المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهي الشفاعة أم تراها رحمة



الشيخ / خالد الجعفري
25-04-2016, 07:05 AM
أهيَ الشفاعة أم تراها رحمة
يقول السيد فخرالدين رضي الله عنه فى ديوانه شراب الوصل:
رُدُّوا إِلَى الرَّبِّ الرَّحِيمِ وَعَبْدِهِ إِنَّ الْعَطَا مِنْ كَفِّهِ يَنْسَابُ (45/17)
بُثُّوا إِلَيْهِ وَآلِ أَحْمَدَ مَا بِكُمْ هُوَ مَنْ لَدَيْهِ شَفَاعَةٌ وَجَنَابُ (45/18)
ثم يقول رضي الله عنه فى قصيدة أخرى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذيِ قَدْ خَصَّنيِ بِخِصَالِ جَدّيِ إِنَّهُ الْعَطَّاءُ (47/1)
أَهِيَ الشَّفَاعَةُ أَمْ تُرَاهَا رَحْمَةً إِن الشَّفِيعَ يَؤُمُّهُ الرُّحَمَاءُ (47/2)
يبشر العبد الصالح والعالم الجليل السيد فخرالدين بشفاعة هي رحمة من رب العالمين فأرجو أن تصيب عصاة هذا الزمان فإن المحسنين لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك فضل من الله كبير.
قد يستغرب البعض هذا الأمر أو يستعظمه على بشر خلَقه الله ولكنها إرادة الله تعالى التي أثبتها لأوليائه بفضله ومنه وكرمه ورحمته فى كتابه الكريم حيث يقول تبارك وتعالى ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا • وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا • لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ مريم 85-87
يقول الإمام الطبري: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، قوله ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، قال: المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء، ﴿إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، قال: عملاً صالحاً.
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾: أي بطاعته، وقال فى آية أخرى ﴿لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا﴾ طه 109، ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم فى بعض، ذكر لنا أن نبي الله كان يقول (إنَّ فى أُمَّتيِ رَجُلاً لَيُدْخِلَنَّ اللهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنَّةَ أكْثَرَ مِنْ بني تَمِيمِ)، وكنا نحدّث أن الشهيد يشفع فى سبعين من أهل بيته.
ويقول الإمام ابن عربي: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، هذا العهد هو ما عاهد الله أهل الإيمان من الوفاء بالعهد السابق بالتوبة والإنابة إليه فى الصفاء الثاني بعد الصفاء الأول، وذلك الإنسلاخ عن حجب صفات النفس والاتصاف بصفات الرحمن والإتصال بعالم القدس الذي هو حضرة الصفات ولهذا ذكر اسم الرحمن المعطى لأصول النِعَم وجلائلها المشتمل على سائر الصفات اللطيفة، أي: لا يملك أحد أن يشفع له بالأمداد الملكوتية والأنوار القدسية إلا من استعدّ لقبول الرحمة الرحمانية واتصل بالجناب الإلهي بالعهد الحقيقي. أ.هـ، وهذا لا يتحقق إلا على يد خبير أو شيخ طريقه ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الفرقان 59، ثم يكمل الإمام ابن عربي من باب الشريعة فيقول: وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم (أيعجز أحدكم أن يتخذ عند كل صباح ومساء: اللهمّ فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أني أعهد إليك أني أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأنّ محمداً عبدك ورسولك، وأنك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهداً تؤتنيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد).
وذكر الإمام الألوسي فى تفسيره: عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته وأن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته). أ.ه.
جاء الحديث بمسند الإمام احمد كالتالي: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفيِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْريِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتيِ لَيَشْفَعُ لِلْفِئَامِ مِنْ النَّاسِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْفَعُ لِلْقَبِيلَةِ مِنْ النَّاسِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْفَعُ لِلرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِه). والفئام: أي المجموعة أو المجموعات.
وقد أجمع جمهور العلماء بأن الشفيع لابد أن يكون موحداً وفى ذلك يقول صاحب كتاب الوجيز الواحدي: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ﴾، لكم ﴿عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، اعتقد التوحيد وقال: لا إله إلا الله، فإنه يملك الشفاعة والمعنى: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله. أ.هـ.
