المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تتخلص من الهزيمه النفسيه



ابوعافيه المصري
03-06-2016, 04:16 PM
تمر النفس الإنسانية بحالات شديدة التباين خلال مسيرتها في الحياة..

فبينما تشرق أحيانًا، ويملؤها الطموح، ويدفعها الأمل لتحقيق المعجزات..

تدهمها أمواج اليأس ـ في أحيان أخرى ـ فتنهزم أمام المصائب والصعوبات

والمخاوف..

ولعل من أخطر ما يهدد سلامة النفس الإنسانية، ويقضي على مقدراتها ويشل

إمكانياتها استسلامها للإحباط والهزيمة الداخلية..

واستشعارها ألا فائدة، وأن شيئًا مما فسد لا يمكن إصلاحه،

وأن الأجدى ـ وقد انسكب اللبن ـ أن نعكف عليه باكين نادمين بدلاً من القيام

والبحث عن حل!!!.

ومن خطورة الشعور بالإحباط والهزيمة النفسية

أنه يقضي على أي أمل للإصلاح مع أن الأمل لا ينقطع ما بقيت هناك حياة.. إلى

جانب أنه ينطوي على راحة لا تخفى.. فبدلاً من الكدّ في سبيل الخروج من

الأزمة يكتفي المحبط بالعويل واعتبار نفسه (شهيد المصيبة)! ومن ثم يعزو كل

فشل لاحق إلى مصيبته التي وقع فيها ـ أو أوقع نفسه ـ ومن ثم أيضًا تُسلمه

كل مصيبة وهزيمة إلى أختها أو أكبر منها!.

إخواني الكرام...أخواتي الكريمات

انتشرت في السنوات الاخيرة الكثير من البرامج و الدورات تختص بالتنمية البشرية للفرد و تأهيله لأدارة الذات

و ادارة الازمات و التخلص من العادات ، إلى غير ذلك من البرامج ،

و تهافت الناس عليها في محاولة لتدراك جوانب النقص في حياتهم او رغبة في

تحسين اداءهم المعرفي او علاقاتهم الاجتماعية ،و جعلت أفكر ،

هل تناولت الشريعة الاسلامية ذلك الامر ؟؟

وهل اهتمت باعداد الفرد المسلم ليحقق توازنه النفسي

و حتى يكون قادرا على حمل اللواء و نشر الدين و الجهاد و تعمير الارض ؟؟؟
براعة المنهج الإسلامي في علاج انكسار النفس

للإسلام منهج فريد في علاج انكسار النفس أمام متاعب الحياة ومصائبه،

وينبع هذا التفرّد من كون الإسلام منهجًا ربّانيًا.. شرعه من سوَّى النفس

الإنسانية وأبدع أسراره، وعلم ـ وحده سبحانه ـ مداخلها ومخارجها..

ولا تقتصر روعة المنهج الإسلامي على إحكام تفاصيله ودقة توجيهاته..

بل تتعدى ذلك إلى القالب الذي سيق فيه الدرس؛

فلا يعرض الإسلام أفكارًا نظرية جافة قد يراها البعض صالحة، ويظنها آخرون

ضربًا من الخيال.. وإنما يساق الدرس ضمن تجربة عملية واقعية حدثت على

الأرض، وخاضها ناس من البشر ـ في عصر الوحي أو فيما قبله ـ أصاب بعضهم

في هذه التجربة وأخفق آخرون..

ومن ثنايا سياق التجربة الواقعية يُستخرج

الدرس وتستنبط العبرة، فتلصق بوعي الإنسان ويقتنع الناس بإمكانية النسج

على منوالها..

ومع أن الله يحب عباده المؤمنين وينصرهم ويدافع عنهم.. إلا أنه يقدّر عليهم البلاء

ويمتحنهم بالآلام ليقوّي عودهم؛ فيثبتوا في مواجهة الإحباطات، ويأخذ بأيديهم

(من خلال هديه) ليدربهم على فن مواجهة الهزيمة النفسية والخروج مها بسلام..

بل بغنائم!!

ظهر هذا الأمر جليًا في يوم أحُد الذي سماه الله تبارك وتعالى في كتابه (مصيبة) حين قال:

[أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا] {آل عمران: 165}

وقد كان يوم أحد مصيبة بحق حين خالف المؤمنون من الرماة – متعمدين - صريح

الأمر النبوي بعدم مغادرة أماكنهم خلف المسلمين مهما تكن الظروف، وفقد

الجيش من جرّاء هذه المخالفة سبعين من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. وانكسرت

النفوس التي استكانت - منذ عام - للذة النصر يوم بدر، وغزا اليأس القلوب..

وخاصة عندما أشيع مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم فقعد الناس عن القتال.. بل ولّى بعضهم

الأدبار فرارًا!!.

إننا ـ بالفعل ـ أمام مصيبة حقيقية أصابت المجتمع المسلم بأكمله ولم تكن

الخسائر مادية فقط بل تعدتها إلى الخسارة النفسية بهذا الانكسار ووقوع بعض

العيوب التي كشفتها المصيبة..

فكيف عالج القرآن تلك الهزيمة النفسية للمسلمين في ذلك الموقف العصيب

و كيف نستفيد نحن من ذلك بعلاج الهزيمة النفسية التي نتعرض لها أحيانا ،
ناصر المنهج الإسلامي في علاج الهزيمة النفسية

ما نريد في هذه السطور هو تحليل أحداث المعركة تاريخيًا أو عسكريًا، فليس المقام بمتسع لذلك..

وإنما لابد لنا أن نخرج من هذا الحدث الذي عالجه القرآن في ستين آية متواصلة (من سورة آل عمران) بمنهج

واضح للخروج من الأزمات وللتغلب على الهزيمة النفسية؛ فما أكثر ما تتكرر بعض مصائب أحد ـ أو معظمها ـ في

حياتنا.. ما أكثر ما نحبط لأزمات تمر بنا أو بأمتنا.. وما أكثر ما يعطلنا حب الدنيا عن كمال الطاعة لله ورسوله

فنقصر أو نسوّف الطاعة.. وربما نتورط في بعض ما يغضب الله..

فنحن ـ إذًا ـ محتاجون كأفراد وجماعات لأن نعرف هذا المنهج الرباني للخروج من الأزمات وعلاج الانكسار

النفسي..

لهذا المنهج عناصر تستخلصها إذا أحسست تدبر آيات الله التي عالجت (مصيبة أحد)..



1ـ أول هذه العناصر: رفع الروح المعنوية

بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية في الفرد والأمة.. خاطب الله عباده المنكسرين نفسيًا فقال لهم:

[وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ]{آل عمران: 139}

وكان خطابًا واقعيًا ولم يكن تحذيرًا لنفوسهم أو تسكينًا مؤقتًا لآلامهم (تعالى الله عن ذلك)؛ فليس هناك شخص مركب

من شر محض.. أو فشل محض أو ضعف محض.. إن بكل إنسان جوانب قوة وجوانب ضعف.. ولابد من لفت نظر

الإنسان المنكسر نفسيًا إلى جوانب القوة الحقيقية فيه ليحسن توظيفها في التغلب على جوانب ضعفه..

يخاطب بهذا المعنى كل إنسان فقد مقومًا من مقومّات نجاحه في الحياة..

كمن فقد مالاً أو صحة أو حاسّة.. بل حتى لمن فقد عزيزًا لديه كان يحسبه سنده الوحيد في الحياة ويرى الحياة

صفرًا يدونه..

ويخاطب أيضًا بهذا المعنى المجتمع المنكسر لضعفه وقوة عدوه أو غلبة العوائق على طريق تقدمه..

ولسنا في حاجة إلى التأكيد أن هذا العلاج لا يعني أن ينتشي المنكسر والمهزوم نفسيًا فيقعد عن علاج أزماته طالما

أنه يحوز إيجابيات عديدة وألا لما شرط الله علوّ المؤمنين في الآية السابقة بالإيمان الذي يقتضي منطقيًا العمل

والبذل وعدم القعود دون المنازل العالية..

2ـ من تلك العناصر أيضًا إبراز الجوانب الإيجابية في المصيبة

نفسها فالله عز وجل يلفت نظر المؤمنين في أكثر من موطن من كتابه الكريم إلى أن أي مصيبة لابد أن تنطوي على نقاط مضيئة وجوانب إيجابية.. انظر إلى قوله عز وجل:

[وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ]{البقرة: 216}

وقوله تعلى: [فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا]{النساء: 19}

ولا تخفي عليك دلالات تحملها كلمة (كثيرًا) فالإيجابيات داخل قد تكون متعددة!

ربَّي الله المؤمنين على ذلك من خلال سياق علاجه لمصيبة "أحد" عندما وضعت الآيات أيديهم وأبصارهم على

فوائد حصّلوها من الحدث المؤلم ومن الجراح والآلام التي أصابتهم..


ظهر هذا واضحًا في آيات من مثل قله تعالى:

[وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا]{آل عمران: 166 - 167}

فتميز الصادق من المنفق ثمرة إيجابية تفيد أي مجتمع يكافح من أجل البقاء والنهوض ولولا المصيبة التي وقعت

لبقى المنافق جرثومة مستترة جاهزة لنفث سمومها في جسد المجتمع في أي وقت..

ـ وليس معنى هذا أن نسعى في طلب المصائب وتمنيها بل نحن مأمورون بسؤال الله العافية..

إنما المقصود أن المصيبة أو الانكسار والألم كلها ليست نهاية الدنيا.. وليست شرًا محضًا

بل في باطنها ـ دومًا ـ خير كثير لا يراه إلا أهل التوفيق..

ورضي الله عن الفاروق إذ يقول:

"ما أصبت بمصيبة إلا كان لله عليّ فيها أربع نعم: أنها لم تكن في ديني، وأنها لم تكن اكبر منها، وأنني لم أُحرم الرضا عند نزولها، وأنني أرجو ثواب الله عليها"..

فقد رزق من نفاذ البصيرة وإيجابية النفس ما جعله يرى في المصيبة الواحدة أكثر من فائدة..


3ـ من عناصر معالجة الانكسار النفسي

أيضًا التي يربينا عليها الإسلام أن المصائب أمر مقدّر.. كتب الله لكل مخلوق حظه منه من قبل أن يوجد بالتأكيد

هناك أسباب مادية واقعية تقود إلى المصيبة ولكن هذا لا ينفي ارتباط الأمر ـ من قبل ومن بعد ـ بقضاء الله وقدره..

وإنما يتحرك الإنسان سعيًا لجلب نفع أو دفع ضر لأن الله أمره بالأخذ بالأسباب وهو مأجور على العمل والسعي ما

دام موافقًا للشرع.. كما أنه يتحرك لذلك وهو موقن أن الله قادر على تعطيل الأسباب وقادر كذلك على إنفاذها..


فالإنسان وأهل الأرض جميعًا إن اجتمعوا على دفع مصيبة قدّرها الله لن يستطيعوا مهما أوتوا من أسباب.

بهذه الفلسفة لحركة القدر في الحياة يتحرك المؤمن إيجابيًا فاعلاً قويًا أمام المصائب.. سريع القدرة على القيام بعدها

وعلاج آثارها..

وهو بذلك عصى على الهزيمة النفسية والانكسار تحت وطأة الحدث مهما كان مريرًا.. لا يعرف معنى للإحباط وتمنّي

المستحيل ولا تطول به الأيام والليالي في انتظار معجزة متوهمة تردّ عجلة الزمان إلى الوراء

وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته التربوية المعجزة التي وجهها لقلب المنكسر وعقله حين قال:

احرص على ما ينفعك،

واستعن بالله، ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا.. ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن ( لو ) تفتح عمل الشيطان

وما عمل الشيطان المقصود هنا سوى ذلك الإحباط الذي يسيطر على النفس أمام فرصة فائتة أو خطب نازل

فيحاء
03-06-2016, 04:30 PM
جزاك الله خيرا اخي االفاضل

داليا
03-06-2016, 05:39 PM
شكرا على الموضوع الممتع والمعلومات المفيدة

قدرى العلى
03-06-2016, 09:12 PM
بارك الله فيك اخى على الطرح الطيب وجزاك الله كل خير

صفوان حجازى
04-06-2016, 03:22 AM
شكرا على الموضوع والمعلومات القيمة

جنة
04-06-2016, 02:34 PM
جزاكم الله كل خير على الطرح المفيد ونرجو المزيد

عهود المالكى
05-06-2016, 04:50 PM
شكرا على الموضوعات والافادات القيمة جزاكم الله كل خير

زخارى
11-06-2016, 08:45 PM
مشكور استاذ ابو عافية على مواضيعك القيمة ونرجو المزيد ورمضان كريم