المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " أسباب الارتقاء بالهمَّة "



البتول
16-12-2016, 07:55 PM
" أسباب الارتقاء بالهمَّة "

هناك أسباب كثيرة ووسائل متعدِّدة للارتقاء بالهمَّة، وهي في الحقيقة الوجه الآخر لأسباب انحطاط الهمَّة .. وفيما يلي جُملة منها :

1- التربية الصحيحة من قبل الوالدين :

فإنَّ الولد الذي يحرص والداه على تربيته على الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة، والخلال الكريمة مع إبعاده عن مساوئ الأخلاق ومرذول الفعال سيشبُّ بإذن الله عالي الهمَّة، محبًّا لمعالي الأمور، متصفًا بمكارم الأخلاق، كارهًا لسفاسف الأمور .

ومن أراد أن يعرف أثر الوالدين في نفوس الأولاد فليتتبع حال سلفنا الصالح الذين خرَّجوا لنا أفضل الأجيال، وقدَّموا لنا أ عظم الأبطال، فمن كان وراء عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد وعبد الله بن الزبير ؟ ومن الذي صنع البخاري وابن تيمية وابن القيم وغيرهم ؟ إنهم الآباء العظماء والأمهات الفضليات .

2- وجود المربين الأفذاذ والمعلمين القدوة :

الذين يتَّصفون بعلوِّ الهمَّة وحُسن الخلق، ويستشعرون عظم المسئولية وضخامة الأمانة، ويحرصون على بثِّ رُوح التنافس بين طلابهم، وتربيتهم على طلب المعالي والترفُّع عن الدنايا وعزَّة النفس وقوة العزيمة، ويؤثِّرون فيهم بالفعل قبل القول .

3- العلم والبصيرة :

فالعلم يصعد بالهمَّة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال؛ فيتَّقي فضول المباحات التي تشغله عن التعبُّد، ويبصره بحِيَل إبليس وتلبيسه عليه كي يحول بينه وبين ما خُلق له، ويحثُّ على طلب المعالي والترفع عن الدنايا .

4- مجاهدة النفس ومحاسبتها :

فبدون ذلك لا يتحقَّق شيء ولا يخطو المرء خطوة للإمام ولهذا قال ربنا عز وجل : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" [العنكبوت: 69] .

ولا شكَّ أنَّ مجاهدة النفس وحرمانها من بعض ملذَّاتها ورغباتها وعوائدها، وإلزامها بأعمال تحتاج جهدًا ومشقَّة، ومحاسبتها على التقصير، وأخذها بالجدِّ والحزم، لا شكَّ أنَّ هذا يقوِّي الإرادة، ويبعث على العزيمة يقول الشاعر :

وفي قَمع أهوَاء النفُوسِ اعتزَازُها °°°° وفي نَيلهَا مَا تَشتهي ذُلٌّ سَرمدُ

5- إرادة الآخرة وجعل الهموم همًّا واحدًا :

قال تعالى : "وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا" [الإسراء: 19] ، وقال صلى الله عليه وسلم : «من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» (رواه الترمذي وصححه الألباني) .

6- تذكُّر الموت وقصر الأمل :

فهذا يُوقظ الهمَّة، ويبعث الجد والاجتهاد، ويدفع إلى العمل للآخرة، والتجافي عن دار الغرور وتجديد التوبة وإيقاظ العزم على الاستقامة .. يقول ابن القيم رحمه الله : «صدق التأهُّب للقاء الله- ومنه تذكر الموت والاستعداد له- من أنفع ما يكون للعبد وأبلغه في حصول استقامته، فإنَّ من استعدَّ للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات، وأخبت قلبه إلى الله وعكفت همَّته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته واستحدثت همَّة أخرى وعلومًا أخر، وولد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمِّه.. أ.هـ .

7- الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله :

فهو المسئول وحده أن يقوِّي إرادتنا، ويعلي همَّتنا ويرفع درجاتنا .. وبالدعاء تشرف النفس وتعلو الهمَّة، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم أعنِّي على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك» (رواه أبو داود وصححه النووي) .

8- قراءة القرآن الكريم وتدبره :

فهو يهدي للتي هي أقوم، ويدفع إلى الكمالات، ويحثُّ على الفضائل، ويدعو إلى كلِّ جميل، وهو الذي يرهف العزائم ويعلي الهمم، ويقوي ا لإرادات، ويحفز النفوس على العمل النافع والسعي المثمر، ويطهر النفوس من الدنايا، وينأى بها عن محقرات الأعمال وسفاسف الأمور، وهو الذي جعل من رعاة الغنم قادة الأمم فنشروا العدل، وقضوا على الظلم، وفجَّروا العلم والحكمة تفجيرًا .

