المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة وعبرة سيلفي شوفوني



فريدة
28-07-2016, 02:42 PM
قصة وعبرة سيلفي شوفوني :

د. علي الشيخي


يحكى أن رجلاً ممن يظهر عليه علامات التقى والصلاح , كان يصلي نافلة في أحد المساجد الشهيرة في وقت الضحى , فسجد سجدة أطال فيها يدعو الله ويبتهل , فمر بجواره شخصان كانا في سياحة لزيارة ذلك المعلم الإسلامي , فرأياه في حالة سجود أعجبهما منظره المتبتل , فاستقلّا صلاتهما مقارنة بصلاته , وخشوعهما بخشوعه , فقال أحدهما : ما شاء الله لهذه السجدة الخاشعة , فهذه هي الصلاة الحقيقية , وهذا الخشوع يفتقده الكثير منا ! فتجد أغلب المصلين ينقرون صلاتهم كنقر الديك , وهذا ما نهى عنه رسولنا عليه السلام في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه , حيث قال : ".. . ونهاني خليلي عن ثلاث – يعني في الصلاة - وذكر منها ونقرٌ كنقر الديك " (مسند أحمد : 27/14) فردّ عليه صاحبه فقال : هنيئاً لهذا الشيخ , فأسأل الله أن يتقبل منه ويستجيب مسألته , وأن يوفقنا لطاعته تعالى كما يحب ويرضى , وكان الرجلان يتحدثان بصوت خافت يُسمع , بينما صاحبنا ذلك الساجد ينظر إليهما بطرف عينيه ويسترق السمع لحوارهما الذي راق له كثيراً وزاده نشوة في صلاته , وعندما رآهما قد وقفا بجواره إعجاباً بصلاته , داخله شيء من العجب بعمله هذا , فنطق دون وعي بقوله : ( وأحمد الله فأنا اليوم صائم أيضاً !! ) وكان الوقت في غير شهر رمضان , فانقلب إعجابهما إلى استهجان وشفقة عليه , ثمّ انصرفا وهما يدعيان الله سبحانه أن يصلح شأنه , وشأن أحوال إخوانهم المسلمين الذين باتت ظاهرة الرياء والسمعة في العبادات تغلب على الكثير من أعمالهم , بل وأضحت وسائل التقنية وقنوات التواصل الاجتماعي تساهم في تفشي ظاهرة التباهي بالأعمال التي ظاهرها الصلاح والتقى , بينما هم في حقيقة الأمر على خطر عظيم , بل ويخشى من أن تنقلب أعمالهم التي يقصدون من ورائها الخير , من حسنات تضاف لأرصدة أعمالهم الصالحة , إلى سيئات تسجل في صحائفهم , ويُسألون عنها يوم القيامة .

وهذه الظاهرة يمكن أن نطلق عليها ظاهرة " شوفوني " وهي التي كنا نشاهدها ونسمعها سابقاً لأناس جبلوا على المباهاة والتفاخر برحلات السفر في الصيف وإجازات الأعياد للخارج وهم يرتدون الملابس الفاخرة , ولكي يظهروا للآخرين مدى قدرتهم وتمتعهم بإجازتهم في المصايف العالمية , فإنهم يقومون بإرسال سيلفي أو سناب شات على قروبات قنوات التواصل التي تجمعهم بزملائهم , وهم على مدرج الطائرة أو في حديقة الهايد بارك أو أمام برج إيفل , أو برج خليفة أو بمدينة كيندانيا للأطفال أو غيرها من المنتزعات العالمية , ولا شك أن هذا التمظهر وهذه الصور الاستفزازية فيها كسر لقلوب الفقراء , وخاصة تلك الأسر التي لا يستطيع رب البيت تطييب خاطر أبنائه برحلة داخلية ولو قصيرة لإحدى المدن السياحية في بلده .

ثمّ تدرجت ظاهرة شوفوني إلى تصوير سفرة الطعام وهي تحوي ما لذّ وطاب من أصناف المطاعم والمشارب , فلا يسمح بالجلوس للأكل إلا بعد التصور ومن ثم إرسالها على قروبات وصفحات التواصل الاجتماعي , وهنا كم من فقير شاهد هذه الصورة فأخذته الحسرة كونه لا يجد لقمة يسد بها رمق جوعه أو جوع أبنائه , ولعلكم شاهدتم فيديو الطفلة اليتيمة التي تناشد بكفالتها ومن هم على شاكلتها من الأيتام بدلاً من هذا البذخ والتبذير الذي لا يقره عقل ولا دين , وليت الأمر وقف عند هذا الحد , بل تعداه إلى المبالغة في التعبير عن الكرم وإظهار النعمة كظاهرة غسيل الضيوف لأيديهم بدهن العود التي تداولها قنوات التواصل الاجتماعي مؤخراً .

وأخيراً وصلت هذه العدوى إلى العبادات , فهذا ينشر رسالة يقول فيها " الحمد لله انتهيت من ختم القرآن هذا اليوم وأسأل الله القبول , وثان يرسل رسالة بعد منتصف الليل يقول فيها : ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها , وثالث يصور سيلفي لنفسه وهو يطوف بالكعبة ويقول الحمد لله انتهيت الآن من أعمال العمرة , ولقد شعرت بروحانية وأنا أقبل الحجر الأسود , ورابع يحمّل بملفه على قنوات التواصل صورة له وهو يقبل رأس أو يد أحد والديه , ويكتب تحتها " بر الوالدين من أسباب سعة الرزق " , وآخر ينشر سيلفي أخذه مع عامل نظافة وفيه يقدم للعامل قارورة ماء صحة باردة أو منديل ليمسح العامل بها عرقه , وهذا أمر خطير جداً , فقد يعرض أعمالنا التي نتعبد الله بها للإحباط وعدم القبول , ولمن يدعي أنه يقصد من أعماله تلك حث الآخرين على مشاكلته والتأسي به في إتيان أعمال الخير , فإنه لا يضمن على نفسه الرياء , وقد جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن زيد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا نعايا العرب ثلاثاً : إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية , وفي حديث آخر : الرياء شرك . (ابن جرير الطبري : 795 , 796/2) .

فنسأل الله سبحانه أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في العمل , والبعد عن الرياء والسمعة , إنه ولي ذلك والقادر عليه

وليد البلوشى
28-07-2016, 07:02 PM
شكرا على الموضوع والافادة القيمة بارك الله فيكم

بلال
29-07-2016, 01:37 AM
مشكور اخى ابو عافية على مواضيعك القيمة ونتمنى المزيد

مروان التيفاشى
29-07-2016, 01:19 PM
شكرا على الطرح والافادات القيمة بارك الله فيكم

نور الهدى
29-07-2016, 11:26 PM
شكرا على الطرح والافادات القيمة بارك الله فيكم

الفرغل ابو الرجال
30-07-2016, 07:18 AM
شكرا على الموضوع القيم والرائع بارك الله فيكم