المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرصة العمر



سامر سويلم
12-02-2017, 05:57 PM
فرصة العمر

إن الإنسان عند دخوله في غمار الحياة الدنيا، وعند اشتغاله بمتطلبات بدنه اليومية، قد ينسى أنه مخلوق لأمر غير ما هو منشغل به. وهكذا، فإن كثيرا من الناس يستفرغون العمر في تهييء مقرٍّ هم مغادروه حتما. وكأن شبه الإجماع على هذا، يجعل الأمر سليما ومنطقيا. والحقيقة عكس ذلك على التمام!..

إن عمر الإنسان الذي يبدأ بولادته، وينتهي بموته، يشبه دخول الممتحَنين حجرة الامتحان. فهل فكر أحد من الناس فيما قبل، أن يخطط لسكنى حجرة الامتحان؟!.. إن الولادة نظير رنين الجرس لإعلان الدخول، والموت نظير رنين الجرس المعلم بالخروج؛ وما بينهما مرتهن بما قد يجيب به الممتحَن عن أسئلة الامتحان.

والمستهين بعمره، الذي يمضيه في تقليد من هو من طبقة الحيوانات، هو كمن يدخل حجرة الامتحان، وليس له من غرض فيها، إلا تمضية ساعة من الوقت بين أقرانه أو أصحابه، ليوافقهم في ظاهرٍ قد يختلفون عنه فيه من جهة الحقيقة!..

إن أسئلة امتحان الدنيا، قد أجاب عنها كل صنف من الناس، بما يراه مناسبا؛ ولكنْ لا أحد يعلم صحة إجابته من نفسه، وموعدُ إعلان النتائج لم يحن بعد. وما ذاك إلا يوم القيامة، الذي سيعلم كل مجيب مدى صحة إجاباته فيه. غير أن هذا ليس عاما، حتى يزعم الزاعم أن الناس سواسية في حال الحيرة وانبهام الأمر؛ لأن الله قد أنزل وحيا، يكشف لمن استنار به عن المبدإ والمعاد. فمن وُفّق للاسترشاد به، فإنه يكون على بيّنة من وجهته ومن إجاباته التي هي حصيلة تجربته في عمره؛ ومن رغب عنه، فإنه يغامر بمصيره ولا ريب.

قد اطلع الممتحَنون في حجرة الامتحان على إجابات غيرهم -وهذا أيضا مما يزيد من صعوبة الامتحان-، فكان من جملة ما يظهر متماسكا، وله نوع سلطة إقناع، ما ذكره الفلاسفة من تفاسير للوجود إجمالا وتفصيلا. وكان منها إجابات "رجال الدين" من كل ملة، كلٌّ يزعم لنفسه الحق الصرف؛ فزادت حيرة الممتحَن إلى الحد الذي قد بدت له الأسئلة في أحيان كثيرة، متعددة الإجابات؛ أو إلى الحد الذي جعلت طائفة من الممتَحنين، تتوهم عبثية الامتحان في النهاية!..

إن المرء قبل رنين جرس الخروج، ما زال أمامه مجال لتغيير أجوبته، أو لتغيير انتمائه من جماعة إلى أخرى؛ لكن أنى له بما يجعله مطمئنا تمام الاطمئنان إلى اختياره، وهو يرى حركة التنقل المعنوي من رأي إلى رأي، والحسي من جهة إلى أخرى، لا تكاد تستقر على حال.

بعض الناس، يجعلون الحسم للعدد؛ فهم ينظرون أي الجماعات أكثر عددا، وينضمون إليها، وكأن العدد سيحمي أصحابه من الخسران!.. ما أبلد الإنسان وما أجهله، حينما يركب المجهول مقامرا، وكأن الوجود قد بُني على الصدفة حقيقة!.. وما أحقر الإنسان، عندما يطمئن إلى جهله، وكأن النتيجة مضمونة لديه!.. وما أحمقه، إذا أعلن متحديا أن النتيجة لا تهمه؛ وكأن الأمر عائد إليه!..

إن كثيرا ممن نلقاهم في يومنا، من هذه الأصناف التي ذكرنا، ومن سواها؛ ولا الناظر أو المنظور إليه، يشعر أن الجميع هم داخل "دار" الامتحان، التي قريبا هم راحلون عنها، وقد قدَّموا أوراق إجاباتهم، التي لا أمل في استرجاعها، أو تبديل ما كتب عليها. إن العمر، فرصة لمعرفة حقائق الأمور، لا يعلم قيمتها إلا من هو خارج الدنيا، في البرزخ الذي ينتظر الناس فيه النفخ لإعلان القيامة.

كثير من المغالطين، يقولون: لم يعد إلينا أحد من وراء الموت ليخبرنا عن حقيقة الأمر فنصدقه!.. والحقيقة أن هذا الكلام يزيد من حيرتهم لا من طمأنينتهم؛ لأن عدم رجوع أحد، دليل على الجد في الامتحان، لا الهزل. يقول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ • وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ • إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ • وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 11 - 14].

بقي أن نسأل: هل يكون من الناس من يعلمون نتيجتهم، وهم بعدُ في دار الامتحان؟.. فنقول: نعم؛ إن من أعلى صنف من الناس، بعد الأنبياء عليهم السلام، من تنكشف لهم الحقيقة في الدنيا، ويصيرون فيها إلى حكم الآخرة من جهة العلم. وهؤلاء هم الأولياء، الذين قال الله فيهم: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ • الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ • لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]. بقي سؤال أخير: هل تنفع صحبة هذا الصنف، من لم يكن منهم، في تحسين إجاباته عند الامتحان؟.. فنقول: بالقطع، نعم!.. وهذا يكون ممن صحبهم، توفيقا وعناية لا يعلم قدرهما إلا يوم انكشاف الغطاء. فما أوسع رحمة الله إذ جعل الناس يفلحون بصحبة من أفلح، عند عجزهم عن الفلاح من أنفسهم!.. فما على المرء إلا أن ينظر حوله في زمانه، يتعرف الفلاح في الوجوه، عسى أن يعثر على مفلح؛ فإن عثر عليه، فليعلم أن التفريط فيه هو علامة الخسران الأكبر!..

شاهين
13-02-2017, 12:25 PM
شكرا على الموضوع والافادة جزاكم الله كل خير

ضحى
13-02-2017, 09:05 PM
شكرا على الطرح الطيب والافادة القيمة وجزاكم الله كل خير

اليمنى
14-02-2017, 09:27 PM
شكرا على العرفانيات الجميلة فى التهذيب والسلوك بارك الله فيك اخى

يمانى عزوز
15-02-2017, 09:51 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

عبد الله
16-02-2017, 05:40 AM
مشكور وجزاكم الله كل خير

الفرغل ابو الرجال
17-02-2017, 11:23 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

نور الهدى
18-02-2017, 12:16 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة

tafouket
19-02-2017, 12:31 PM
شكرا على الموضوع والافادة جزاكم الله كل خير

جنة
20-02-2017, 07:07 AM
شكرا على الطرح والافادة القيمة بارك الله فيكم