9- التحوُّل عن البيئة المثبطة للهمم :

فعلى المرء أن يهجر البيئة التي تدعوه إلى الكسل والخمول وإيثار الدون حتى تعلو همَّته، وتتحرر من سلطان تأثيرها، وتنعم بفرصة الترقِّي إلى المطالب العالية حيث يجتمع قلبه، ويلتئم شمله، وتتوحد همَّته، وتتوجه بصدق وعزم نحو المعالي .

10- مصاحبة أولي الهمم العالية :

وهذا السبب أخصُّ من سابقه، وهو من أ عظم ما يبعث الهمَّة ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس، وذلك لأنَّ كلَّ قرين بالمقارن يقتدي، والمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه، مجبول على الغيرة والتنافس ومزاحمة الآخرين .

ووجود الصاحب، الذي يجري بك نحو معالي الأمور، ولا يتوانى في تقديم ما يمنحك التوفيق، ويعتبر نجاحك نجاحًا شخصيًا له، مهم في وصولك إلى القمة وبلوغ المعالي. وهذا يفسر لنا قول ابن مسعود رضي الله عنه : «اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله» .

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به» .

أنتَ في النَّاس تُقَاس °°°° بالذي اختَرت خَلِيلا

فاصْحَب الأخيَار تَعلو °°°° وتَنل ذِكرًا جَميلا

صُحبة الخَامِل تكسُو °°°° من يُؤاخِيه خُمُولا

وإذا أردت أن تعرف أثر الصحبة العالية الهمَّة في التسابق إلى الخيرات، فتأمَّل ما قاله محمد بن علي السلمي رحمه الله: «قمت ليلة سحرًا لآخذ النوبة على ابن الأخرم، فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئًا، ولم تدركني النوبة إلى العصر» .

11- إدامة النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم :

فهو أقوى الناس عزيمةً وأعظمهم إرادةً وأعلاهم همَّة، وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بالمواقف والأحداث التي تبعث علوَّ الهمَّة وتوقظ العزيمة .

يقول ابن حزم رحمه الله : «من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فليقتدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه» .

البتول
16-12-2016, 07:56 PM
تابع " أسباب الارتقاء بالهمَّة "


12- مطالعة أخبار السلف وقراءة سيرهم :

والنظر في تراجمهم وما كانوا عليه من الجدِّ والنشاط، يقول ابن الجوزي رحمه الله : «فسبيل طالب الكمال الاطلاع على الكتب.. فإنه يرى من علوم القوم وعلوِّ هممهم، ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد»..ثم يقول : «وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كُتبهم رُؤية لهم» .

ثم يُبين ثمرة ذلك فيقول : «.. فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع» .

13- اعتراف الشخص بقصور همَّته وأنه لا بد له أن يطورها ويعلو بها :

وهذا أمرٌ لا بدَّ منه، فمن لم يعترف بقصور همَّته لا يمكن أن يحاول في تطويرها والارتقاء بها، ثم لا بدَّ أن يعتقد أنه قادرٌ على أن يكون من أهل الهمَّة العالية، وبدون هذين الأمرين لا يمكن أن يتقدَّم المرء أو يخطو خطوات صحيحة .

14- الحرص على تحصيل الكمالات والتشويق إلى المعرفة :

فمن استوى عنده العلم والجهل، أو كان قانعًا بحاله وما هو عليه؛ لم ترتقِ همَّته ولم يحرص على علوِّها والارتقاء بها إلى الأفضل، يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : «إن نفسي تواقة، وإنها لم تُعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أُعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا؛ تاقت إلى ما هو أفضل منه .. يعني الجنة» .

ويقول ابن حجر رحمه الله واصفًا حال الإمام جلال الدين البلقيني : «ما رأيت أحدًا ممَّن لقيته أحرص على تحصيل الفائدة منه، بحيث إنه كان إذا طرق سمعه شيء لم يكن يعرفه لا يقر ولا يهدأ ولا ينام حتى يقف عليه ويحفظه، وهو على هذا مكبٌّ على الاشتغال، محبٌّ للعلم حقّ المحبة» اهـ .

15- تحديد الأهداف ومراعاة الأولويات والإعداد الجيد للوصول إليها :

وذلك لأنَّ الإنسان إذا لم يحدِّد الأهداف التي يريد تحقيقها ولم يقدم ما حقُّه التقديم، ولم يرسم لنفسه طُرقًا للوصول إلى هذه الأهداف، إذا لم يفعل ذلك سيصاب بالملل والرتابة والكسل، وكلُّها أشياء مثبطة للهمم مضعفة لها .

16- البعد عن الترف والنعيم :

وذلك لأنَّ الانغماس في النعيم والتقلُّب في الترف، والانهماك في اللذات يشغل الإنسان عن طلب المعالي، ويسد عليه طريق المجد، ويورث ضعف الهمَّة وحقارة الشأن، والعكس صحيح، فالبعد عن الترف والتجافي عن النعيم يعين على بلوغ العز واكتساب الهمَّة العالية والطموح إلى معالي الأمور .

