المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟ -



تميم الشاوى
26-11-2016, 11:53 PM
"]ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟


قبل أن ندرس موضوع القناعة، نحاول أن ندرس معناها في اللغة و الاصطلاح، و بعد ذلك نعمد إلى البحث في قيمتها و آثارها:

معنى القناعة و فرقها مع البخل

أ. القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالقليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه.[1] و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. قال أمير المؤمنين (ع) في كتابه إلى عثمان بن حنيف: أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ و لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْر.[2]

في علم الأخلاق تستعمل القناعة في مقابل الحرص. القناعة تجعل الإنسان يكتفي بما يحتاجه و ما هو ضروري و لا يطلب المزيد على ذلك.[3] إذن يمكن أن يقال إن القانع هو الذي يكتفي بالقليل و لا ينزعج منه و يرضى بما قسم له.

ب. الفرق بين القناعة و البخل: بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية و هي ترتبط بالاستخدام المقتصد لإمكانات الحياة و الابتعاد عن الإسراف و التبذير في المصرف و الرضا بنعم الله و إن كانت قليلة، في حين أن البخل مرتبط بالأخلاق الاجتماعية، و ذلك عندما ينبغي للإنسان أن يساعد الآخرين و يبذل أمواله و جاهه في سبيل خدمة الفقراء و المحتاجين، و لكنه يبخل و يمتنع. القناعة تجسيد لصفة الفضل و الإبا و الزهد و الصبر عند الإنسان، في حين أن البخل من رذائل النفس و هي ناجمة عن حقارة النفس و أنانية الإنسان.

في هذا المجال ينقسم الناس إلى أربعة أقسام:

1. المنفقين و هم الذين يأكلون و ينفقون على الآخرين.

2. المؤْثرين و هم الذين يحرمون أنفسهم عن النعم و ينفقونها على الآخرين.

3. البخلاء و هم الذين يأكلون و يتنعمون و لا ينفقون.

4. الحقراء اللئام و هم الذين لا يأكلون و لا يتنعمون و كذلك لا ينفقون.

يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة بحيث لا ينتفع بأمواله هو و لا ينفق على الآخرين، و لكن هذه هي غاية الدناءة و اللؤم و هي أمرّ من البخل، إذ أن البخيل يبخل على الآخرين فقط و ينتفع بأمواله. الحالة المثلى هي أن ينتفع الإنسان بماله بمقتضى القناعة و الاقتصاد، ثم يؤثر و ينفق الباقي على غيره من الضعفاء و المحتاجين و يواسيهم و يشاركهم في منافعه.

إن العقل عامل مهم في اختيار القناعة. يقول أمير المؤمنين (ع): "من عقل قنع‏"[4]. إن العقل يختار القناعة لما تحظى من آثار قيمة و يعتبرها لصالح الإنسان. من جملة الآثار التي تؤدي إليها القناعة غنى الإنسان عن غيره و قوته على تحمل النواقص و الصبر عليها. فبالرغم من أن الإنسان بقناعته سوف يقل انتفاعه بالإمكانات الظاهرية بحسب الظاهر، يؤيد العقل هذا السلوك لما فيه من نتائج إيجابية. كلما ازداد الإنسان معرفة بنفسه و بالعالم الذي يعيشه، و ازداد في عمق نظره في القضايا الإنسانية، يزداد استعدادا لقبول الصفات الإنسانية الحميدة كالقناعة.

من خلال ما ذكر يتضح أن القناعة تمثل ملكة الزهد التي تتبلور في سلوك الإنسان و مستوى حياته و معيشته، و في الواقع إن حياة الزهد هي حياة القناعة و الحياة البعيدة عن الحرص و الترف و البطر.

كما أن أمير المؤمنين (ع) قد فسر القناعة بالحياة البسيطة و الخفيفة و البعيدة عن الزخارف و الكماليات: " اقنعوا بالقليل من دنياكم لسلامة دينكم فإن المؤمن البلغة اليسيرة من الدنيا تقنعه."[5]

لابد أن نعلم أن القناعة ليست ببخل أو عدم مصرف، القناعة هي أن ينتفع الإنسان بإمكاناته بالشكل الصحيح و المناسب مع مراعاة أصول المصرف المؤكد عليها في المجتمع و المطابقة مع تعاليم الإسلام و أن يجتنب من الإسراف و التبذير في هذه الأمور. [6]

آثار القناعة

إن للقناعة آثار عديدة على المستوى البعد الإيجابي و السلبي فنشير إلى بعضها فيما يلي:

الآثار الإيجابية

أ) المجد و العزة: يقول القرآن بصراحة: (وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ و لِرَسُولِهِ و لِلْمُؤْمِنين)[7] و إن هذه العزة و الرفعة بقدر بحيث لم يسمح للإنسان المؤمن أن يذلّ نفسه أمام الآخرين قط.

يقول الإمام الصادق: َ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ و جَلَّ فَوَّضَ إِلَى الْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا و لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِيلًا أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ و جَلَّ يَقُولُ و لِلَّهِ الْعِزَّةُ و لِرَسُولِهِ و لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ عَزِيزاً و لَا يَكُونُ ذَلِيلًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَعَزُّ مِنَ الْجَبَلِ إِنَّ الْجَبَلَ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالْمَعَاوِلِ و الْمُؤْمِنَ لَا يُسْتَقَلُّ مِنْ دِينِهِ شَيْ‏ءٌ.[8] و قال الرسول الأعظم (ص): "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه".[9] و مما لا شك فيه أحد أسباب عزّ الإنسان و مجده التي تعصمه عن الذل و الهوان، القناعة. فقد قال أمير المؤمنين (ع): لا أعز من قانع.[10] القناعة تؤدي إلى العز.[11] القناعة عز و غناء.[12] القناعة أبقى عزّ.[13]

ب) كنز لا يفنى: قال رسول الله (ص): القناعة كنز لا يفنى‏.[14] و قال (ص): َ الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَد.[15] و قال أمير المؤمنين (ع): لَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَة.[16]

ج) القناعة و الغنى: قال رسول الله (ص): ليس الغنى عن كثرة العرض و لكن الغنى غنى النفس.[17] و قال الإمام الصادق (ع): َ مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاس‏.[18] و قال كذلك: أغنى الغنى القناعة.[19] و قال أمير المؤمنين (ع): القناعة رأس الغنى‏.[20]

الآثار السلبية المترتبة على عدم القناعة

أ) الذل و الهوان: من لم يرض بما قدّر الله له، سيطمع بأموال الغير شاء أم أبى، و بالنتيجة سيمدّ يديه إليهم بالطلب و السؤال و هذا ما يؤدي إلى ذلّه و هوانه.

قال الإمام الصادق (ع): مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّه‏.[21]

يقول العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث: المراد الرغبة إلى الناس بالسؤال عنهم و هي التي تصير سببا للمذلة و أما الرغبة إلى الله فهي عين العزة.[22]

ب) الحزن و القلق الدائم: من آثار الحرص و الطمع، الحزن و التشويش.

قال الإمام الباقر (ع): لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ و لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا اسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ ص جَالِساً ثُمَّ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا و مَنِ اتَّبَعَ بَصَرُهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ طَالَ هَمُّهُ و لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ و مَنْ لَمْ يَعْرِفْ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ قَصَرَ عِلْمُهُ و دَنَا عَذَابُهُ.[23]

إذن ينبغي للإنسان أن لا يترك الاعتدال و الاقتصاد في حياته و أن يقنع و إلا فلن يرى السعادة قطّ.

[/COLOR]


[1] الطريحي، فخر الدین، مجمع البحرین، ج 4، ص 384، مکتبة مرتضوي، طهران، 1375ش.

[2] نهج البلاغة، ص 418، انتشارات هجرت، قم.

[3] راجع: النراقي، ملا مهدى، جامع السعادات، ج 2، ص 104، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

[4] الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحکم و درر الکلم، ص 391، دار نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1366 ق.

[5] المصدر نفسه ص 393.

[6] مقتبس من موقع http://amoozeh.ir/Archive (مع تصرف).

[7] المنافقون، 8.

[8] الكليني، محمد بن یعقوب، الكافي، ج 5، ص 63، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365ق.

[9] السید بن طاوس، الیقین، ص 336، مؤسسة دار الکتب، قم، 1413 ق.

[10] غرر الحکم و درر الکلم، ص 392.

[11] المصدر نفسه، ص 391.

[12] المصدر نفسه.

[13] المصدر نفسه.

[14] فتال النيسابوري، محمد بن حسن، روضة الواعظین، ص 456، انتشارات الرضي، قم.

[15] المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج 15، ص 226، نشر مؤسسة آل البيت، 1408ق.

[16] نهج البلاغة، ص 540، انتشارات دار الهجرة، قم.

[17]الحراني، حسن بن شعبة، تحف العقول، ص 57، دار نشر جماعة المدرسين، قم، 1404 ق.

[18]الكافي، ج 2، ص 139.

[19] الطبرسي، ابوالفضل على بن حسن، مشكاة الأنوار، ص 130، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385 ق.

[20] غرر الحکم و درر الکلم، ص 392.

[21] الكافي، ج 2، ص 320.

[22] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 70، ص 171،ح 25، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[23] المصدر نفسه ، ج 67، ص 317، ح 25.

هديل اليمام
01-12-2016, 06:14 PM
شكرا جزيلا اخي الفاضل

جعفر محمد
02-12-2016, 09:37 AM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

ماجد
10-12-2016, 04:12 PM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

بهاء الدين
15-12-2016, 09:13 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير

سمراء النيل
29-12-2016, 09:12 PM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيك

وليد البلوشى
05-01-2017, 03:19 AM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

قدرى العلى
12-01-2017, 09:45 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه