المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضل الذكر



كارم المحمدى
02-04-2016, 03:49 AM
فضل الذكر:


بسم الله الر:حمن الرحيم
قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبد بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) معناه أن العندية هنا هي من إطلاقات الكناية الإلهية وذلك علم اختصت به الرسل، يعني علم الكناية الإلهية. وفي علم الكناية وقعت على الحق عبارات استحال ظاهرها من النزول والدنو والتدلّي والمعية والعندية والمجيء والضحك والعجب وأمثالها عبارات كثيرة في الشّرع، وظواهرها مستحيلة على الحق سبحانه وتعالى، إلا أن تلك العبارات وقعت من الرسل عن معاني غيبية لا تعرف مقامها في حق الله سبحانه وتعالى وعبروا عنها، لكن عبروا للخلق. فمن كان من الصديقين عرف معاني تلك الألفاظ ومن لم يكن منهم لا يعلم منها شيئا.
ومن جملة العندية قوله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي" فالعندية اقتضت الحلول معه في المكان لأن العبد في مكان مستكن وذلك مستحيل على الله تعالى، إذ يستحيل عليه الحلول في الأمكنة والخروج عنها. ومعنى العندية هنا إسعافه للعبد بمطلبه فيما ظن به فيه. فمن ظن بربه خيرا، وجد من ربه خيرا، ومن ظن به غير ذلك وجد منه غير ذلك. وقال الله تعالى في حديث قدسي آخر: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنته) وفي الرواية الأخرى: (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ولئن إستعاذنى لأعيذنه ولئن سألني لأعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).
معناه أن العبد يتقرب إلى الله بالنوافل. والنوافل هو ما زاد على الفرائض المعلومة. وأفضل النوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، الذكر والصلاة والصوم. فهذه الأعمال من أعظم النوافل وأحبها إلى الله تعالى خالصة لله لا لحظ عاجل أو آجل للعبد فيها، بل يريد الخروج بها إلى الله محضا من جميع حظوظها وشهواتها و أهواء نفسه، فالعبد هنا يتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات لا لطلب الثواب فهو ساع في ذلك لتطهير روحه مما استوطنته من الولوع بغير الله تعالى فيأخذها بالمجاهدة والمكابدة والقمع عن هواها ومزاولة المألوفات والشهوات والمعين له على هذه المجاهدة هو الذكر والتفكر، فإنه لا مخلص للعبد من ورطاته إلى الصفاء الذي يدخل به إلى الحضرة الإلهية القدسية إلا فيض الأنوار من حضرة القدس. وفيض الأنوار أكبر ما يأتي بها الذكر، فإنه لا يزال العبد يشاهد أوقات ذكره ثم يستريح والأنوار تقدح في قلبه وقت الذكر، ثم تنتقل لعدم استقرارها فيه لكن ورودها عليه يعمل في روحه شيء من الصفاء. فإنها كانت أولا تقدح ثم تنتقل إلى حالة أخرى تمكث في القلب قدر الدقيقتين أو الثلاث، ثم تنتقل إلى حالة أخرى، ثم تمكث في القلب قدر ساعة، ثم تنتقل فلا تزال الأنوار تمر حالة بعد حالة حتى تستقر في قلبه فتكسبه حالة لم يعهدها من نفسه من القوة على الذكر والحنين إلى الوقوف بباب الله، فتوجع القلب من مخالطة الخلق وما يشاهده من انشغالهم واستغراقهم بأمور الدنيا، ثم لا يزال العبد باستمراره مع الذكر إلى أن تخرج به الأنوار إلى استغراق أوقاته في الذكر أناء الليل والنهار فيجد في روحه اكتسابا لما يعمه من الرضا بقضاء الله تعالى والصبر على البلايا وعدم الانزعاج منها والتوكل على الله تعالى في نفقاته وأمورها والبعد عن التكالب عن الدنيا واكتسابها، ثم لا يزال به الأمر حتى يطمئن بذكر الله، فإذا اطمئن القلب بذلك يصير الذكر وطنا لا يقدر إلى التخلف عنه ولو لحظة، بعد أن ذاق باكورة أهل التحقيق ولمعت له لوامع من الأحوال العليا الخاصة ويشهد في نفسه من القرب إلى الله تعالى أمرا عظيما ويجد في قلبه من العلوم الإلهية أمرا جسيما.
فهناك يتجرد من كل مخيط ومحيط ويحرم بالبراءة من كل ما سوى الله ويصلى على الأكوان صلاة الجنازة و يدخل على الله من باب المراقبة يفتش في جميع مقاصده فلا يجد في نفسه مقصدا غير الله تعالى، ثم مع هذا كله لا يتغافل عما تدعوه إليه مقاصده أن يكون فيها حظ من حظوظ النفس الخفية، ثم لقوة هذه الأنوار القدسية التي يجدها في قلبه، وشدة قوتها تظهر له خواطر النفس فيصبح يميز بينها وبين الخواطر الإلهية لا تغيب عنه هذه الأنوار، فلا يزال ملازما باطلاع الرب عليه إلى أن ينتقل إلى المشاهدة وهي الاستهلاك في التوحيد. وغاية المشاهدة تمحق الغير والغيرية، فليس إلا الحق بالحق في الحق للحق عن الحق، فلا علم ولا رسم ولا عقل ولا وهم ولا خيال ولا كيفية ولا كمية ولا نسبة. انتفت الغيرية كلها فلا يزال العبد كذلك في غيبة حتى ينتقل إلى الصحو، وهو في تلك الحالة يقيم بقيام الحقيقة والخلقية بتأييد إلهي لا شعور له بشيء من ذالك، فإذ انتقل إلى الصحو تسميه الصوفية "الحياة بعد الموت" وهو معرفة المراتب الحقّية والخلقية وتمييز خواصها وأحوالها ومراتبها وما في كل مرتبة من الأحكام واللوازم والمقتضيات فيقيم حقوق الله في جميعها فهو الصديق الأكبر.
وهذا بيان سعة فضل الله سبحانه وعظيم كرمه وقربه من عبده، وأن العبد كلما قرب من ربه ازداد الله منه قرباً.
بتصرف من "جواهر المعاني"- علي حرازم ابن العربي برادة المغربي الفاسي.

داليا
02-04-2016, 10:51 AM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

خلود العنزى
02-04-2016, 08:31 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

عيون المها
02-04-2016, 10:59 PM
مشكور اخي الفاضل وبارك الله فيك...

عهود المالكى
14-04-2016, 04:12 PM
شكرا على الطرح والافادة بارك الله فيكم

لجين
01-05-2016, 03:58 PM
شكرا وبارك الله فيكم