شكرى
06-04-2016, 01:17 PM
البارابسيكولوجيا وتكامُل الشَّرق والغرب
للسيد (جمال نصَّار حسين) مقالة قيمة بعنوان :البارابسيكولوجيا وتكامُل الشَّرق والغرب-مقاربةٌ تجريبيةٌ لتَفاعُلٍ حضاريٍّ جديد,وتتناول، في شكل موجز، نشأةَ الاهتمام بالظواهر الخارقة، وصولاً إلى واقع حال البحوث المعاصرة فيها ,.وسأنقل للسادة الأعضاء مقتطفات من هذا المقال الكبير.
لقد بدأ تعرُّفُ الإنسان إلى الظواهر الخارقة واهتمامُه بها منذ أن خطا خطواتِه الأولى على سطح هذا الكوكب. وقد حفلتِ الكتبُ الإلهية التي أنزلها الله على مَن اصطفى من بني آدم، رسلاً وأنبياء، بالكثير من خوارق العادات التي تنوَّع طيفُها وامتدَّ ليشمل المعجزات، التي أيَّد بها الله رسلَه، فكانت الحجة التي برهنتْ على صِدْق ما جاؤوا به أقوامَهم منه، وظواهر خارقة أخرى لم يكن أصحابُها رسلاً ولا أنبياء.
إن تاريخ الإنسان لَيشهدُ أن اهتمامه بالظواهر الخارقة لم يختفِ يومًا ولم يفترْ. بل إن الواقع لَيشهدُ أيضًا أن هذا الاهتمام ما فتئ يزداد كمًّا ويتطور نوعًا بمضيِّ الأزمان وتقادُمها. فمَن يدرس المجتمعاتِ البشريةَ التي ظهرتْ على مرِّ التاريخ، في مختلف بقاع الأرض، في إمكانه أن يتبيَّن في وضوح أن ما من مجتمع بشري خلا من الاهتمام الاستثنائي بالظواهر الخارقة؛ بل إن أصحاب القابلية على القيام بالفعاليات الخارقة كانوا كثيرًا ما يتمتعون بمواقع خاصة ومتميزة في مجتمعاتهم. فالكثير من المجتمعات اعتبرتْ هذه الفعاليات الخارقة دليلاً على المكانة الدينية المتميزة لصاحبها، فيما ربطتْ مجتمعاتٌ أخرى بين السلطتين الدينية والدنيوية، جاعلةً من أصحابها زعماء المجتمع وعِلْيَتَه. وكان المجتمع عادةً ما يمنح أولئك الذين يتميزون بامتلاك قابليات خارقة على علاج الأمراض مكانةً خاصة ومتميزة. وهذا أمر طبيعي ومفهوم إذا ما تذكَّرنا ما تمثِّله الصحةُ للإنسان والدورُ الذي يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يقوموا به في مجتمعات كانت المعارفُ الطبية فيها محدودةً جدًّا، وكان الفاصلُ فيها شبه معدوم بين ما هو طبِّي وما هو "سحري".
بيد أن اهتمام الإنسان بالظواهر الخارقة لم يكن له أيُّ أثر في جَعْلِه يطوِّر معرفةً صائبة بطبيعة هذه الظواهر الغريبة. وتكفي نظرةٌ سريعة إلى موروثات الشعوب والمجتمعات، من أدبيات مرويَّة ومكتوبة، لكي يدرك المرء أن الظاهرة الواحدة قد فسَّرها الناسُ تفسيراتٍ شتى في الأماكن والأزمان المختلفة. كما أن سيطرة النظرة الميتافيزيقية على عقل الإنسان جعلتْه ذا ميل دائم إلى تصنيف حادثة أو ظاهرة ما على أنها من الخوارق. إن هذه النزعة البشرية القوية نحو التفسيرات الميتافيزيقية لم تحجبْ عن الإنسان طبيعةَ الظواهر الخارقة فحسب، وإنما جعلتْه يسيء فهم الكثير من الظواهر الفيزيائية كذلك؛ فكان أن اختلط الفيزيائي بالميتافيزيقي.
غير أنه كان مقُدَّرًا للمعرفة البشرية بالظواهر الخارقة والظواهر المألوفة على حدٍّ سواء أن تتطور. فلقد شهد القرن السادس عشر بدايةَ انعتاق العلم في الغرب من عبوديته لرجال الكنيسة وبدايةَ ما يُعرَف بعصر النهضة العلمية؛ ذلك العصر الذي مثَّل ثورة معرفية مهمة جدًّا قادت إلى هذا التقدم التكنولوجي المُذهل الذي يميِّز حضارتَنا الحالية. إن التقدُّم العلمي في دراسة طبيعة الظواهر الفيزيائية وفهمها كان لا بدَّ أن يعمل على زيادة قدرة الإنسان على تمييز هذه الظواهر عن تلك التي تُصنَّف على أنها ظواهر خارقة. غير أن الثورة العلمية التي اجتاحت العلوم الفيزيائية لم تبلغ مجالَ الظواهر الخارقة إلا في القرن التاسع عشر، وذلك بعد مضيِّ أكثر من ثلاثمائة سنة على بداية ما يُسمَّى بعصر النهضة.
لقد ظهرتْ أولى البحوث عن الظواهر الخارقة على يد بعض الدارسين الذين ادَّعوا أن ممارسة المِسْمِرية mesmerism، التي عُرِفَتْ لاحقًا بالتنويم hypnosis، يمكن لها أن تتسبَّب في ظهور بعض التأثيرات الخارقة، كانتقال الأفكار بين المُنوِّم والمُنوَّم. كما دُرِسَتْ حالاتُ العديد من أولئك الذين اصطُلِحَ على تسميتهم بـ"الوسطاء الروحيين" mediums، الذين ادَّعوا أن في مقدورهم إقامة ما سُمِّيَ حينذاك بـ"جلسات تحضير الأرواح"؛ أولئك الوسطاء الذين ازداد عددُهم ازديادًا كبيرًا نتيجة لانتشار الحركة التي عُرفت بـ"الأرواحية" spiritualism في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ولم يقتصر الاهتمام في ذاك الوقت على دراسة الظواهر الخارقة على باحثين انشغلوا بهذه الظواهر حصرًا. فلقد تمَّ إجراءُ بعض البحوث على يد باحثين مرموقين من المتخصِّصين في مجالات علمية تقليدية، كالفيزياء والكيمياء والفسيولوجيا. وكمثال على هذه البحوث، هناك الدراسات التي قام بها الفيزيائي الإنكليزي الشهير وليم كروكس على أحد أشهر الوسطاء الروحيين، وهو الاسكتلندي دانيال هيوم، حيث حاول كروكس قياس القوة الفيزيائية التي تضمَّنتْها بعض الفعاليات الخارقة لهذا الوسيط. إلا أن مثل هذه البحوث لم تكن سوى جهود فردية، ولم تكُ بالتأكيد جهودًا منظمة أو متواصلة.
لكن الاهتمام المتزايد بدراسة الخوارق، في شكل عام، وظاهرة الوساطة الروحية، في شكل خاص، قاد مجموعةً من الأكاديميين من جامعة كمبردج البريطانية إلى إنشاء أول جمعية رفيعة المستوى متخصِّصة في دراسة الظواهر الخارقة، وهي "جمعية بحث الخوارق" Society for Psychical Research. كان ذلك في العام 1882، وكان أول رئيس لها أحد أساتذة جامعة كمبردج المعروفين، وهو الفيلسوف هنري سِدْوِك Henry Sidgwick. أدى إنشاء هذه الجمعية الأكاديمية إلى تنظيم دراسة الظواهر الخارقة وتأسيس معايير للبحث العلمي في هذا المجال. وقامت جمعية بحث الخوارق، بعيد تأسيسها مباشرة، بإصدار دورية متخصِّصة ذات مستوى أكاديمي رفيع. وهكذا أخذتْ دراساتُ الظواهر الخارقة تتحول تدريجيًّا إلى علم نظري. وبعد تأسيس جمعية بحث الخوارق بثلاثة أعوام، قامت مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين، من بينهم عالم النفس المشهور وليم جيمس، بتأسيس "جمعية بحث الخوارق الأمريكية" American Society for Psychical Research في بوسطن.
تركزتْ بحوثُ جمعية بحث الخوارق البريطانية، ونظيرتها الأمريكية، على دراسة حالات خاصة من الظواهر الخارقة، وكذلك على القيام ببحوث ميدانية field research. وقامت الجمعيتان بنشر العديد من التقارير والبحوث. إلا أن الثورة الحقيقية في مجال دراسة الظواهر الخارقة حدثت في العقد الثالث من القرن العشرين، وذلك بظهور البحوث المختبرية للظواهر الخارقة على يد بيولوجي النبات جوزيف راين Joseph Rhine؛ إذ قام راين بدراسة العديد من الظواهر الخارقة تحت شروط مختبرية مُسيطَر عليها experimentally controlled conditions، وأخضَعَ نتائجَ بحوثه هذه للتقييمات الإحصائية statistical evaluations، كما هو متعارف عليه في العلوم التقليدية، ليضع أسُسَ ما يُعرَف حاليًّا بـ"البارابسيكولوجيا التجريبية" experimental parapsychology. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن مصطلح "بارابسيكولوجيا" نفسه هو من وَضْعِ راين الذي صاغَه من الألمانية. وقد أدَّتْ جهودُ راين إلى إنشاء أول مختبر للبحوث البارابسيكولوجية في العالم في العام 1934، وهو "مختبر بارابسيكولوجيا جامعة ديوك" Duke University Parapsychology Laboratory. وبذلك أصبحت طائفةٌ من الظواهر الخارقة تُدرَس كما تُدرَس الظواهر الفيزيائية، وغدت البارابسيكولوجيا مبحثًا يمكن إخضاعُ نتائجه للتقييمين الكمِّي والنوعي quantitative & qualitative، كما هي الحال مع العلوم التقليدية.
فعند دراسة الحالات التلقائية يواجِه الدارسون إمكانيةً قائمة على الدوام، وهي أنْ تكون الوثائق التي تصف الحالة المعنية قيد الدرس، أو شهادات الشهود عليها، ليست على الدقة المطلوبة، وربما أيضًا غير صحيحة، أو حتى ملفَّقة. أما المشكلة الأساسية التي تُقابِل القائمين بالدراسات الميدانية، أي دراسة الظاهرة الخارقة في موقع حدوثها، فهي صعوبة التيقُّن من أنه قد تمَّ التغلُّب على كلِّ احتمالات التلاعب والغشِّ اللذين قد يلجأ إليهما مَن يدَّعي امتلاكه لمقدرات خارقة، وبالذات إذا كان من المتمكِّنين من فنِّ "خفة اليد" slight of hand، وذلك لأن الدراسة عادةً ما تجري في مكان يكون قد أعدَّه الشخصُ نفسه، وبالتالي فإن في إمكانه أن يجعل فيه ما يساعده على القيام بعمليات الغشِّ والخداع. كما ويشترك منهجا دراسة الحالات التلقائية والدراسة الميداينة في تعذُّر أو صعوبة وَصْف الحادثة الخارقة فيهما وصْفًا كميًّا – وهو أمر يمكن السيطرة عليه في سهولة في المختبر، حيث يوجد تحت سيطرة الباحث مختلفُ الأجهزة التي يحتاج إليها.
تركَّزتْ دراسات البارابسيكولوجيا التجريبية على طائفتين بالذات من الظواهر الخارقة: الطائفة الأولى هي ظواهر التحريك الخارق psychokinesis، التي تتضمَّن إحداث تأثير على جسم ما عن بُعد من دون استخدام وسيلة فيزيائية مُدرَكة، كالجهد العضلي أو أيِّ نشاط للجهاز الحركي في الجسم؛ والطائفة الثانية هي ظواهر الإدراك الحسي الفائق extrasensory perception، التي تصنَّف، بدورها، إلى ثلاثة أنواع هي: أولاً، التخاطُر telepathy، ويُقصَد به انتقال الأفكار والصور الذهنية بين الكائنات الحية من دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس التقليدية؛ وثانيًا، الإدراك المُسبَّق precognition، الذي يعني معرفة أحداث مستقبلية قبل وقوعها؛ وثالثًا، الاستشعار clairsentience، وهو اكتساب معلومات عن حادثة بعيدة أو جسم بعيد دون استخدام الحواس.
لقد كان اتخاذُ المنهج التجريبي–الاختباري experimental-empirical في دراسة الظواهر الخارقة، في وقت شَهِدَ توجهًا كبيرًا في العلوم بشكل عام نحو الدراسات المختبرية، ذا أثر كبير في إعطاء بحوث الظواهر الخارقة زخمًا قويًّا مكَّنها من فَرْضِ نفسها كندٍّ لا يقل علمية عن غيرها من البحوث في ميادين العلوم التقليدية. ولكن بسبب من اتجاه راين نحو البحث التجريبي، فقد حَصَرَ اهتمامه بالظواهر التي يمكن إخضاعُها لشروط الدراسة المختبرية، ولم يولِ اهتمامًا بتلك الظواهر التي كانت السبب في نشوء الانشغال العلمي بالظواهر الخارقة، مثل ظواهر الأطياف والأشباح وما يُعرَف بـ"الأرواح الصاخبة" poltergeist. فالدراسة المختبرية للظواهر الخارقة تتلافى بعض المشكلات المهمة التي تعيق المنهجين الآخرين اللذين كانا يسودان البحث في هذا المجال، أي منهجَي دراسة الحالات التلقائية spontaneous، وهي الحوادث الخارقة التي تقع وقوعًا مفاجئًا، والدراسة الميدانية.
للسيد (جمال نصَّار حسين) مقالة قيمة بعنوان :البارابسيكولوجيا وتكامُل الشَّرق والغرب-مقاربةٌ تجريبيةٌ لتَفاعُلٍ حضاريٍّ جديد,وتتناول، في شكل موجز، نشأةَ الاهتمام بالظواهر الخارقة، وصولاً إلى واقع حال البحوث المعاصرة فيها ,.وسأنقل للسادة الأعضاء مقتطفات من هذا المقال الكبير.
لقد بدأ تعرُّفُ الإنسان إلى الظواهر الخارقة واهتمامُه بها منذ أن خطا خطواتِه الأولى على سطح هذا الكوكب. وقد حفلتِ الكتبُ الإلهية التي أنزلها الله على مَن اصطفى من بني آدم، رسلاً وأنبياء، بالكثير من خوارق العادات التي تنوَّع طيفُها وامتدَّ ليشمل المعجزات، التي أيَّد بها الله رسلَه، فكانت الحجة التي برهنتْ على صِدْق ما جاؤوا به أقوامَهم منه، وظواهر خارقة أخرى لم يكن أصحابُها رسلاً ولا أنبياء.
