المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معارك تاريخية خالدة غيرت وجه التاريخ الأسلامى : معركة حطين



نسائم الرحمن
07-03-2016, 11:59 PM
https://i.ytimg.com/vi/Sqc0WUztmJU/hqdefault.jpg


معركة حطين معركة فاصلة بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين، وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 م بالقرب من قرية المجاودة، بين الناصرة وطبرية انتصر فيها المسلمون، ووضع فيها الصليبيون أنفسهم في وضع غير مريح إستراتيجيا في داخل طوق من قوات صلاح الدين، أسفرت عن سقوط مملكة القدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.

بعد الانتهاء من الحكم الفاطمي في مصر وإخضاع صلاح الدين لبلاد الشام بعد موت نور الدين زنكي، وبعد الممارسات التي قام بها الحكام الصليبيون تجاه المسلمين، لا سيما من جانب أرياط صاحب قلعة الكرك الذي أمعن بالمسلمين قتلاً وتشريداً وانتهاكاً للحرمات، في وقت أصبح فيه الفرنجة بين فكي كماشة، رأى صلاح الدين أن يقوم بعمل عسكري من شأنه أن يبعد هذه المخاطر، مستفيداً من الأوضاع المستجدة، ولذلك جهز جيشاً كبيراً جعل تمركزه في حوران، وكان ذلك يوم الجمعة في 26 حزيران 1187 ، وخرج به إلى جنوب بحيرة طبرية، حيث عبر طريق عفرا باتجاه نهر الأردن ، أما الملك الصليـبي غاي لوسينيان، فإنه حشد كل ما في وسعه من الفرسان في عكا، فلم يتركوا سوى حاميات صغيرة للدفاع عن القلاع الموكول أمرها إليهم، وأصدر الأوامر بالتحرك إلى طبرية، لكن صلاح الدين سبقهم وعسكر بجيشه جنوب حطين، بحيث جعل البحيرة إلى ظهره وقرية حطين إلى يمينه، وبعد الظهر، وصل الفرنجة إلى الهضبة التي تقع حطين خلفها مباشرة، فوجدوا المسلمين أمامهم في أسفل السفح قد سدوا عليهم الطريق وحالوا بينهم وبين الوصول إلى البحيرة، وتحت جنح الليل حرك صلاح الدين جيشه وعبأه للقتال، ومد جناحيه يميناً ويساراً، بحيث طوق الجيش الصليـبي كله، وما كاد يبزغ فجر السبت الرابع من تموز، حتى اكتشف الصليبيون أن المسلمين قد سدوا عليهم المنافذ وأحاطوا بهم من ثلاث جوانب، ومع بدء إرسال الشمس أشعتها الذهبية بدأ المسلمون بالهجوم، وأدرك الصليبيون أن الكارثة باتت وشيكة، فانسحبوا إلى تل حطين يساراً، ثم شنوا هجوماً صاعقاً مستميتاً على ميمنة الجيش الإسلامي، فأفسح لهم المسلمون المجال حتى يمروا، ثم سدوا عليهم الثغرة فلم يستطيعوا العودة، ولم تمض ساعات قليلة حتى ردوا جميعاً إلى التل، وهناك أعمل في رقابهم المسلمون السيف، وأبيد الجيش الإفرنجي، وكان أكبر جيش استطاع الإفرنج حشده لمعركة، وقتل ما يزيد على العشرين ألفا منهم، وزاد عدد الأسرى على الإثني عشر ألفاً. ولذلك شكلت هذه المعركة نقطة انعطاف ما بين مرحلتين كان المسلمون في أولاهما مدافعين فأصبحوا في الثانية مهاجمين، وقضت نهائياً على أسطورة الفارس الصليبي الذي لا يقهر.


القدس تحت الحصار؟

في المدى القريب، كان صلاح الدين يخطِّط لتحرير الحزام المحيط بالقدس استعداداً للهجوم عليها وتحريرها، وقد تم له ما أراد، فبعد شهرين من معركة حطين، قرر صلاح الدين تحريك موكبه وجيشه نحو القدس، حيث أعلن عن تقدم الجيش في التاسع عشر من أيلول، وحاصر من جهات ثلات المدينة التي لم يبق فيها فرسان، إلا "بالين"، الراهب الذي حاول التوسط بين رايموند وغاي لوسينيان، وبقية من فرسان الداوية الذين لم يكن السكان يكنون لهم الولاء والحب، بسبب تطرفهم، ومن هنا ألقيت المسؤولية على كاهل "بالين"، الذي قبل الأمر على مضض، وبدأ بتجميع ما تبقى من الجنود، فيما أعلن عن ترقية مجموعة من الفرسان لكي يقودوا الدفاع عن المدينة فيها، التي كان يرابط خلف أسوارها المسلمون، محاولين إحداث ثغرات في أسوارها، ولكن صلاح الدين غيّر خطته وانسحب بعيداً عن الأسوار لمنطقة جبل الزيتون، ليوهم المدافعين عن الأسوار أنه قرر الانسحاب، وتعالت أصوات الفرنجة لهذا الانسحاب، ولكن "بالين" أيقن أنه لا بد من التفاوض مع صلاح الدين على تسليم القدس، وبالفعل تفاوض الفريقان، ودخل المسلمون القدس في يوم الجمعة السابع من رجب من عام 583 الموافق الثاني من تشرين الأول عام 1187م، دون أن تراق فيها الدماء.


ردود الفعل على تحرير القدس

كانت ردة الفعل الأوروبية قوية على تحرير القدس وانهيار المملكة اللاتينية فيها، حيث قاد البابا مرة ثانية النفير العام، معوّلاً في هذا الأمر على دورٍ إنكليزي قوي، وما ساهم في تغذية هذا الدور اعتلاء الأمير ريتشارد عرش المملكة آنذاك بعد وفاة الملك هنري الثالث، حيث تحول حفل تتويجه إلى مناسبة عظيمة في عموم إنكلترا، وأقسم الملك على المشاركة في الحملة، وبدأ بالاستعداد لحملته إلى الأرض المقدسة، فقام بجمع المال وفرض إتاوة أو ضريبة عرفت باسم ضريبة صلاح الدين لدعم حملته، وعرض كما قيل كل شيء للبيع. وحينما انتهى من التحضيرات، سافر إلى فرنسا، ومنها انفصل عن الجيش الفرنسي حيث تحرك إلى مارسيل وصقلية. في هذا الوقت، كان صلاح الدين يواصل حملته لتطهير الأراضي الإسلامية من الصليبيين، حيث وقفت في وجهه الحامية المتواجدة في قلعة صور للمرة الثانية، وأعاقت حركته في تحرير ما تبقى من أراض إسلامية.


أوروبا تنقلب على نفسها


كانت أوروبا في هذه الأثناء تعيش حالةً من الاضطراب الداخلي والحروب الأهلية، بين الإقطاعيات والممالك المختلفة. وهذه الحروب كانت سبباً من أسباب قلق البابا الكسندر الثالث، الذي شهدت الفترة التي اعتلى فيها سدة البابوية، واستمرت اثنين وعشرين عاماً، الكثير من التحديات والمشاكل، أاهمها المشاعر المعادية للبابوية نفسها، وجيش العائدين المهزومين من المدينة المقدّسة، وما زاد من تفاقم وضع القارة الأوروبية الداخلي، تصاعد قوة ملك فرنسا الجديد فيليب السابع ابن لويس السابع الذي تزوج إلينور الإيكويتينة، إلا أنها لم تنجب له ذرية من الذكور، ولهذا السبب فإن ولادة فيليب الذي جاء ووالده في منتصف الأربعينات اعتبر معجزة، خاصة أن والده حاول أكثر من مرة الزواج والإنجاب دون نتيجة، ولهذا اعتبره الفرنسيون أنه عطية الله. وقامت بين الأخوين ريتشارد وفيليب علاقة قوية، جعلت العديد من المؤرخين يعتقدون أن علاقة شاذة كانت تربطهما، ومع ذلك، فإن العلاقة التي كانت بينهما لم تمنعهما من الدخول في دائرة التآمر السياسي الذي كان حاصلاً في ذلك الوقت بين البلاطين الفرنسي والإنكليزي. ففي جزء منه، كانت محاولة فيليب إعادة مجد مملكة شارلمان العظيمة التي أقامت علاقات مع الخليفة العباسي هارون الرشيد، وفي الوقت نفسه، كان عليه أن يتعامل مع الحقائق والحساسيات التي تفرضها عليه العلاقة مع إنكلترا.

كان الأمير ريتشارد أميراً ودوقاً على الإقطاعية التي ورثها من أمه إلينور السجينة في قصر الملك، وفي الإطار نفسه، كان الملك لا يحب نجله ريتشارد، ويفضل عليه ابنه جون، ولكن وفاة شقيقه هنري، فتح الطريق أمام ريتشارد ليكون ملكاً.


صور تفشل الحصار

واصل صلاح الدين تقدمه في الأرض التي كانت خاضعة للاحتلال الصليـبي في فلسطين والجوار، مقتحماً كل القلاع الموجودة أمامه، في عكا، وبيروت، وصور، وكان عليه الانتظار طويلاً أمام أسوار صور، وقد استنفد كل الوسائل لإخضاعها، ولكن دون جدوى، عندها آثر ترك الحصن والتقدم نحو معاقل أخرى، حيث احتل حصون آرسوف، وقيسارية، وامتنع أمامه حصن عسقلان التي ستتحول فيما بعد إلى ميناء زاهر، وكانت حصون المدينة منيعة.

حاول صلاح الدين التفاوض مع سكان عسقلان وقادتها للاستسلام، إلاّ أنهم رفضوا، عندها تقدم المسلمون نحو حصونها واحتلوها. وتفاوض مقدم الداوية (هي إحدى المنظمات الدينية المحاربة) جيرار مع بقية الفرسان في حصن غزة، ووعدهم حال إطلاق سراحه بمواصلة المعركة، وتم له ما اراد، والتحق هو ورجاله بحصن صور.


البابوية تقود النفير


لم يكن تحرير القدس نهاية للمشروع الصليـبي، بل كان بداية لحملات جديدة،
على الرغم من اعتراف الكثير من الأوروبيين أن مملكة القدس الضعيفة كانت على شفير الهاوية قبل تصاعد قوة صلاح الدين، إلا أن الفاتيكان تعامل مع تحرير القدس بنوع من القلق والحذر المريب، وكما يقول الباحث "ريستون"، فإن الدافع السياسي لتحشيد البابا الأمراء الأوروبيين نحو هدف واضح أثبت نجاعته، لأنه نجح في إيقاف الصراعات الداخلية بينهم ولو لوقت قصير. فمع أن الملك هنري العجوز كان في مزاج تصالحي، حيث عرض التنازل في مجال بعض الممتلكات التي كانت محل نزاع بين فرنسا وإنكلترا، وطالب فيليب الملك بإيفاء وعده وإتمام زواج أخت الملك غير الشقيقة آلايس التي وعد بها ريتشارد ولما يبلغ الرابعة من العمر.

هذه الروح اختفت بعد انتهاء المؤتمر الذي عقد بين ملكي فرنسا وإنكلترا، إذ حاول الملك هنري استغلال الفاصل التاريخي لصالحه السياسي، كما أنه، وهو العجوز، لم يكن ينوي الذهاب إلى فلسطين، ومن هنا قرر ملك فرنسا بمعونة من ريتشارد إعلان الحرب على الملك هنري، وأثرت الحملة عليه وتركته طريحاً جريحاً وحيداً إلا من بعض المخلصين له. وحينما علم ريتشارد بمرض والده الذي كان على فراش الموت، سارع إليه، وأعلن عن ندمه عن ما بدر منه والحرب التي أعلنها عليه، إلا أن الأب لم يتحرك ولم يتفاعل مع الابن، وحوّل نظره عنه، وقال كلمته الأخيرة التي تمنى فيها أن لا يموت قبل أن ينتقم منه.


في الطريق إلى "الأرض المقدسة"


في الماضي كان ريتشارد وفيليب يكمِّلان بعضهما البعض، أما في السياق الحالي، فإن ريتشارد، الذي سافر إلى الأرض المقدسة تسبقه الشهرة، وبجيش أكبر وأسطول أكثر عدة، ومال أكثر، فقد غطى على الملك فيليب الذي لم يكن مرتاحاً لهذا التطور. ومع ذلك، استطاع الملكان في غضون اليومين اللذين قضياهما في فيزيلاي التوصل إلى معاهدة سلام مفادها الحفاظ على السلام بين الدولتين طالما كانا في خدمة " الرب" في الأرض "المقدسة". وبعد الاتفاق على كل شيء وتوثيقه تحرك الجيشان، وقررا الانفصال بعد قطع الرون، وحسب الخطة، يتوجه الجيش الفرنسي صوب جنوة، فيما يتحرك ريتشارد نحو مارسيل لملاقاة أسطوله، بعد ذلك سيعاودان اللقاء في مسينا في صقلية. سارت الأمور كما رسمت، ولكنه تأخر ثلاثة أيام نظراً لوضع النهر الذي كان يفيض في الصيف، وانهيار جسر كان الجنود يمرون عليه، ما أدى إلى مقتل ثلاثمائة جندي، وعندها تحرك ريتشارد لإنقاذ الجيش من خلال موكب كبير من القوارب.

وتواصلت عمليات الالتحاق بالجيش، وانضمت إليه العديد من البوارج والسفن البحرية، وفي المقابل، تلقى ريتشارد أنباءً عن موت الملك الألماني الذي كان يقود حملة عبر الأراضي الرومية للدخول إلى بلاد الشام من الشمال، وكان لوفاة الملك أثر كبير على الجيش الألماني الذي انقسم على نفسه وأصبح بلا قائد.

خلال إقامة الملك ريتشارد في صقلية، أرسل جواسيسه لمعرفة وضع جيش صلاح الدين. وجاءه الخبر أن الفاتح خلال السنوات التي تبعت تحرير القدس لم يسكن ويرتح أبداً، حيث واصل حملاته على ما تبقى من القلاع الصليبية التي كانت على الساحل فقط. فقد استطاع صلاح الدين إضعاف قلب المملكة الصليبية، واحتلّ معظم القلاع الصليبية على الساحل باستثناء قلعة صور، التي حاول الوقوف أمام أبراجها مرة ثانية في تشرين الثاني من عام 1187، ولكنه قرر الانسحاب منها بعد تعرضه لخسائر فادحة، واضطر صلاح الدين الذي حاصر القلعة من البحر لإغراق ما تبقى من قواربه حتى لا تقع في يد العدو. وقد ألمح المؤرخون العرب بأن صلاح الدين قد أخطأ في استراتيجيته لاحتلال القلعة، إذ إنه وبدلاً من التركيز على القلعة، غيّر صلاح الدين مسار حملته من جديد، حيث قرر التحرّك نحو قلعة الأكراد، والقلاع والحصون الأخرى، منها قلعة صهيون في قلب الشمال، والتي قاد الهجوم عليها صلاح الدين نفسه، وحينما تم تحريرها سميت باسم الفاتح. بعد هذه الحملة الناجحة، قرر صلاح الدين التحرك نحو فلسطين لتحرير قلعتين أخريين كانتا في يد الأسبتارية، إحداهما قلعة صفد.

وصل الملك فيليب ملك فرنسا إلى عكا في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 587/1191م، ففرح به الصليبيون وجعلوه رئيساً عليهم، ووصل ريتشارد في الثالث عشر من جمادى الأولى، ففرح به الصليبيون أيضاً، وقويت شوكتهم، وبالغوا في محاصرة عكا، ولكن المسلمين قاوموا بشراسة إلى أن وهنت قوتهم، فاضطروا أخيراً إلى الانسحاب من البلد وتسليمه للصليبيين، واقتسم ملكا فرنسا وإنكلترا خزائن القوت وذخائر الحرب وكل ما كان فيها، ولكن ملك فرنسا قفل عائداً إلى بلاده نتيجة القسوة في المعاملة من جانب ريتشارد، وبمغادرة فيليب، أصبح ريكاردوس زعيماً أوحد للقوات الصليبية، فهاجم عسقلان ويافا وقيسارية وحيفا، وواجهه المسلمون في هذه المواقع، وجرت بين الطرفين مواجهات تبادل فيها المسلمون والصليبيون النصر والهزيمة. ولكن أمام إصرار الصليبيين على القتال، شعر المسلمون بالعجز، فلجأوا إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة وتخريب القلاع والحصون والبلاد كما حصل في أرسوف والرملة واللد.


الصلح بين ريتشارد وصلاح الدين

وظلت حالة التوتر قائمة بين المسلمين والصليبيين حتى تم الاتفاق بين صلاح الدين وريتشارد، وكانت الرسل من قبل الصليبيين تتردد إلى الملك العادل أخي صلاح الدين في الصلح، على أن يتزوج أخت الملك ريتشارد وفق الشروط التالية: أن تكون القدس وجميع بلاد الساحل التي بأيدي المسلمين للملك العادل، وتكون عكا وما في يد الصليبيين من البلاد إلى جوانا أخت ريتشارد، وأن فرسان الداوية والإسبارتية خاضعون لهذا الاتفاق، وأن الملك العادل يقطعهم البلاد والقرى دون الحصون. وعرض هذا الأمر على صلاح الدين فوافق، ولكن القسيسين والأساقفة والرهبان اتهموا أخت الملك في دينها، ما أدى دون إبرامه.
ويبدو أن العلاقات الطيبة التي نشأت بين الأيوبيين، وفي مقدمتهم العادل وصلاح الدين، وصلت إلى درجة عالية مع الفرنجة، جعلت ريتشارد يخاطب الملك العادل بـ"أخي" عندما انفرد بالحاجب أبي بكر، حيث قال له: قل لأخي يتبصر كيف نتوصل إلى السلطان في طلب الصلح وتستوهب لنا منه عسقلان، وأسافر إلى بلادي ويبقى هو هاهنا بهذه الشرذمة ويأخذ البلاد منهم، فليس غرضي إلا إقامة جاهي بين ملوك أوروبا، وإن لم ينزل السلطان عن عسقلان فتأخذ لي منه عوضاً عن خسارتي على عمارة سورها.كما أن ريتشارد أرسل مع الحاجب أبي بكر رسولاً من قبله يشكر السلطان على إسعافه بالفاكهة والثلج.

فأرسل صلاح الدين إلى الملك العادل بأنه إذا تنازل ريتشارد عن عسقلان فصالحه، لأن العساكر قد ضجرت من ملازمة البيكار والنفقات قد نفذت. ثم إن ريكاردوس تنازل عن عسقلان وعن العوض عنها، واستوثق منه على ذلك. فعقد السلطان ديوانه يوم السبت ثامن عشر شعبان لأجل تحرير شروط الصلح وتحديد البلاد التي تكون في يد الصليبيين، فذكر معظم المدن والقصبات الساحلية والحق للفرنجة بزيارة القدس بالراحة بدون ممانعة.

واستقرّت القاعدة على أنهم يحلفون يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهره، ورضي بذلك رجال الجمعيات الرهبانية (جمعية الهيكليين وجمعية القديس يوحنا المعمدان) وسائر أمراء الصليبيين، فحلف هنري دي شامبانيا ابن أخت ريتشارد، وهو المتولي على بلاد الشام وجماعة من أمرائهم للسلطان على الصلح، وأخذوا يده، وحلف لهم الملك والأفضل والظاهر وغيرهم وجميع أصحاب البلاد المجاورة لبلادهم.

وعقدت الهدنة العامة في البر والبحر والسهل والوعر لمدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر ابتداؤهم الحادي والعشرون من شعبان الموافق أول أيلول.

بعد انتهاء شروط الصلح المذكورة بين السلطان صلاح الدين وريتشارد ملك الانكليز ورئيس العساكر الصليبية الثالثة، أمر السلطان صلاح الدين أن ينادى في الأسواق والمدن أن الصلح قد تمّ، فمن شاء من المسلمين الدخول في بلاد النصارى فليدخل، ومن دخل من النصارى في بلاد المسلمين فلا أحد يمنعه. ثم أرسل مائة نقاب ومعهم أمير لأجل الاشتغال في هدم سور عسقلان الذي بناه الصليبيون، كما هو مذكور في شروط الصلح ولخروج مَن فيها من الصليبيين، وقد أقام مع النقابين بعض الصليبيين لإتمام هدم السور، وكان ذلك اليوم الذي تمّ فيه الصلح يوماً مشهوداً بين الطرفين.

ثم إن جميع العساكر الصليبية طلبوا زيارة القدس الشريف قبل سفرهم، فسارت العساكر الفرنساوية بقيادة دوق دي بورغونيا، وبعد الزيارة توفي القائد المذكور وسافرت العساكر إلى بلادها، ثم تبعتهم العساكر النمساوية وغيرها لأجل الزيارة، وكان السلطان صلاح الدين يرسل معهم الخفراء إلى أن يتمموا زيارتهم ويعودوا.

ولما وجد ريتشارد كثرة الزوار من الصليبيين، أرسل إلى السلطان صلاح الدين لكي يمنع كل من أراد الزيارة ما لم يكن معه تصريح من ريتشارد. ولكن السلطان لما وجد الأمراء والقواد قدموا إليه بقصد الزيارة أبى ردهم، بل شرع في إكرام كل من يرد منهم وإمدادهم بالطعام ومباسطتهم ومحادثتهم. وأرسل إلى ريتشارد يعتذر له ويقول إن أقواماً وردوا علينا لأجل الزيارة فلا يمكنني أن أستحل منهم.
وفي أول رمضان سنة 588/1192، سافر ريتشارد مع عساكره من عكا قاصداً بلاده عن طريق البحر.



المراجع

• سيد علي الحريري، "الحروب الصليبية: أسبابها، حملاتها، نتائجها"، تحقيق وتقديم د.عصام محمد شبارو، دار التضامن دمشق، ط1ـ 1988.
• ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة (1419هـ= 1998م).
• ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، (1386هـ= 1966م).
• سعيد عبد الفتّاح عاشور: الحركة الصليبية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1982م.
• فايد حماد محمد عاشور: جهاد المسلمين في الحروب الصليبية، مؤسسة الرسالة، بيروت (1405هـ= 1985م).

لجين
08-03-2016, 10:48 PM
شكرا على المواضيع القيمة اختى نسايم فى التعريف بامجادنا ودفاعنا عن اوطاننا

لاشين العامرى
08-03-2016, 11:43 PM
مشكوووووورة والله يعطيك الف عافيه

عزمى
17-03-2016, 04:28 PM
شكرا على الطرح الطيب وجزاكم الله كل خير

ادهم
19-03-2016, 10:43 AM
شكرا على التعريف بتاريخنا الاسلامى العريق ونشره لتجديد المعرفة به وترسيخها فى النفوس

قويدار السيد
20-03-2016, 06:33 PM
شكرا وبارك الله فيكم على المواضيع القيمة

عبد الله
21-03-2016, 03:05 PM
بارك الله فيكم على الطرح الطيب

ابو بكر
22-03-2016, 07:09 PM
شكرا على الطرح والافادة والمعلومات

عثمان
30-03-2016, 09:21 PM
شكرا وبارك الله فيكم

جمال الرصافي
07-04-2016, 11:43 AM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

بدر التمام
11-04-2016, 05:08 PM
شكرا على الطرح والافادة بارك الله فيكم

كارم المحمدى
05-05-2016, 02:09 PM
شكرا على الطرح والافادة جزاكم الله كل خير