المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبرة من قصة جزيرة الموت



شادي
25-07-2016, 04:06 PM
جزيرة الموت ..


كانت إحدى الولايات تفرض نظاماً خاصاً لكل من يريد أن يتقدم لحكمها , فوضعت شرطين للموافقة على من يريد حكم ولايتها , الأول : أن مدة الحكم لكل حاكم سنتان غير قابلة للتجديد , والثاني : هو أن يُرسل الحاكم في نهاية فترة ولايته إلى جزيرة الموت وهي جزيرة غير مأهولة بالسكان , تكثر بها الوحوش المفترسة , فلا ينجو داخلها من الموت , ولكن الملفت للنظر هو وجود أعداد كبيرة من المتقدمين لكرسي الرئاسة على قائمة الانتظار , وهذا بلا شك هو داء حب الإمارة والسلطة الذي جبلت عليه نفوس البعض , غير مبالين بمصير الشؤم المحتوم المنتهي بالموت , وكان يتم تنصيب الحاكم الجديد وفقاً لأولوية التقدم للإمارة , فكان كل ملك يُنصب يعمل جاهداً على أن يغبّ من الشهوات والملذات ويتلذذ بالجواري والقصور لأنه يدرك أن متعته سوف تنتهي بهتين السنتين , وبعدها سوف يذهب إلى الموت حيث الوحوش التي ستفترسه عند أول دخوله تلك الجزيرة المشؤومة , ولهذا فلم يكن من اهتمامات حكام هذه الجزيرة رفاهية السكان ولا إعمار الولاية , وكل ذلك يحدث دون اعتراض من سكان الولاية الذين لم يكن همهم إلا تطبيق قانون تنصيب الحكام , ثم إرسالهم إلى جزيرة الموت في نهاية فترة ولاية كل حاكم منهم , أما إعمار الولاية ورفاهية الشعب , فلم يكن ضمن أولويات سكان هذه الولاية ولا حكامها .


وفي إحدى دورات الحكم بالولاية جاء دور شاب فقير , وأثناء حفل التتويج سألوه عمّا إذا كان يعرف قوانين الحكم بهذه الولاية أم لا ؟! فقال : نعم , أعرف أنه سوف يتم نفيي إلى جزيرة الموت حيث الوحوش المفترسة , لكنني مستعد لذلك المصير أسوة بحكام الولاية السابقين , ولهذا تمت مراسم التتويج واستلم الشاب مقاليد حكم الولاية , ولكن هذا الشاب لم يكن همّه الانغماس في الملذات كسابقيه , بل بدأ حكمه واضعاً نصب عينيه هدفين اثنين , حيث ركز عليهما خلال فترة حكمه للولاية , هما إشاعة العدل وإعمار الولاية حتى عمّ الرخاء وازدهر الاقتصاد بالولاية , فبات الناس يشكرون لهذا الوالي العادل ويثنون عليه ويتمنون لو استمر حكمه للولاية لأكثر من السنتين , والثاني التخطيط ثم البدء بإصلاح جزيرة المنفى – وكان ذلك دون علم سكان الولاية – حيث قام ببناء سياج للوحوش وجمعها داخله ضمن خطة تحويلها إلى حديقة حيوانات سوف تتاح زيارتها للمتنزهين مستقبلاً , كما قام ببناء القصور والبساتين في جزيرة المنفى , وأرسل إليها بعض أصحابه وأعوانه لعمارتها , فاستقروا بها وهكذا بدأت الحياة في الجزيرة تصبح أكثر أمناً .



وانتهت فترة حكم ذلك الشاب صاحب الأهداف الاستراتيجية , وعندها تساءل الناس فيما لو كان بإمكانهم التجديد له لولاية ثانية , فعقدوا الاجتماعات لتعديل القانون , لكنهم وجدوا أن قانون الحكم لا يسمح لهم بتعديل مواده , فما كان منهم إلا الاستسلام والتفكير في حاكم جديد فلعله يحذو حذو حاكمهم الشاب في العدل والإصلاح , ثمّ ذهبوا إلى حاكمهم المنتهية ولايته بمنزله يشكرونه وفي نفس الوقت يظهرون له شفقتهم عليه للمصير الذي سوف تؤول إليه حياته كسابقيه في جزيرة الموت المشؤومة , إذ أن وحوش الجزيرة ستلتهم دون هوادة كل من تطأ قدميه أرض جزيرتهم المشؤومة , لكنه طمأن روع هؤلاء المشفقين عليه , حيث أطلعهم على نتائج أهداف خطته التي ركز عليها خلال فترة حكمه , والذي كان ذلك منذ أول يوم استلم فيه حكم ولايتهم , وهنا هدأ روع هؤلاء المشفقين , بل وبدأ بعضهم بالتفكير في الانتقال معه إلى الجزير التي يمكن أن يطلق عليها منذ اليوم جزيرة الحياة .

وفي هذه القصة أمران يلفتان الانتباه , أحدهما مذموم والآخر محمود , فالمذموم هو تقديس سكان الولاية لنظام الحكم العقيم بولايتهم , حيث لم يكن همهم ماذا قدم الحاكم بقدر ما يهمهم متى تنتهي الفترة , ليسلموا حاكمهم القديم إلى مصيره المشؤوم , ويستقبلوا حاكماً جديداً , وكأن ذلك لعبة يتسلون بها بل وينتظرونها في نهاية كل سنتين مثل الدورات المنتظمة للألعاب الرياضية , ولهذا بقيت ولايتهم دون تطوير , حتى إنهم لما لمسوا إصلاحات الحاكم الشاب ورغبوا في استمرار حكمه , عجزوا عن تعديل مواد قانون الحكم بولايتهم , فأذعنوا لنصوص القانون التي يقدسونها , وهذا هو حال العجزة والكسالى ومنغلقي التفكير , بينما الأمر المحمود هو خطة ذلك الحاكم الشاب وتركيزه على هدفين استراتيجيين , حيث جعلهما نصب عينية منذ أن استلم حكم الولاية , فركز على مواطن القوة لديه واستثمرها , وترجم أهدافه إلى أفعال , فلم يكن همه حين بدأ الحكم الانغماس في الملذات والشهوات كحكام الولاية السابقين , فاستصلح الولاية التي حكمها , واستصلح أيضاً جزيرة الموت حتى غدت تصلح للحياة الآدمية , وفي نفس الوقت لم يسيء للوحوش بالقتل والإبادة , بل جمعها في حديقة وأمّن حياتها , وحول حضيرة الوحوش إلى حديقة للتنزه والاستمتاع , ولهذا ضمن مصيراً آمناً لحياته , وقبل ذلك سمعة حسنة , وتخليداً لذكراه لدى سكان هذه الولاية .

فإياك والسلبية والتقليد الأعمى والإذعان للأحكام المسبقة , والسير في دروب مرددي مقولة مع الخيل يا شقرا , وهي صفات نهي عنها الإسلام , فقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال : لا تكونوا إمّعة , تقولوا إن أحسن الناس أحسنا , وإن ظلموا ظلمنا , ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , وإن أساءوا أن لا تظلموا . (الترغيب والترهيب : 308/3) , بل كن إيجابياً مؤثراً في الحياة , فديننا الإسلامي دعا إلى الإيجابية في الحياة وعدم الاستسلام لليأس والقنوط , ففي الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها , فليغرسها . (صحيح الجامع : 1424, وصححه الألباني) .

دمتم إيجابيين وفاعلين في تعاملاتكم في هذه الحياة , والله من وراء القصد , وهو الهادي إلى سواء السبيل .

داليا
26-07-2016, 04:38 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة جزاكم الله كل خير

سامر سويلم
26-07-2016, 05:05 PM
شكرا اخي شادي على الموضوع المفيد
جزاك الله خيرا

عهود المالكى
28-07-2016, 03:51 AM
شكرا على الطرح والافادة القيمة جزاكم الله كل خير