المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكبت



ابوعافيه المصري
12-06-2016, 04:49 PM
أن الكبت عبارة عن حيلة أساسية يتم من خلالها استبعاد الدوافع المؤلمة المخيفة أو التي تثير في نفوسنا الشعور بالذنب او النقص او القلق من حيز الشعور إلى اللاشعور. ولا تقتصر الخبرات المكبوتة على الدوافع المتضاربة التي يتعذر تصريفها أو حلها وإنما يكبت معها الشعور العاطفي الناجم عن الفشل في تحقيقها سواء كان هذا على شكل ألم أو غيظ أو خوف أو قلق.





وهذا يعني كبت الخبرة بإبعادها عن حيز الشعور والوعي إلى اللاشعور وهذا لا يعني أن هذه الخبرة فقدت قوتها ونسيت عوامل نشأتها ومحركاتها في البداية أي منذ نشأتها ، بل إنها تظل كامنة مع الألم الناتج عن الفشل وتظل محتفظة بالقوة الفعالة تحت ستار ظاهري من الهدوء وبذلك فهي تحدث أثراً عميقاً في النفس وخصوصاً في الشخصية وتنعكس مظاهر الكبت بشكل واضح في السلوك وعلى طبيعة التعامل مع الآخرين وتؤثر على الأفكار والمعتقدات والقيم الاجتماعية والروحية للفرد .





وتخدم عملية الكبت في البداية عدة أغراض ووظائف نفسية داخلية للفرد وخصوصاً في مرحلة الطفولة حيث تبعد الطفل عن العقوبات المتوقعة من الأم أو الأب ، إذا فكر بأشياء غير مقبولة أو مارس أفعال لا يرضاها الأبوين حينها يلجأ إلى الكبت خوفاً من العقاب , بالإضافة إلى أن آلية الكبت تساعد في تبديد وتسريب الألم الناتج عن الفشل في إرضاء الرغبات وهي إلى جانب ذلك تخدم أغراضاً أخرى منها الأغراض الاجتماعية مثل تنظيم سلوك الطفل وحياته بما يتوافق و قيم المجتمع المتعارف عليها إلا أن الاستخدام المفرط لـ "حيلة" الكبت يؤدي إلى ما يشبه حالة الإدمان النفسي على هذه الحيلة ,





فالكبت‏ ‏العنيف‏ ‏الدائم‏ ‏يسحب‏ ‏الطاقة‏ ‏من‏ ‏التفكير‏ ‏ومن‏ ‏الألفاظ‏ ‏ومن‏ ‏الحواس‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏الوساد‏ ‏الشعوري ‏السائد‏، ‏وبالتالي ‏يفقدها‏ ‏جميعا‏ ‏الفاعلية‏ ‏اللازمة‏ ‏لأداء‏ ‏وظيفتها‏ ‏التعبيرية‏ ‏والتواصلية‏ ‏والإبداعية‏.‏ فمع أن الكبت يعيد التوازن لفترة إلإ أن التوازن إذا استمر مرتبطا بالكبت فسيؤدى ذلك إلى يصبح قاعدة يرتكز عليها السلوك في تبرير أي شئ ومتى حدث ذلك فأن الطفل يصل إلى حالة لا تسمح له بالتصرف الطبيعي حتى بالرغبات المسموحة والممكن اشباعها ونفس الأمر بالنسبة للشخص الراشد .





لكن الكبت عادة لا ينجح في استعادة التوازن بشكل دائم ، خاصة مع الضغط المستمر للمادة المكبوتة ، سواء كانت هذه المادة ، تتعلق بالجنس أو بالعدوان ، فتهديد هذه المادة بالإنفجار يواجه بتفعيل حيل أخرى يجلبها الفرد لا شعوريا لمواجهة هذا التهديد ويترتب‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏جزءا‏ ‏كبيرا‏ ‏من‏ ‏النفس‏ ‏يصبح‏ ‏في ‏غير‏ ‏متناول‏ ‏صاحبه‏ ‏ويعيش‏ ‏الفرد‏ ‏في ‏رعب‏ ‏دائم‏ ‏من‏ ‏أن‏ يًُكشف المستور ويظهر المكبوت ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ . والكبت كحيلة‏ ‏تسبق‏ ‏أو‏ ‏تصاحب‏ ‏أو‏ ‏تغلف‏ ‏كل‏ ‏الحيل‏ ‏الأخرى.‏ من هذه الحيل التي تتضافر مع الكبت حيلة ‏الإنكار‏ Denial‏ التي ‏لا تعدو‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏كبتا‏ ‏شاملا‏ ‏حادا‏ ‏وسريعا‏.‏