ويقول الإمام القرطبي: قوله تعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ﴾، أي هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد ﴿إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، وهم المسلمون فيملكون الشفاعة فهو استثناء الشئ من غير جنسه أي لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا يشفع، وقيل: أي لا يملك أحد عند الله الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يملك وعلى هذا يكون الإستثناء متصلاً.
والمجرمين فى قوله ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ مريم 86، يعم الكفرة والعصاة ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة إلا العصاة المؤمنون فإنهم يملكونها بأن يشفع فيهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول يا محمد إنها ليست لك ولكنها لي) أخرجه مسلم بمعناه.
وقد تقدم وتظاهرت الأخبار بأن أهل الفضل والعلم والصلاح يشفعون فيُشفعون، وعلى القول الأول يكون الكلام متصلاً بقوله ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾ مريم 81، فلا تقبل غداً شفاعة عبدة الأصنام لأحد، ولا شفاعة الأصنام لأحد، ولا يملكون شفاعة أحد لهم أي لا تنفعهم شفاعة كما قال ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ المدثر 48، وقيل: أي نحشر المتقين والمجرمين ولا يملك أحداً شفاعة ﴿إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ أي إذا أذن له الله فى الشفاعة.
كما قال ﴿مَنْ ذَا الَّذيِ يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ البقرة 255، وهذا العهد هو الذي قال ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ مريم 78، وهو لفظ جامع للإيمان وجميع الأعمال الصالحات التي يصل بها صاحبها إلى حيز من يشفع.
وقال ابن عباس: العهد لا إله إلا الله.
وقال مقاتل وابن عباس أيضاً: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله وتبرأ من الحول والقوة لله ولا يرجو إلا الله تعالى.
وقال ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه (أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهداً) قيل: يا رسول الله وما ذاك؟ قال (يقول عند كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك فى هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير وتقربني من الشر وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً ووضعها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند الله عهد فيقوم فيدخل الجنة). أ.هـ.
ونختم بإشارة السيد ابن عجيبة حيث يقول: وقوله تعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ﴾، الآية، إعلم أن العهد الذي تكون به الشفاعة يوم القيامة هو الطاعة وتربية اليقين والمعرفة، فتقع الشفاعة لأهل الطاعات على قدر طاعتهم وإخلاصهم، وتقع لأهل اليقين على قدر يقينهم، وهم أعظم من أهل المقام الأول، وتقع لأهل المعرفة على قدر عرفانهم، وهم أعظم من القسمين، حتى إن منهم من يشفع فى أهل عصره كلهم، وقد سَمِعْتُ من الفقيه شيخ الجماعة التاودي بن سودة، أن بعض الأولياء قال عند موته: يا رب شفعني فى أهل زماني، فقال له الحق تعالى من جهة الهاتف: لم يبلغ قدرك هذا، فقال: يا رب إن كان ذلك من جهة عملي وإجتهادي فَلَعَمْريِ إنه لم يبلغ ذلك، وإن كان من جهة كرمك وجودك فوعزتك وجلالك لهو أعظم من هذا، فقال له: إني شفعتك فى أهل عصرك. أ.هـ. بالمعنى. فمن رجع إلى كرم الله وجوده، ودخل من هذا الباب، وجد الإجابة أقرب إليه من كل شىء. وبالله التوفيق. أ.هـ
لذلك نجد من يقول من العارفين:
وَأَشْفَعُ فِي أَهْلِ الزَّمَانِ وَإِنْ بَدَتْ شَقَاوَتُهُمْ إِلا بِحَقِّ الطَّرِيقَةِ (1/37)
لأن الخوض فى حق طريق الله صد عن سبيل الله فلا تنفع الخائض شفاعة الشافعين نجانا الله من هذا ونفعنا الله بشفاعة أهل الله تعالى آمين. وصلى الله على سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم

كارم المحمدى
25-04-2016, 07:56 AM
بارك الله فيك شيخ خالد وجزاك الله عنا كل خير على الموضوع القيم والتوضيحات والافادة

جنة
25-04-2016, 10:26 AM
بارك الله فيك شيخ خالد على هذه المواضيع القيمة جعلها الله فى ميزان حسناتك ونرجو المزيد

هاشم
25-04-2016, 11:25 PM
بارك الله فيك شيخ خالد على مواضيعك القيمة ونرجو المزيد يا طيب

غريب الدار
26-04-2016, 05:21 AM
بارك الله فيك اخى على الطرح الطيب وجزاكم الله كل خير

داليا
29-04-2016, 07:36 PM
بارك الله فيكم على الطرح الطيب