17- النظر إلى من هو أعلى في الفضائل، وإلى ما هو أسفل في أمور الدنيا :

فهذا من وسائل اكتساب الهمَّة العالية والنهوض إلى طلب معالي الأمور، وقد قيل : «إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال، ولكن انظر إلى من فوقك من العلماء» .

وذلك لأنَّ الإنسان إذا نظر إلى من هو أعلى منه في الفضائل دفعه ذلك إلى اقتنائها واجتهد في طلبها، ولم يرض من المناقب إلاَّ بأعلاها ولم يقف عند فضيلة إلاَّ وطلب الزيادة فيها .

18- استشعار المسئولية :

وهذا مما يبعث الهمَّة ويقوِّيها ويقود إلى التنافس في الخيرات، ويجعل الإنسان يبذل كلَّ ما في وسعه ومقدوره، وينهض بالواجبات من غير تردُّد أو إحجام، ولا يختلق الأعذار للتهرب من المسئولية، قال صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه) .

19- التنافس والتنازع بين الشخص وهمَّته :

فعلى من يريد أن يرتقي بهمَّته ويطوِّرها أن يكلِّف نفسه بأعمال جديدة غير التي اعتادها، وهذا بدوره يخلق نوعًا من التحدِّي بداخله لإنجاز هذه الأعمال الجديدة، كما أنه بهذا العمل استثار همَّته وحرك إرادته نحو مزيد من الأعمال، ودفع عن نفسه الملل واليأس اللذين قد يُصاب بهما نتيجة تكرار الأعمال اليومية .

20- ا نتهاز الفرص التي تعرض عليك :

فإنَّ الفرص ثمينة، وفواتها لا يعوض، وانتهازها دليل على الجد والحزم، ووسيلة لتحسين الأخلاق وتقويتها والتي منها علو الهمَّة .

21- اغتنام الأوقات :

فإنَّ الوقت هو رأس مال الإنسان، وضياعه ضياع للإنسان، وحفظه واستثماره في المفيد النافع من أعظم الحفظ وأحسن الاستثمار فإن كنت حريصًا أخي ا لمسلم على أن يكون لك مجدٌ فدعِ الراحة جانبًا، واجعل بينك وبين اللهو واللعب حاجبًا، فالعاقل من يقدِّر قيمة وقته حقَّ قدره، ولا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء، فالأنفاس معدودة، والوقت محدود، وما فات من الزمن لا يعود .

22- التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب :

فتوجَّه القلب إلى الله تعالى واستمداد العون منه والاعتماد عليه وحده والقيام بالأسباب المأمور بها حال العمل، سبب في حصول المراد ودفع المكروه، ولا يكفي أحدهما، بل لا بد منهما معًا، وهذا هو التوكل الحقيقي على الله، وما بذل أحد جهده، وسعى في الأمور النافعة، واستعان بالله، وأتى الأمور من أبوابها؛ إلاَّ وأدرك مقصوده، وحقَّق مناه كلَّه أو بعضه .

23- السلامة من الغرور ومن المبالغة في احتقار النفس :

وذلك لأنَّ الغرور واحتقار النفس من أعظم أسباب سقوط الهمَّة ودنوِّها، كما أنَّ السلامة منهما من أعظم علو الهمَّة وقوَّة الإرادة، أمَّا الغرور فلأنَّ صاحبه يحتقر كلَّ من عداه، ويترفَّع عن الإصغاء للنصيحة والاستماع إلى آراء الآخرين ويستبد برأيه، ولا يستفيد من تجارب غيره، وأمَّا احتقار النفس فلأنه يحطم النفس ويسلب الإرادة ويفقد الأمل ويقلل الثقة بالنفس ويساعده على الكسل والخمول .

24- الابتعاد عن كلِّ ما من شأنه الهبوط بالهمَّة وتضييعها :

وقد ذكرنا جُملة من الأسباب التي تؤدِّي إلى انحطاط الهمَّة ودنوِّها، ولا شك أن تلافي هذه الأسباب والابتعاد عنها والعمل على إيجاد عكسها، هو أنجع الأدوية وأقواها .

25- تقوى الله تعالى وطاعته :

وهذا السبب جامعٌ لكلِّ ما مضى، فتقوى الله هي العدَّة في الشدائد والعون في الملمَّات، وهي مبعث القوة ومعراج السموِّ إلى السماء، وهي التي تُثبِّت الأقدام في المزالق، وتربط القلوب في الفتن، وتقذف النفس نحو معالي الأمور وتورث الطمأنينة والسكينة .

حنين
20-12-2016, 03:52 AM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم