المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثمرة المعرفة الإلهامية الكشفية وغايتها عند الصوفية.



نسائم الرحمن
13-11-2016, 07:10 PM
ثمرة المعرفة الإلهامية الكشفية وغايتها عند الصوفية.


http://media.kenanaonline.com/photos/1238231/1238231453/medium_1238231453.jpg?1339054414

إن قمة هدف العارف أن يستعيد شعوره المباشر السابق بالله سبحانه، وأن ينعم بهذا اللقاء، وأن يظل في هذه الحضرة دون خطرة أخرى، وذلك وفاءً بالعهد الذي قطع عليه، وتحقيقًا للميثاق الذي أخذ عليه([1]).

وبعبارة أخرى: إن إثبات الوحدة المطلقة في هذا العالم هو ما يسعى بعض الصوفية من وراء معرفته؛ حيث يتلاشى عند العارف وجود الكثرة التي مصدرها العدم وغايتها العدم، ولا يكون هناك موجود على الحقيقة إلا الله الواحد، وما سواه عدم محض([2]).

كما تعتبر " مرتبة الإفهام " من ثمرات الكشف الصوفي: فالفهم نعمة من الله على عبده، ونور يقذفه الله في قلبه يعرف به ويدرك ما لا يدركه غيره ولا يعرفه، فيفهم من النص ما لا يفهمه غيره، مع استوائهما في حفظه، وفهم أصل معناه.

وعند البعض أنه إذا كانت قمة هدف السالكين لطريق التصوف ونهاية غاياتهم تتمثل في المعرفة المباشرة بالله تعالى وتحقيق الاتصال به، فإن هذه المعرفة متى تحققوا بها تؤدي بهم إلى غايات أخرى يتصل بعضها ببناء شخصية العارف على قوة الإرادة، وشدة العزيمة ونحو ذلك، ويتصل بعضها ببلوغه حد الكمال من الناحية الأخلاقية المؤسسة على الدين، بمعنى أن يتخلق العارف بأخلاق الله عز وجل، كما عبروا عن ذلك، ويتصل بعض هذه الغايات بما يفرضه الله عز وجل عليه من أسرار تتصل بعالمي الغيب والشهادة، وما يفيض عليه من طاقات وقدرات، وقبل ذلك كله تثمر المعرفة ويستمتع – كما يقولون – بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر([3]).

والصوفية أنفسهم يصرحون بشمول نور المعرفة للكيان الإنساني كله - كما يذكر د/ كمال جعفر – بما في ذلك الأعضاء والجوارح: " يزيد النور في القلب حتى يشرق على الجوارح، فهم قادرون على رؤية الذرة على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء ... وعندهم الأخبار العجيبة، بهم يثبت الكتاب، وهم به متمسكون وإن قلوبهم لأضوأ من الشمس"([4]).

ولعل من أبلغ ما ظهر من آثار المعرفة على نفس العارف وحياته بوجه عام، ما حكاه "طه عبد الباقي سرور" عن "معروف الكرخي" حينما رفض العقيدة النصرانية: "فحبسه أبوه في خزانة أيامًا ثم رقَّ عليه فأخرجه منها، ولكنه عاد إليها، فقد ألفها وأحبها، ووجد فيها ملاذًا وأنسًا، فكان لا يخرج منها إلا أن يخرجوه كرهًا.

فقال له أبوه: ما الذي حبب إليك هذه الخزانة. فقال: إن الذي زعمتما أنه أفسدني عليكما قد وجدته فيها.

قال أبوه: ما هو؟ قال: الذي تسبح السموات والأرضين بحمده، الذي يرى ويعلم ويحيط بكل شيء، وهو مع خلقه أينما كانوا.

لقد حبستماني في هذه الخزانة الضيقة، فـعشت بقلبي في عالم فسيح أكبر من هذا العالم الذي تشاهدانه بأعينكما، وأحسست أنسًا يملأ وجودي، ونورًا يضئ ليلي، وعطرًا يتدفق حولي، وبهجة ونشاطًا يمرحان في كياني، ثم يقينًا واطمئنانًا جميلاً حنونًا يحيط بي، فكل شيء حولي باسم سعيد، فعلمت أن ربي لا يترك عباده أينما كانوا، وحيثما وجدوا..."([5]).

وتثمر المعرفة الإلهية فوق ذلك معرفة الكون بقوله وعوالمه، بل بها يصبح الكون بما فيه من قوى وعوالم وطاقات وعجائب طوع أمر العارف، كما أفصح عن ذلك سهل التستري في قوله: من عرف الله عز وجل أناله معرفته، ومن أناله معرفته جوزه أمره على كل شيء دونه([6]). وفي قوله: أهل المعرفة بالله كأصحاب الأعراف، يعرفون كلا بسيماهم، أقاموا مقامًا أشرف بهم على الدارين ([7]).

أما غاية المعرفة عند الغزالي – كما يقول الدكتور التفتازاني – هي التخلق، والحب لله، والفناء فيه، والسعادة، وذلك أن المعرفة عنده، وعند من تقدمه من الصوفية كالقشيري، تهدف إلى غاية أخلاقية؛ لأنها متوقـفة على طهارة القلب ونقائه، فالمعرفة علامة الهداية، وكلما زادت زاد التخلق والصفاء، كما يجعل الغزالي حب الله ثمرة لمعرفته إذ لا يتصور محبة إلا بعد معرفة وإدراك إذ لا يحب الإنسان إلا ما يعرفه([8]).

وقول الإمام الغزالي السابق يدفعنا إلى تناول ما بين المعرفة والحب من علاقة وارتباط ، وأيهما يسبق الآخر ؟ إلى غير ذلك من أمور يكتمل بها البحث في هذه النظرية عند الصوفية.




(1) د/ كمال جعفر: التصوف، ص 209.

(2) د/ محمد الجليند: من قضايا التصوف، ص 146.

(3) د/ السيد الحجر: التصوف الإسلامي، ص 219.

(4) د/ كمال جعفر: التصوف، ص 209.

(5) طه عبد الباقي سرور: من أعلام التصوف الإسلامي، ص 91، 1956، ضمن لجنة الدراسات الصوفية، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها.

(6) سهل التستري: المعارضة والرد على أهل الدعاوى، بتحقيق د/ كمال جعفر، ص 78.

(7) الكلاباذي: التعرف لمذهب أهل التصوف، ص 131.

(8) د/ محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام، ص 127-129، د/ التفتازاني: مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص 212.

المصدر: د/ مصطفى فهمي: رسالة دكتوراه-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة.

مروان التيفاشى
17-11-2016, 07:37 PM
شكرا على المواضيع العرفانية بارك الله فيكم

جابر عبد الله
18-11-2016, 06:59 AM
احسنتم احسن الله اليكم

بلال
19-11-2016, 05:45 PM
شكرا على الطرح العرفانى القيم جزاكم الله كل خير

رشاد عزام
30-11-2016, 06:37 PM
شكرا على المواضيع العرفانية القيمة فى التصوف

لمياء الدميرى
01-12-2016, 09:44 PM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

عبد الله
13-12-2016, 12:56 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير

حسين الرفاعى
15-12-2016, 04:45 PM
مشكورين وجزاكم الله كل خيرعلى الطرح الطيب

ادهم
22-12-2016, 12:55 AM
شكرا على الطرح الطيب والافادة القيمة وجزاكم الله كل خير

هاشم
01-01-2017, 05:01 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الطرح الطيب فى السير والسلوك الآلهى

طلعت شكرى
04-01-2017, 09:20 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير

ايمن صديق
24-01-2017, 11:07 AM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

الجاسم
27-01-2017, 04:41 AM
شكرا على الموضوع الذوقى الجميل بارك الله فيكم