المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم المرفوع المبحث الثالث



محب التيجانية
08-10-2016, 11:35 AM
العلم المرفوع

المبحث الثالث


رابط المبحث الاول (http://alchamel114.org/vb/showthread.php?t=26168)

رابط المبحث التاني (http://alchamel114.org/vb/showthread.php?t=26169)

أهمية وضرورة العمل بالعلم

لقد اهتممنا بتعلم المعلومات وحفظها ولكننا -إلا من رحم الله- أهملنا العمل بمضمون تلك المعلومات, واهتممنا بالفصاحة والبلاغة والإعراب ولكن وللأسف صارت قلوبنا أعجمية, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/158) (عن مالك بن دينار قال: تلقى الرجل وما يلحن حرفا، وعمله لحن كله)اه, وروى الخطيب أيضا (ص/ 159) عن إبراهيم بن أدهم قال: (أعربنا في الكلام فما نلحن ولحنا في الأعمال فما نعرب)اه, وفي إحياء علوم الدين للغزالي (1/123): (قال الأوزاعي: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع)اه , وفي بستان العارفين للإمام النووي (ص/19): (قال الشاعر:

لم نؤت مـن جهـل ولكننا نستــر وجـه العلم بالجهل
نكره أن نلحن في قولنــا ومــا نبالي اللحن في الفعل)اه

ولقد ضرب الله تعالى أسوأ الأمثلة لمن لم يعمل بعلمه, حيث ضرب له مثلا بالكلب في بعض الآيات وبالحمار في بعض آخر نسأل الله العافية, فقال سبحانه في المثل الأول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) [الأعراف : 175 ، 176]

قال البغوي في تفسيره (3/304): (قال عطاء: أراد [بلعام بن باعور] الدنيا وأطاع شيطانه. وهذه أشد آية على العلماء، وذلك أن الله أخبر أنه آتاه من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة، فاستوجب بالركون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة عليه والانسلاخ عنها، ومَن الذي يَسْلَمُ من هاتين الخلتين إلا من عصمه الله؟)اه, وقال ابن الجوزي في زاد المسير (3/58): (وهذه الآية من أشد الآيات على أهل العلم إذا مالوا عن العلم إلى الهوى)اه .

وقال سبحانه في المثل الثاني: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) [الجمعة : 5]
قال الطبري في تفسيره (12/92): (حُملوا العمل بها (ثم لم يحملوها) يقول: ثم لم يعملوا بما فيها)اه, وقال الشوكاني في فتح القدير (5/316): (مثل الذين حملوا التوراة) أي كُلفوا القيام بها والعمل بما فيها (ثم لم يحملوها) أي لم يعملوا بموجبها ولا أطاعوا ما أمروا به فيها (كمثل الحمار)اه

الأحاديث النبوية في أن العلم حجة على من لم يعمل به

إن العلم بغير عمل يكون سببا في الهلاك والنار فإن أول من تسعر بهم النار ثلاثة ومنهم العالم المرائي كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا, وصدق ابن رسلان الشافعي حيث يقول في مقدمة منظومته المسماة بالزبد:

وعالم بعلمه لم يعملن * معذب من قبل عباد الوثن

وفي معجم الطبراني وحلية أبي نعيم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الزبانية أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم : ليس من يعلم كمن لا يعلم )اه كنز العمال (10/345)
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع) كما في صحيح مسلم (4 / 2088) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه
وهذه طائفة من الأحاديث النبوية في هذا الشأن, ولكني أريد أن أقول لك أخي القارئ قبل إيرادها: لا تقل: بعض هذه الأحاديث ضعيف, فالحديث الضعيف يعمل به ويروى في الفضائل في مذهب جماهير أهل العلم وحكى غير واحد من أهل العلم أجماع أهل الحديث والفقه والأصول على ذلك, وللفقير بحث مفرد في المسألة بعنوان: (حكم العمل بالحديث الضعيف عند المحدثين والفقهاء دراسة مقارنة) منشور في الأنترنت, وكان ذلك البحث قبلها فصلا من فصول كتاب الفقير (التمذهب دراسة تأصيلية للمسائل المتعلقة بالتمذهب)

