المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة نقدية لفيلم "فعل القتل"



احمد الشافعي
06-05-2016, 05:30 PM
"فعل القتل" تجربة تسجيلية مذهلة
أمير العمري


http://doc.aljazeera.net/sites/default/files/DocGallery/Media/Images/2013/8/29/20138298028807345.jpg

يعد الفيلم التسجيلي الدنماركي "فعل القتل" The Act of killing عملا غير مسبوق في السينما التسجيلية، بأسلوبه الخاص الذي يسمح للمرة الأولى للقتلة، الذين شاركوا- على نحو ما- في المجازر الجماعية بدوافع سياسية أو إجرامية، في إندونيسيا (أو في أي مكان في العالم) بالظهور في الفيلم وإعادة تجسيد ما كانوا يقومون به واستعراضه بكل مباهاة وفي سياق مرح أيضا!

غير أن الفيلم الذي اشترك في إخراجه كل من جوشوا أوبنهايمر وكريستين سين، يعرض أيضا الكثير من المشاهد التي تدور وراء الكواليس لأبطاله المجرمين الحقيقيين وهم على سجيتهم يتحدثون ويعيدون رواية تفاصيل مما سبق لهم القيام به في أرض الواقع.

كانت الفكرة الأساسية وراء صنع هذا الفيلم تصوير شهادات الذين نجوا من الأحداث الدامية التي صاحبت الانقلاب العسكري الذي وقع في اندونيسيا عام 1965 وأطاح بحكومة الرئيس أحمد سوكارنو التي اعتبرت في نظر وكالة الاستخبارات الأمريكية، حكومة تدعم الشيوعية أو تتراخى أمام الثورة اليسارية التي كانت في الطريق، ثم ما وقع بعد ذلك لفترة طويلة، من تعقب أعضاء الحزب الشيوعي الأندونيسي بل وكل عناصر القوى المعارضة والديمقراطية واعتقالهم وارتكاب الكثير مما أعتبر مجازر جماعية.
غير أن المخرجين فشلا في الحصول على فرصة للتصوير مع من كانوا يرغبون من "ضحايا" ذلك الانقلاب والذين نجوا منه بأعجوبة بسبب ما تعرض له صناع الفيلم من ضغوط رسمية.. فالسلطات الاندونيسية مازالت ترفض فتح ملفات تلك الحقبة أو إجراء أي نوع من التحقيقات فيما وقع وتورط فيه الكثير من المسؤولين ممن لايزالون يعتبرون من الأبطال الوطنيين على الصعيد الرسمي في اندونيسيا اليوم.


الجانب الآخر

لذلك اتجه المخرجان إلى الناحية العكسية، فبدلا من التركيز على الضحايا والناجين، أصبح الفيلم يدور حول المجرمين الذين شاركوا في المذابح.

الطريف أنهما وجدا أن الأبواب سرعان ما فتحت أمامهما، فقد قبل إثنان من عتاة الإجرام الذين يعتبرون أقرب إلى ما نسميه في بلادنا (البلطجية) أي محترفي الاجرام الذين يتم استئجارهم، الظهور في الفيلم وتقديم كل ما يشير إلى مشاركتهم الفعالة في عمليات القتل والتنكيل والتعذيب.

الرجلان هما أنور كونجو وهيرمان كوتو. والطريف أنهما يعشقان التمثيل السينمائي، ويتماثل كل منهما مع شخصية معينة من تلك الشخصيات التي كانت تظهر في أفلام عصابات الاجرام في السبعينيات.. كونجو مثلا يعتقد أنه يشبه الممثل الذي قام بدور القواد في احد افلام السبعينيات التي كان يقوم ببطولتها ممثلون من السود الأمريكيون، أما كوتو فهو يستعد بارتداء ملابس خاصة قبل الظهور أمام الكاميرا. غير أن الرجلين اللذين يسعيان للظهور السينمائي بأي ثمن لا يدركان أنهما بذلك يقعان في فخ الإدانة الابدية أمام جمهور العالم الذي سيشاهد الفيلم.

يفتح الفيلم بشجاعة يحسد عليها، ملف الانتهاكات الرهيبة التي وقعت في اندونيسيا في الستينيات والتي شملت نحو مليون شخص ممن اعتبرتهم السلطات آنذاك ضالعين في مؤامرة شيوعية في حين أن المعتقلين في الحقيقة كانوا في معظمهم من القوى الوطنية التي كانت ترغب في تحقيق الاستقلال الوطني للبلاد بعيدا عن التبعية. إلا أن الفيلم يكشف للمشاهدين كيف أن التاريخ يكتب عادة، من وجهة نظر المنتصرين، وبالتالي فهناك الكثير من التشويش والتشويه الذي جرى لقلب الحقائق. لكن براعة الفيلم أيضا تتمثل في كيف استخدم صناعه تلك الرغبة الاستعراضية لدى شخصيتي كوتو وكونجو، لكي يكشف حجم ما وقع من قمع باسم إعلاء قيم الحرية ومقاومة الشيوعية.

السينما والواقع

العلاقة بين هذين الشخصين وبين سينما العنف واضحة أيضا في تصوير كيف أنهما كانا يسعيان مثلا إلى حرق قرية كاملة بطريقة أكثر ابتكارا وبشاعة مما شاهداه في الأفلام التي تصور ممارسات النازية في أوروبا.. هنا أيضا علاقة بين الابتكار الفني وبين العنف السادي المجنون.. هنا لا يصبح العنف جريمة فقط، بل فنا موغلا في الشر.. كيف يمكن لشخص أن يذهب لمشاهدة أحد هذه الأفلام ثم يغادر السينما ويتجه ببساطة إلى حيث يقوم بإعدام السجناء من المعارضين بدم بارد تماما.. بل وبنوع من المتعة أيضا!
إنهما يستعرضان أمام الكاميرا كيف كانا يقومان باستجواب السجناء بطرق مبتكرة، ويعيدان تشييد ديكور المكان حيث كان يجري الاستجواب، يضعان لمسات الاضاءة الخاصة التي تلعب دورها في قهر السجناء الذين يجري استجوابهم، بل ويشرحان أيضا كيف كانا يستخدمان طرقا جديدة في القتل لا تتسبب في الكثير من فقدان الدم من الضحايا.
ويصور الفيلم كيف يدعو أحدهما احفاده لمشاهدة أجزاء من الفيلم التي يظهر فيها وهو يعيد تمثيل "بطولاته" القديمة في قمع وتعذيب وقتل المعارضين. بل وينتقل الحدث، إلى أحد برامج المناقشات (التووك شو) في قناة تليفزيونية حكومية رسمية، حيث يتحدث كوتو وكونجو بسعادة ويرويان أمام الجمهور ذكرياتهما وكيف أنهما أصبحا بطلين جاء صناع السينما الأجانب اليوم إلى اندونيسيا لعمل الأفلام عنهما!


ويظهر في الفيلم أيضا العديد من الشخصيات التي شاركت في الأحداث في تلك الفترة، من بينها الناشر الذي كان يعلن في ذلك الوقت، أسماء المحكوم عليهم بالاعدام في وجودهم في المعتقلات.. والمسؤول الحكومي الذي جاء اليوم لكي ينصح الرجال الذين استعان بهم مخرجا الفيلم لاعادة تمثيل دور الحراس، كيف يمكن أن يكونوا أكثر واقعية في الأداء أمام الكاميرا، دون أدنى احساس بالخجل.

يمزج الفيلم بين الواقعي التسجيلي (وثائق مصورة للأحداث مع نبذة عن تاريخ اندونيسيا المعاصر) وبين الشهادات التي يقدمها بعض من كانوا ضالعين في تلك الأحداث الرهيبة، مع بعض الصور واللقطات التي صورها كوتو وكونجو على سبيل الذكرى.. من الماضي.. مع اعادة تمثيل لبعض ما وقع من أحداث.
يبدأ الفيلم بعباراة تظهر على الشاشة لفولتير تقول: القتل محرم.. وكل من يقتل يعاقب.. باستثناء الذين يمارسون القتل الجماعي وعلى صوت دقات الطبول".

والمقصود أن القاتل الفرد يلقى عادة العقاب، أما القاتل الذي يشارك في عمليات القتل الجماعي استجابة لممارسات السلطة، فلا حرج عليه ولا أحد يستدعيه لكي ينال العقاب. وهو ما يحدث بانتظام في بلدان العالم الثالث.

الحقائق الصادمة هي أهم ما في هذا الفيلم الذي لا مثيل له، غير أن كثرة ما توفر من مادة، وتعدد الاتجاهات التي سار فيها الفيلم، أدى إلى وقوع بعض التشوش في السيطرة على المادة من خلال المونتاج خاصة وقد شارك في ضبط الفيلم من ناحية المونتاج خمسة من المحترفين الذين لاشك أن لكل منهم منهجه الخاص.

جدير بالذكر أن الفيلم لقي دعما مباشرا من جانب اثنين من أهم السينمائيين الذين يصنعون الافلام التسجيلية في العالم وهما الألماني فيرنر هيرتزوج، والأمريكي إيرول موريس.

بديعة فؤاد
07-05-2016, 05:08 PM
شكرا على المقال القيم

بو حمد
11-05-2016, 03:12 PM
شكرا على الموضوع والمعلومات الممتعة

بلال
13-05-2016, 06:02 PM
شكرا على المواضيع والافادات القيمة ونرجو المزيد

جنة
15-05-2016, 07:37 AM
شكرا على الموضوع الممتع والافادة الجميلة