إن تاريخ الإنسان لَيشهدُ أن اهتمامه بالظواهر الخارقة لم يختفِ يومًا ولم يفترْ. بل إن الواقع لَيشهدُ أيضًا أن هذا الاهتمام ما فتئ يزداد كمًّا ويتطور نوعًا بمضيِّ الأزمان وتقادُمها. فمَن يدرس المجتمعاتِ البشريةَ التي ظهرتْ على مرِّ التاريخ، في مختلف بقاع الأرض، في إمكانه أن يتبيَّن في وضوح أن ما من مجتمع بشري خلا من الاهتمام الاستثنائي بالظواهر الخارقة؛ بل إن أصحاب القابلية على القيام بالفعاليات الخارقة كانوا كثيرًا ما يتمتعون بمواقع خاصة ومتميزة في مجتمعاتهم. فالكثير من المجتمعات اعتبرتْ هذه الفعاليات الخارقة دليلاً على المكانة الدينية المتميزة لصاحبها، فيما ربطتْ مجتمعاتٌ أخرى بين السلطتين الدينية والدنيوية، جاعلةً من أصحابها زعماء المجتمع وعِلْيَتَه. وكان المجتمع عادةً ما يمنح أولئك الذين يتميزون بامتلاك قابليات خارقة على علاج الأمراض مكانةً خاصة ومتميزة. وهذا أمر طبيعي ومفهوم إذا ما تذكَّرنا ما تمثِّله الصحةُ للإنسان والدورُ الذي يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يقوموا به في مجتمعات كانت المعارفُ الطبية فيها محدودةً جدًّا، وكان الفاصلُ فيها شبه معدوم بين ما هو طبِّي وما هو "سحري".
بيد أن اهتمام الإنسان بالظواهر الخارقة لم يكن له أيُّ أثر في جَعْلِه يطوِّر معرفةً صائبة بطبيعة هذه الظواهر الغريبة. وتكفي نظرةٌ سريعة إلى موروثات الشعوب والمجتمعات، من أدبيات مرويَّة ومكتوبة، لكي يدرك المرء أن الظاهرة الواحدة قد فسَّرها الناسُ تفسيراتٍ شتى في الأماكن والأزمان المختلفة. كما أن سيطرة النظرة الميتافيزيقية على عقل الإنسان جعلتْه ذا ميل دائم إلى تصنيف حادثة أو ظاهرة ما على أنها من الخوارق. إن هذه النزعة البشرية القوية نحو التفسيرات الميتافيزيقية لم تحجبْ عن الإنسان طبيعةَ الظواهر الخارقة فحسب، وإنما جعلتْه يسيء فهم الكثير من الظواهر الفيزيائية كذلك؛ فكان أن اختلط الفيزيائي بالميتافيزيقي.
غير أنه كان مقُدَّرًا للمعرفة البشرية بالظواهر الخارقة والظواهر المألوفة على حدٍّ سواء أن تتطور. فلقد شهد القرن السادس عشر بدايةَ انعتاق العلم في الغرب من عبوديته لرجال الكنيسة وبدايةَ ما يُعرَف بعصر النهضة العلمية؛ ذلك العصر الذي مثَّل ثورة معرفية مهمة جدًّا قادت إلى هذا التقدم التكنولوجي المُذهل الذي يميِّز حضارتَنا الحالية. إن التقدُّم العلمي في دراسة طبيعة الظواهر الفيزيائية وفهمها كان لا بدَّ أن يعمل على زيادة قدرة الإنسان على تمييز هذه الظواهر عن تلك التي تُصنَّف على أنها ظواهر خارقة. غير أن الثورة العلمية التي اجتاحت العلوم الفيزيائية لم تبلغ مجالَ الظواهر الخارقة إلا في القرن التاسع عشر، وذلك بعد مضيِّ أكثر من ثلاثمائة سنة على بداية ما يُسمَّى بعصر النهضة.
لقد ظهرتْ أولى البحوث عن الظواهر الخارقة على يد بعض الدارسين الذين ادَّعوا أن ممارسة المِسْمِرية mesmerism، التي عُرِفَتْ لاحقًا بالتنويم hypnosis، يمكن لها أن تتسبَّب في ظهور بعض التأثيرات الخارقة، كانتقال الأفكار بين المُنوِّم والمُنوَّم. كما دُرِسَتْ حالاتُ العديد من أولئك الذين اصطُلِحَ على تسميتهم بـ"الوسطاء الروحيين" mediums، الذين ادَّعوا أن في مقدورهم إقامة ما سُمِّيَ حينذاك بـ"جلسات تحضير الأرواح"؛ أولئك الوسطاء الذين ازداد عددُهم ازديادًا كبيرًا نتيجة لانتشار الحركة التي عُرفت بـ"الأرواحية" spiritualism في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ولم يقتصر الاهتمام في ذاك الوقت على دراسة الظواهر الخارقة على باحثين انشغلوا بهذه الظواهر حصرًا. فلقد تمَّ إجراءُ بعض البحوث على يد باحثين مرموقين من المتخصِّصين في مجالات علمية تقليدية، كالفيزياء والكيمياء والفسيولوجيا. وكمثال على هذه البحوث، هناك الدراسات التي قام بها الفيزيائي الإنكليزي الشهير وليم كروكس على أحد أشهر الوسطاء الروحيين، وهو الاسكتلندي دانيال هيوم، حيث حاول كروكس قياس القوة الفيزيائية التي تضمَّنتْها بعض الفعاليات الخارقة لهذا الوسيط. إلا أن مثل هذه البحوث لم تكن سوى جهود فردية، ولم تكُ بالتأكيد جهودًا منظمة أو متواصلة.
لكن الاهتمام المتزايد بدراسة الخوارق، في شكل عام، وظاهرة الوساطة الروحية، في شكل خاص، قاد مجموعةً من الأكاديميين من جامعة كمبردج البريطانية إلى إنشاء أول جمعية رفيعة المستوى متخصِّصة في دراسة الظواهر الخارقة، وهي "جمعية بحث الخوارق" Society for Psychical Research. كان ذلك في العام 1882، وكان أول رئيس لها أحد أساتذة جامعة كمبردج المعروفين، وهو الفيلسوف هنري سِدْوِك Henry Sidgwick. أدى إنشاء هذه الجمعية الأكاديمية إلى تنظيم دراسة الظواهر الخارقة وتأسيس معايير للبحث العلمي في هذا المجال. وقامت جمعية بحث الخوارق، بعيد تأسيسها مباشرة، بإصدار دورية متخصِّصة ذات مستوى أكاديمي رفيع. وهكذا أخذتْ دراساتُ الظواهر الخارقة تتحول تدريجيًّا إلى علم نظري. وبعد تأسيس جمعية بحث الخوارق بثلاثة أعوام، قامت مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين، من بينهم عالم النفس المشهور وليم جيمس، بتأسيس "جمعية بحث الخوارق الأمريكية" American Society for Psychical Research في بوسطن.
تركزتْ بحوثُ جمعية بحث الخوارق البريطانية، ونظيرتها الأمريكية، على دراسة حالات خاصة من الظواهر الخارقة، وكذلك على القيام ببحوث ميدانية field research. وقامت الجمعيتان بنشر العديد من التقارير والبحوث. إلا أن الثورة الحقيقية في مجال دراسة الظواهر الخارقة حدثت في العقد الثالث من القرن العشرين، وذلك بظهور البحوث المختبرية للظواهر الخارقة على يد بيولوجي النبات جوزيف راين Joseph Rhine؛ إذ قام راين بدراسة العديد من الظواهر الخارقة تحت شروط مختبرية مُسيطَر عليها experimentally controlled conditions، وأخضَعَ نتائجَ بحوثه هذه للتقييمات الإحصائية statistical evaluations، كما هو متعارف عليه في العلوم التقليدية، ليضع أسُسَ ما يُعرَف حاليًّا بـ"البارابسيكولوجيا التجريبية" experimental parapsychology. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن مصطلح "بارابسيكولوجيا" نفسه هو من وَضْعِ راين الذي صاغَه من الألمانية. وقد أدَّتْ جهودُ راين إلى إنشاء أول مختبر للبحوث البارابسيكولوجية في العالم في العام 1934، وهو "مختبر بارابسيكولوجيا جامعة ديوك" Duke University Parapsychology Laboratory. وبذلك أصبحت طائفةٌ من الظواهر الخارقة تُدرَس كما تُدرَس الظواهر الفيزيائية، وغدت البارابسيكولوجيا مبحثًا يمكن إخضاعُ نتائجه للتقييمين الكمِّي والنوعي quantitative & qualitative، كما هي الحال مع العلوم التقليدية.
فعند دراسة الحالات التلقائية يواجِه الدارسون إمكانيةً قائمة على الدوام، وهي أنْ تكون الوثائق التي تصف الحالة المعنية قيد الدرس، أو شهادات الشهود عليها، ليست على الدقة المطلوبة، وربما أيضًا غير صحيحة، أو حتى ملفَّقة. أما المشكلة الأساسية التي تُقابِل القائمين بالدراسات الميدانية، أي دراسة الظاهرة الخارقة في موقع حدوثها، فهي صعوبة التيقُّن من أنه قد تمَّ التغلُّب على كلِّ احتمالات التلاعب والغشِّ اللذين قد يلجأ إليهما مَن يدَّعي امتلاكه لمقدرات خارقة، وبالذات إذا كان من المتمكِّنين من فنِّ "خفة اليد" slight of hand، وذلك لأن الدراسة عادةً ما تجري في مكان يكون قد أعدَّه الشخصُ نفسه، وبالتالي فإن في إمكانه أن يجعل فيه ما يساعده على القيام بعمليات الغشِّ والخداع. كما ويشترك منهجا دراسة الحالات التلقائية والدراسة الميداينة في تعذُّر أو صعوبة وَصْف الحادثة الخارقة فيهما وصْفًا كميًّا – وهو أمر يمكن السيطرة عليه في سهولة في المختبر، حيث يوجد تحت سيطرة الباحث مختلفُ الأجهزة التي يحتاج إليها.
تركَّزتْ دراسات البارابسيكولوجيا التجريبية على طائفتين بالذات من الظواهر الخارقة: الطائفة الأولى هي ظواهر التحريك الخارق psychokinesis، التي تتضمَّن إحداث تأثير على جسم ما عن بُعد من دون استخدام وسيلة فيزيائية مُدرَكة، كالجهد العضلي أو أيِّ نشاط للجهاز الحركي في الجسم؛ والطائفة الثانية هي ظواهر الإدراك الحسي الفائق extrasensory perception، التي تصنَّف، بدورها، إلى ثلاثة أنواع هي: أولاً، التخاطُر telepathy، ويُقصَد به انتقال الأفكار والصور الذهنية بين الكائنات الحية من دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس التقليدية؛ وثانيًا، الإدراك المُسبَّق precognition، الذي يعني معرفة أحداث مستقبلية قبل وقوعها؛ وثالثًا، الاستشعار clairsentience، وهو اكتساب معلومات عن حادثة بعيدة أو جسم بعيد دون استخدام الحواس.
لقد كان اتخاذُ المنهج التجريبي–الاختباري experimental-empirical في دراسة الظواهر الخارقة، في وقت شَهِدَ توجهًا كبيرًا في العلوم بشكل عام نحو الدراسات المختبرية، ذا أثر كبير في إعطاء بحوث الظواهر الخارقة زخمًا قويًّا مكَّنها من فَرْضِ نفسها كندٍّ لا يقل علمية عن غيرها من البحوث في ميادين العلوم التقليدية. ولكن بسبب من اتجاه راين نحو البحث التجريبي، فقد حَصَرَ اهتمامه بالظواهر التي يمكن إخضاعُها لشروط الدراسة المختبرية، ولم يولِ اهتمامًا بتلك الظواهر التي كانت السبب في نشوء الانشغال العلمي بالظواهر الخارقة، مثل ظواهر الأطياف والأشباح وما يُعرَف بـ"الأرواح الصاخبة" poltergeist. فالدراسة المختبرية للظواهر الخارقة تتلافى بعض المشكلات المهمة التي تعيق المنهجين الآخرين اللذين كانا يسودان البحث في هذا المجال، أي منهجَي دراسة الحالات التلقائية spontaneous، وهي الحوادث الخارقة التي تقع وقوعًا مفاجئًا، والدراسة الميدانية.