والآن إليكم طائفة من الأحاديث في ضرورة العمل بالعلم وأن العلم من غير عمل يكون حجة على صاحبه لا له:

- في المعجم الكبير للطبراني (2/165): عن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه)اه ورواه الطبراني أيضا عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه

- وفي سنن الترمذي (4/612): (عن ابي برزة الاسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه)اه قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح

- وفي المعجم الصغير للطبراني (1/305): (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه)اه

- وفي المعجم الكبير للطبراني (22/55): (عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه وكل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به)اه

- وفي شعب الإيمان للبيهقي (2/283): (عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت فقلت يا جبريل من هؤلاء قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ويقرؤن كتاب الله ولا يعلمون)اه

- وروى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/65): (عن حذيفة بن اليمان، فيما أعلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (ويل لمن لا يعلم، وويل لمن علم ثم لا يعمل ثلاثا)اه

- وروى الخطيب في اقتضاء العلم العمل أيضا (ص/66): (عن سليمان بن الربيع مولى العباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ويل لمن لا يعلم، ولو شاء الله لعلمه، وويل لمن يعلم ولا يعمل، سبع مرات)اه وللحديث شاهد عن أبي الدرداء رواه الخطيب بعده

- وروى الخطيب أيضا (ص/6): (عن علي رضي الله عنه قال : قال رجل: يا رسول الله ما ينفي حجة الجهل ؟ قال : العلم, قال : فما ينفي عني حجة العلم ؟ قال : العمل)اه

- وروى أيضا (ص/7): (عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كيف أنت يا عويمر إذا قيل لك يوم القيامة : أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت: علمت، قيل لك: فماذا عملت فيما علمت؟ وإن قلت : جهلت، قيل لك : فما كان عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت ؟)اه

- وروى أيضا (ص/9): (عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله عز وجل حتى تعملوا بما تعلمون)اه

- وروى أيضا (ص/75): (عن منصور بن زاذان، قال: نبئت أن بعض، من يلقى في النار ليتأذى أهل النار بريحه ، فيقال له : ويلك ما كنت تعمل ؟ ما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن ريحك ؟ قال : فيقول إني كنت عالما فلم أنتفع بعلمي)اه


آثار عن الصحابة والسلف في أن العلم من غير عمل حجة على صاحبه

- العلم ينادي العمل فإن لبى العملُ نداء العلم وإلا رحل عن صاحبه, روى الخطيب في كتابه اقتضاء العلم العمل (ص/42) بسند مسلسل بالأبناء عن الآباء بعدد تسعة من الآباء فقال: (أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي، من حفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: (هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل)اه

- والعلم بغير عمل يضر صاحبه ولا ينفعه, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/ 82): (عن سفيان ابن عيينة قال: العلم إن لم ينفعك ضرك. قال الخطيب: قلت: يعني إن لم ينفعه بأن يعمل به ضره بكونه حجة عليه)اه

- والاستكثار من العلم من غير عمل زيادة في الحجة, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/84): (عن مالك بن دينار قال: إنني وجدت في بعض الحكمة: لا خير لك أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما قد علمت, فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا فحزم حزمة، ذهب يحملها فعجز عنها ، فضم إليها أخرى)اه وروى في اقتضاء العلم العمل (ص/ 88): (عن إبراهيم بن أدهم قال : خرج رجل يطلب العلم فاستقبله حجر في الطريق فإذا فيه منقوش: اقلبني تر العجب وتعتبر، قال: فأقلب الحجر فإذا فيه مكتوب: أنت بما تعلم لا تعمل، كيف تطلب ما لا تعلم ؟!)اه

- وكان السلف يسألون الطالب عن عمله فيما علموه قبل أن يعلموه الجديد, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/ 89): (عن عطاء قال: كان فتى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة فيسألها وتحدثه، فجاءها ذات يوم يسألها فقالت: يا بني هل عملت بعد بما سمعت مني؟ فقال: لا والله يا أمه، فقالت: يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك)اه

- ومن لم يعمل بعلمه لا يكون لكلامه أثر في قلوب الناس, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/ 95): (عن مالك، قال : قرأت في التوراة : إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا)اه

- ومن لم يعمل بعلمه هو أشبه بقاطع الطريق أمام العامة, روى الخطيب في اقتضاء العلم العمل (ص/103): (عن وهيب بن الورد قال: (مثل العالم السوء كمثل حجر وقع في ساقية، فلا هو يشرب من الماء، ولا هو يخلي عن الماء فيحيى به الشجر، ولو أن علماء السوء نصحوا لله في عباده فقالوا: يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم به عن نبيكم وصالح سلفكم فاعملوا به، ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفشلة فإنا قوم مفتونون، كانوا قد نصحوا لله في عباده ولكنهم يريدون أن يدعوا عباد الله إلى أعمالهم القبيحة فيدخلوا معهم فيها)اه

- وكان السلف يحذرون من الاغترار بالعالم والقارئ الذي لا يعمل بعلمه, ففي اقتضاء العلم العمل (ص/109): (عن أبي إسحاق، قال: قال عمر بن الخطاب: لا يغرنكم من قرأ القرآن، إنما هو كلام يتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به)اه

- وكان السلف يحذرون من الرضى بالعلم دون العمل, ففي اقتضاء العلم العمل (ص/139): (قال سفيان الثوري: رضي الناس بالحديث، وتركوا العمل)اه

- والعلم أفضل الأعمال لمن عمل به لا لمن لم يعمل به, ففي اقتضاء العلم العمل (ص/ 151): (قال بشر الحافي: يقولون إني أنهى عن طلب الحديث، أنا لا أقول شيئا أفضل منه لمن عمل به، فإذا لم يعمل به فتركه أفضل)اه

- وطالب العلم الحقيقي هو من يعمل بما علم أولا بأول, ففي اقتضاء العلم العمل (ص/ 18): (عن أبي الدرداء قال: إنك لن تكون عالما حتى تكون متعلما، ولن تكون متعلما حتى تكون بما علمت عاملا)اه

- وطلب العلم بنية العلم المجرد لا ينتفع به صاحبه بل يكون سببا في الكبر, ففي اقتضاء العلم العمل (ص/31): (عن أبي عبد الله الروذباري قال: من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم ، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم)اه وفي اقتضاء العلم العمل (ص/ 35): (عن مالك بن دينار قال: إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره [أي انكسر وتواضع]، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا)اه

- والعلم من غير عمل كالشجرة بلا ثمر ففي اقتضاء العلم العمل (ص/ 48): (عن عبد الله بن المعتز قال: علم بلا عمل كشجرة بلا ثمرة وقال أيضا: علم المنافق في قوله ، وعلم المؤمن في عمله)اه

- وكان السلف يخشون من سؤال الله لهم عن العمل بالعلم أكثر من السؤال عن التعلم ففي اقتضاء العلم العمل (ص/55): (عن أبي الدرداء قال: إني لست أخشى أن يقال لي: يا عويمر ماذا علمت؟ ولكني أخشى أن يقال: يا عويمر ماذا عملت فيما علمت)اه

وما زلنا مع الآثار عن السلف الكرام رضي الله عنه في ضرورة العمل بالعلم, ففي الموافقات للإمام الشاطبي (1/ 75):

- عن ابن مسعود: كونوا للعلم وعاة ولا تكونا له رواة فإنه قد يوعى ولا يروى وقد يروى ولا يوعى

- وعن أبي الدرداء: لا تكون تقياً حتى تكون عالماً ولا تكون بالعلم جميلاً حتى تكون به عاملاً
- وقال الثوري: العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شُغلوا فإذا شُغلوا فُقدوا فإذا فُقدوا طُلبوا فإذا طُلبوا هربوا

- وعن الحسن قال: الذي يفوق الناس في العلم جديرٌ به أن يفوقهم في العمل)اه

وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي (1 / 115-125):

- روى ابن حبان في روضة العقلاء موقوفا على الحسن: من ازداد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا

- وقال عمر رضي الله عنه: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم, قالوا: وكيف يكون منافقا عليما؟ قال: عليم اللسان جاهل القلب والعمل

- وقال الحسن رحمه الله: لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء

- وكان يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله يقول لعلماء الدنيا: يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية وأثوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين الشريعة المحمدية

- وقال سهل التستري رحمه الله: العلم كله دنيا والآخرة منه العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص

- وقال سهل: الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يدري ماذا يختم له به

- وقال عيسى عليه السلام: كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على طريق دنياه؟! وكيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به لا ليعمل به؟!

- وقال حاتم الأصم رحمه الله: ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علما فعملوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو

- وقال سرى السقطي: اعتزل رجل للتعبد كان حريصا على طلب علم الظاهر, فسألته فقال: رأيت في النوم قائلا يقول لي: إلى كم تضيع العلم ضيعك الله؟ فقلت: إني لأحفظه فقال: حفظ العلم العمل به

- وقال الحسن: تعلموا ما شئتم أن تعلموا فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا فإن السفهاء همتهم الرواية والعلماء همتهم الرعاية

- وقال مالك رحمه الله: إن طلب العلم لحسن وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فلا تؤثرن عليه شيئا

- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملا, وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم )اه

وفي العهود المحمدية ص265 وما بعدها:

- كان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول: لو صحت النية في العلم لم يكن عمل يقدم عليه إلا العمل وما يحتاج منه ولكن تعلموه لغير العمل

- وكان يقول: احذروا عالم الدنيا أن تجالسوه خوفا أن يفتنكم بزخرفة لسانه ومدحه للعلم وأهله من غير عمل به .

- وكان يقول: ربما كان علم العالم زادَه إلى النار, فلا ينبغي لأحد أن يفرح بعلمه إلا بعد مجاوزة الصراط وهناك يعلم حقيقة علمه هل هو حجة له أو عليه

- وكان يقول: اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا في ذلك فصار علمهم كالجبال وعملهم كالهباء

- وكان ذو النون المصري رضي الله عنه يقول : أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وتقللا من أمتعتها ونراهم اليوم كلما ازداد أحدهم علما ازداد في الدنيا رغبة وتكثيرا لأمتعتها .

- وكان بكر بن عبد الله المزني يقول: من عقل الرجل أن لا يطلب الزيادة من العلم إلا إذا عمل بما علم فيتعلم العلم كي يعمل به إذ العلم إنما يطلب للعمل

- وكان الشعبي رضي الله عنه يقول: اطلبوا العلم وانتم تبكون فإن أحدكم إنما يريد به زيادة إقامة الحجة على نفسه يوم القيامة

- وكان سفيان الثوري يقول: من لا يعمل بعلمه شبيه بشجر الحنظل كلما ازداد ريا بالماء ازداد مرارة)اه .

- وفي المستطرف في كل فن مستظرف (1/20): (قال الشاعر:

يا أيهــا الرجل المعـلم غيره ... هلا لنفسك كــان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصــلح بالرشاد عقولنا ... أبداً وأنت من الرشــاد عديم
فابدأ بنفسـك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيــم
فهناك يقبل ما تقــول ويهتدى ... بالقول منك وينفــع التعليم
لا تنه عن خـلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعــلت عظيـم)اه

النية والمقصد في طلب العلم

تصحيح النية والمقصد هو الأساس في طلب العلم, ولا بناء من غير أساس, فليسأل كل واحد منا نفسه وليجب عن نفسه بصدق- بل الإنسان على نفسه بصيرة-: ما مقصدي ومرادي من طلب العلم؟ هل هو وجه الله؟ أم الشهرة والجاه؟ أم المنصب والوظيفة؟ أم المال والدنيا؟ أم..؟ ثم لنتأمل في هذه الأحاديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :

- في صحيح مسلم (3/1513): (عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار, ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ...)اه

- في سنن الترمذي (5/32): (عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)اه ورواه ابن ماجه عن ابن عمر (1/93)

- وفي سنن أبي داود (2/346 ): (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسو
ل الله صلى الله عليه وآله وسلم : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها)اه

- وفي حلية الأولياء (5/99): (عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من سمع الناس بعلمه سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة وحقره وصغره)اه

ثم لنتأمل في هذه الآثار عن السلف رضي الله عنهم:

- في سنن الدارمي (1/115): (عن أبي وائل عن عبد الله قال: من طلب العلم لأربع دخل النار: ليباهي به العلماء أو ليماري بها السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أو ليأخذ به من الأمراء)اه

- وفي إحياء علوم الدين (1/147): (يروى في الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمائة وستين مصنفا في الحكمة حتى وصف بالحكيم فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل لفلان قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني من ذلك بشيء وإني لا أقبل من نفاقك شيئا, فندم الرجل وترك ذلك وخالط العامة في الأسواق وواكل بني إسرائيل وتواضع في نفسه فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له الآن وفقت لرضاي)اه

- وفي إحياء علوم الدين (1/116): (في أخبار داود عليه السلام حكاية عن الله تعالى: إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي, يا داود لا تسأل عني عالما قد أسكرته الدنيا فيصدك عن طريق محبتي أولئك قطاع الطريق على عبادي

- ولذلك قال الحسن رحمه الله: عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة, وقال يحيى بن معاذ: إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما الدنيا)اه

- وفي إحياء علوم الدين (1/124): (قال كعب رحمه الله: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون, ويخوفون الناس ولا يخافون, وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم, ويؤثرون الدنيا على الآخرة, يأكلون بألسنتهم, يقربون الأغنياء دون الفقراء, يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال, يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره, أولئك الجبارون أعداء الرحمن)اه

- وفي العهود المحمدية ص265-266: (وكان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول: إذا رأيتم العالم أو العابد ينشرح لذكره بالعلم والصلاح في مجالس الأمراء والأكابر فاعلموا أنه مراءٍ

- وكان سفيان بن عيينة رضي الله عنه يقول: من علامة الرياء في طلب العلم أن يخطر في باله أنه خير من العوام لأجل العلم ومن فعل ذلك مات قلبه فإن العلم لا يحيي قلب صاحبه إلا إن أخلص فيه

- وكان صالح المري رضي الله عنه يقول: من علامة إخلاص طالب العلم أن ينشرح صدره كلما وصفه الناس بالجهل والرياء والسمعة كما أن من علامة ريائه انقباض قلبه من ذلك.

- وكان الربيع بن خثيم يقول: كيف يرائي العالم بما يعلم مع علمه بأن كل ما لا يُبتغى به وجه الله يضمحل, وكان إذا دخل عليه أمير على غفلة وهو يدرس العلم يغتم لذلك, وكان إذا بلغه أن أحدا من الأمراء عازم على زيارته لا يدرس علما ذلك اليوم خوفا أن يراه ذلك الأمير وهو في محفل درسه العظيم .

- وكان الربيع يقول: من علامة المخلص في علمه أن ينقبض في نفسه إذا مدحه الأكابر ويتأثر كما يتأثر ممن اطلع عليه وهو يزني

- وكان بكر بن عبدالله المزني رضي الله عنه يقول: علامة المرائي بعلمه أن يرغب الناس في العلم ليقرءوا عليه, ثم إنه إذا شاوره أحد في القراءة على غيره لا يرغبه كل ذلك الترغيب
- ولما ترك بشر الحافي الجلوس لإملاء الحديث قالوا له: ماذا تقول لربك إذا قال لك يوم القيامة لم لا تعلم عبادي العلم؟ فقال أقول له: يا رب قد أمرتني فيه بالإخلاص ولم أجد في نفسي إخلاصا)اه

وقد صار الكثيرون اليوم وقبل اليوم يطلبون العلم من أجل الوظائف والمناصب والقرب من الحكام والأمراء والملوك..إلخ, قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين 1/42-41 : ( اعلم أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تولاها الخلفاء الراشدون المهديون وكانوا أئمة علماء بالله تعالى فقهاء في أحكامه وكانوا مستقلين بالفتاوى في الأقضية فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرا في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة فتفرغ العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لها وكانوا يتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا وأقبلوا على الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم.

فلما أفضت الخلافة بعدهم إلى أقوام تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول وملازمٌ صفو الدين ومواظب على سمت علماء السلف فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات

فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصِلات منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلا من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله

وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على علم الفتاوى والأقضية لشدة الحاجة إليها في الولايات والحكومات, ثم ظهر بعدهم من الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعُلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فأكب الناس على علم الكلام وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن السنة وقمع المبتدعة كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين وتقلُّد أحكام المسلمين إشفاقا على خلق الله ونصيحة لهم)اه

ولا يكفي في صدق النية وإخلاص الطلب أن نسلم من قصد المال والوظائف والمناصب ونحوها, بل هناك ما هو أخطر من ذلك وهو قصد الجاه والمنزلة عند الخلق, قال الغزالي في إحياء علوم الدين(1/61): (ولا تظنن أن ترك المال يكفي في اللحوق بعلماء الآخرة فإن الجاه أضر من المال ولذلك قال بشر: (حدثنا) باب من أبواب الدنيا, فإذا سمعت الرجل يقول: (حدثنا) فإنما يقول أوسعوا لي, وكان يقول: أنا أشتهي أن أحدث ولو ذهبت عني شهوة الحديث لحدثت, وقال: إذا اشتهيت أن تحدث فاسكت فإذا لم تشته فحدث, وهذا لأن التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشاد أعظم لذة من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فهو من أبناء الدنيا, ولذلك قال الثوري: فتنة الحديث أشد من فتنة الأهل والمال والولد)اه

وقال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين أيضا ج2/ص357: (فساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه, ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال)اه
وعلامة صدق النية في الطلب هو حب الخمول والبعد عن الشهرة والأضواء, قال ابن عطاء الله في الحكم: (ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه), وقبل ذلك يقول النبي صلى الله علي وسلم : (رُب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له مدفوع بالأبواب تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره)اه والحديث أصله في صحيح مسلم, وتأمل في خير التابعين وهو أويس القرني فقد كان من الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفقدوا, وليس المذموم هو وجود الجاه والصيت والشهرة, ولكن المذموم هو حب ذلك وطلبه كما قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين




للموضوع بقية

بهاء الدين
08-10-2016, 07:46 PM
مشكور وجزاك الله كل خير على الطرح الطيب

روضة العامودى
10-10-2016, 05:06 AM
شكرا على الطرح والافادات القيمة بارك الله فيكم

نور الهدى
11-10-2016, 06:09 PM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

tafouket
12-10-2016, 07:11 PM
شكرا على الطرح الطيب وجزاكم الله كل خير

هاشم
18-10-2016, 03:01 AM
شكرا اخى محب التيجانية على مساهماتك القيمة ونرجو المزيد

جمال الرصافي
21-10-2016, 08:37 PM
شكرا على المواضيع القيمة فى السير والسلوك وجزاكم الله كل خير

جنة
24-10-2016, 05:07 AM
شكرا على الموضوع والافادة جزاكم الله كل خير

جيهان
03-11-2016, 02:50 PM
شكرا على الموضوع والافادة

ابو على
09-11-2016, 07:13 PM
شكرا على العرفانيات الطيبة جزاكم الله كل خير

صفوان حجازى
10-11-2016, 02:21 PM
مشكور وجزاكم الله كل خير

الفرغل ابو الرجال
16-11-2016, 01:48 AM
مشكور وجزاك الله كل خير اخى على الطرح القيم

ابو حاتم
20-11-2016, 06:30 PM
شكرا على الموضوع والافادة بارك الله فيكم

بلال
23-11-2016, 02:20 AM
شكرا على الموضوع القيم ونتمنى المزيد منك اخى محب التيجانية