المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكيل بمكيالين



شادي
25-07-2016, 04:13 PM
االكيل بمكيالين :


قال أحدهم خرجت عصر يوم ربيعي للتنزه على الخط العام القريب من منزلي والذي كان يتوسط منطقة زراعية ويمر بمجموعة من القرى الآهلة بالسكان , وكانت الرحلة ممتعة بالنسبة لي , فالسماء غائمة ورذاذ المطر منعش , والهواء عليل جداً , والأرض مكسوة باللون الأخضر الخلاب , فكنت أسير على الطريق في تأنٍ واستمتاع بتلك المناظر الساحرة وذلك الجو العليل , ويتابع صاحبنا حديثه فيقول : وعندما اقتربت من أحد التقاطعات بإحدى القرى التي كان يمر عبرها طريق رحلتي لا حظت إشارة المرور تضئ باللون الأخضر الذي لم يبق من زمنه إلا خمس ثوانٍ فقط , ولأنه لا زال يفصلني عن التقاطع عدة أمتار , ولكوني مستمتعاً بالرحلة , فقد أبطأت في سيري قليلاً غير مكترث بأرتال السيارات من خلفي , لأقف عند الإشارة عندما تضئ باللون الأحمر الذي بات وشيكاً , ثمّ أواصل سيري عندما تعاود الإشارة فتح الخط في المرة التالية , لكنني في أثناء ذلك كنت أرقب سيارة من خلفي أقبلت في سرعة جنونية , وقد أخذ سائقها في تنبيهي ببوق سيارته وبالتكبيس بالأنوار لحملي على زيادة السرعة , لنتمكن أنا وهو من عبور التقاطع قبل أن تضئ الإشارة باللون الأحمر , لكنني لم أكترث لعلامات التنبيه التي أطلقها , فما لبث أن تجاوزني عبر الحارة الملاصقة للرصيف الأيسر وهو يلوح لي ساخطاً , ليتجاوز التقاطع خلال ثواني التهيؤ للوقوف عندما كانت الإشارة تضيء باللون الأصفر , فقلت في نفسي يا له من سائق متهور , وأخذت أنظّر عقوبات مرورية مغلظة له ولأمثاله غير تلك المعتمدة في نظام المرور , وبعدما فتح الخط ثانية واصلت رحلة سيري واستمتاعي , ثمّ يكمل صاحبنا روايته فيقول : ودارت الأيام وما هي إلا أسابيع معدودات ويتعرض ابني الصغير لوعكة صحية حادة , فاضطررت لنقله للمستشفى الذي يقع على خط رحلتي السابق , وكنت أسير بسرعة عالية علني أنقذ حياة صغيري , فلما اقتربت من تقاطع صاحبنا الأول ومن جميل التوافق أن الإشارة كانت خضراء , وأيضاً بقي على نهايتها خمس ثوانٍ تقريباً , لكنني اليوم لم أعد كالأمس , بل أخذت ألوم من كان يسير على مهل ممن كان أمامي , ولما وصلت إلى التقاطع كان لون الإشارة قد تغير إلى اللون الأصفر , فعبرت كما عبر صاحبي الأول ولامني السائقون كما لمته بالأمس , وهنا فقط عذرت صاحبي الأول وقلت في نفسي , يبدو إن مقياس السرعة هو حالة الشخص النفسية وظروفه الخاصة وليست هي عداد سرعة السيارة , ولعل لصاحبي الأول عذراً في يومه ذاك , ثمّ ترنمت مع نفسي بقول الشافعي رحمه الله :



تأن ولا تعجل بلومك صاحباً # # # لعل له عذراً وأنت تلوم

يقول وعندما وصلت إلى المستشفى ودخلت قسم الطوارئ , وبعد أن فتح موظف الاستقبال ملفاً للحالة , وجدت لدى الطبيب حالة داخل العيادة , وفي الانتظار قبلنا حالتان , فأخذت أذرع ممر العيادات روحة وجيئة , وبين الحين والآخر أقرع باب العيادة استعجل من بداخلها , ثمّ يأتي دور ابني وأتنفس الصعداء , وبعد الكشف ووصف العلاج أخذت أناقش الطبيب وأستقصي عن كل شاردة وواردة , والطبيب يوجز في إجاباته على تساؤلاتي لما بعد وصفة العلاج , ولم يشفع له من كثرة تساؤلاتي إلا طلبه من الممرضة استدعاء الحالة التالية , وعند خروجي من العيادة شاهدت تجهم وقلق الحالات القابعة في الانتظار والتي بدأت أعدادها في الازدياد , فقلت في نفسي لعل قد أصاب هؤلاء من القلق مثل ما أصابني , إنهم فعلاً على حق فقد أخذت أكثر من وقتي داخل العيادة , وكان الأولى بي أن أشعر بحاجة الحالات الحرجة , التي تنتظر الإسعاف !!

وهذا التناقض في أدوار الإنسان يأتي في غالبه من الكيل بمكيالين ومن سوء الظن أيضاً الذي هو من الإثم , يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنَّ بعض الظن إثم} (الحجرات : 13) , وفي الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: إياكم والظن فإنَّ الظن أكذب الحديث. ( البخاري : 5143 ) , وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟ قال : كلا والله الذي لا إله إلا هو ! فقال عيسى : آمنت بالله ، وكذّبت عيني! (البخاري : 3444) .


وجاء في الأثر ما ينسب لجعفر بن محمد قوله : إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذراً واحداَ إلى سبعين عذرا، فإن أصبته وإلا قل : لعل له عذرا لا أعرفه . (البيهقي في شعب الإيمان) , والمتأمل في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي أخرجاه البخاري ومسلم وما فيه من العظة والعبرة بوجوب حسن الظن في الآخرين ، حيث قال أسامة : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم , فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله , فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته ! قال: فلما قدمنا المدينة , بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا أسامة أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله , قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً , قال أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله , قال : فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . (البخاري : 6872 , ومسلم : 96 ) .

فلنحسن الظن في تفسير تصرفات أقربائنا ومرؤوسينا وكل من نتعامل معه مما لا تسوغ لنا تصرفاتهم , لتستقيم الحياة ويدوم الود , وليكن شعارنا : لعل له عذراً وأنا لا أعلم , وإياك وسوء الظن , ومن سوء تفسير تصرفات الآخرين وحملها على محمل سوء النية والطوية هذا ما نسميه الكيل بمكيالين , جعلني الله وإياكم ممن يحسن الظن بالناس ويلتمس لهم الأعذار , وممن يقبل عذر المعتذر إذا أبدى أسفه لخطأ لم يُقصد أو قصد لم يُفهم , وحبذا التمثل بقول الشاعر الذي أجاد في وصف التسامح وحسن النوايا , وقبول الاعتذار أو التماسها لمن تجاهل الاعتذار :

اقبل معاذير من يأتيك معتذراً *** إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره *** وقد أجلك من يعصيك مستترا

داليا
26-07-2016, 04:38 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة جزاكم الله كل خير

حليمة المطلبى
27-07-2016, 12:56 AM
شكرا على الموضوع والافادة الجميلة

ماجد
28-07-2016, 02:18 AM
شكرا على الموضوع المفيد

عهود المالكى
28-07-2016, 03:58 AM
شكرا على الطرح والافادة القيمة جزاكم الله كل خير