كما أن من الحيل التى تتسم بالصعوبة والخفاء حيلة العقلنة Intellectualization تلك الحيلة العصرية‏ الخطيرة‏ التي أصبحت سمة من ‏سمات‏ ‏العقل‏ ‏البشرى عندما ‏اتسعت‏ ‏مداركه‏ ‏وحذق‏ ‏استعمال‏ ‏الرمز‏ ‏بدرجة‏ ‏أصبحت‏ ‏تهدد‏ ‏تكامله‏ ‏وتحد‏ ‏من‏ ‏وعيه‏ ‏لتحل‏ ‏الرؤية‏ ‏العقلية‏ ‏محل‏ ‏المعايشة‏ ‏الكاملة‏، ‏وتكتفي ‏بالبصيرة‏ ‏المنطقية‏ ‏عن‏ ‏البصيرة‏ ‏الفاعلة‏ ‏المغيرة‏، ‏وتسود ‏الحسابات‏ ‏التفصيلية‏ ‏الواضحة‏ ‏الظاهرة‏، ‏على‏ ‏الاحتمالات‏ ‏الحدسية‏ ‏الشاملة‏ ‏العميقة‏.‏ من هذه المظاهر : ‏اللفظنة ‏ Verbalism: التي تتمثل في ‏الإفراط‏ ‏في ‏استعمال‏ ‏الألفاظ‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏معانيها‏ ‏القابلة‏ ‏للتحقيق‏ ‏والحافزة‏ ‏للعمل‏. ‏البصيرة‏ ‏المعقلنة ‏: Intellectualized Insight‏وهى ‏التي ‏تعنى ‏الاكتفاء‏ ‏بالمعرفة‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏التكامل‏ ‏الفاعل‏ ‏المغير‏ . ومن المهم هنا أن نذكر ما ذهب إليه يحيى الرخاوى من أن : ‏1- ‏التربية‏ ‏التي ‏ترجح‏ ‏التفكير‏ ‏المنطقي ‏الحاسب‏ ‏المجزئ‏ ‏على ‏التفكير‏ ‏الإجمالي ‏الفني ‏الارتباطي ‏تهيئ‏ ‏إلى ‏نقص‏ ‏في ‏الكفاءة‏ ‏الإبداعية‏ ‏للفرد‏.‏ 2- ‏هذا‏ ‏النقص‏ ‏في ‏الكفاءة‏ ‏الإبداعية‏ ‏يعتبر‏ ‏مهيئا‏ ‏للمرض‏ ‏النفسي، ‏لأن‏ ‏كبت‏ ‏الجزء‏ ‏الفنى ‏من‏ ‏وجودنا‏ ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏كبت‏ ‏طاقة‏ ‏أساسية‏، ‏سرعان‏ ‏ماستحاول‏ ‏فرض‏ ‏نشاطها‏ ‏مباشرة‏ (‏الذهان‏) ‏أو‏ ‏بطريقة‏ ‏غير‏ ‏مباشرة‏ (‏العصاب‏).‏ ‏3- ‏استمرار‏ ‏هذا‏ ‏الطغيان‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏‏لو‏ ‏لم‏ ‏ينتج‏ ‏عنه‏ ‏مرض‏ ‏نفسي ‏محدد‏، ‏فنتج‏ ‏عنه‏ ‏تشويه‏ ‏وإعادة‏ ‏للنمو‏ ‏البشرى ‏في ‏شكل‏ ‏اضطرابات‏ ‏الشخصية‏ (‏النمطية‏ ‏خاصة‏).‏ ‏4- كثيرا‏ ‏من‏ ‏الأمراض‏ ‏الاجتماعية‏، ‏وأمراض‏ ‏العصر‏ (‏ومن‏ ‏أخطرها‏ ‏الحروب‏، ‏وميكنة‏ ‏البشر‏، ‏والاغتراب‏) ‏هي ‏نتاج‏ ‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏واحد‏ ‏بعد‏ ‏سحق‏ ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏تحت‏ ‏ضربات‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏التطور‏، ‏بما‏ ‏يحمل‏ ‏من‏ ‏مفاجآت‏ ‏الجدة‏ ‏والتغير‏ ‏النوعي

nona
12-06-2016, 06:18 PM
بارك الله فيك على روعة ما كتبت

قدرية توفيق
12-06-2016, 08:54 PM
شكرا على الطرح والافادة القيمة بارك الله فيكم

ابو بكر
12-06-2016, 10:25 PM
بارك الله فيك اخى ابو عافية على مواضيعك القيمة والمفيدة
جزاكم الله كل خير ورمضان كريم عليك اخى ونرجو المزيد من مواضيعكم القيمة

ماجد
12-06-2016, 10:55 PM
ما شاء الله عليك اخى ابو عافية مواضيعك كلها فى الصميم ورمضان كريم عليك

المغربية
13-06-2016, 12:32 AM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع والافادة القيمة

شكرى
14-06-2016, 09:16 PM
شكرا على الطرح والمعلومات القيمة

ميمونة
14-06-2016, 10:51 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه