحدة ، فإذا صلى انحلت تلك الواحدة ؛ وحصل حينئذ تمام انحلال المجموع .


وفيه حض على قيام الليل ؛ لأن فيه أنه يصبح طيب النفس نشيطًا بعد ذكر الوضوء والصلاة .


وقوله صلى الله عليه وسلم : " فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ " يريد أنه بذكر الله تعالى وبالوضوء وبالصلاة تنحل عقد الشيطان كلها ، وينجو المسلم من كيده ، ومن شر عقده ؛ فيصبح نشيطًا قد انحلت عنه عقد الشيطان التي تكسله ؛ فينشط لما يرد عليه من عبادات أُخر ، من صلوات وغيرها ، وينشط لما يحتاجه من أمور حياته ؛ " طَيِّبَ النَّفْسِ " بما عمل في ليله من عمل البر ؛ لرجاء ثواب ما فعل ؛ ولانشراح صدره بما يستقبل، فيصبح مسرورًا بما قدم، مستبشرًا بما وعده الله من الثواب والغفران، مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره ؛ والله أعلم ، واستظهر ابن حجر - - أن في صلاة الليل سرًّا في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر ، وكذا عكسه ؛ قال : وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ] إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [ [ المزمل : 6 ] ( [14] ) .


وقوله صلى الله عليه وسلم : " وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " أي : متغيرًا بشؤم تفريطه ، وهمِّه بما فاته من حزبه ؛ ولما عليه من عُقَد الشيطان - التي لم تزل - وآثار تثبيطه واستيلائه وإتمام خديعته عليه ؛ إذ قد حمله على أن فاته الحظ الأوفر من قيام الليل؛ وكسَّله عن النشاط في أعمال البر ؛ وقوله : " كَسْلَانَ " ؛ أي : متثاقل عن فعل الخيرات ؛ وربما يحمله ذلك على تضييع الواجبات ( [15] ) ؛ قال النووي - : وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة - وهي الذكر والوضوء والصلاة - فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان ( [16] ) .


هذا والعلم عند الله تعالى .





[1] - رواه البخاري ( 1091 ، 3096 ) ، ومسلم ( 776 ) .



[2]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 6 / 65 ، وانظر ( التمهيد ) : 19 / 45 ، 46 ، و( الاستذكار ) : 2 / 375 لابن عبد البر ؛ و( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 25 ، 26 .



[3]- انظر ( التمهيد ) : 19 / 45 ، 46 .



[4]- نقلا عن ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .



[5]- انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 25 .



[6]- نقلا عن ( شرح صحيح البخارى ) لابن بطال : 3 / 135 .



[7]- شرح النووي على مسلم - (6 / 66) .



[8]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 6 / 66 ، و( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .



[9] - رواه البخاري عن حذيفة وأبي ذر ؛ ورواه مسلم عن البراء y .



[10] - الترمذي ( 3401 ) .



[11] - أحمد : 5 / 313 ، والبخاري ( 1154 ) ، وأبو داود ( 5060 ) ، والترمذي ( 3414 ) ، والنسائي في الكبرى (10697)، وابن ماجة ( 3878 ) .



[12] - انظر معالم السنن : 7 / 316 مع المختصر ، والنهاية في غريب الحديث والأثر : مادة ( عرر ) .



[13]- انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 27 .



[14]- انظر(شرح ابن بطال على البخاري): 3 / 135 ، و( شرح النووي على مسلم ) 6 / 66 ، و( فتح الباري ) لابن حجر :3/ 26 .



[15]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) 6 / 67 ، و ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .



[16]- شرح النووي على مسلم - (6 / 67) .


فائدة :

قال العلماء وليس هناك تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم :

" وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " ، وبين قوله صلى الله عليه وسلم :

" لاَيَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ:خَبُثَت ْنَفْسِي،وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي " ( [1] ) ؛لأن النهي إنما وردعن إضافة المرءإلى نفسه لفظ(الخبث) وهو مذموم ، فيضيف الذم إلى نفسه ، وهو ممنوع في مثل هذا ، كراهية لتلك اللفظة ؛ والحديث الثاني إنما هو خبر عن حال من لم يذكر الله في ليله ولا توضأ ولا صلى فأصبح خبيث النفس ، ذمًّا لفعله وعيبًا له ؛ ولو أضاف الإنسان لفظ الخبث إلى غيره مما يصدق عليه ، لم يكن ذلك مذمومًا ولا ممنوعًا ، لأنه إخبار عن صفة غيره ؛ والله أعلم ( [2] ) .


[1] - رواه البخاري ( 5825 ) ، ومسلم ( 2250 ) عن عائشة رضي الله عنها ؛ ومعنى ( لقست نفسي ) : خبثت ، أي : حصل لها الكسل والخمول أو المرض ؛ وكره لفظ ( خبثت ) لبشاعته ، لأن من معانيه الباطل في الاعتقاد ، والكذب في القول ، والقبح في الفعال .

[2]- انظر ( التمهيد ) : 19 / 47 و( الاستذكار ) : 2 / 375 لابن عبد البر ؛ وشرح النووي على مسلم : 6 / 67 ، و(فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 27 .

ابوعافيه المصري
25-06-2015, 07:55 PM
شكرا وجزاك الله خير

كريمة
25-06-2015, 10:14 PM
مشكورة اختي نسائم

سيدرا
04-09-2015, 02:31 AM
شكرا جنة على مواضيعك الحلوة عن الخلطات

اماريج
05-09-2015, 06:57 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع القيم

يمانى عزوز
06-09-2015, 04:55 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير

ابو على
07-09-2015, 09:46 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع القيم

حسناء
08-09-2015, 11:39 AM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع القيم

Maya
06-10-2015, 03:25 PM
شكرا وبارك الله فيكم

دعاء البشرى
06-11-2015, 07:58 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير

هيام العسال
30-11-2015, 03:52 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع القيم