المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقــــــــــلدون: أجساد بــــــــــلا رؤوس



نسائم الرحمن
04-03-2017, 03:36 PM
المقــــــــــلدون: أجساد بــــــــــلا رؤوس



http://www13.0zz0.com/2013/05/12/16/929254820.jpg

التقليد الأعمى لا يتعلق بفئة الشباب فهو يكتسح جميع الشرائح الاجتماعية بمختلف درجاتها ومستوياتها، فكثيرون يلجؤون إلى التقليد عن قصد أو عن غير قصد، بغرض تحقيق نزوات أو رغبات نفسية معينة في غالب الأحيان.

وبالنسبة لفئة الشباب، في معظم الأحيان، يكون التقليد الأعمى مقترناً بالرغبة في الشعور بالانتماء إلى الجماعة، أو إرضاء رغبات داخلية دفينة، أو حب الظهور والتفاخر أمام المحيط القريب والبعيد، وغالباً ما يكون التقليد موجهاً لشخصيات مشهورة في الفن أو الرياضة، لأنها مجالات خصبة تجلب الأضواء والشهرة، والحياة الرغدة في نظر هؤلاء المُقلدين.

ياسين، شاب في بداية عقده الثاني، يقول إنه يحاول تقليد النجوم السينمائيين الذين يستأثرون باهتمامه وإعجابه، وذلك من خلال تقليد مظهرهم الخارجي خاصة فيما يتعلق بتسريحة الشعر أو طريقة المشي والحركات الجسدية، أو عبر الإيماءات والحركات الجسدية.

ولا يعتبر ياسين ما يقوم به تقليداً أعمى لنجومه المفضلين، بل يرى أنه مجرد تعبير عن الإعجاب الكبير، وترجمة للحب العارم الذي يُكنه لهؤلاء الممثلين أو المطربين العالميين، مضيفاً أن سلوكياته الشخصية هذه لا تضر أحداً، كما أنها لا تضره هو أيضاً، مادام لا يرتكب شيئاً محرماً أو غير مشروع، على حد تعبيره.

أما منى، الشابة في ربيعها السابع عشر، فهي تقلد تقليدًا أعمى مطربتها الكولومبية المفضلة «شاكيرا»، مستغلة بعض أوجه الشبه بينهما خاصة في الملامح وفي التركيبة البدنية، حتى أنها ولجت نادياً رياضياً للحصول على قوام يشبه قوام شاكيرا، وبلغ التقليد الأعمى بهذه الفتاة إلى حفظ أغاني المغنية ذات الأصول اللبنانية عن ظهر قلب، وترديدها أمام المرآة في غرفتها الصغيرة، غير عابئة بانتقادات أخواتها الكبيرات، ولا بتقريع والديها معاً.

تقليد الكبار

وهذا التقليد الأعمى لا يقتصر على هؤلاء الشباب صغار السن، بل يتجاوزه إلى فئات عمرية أكبر سناً وأكثر نضجاً، مما يفسر أن التقليد الأعمى ليس بالضرورة سببه السن الصغيرة أو مرحلة المراهقة، حيث يوجد عدد من كبار السن تحت تأثير التقليد الأعمى، سواء في سلوكياتهم أو مظهرهم الخارجي..

عبد السلام شرايبي، أحد هؤلاء الأشخاص رجل في نهاية عقده الخامس، كثيراً ما لجأ إلى عمليات تجميلية من أجل أن يحظى بعودة نضارة الشباب إلى ملامحه، كممارسة تقلد العديد من أصدقائه الأثرياء الذين لا يترددون في الذهاب إلى مصحات مختصة في الجراحة التجميلية والتقويمية، إما لتحسين مظهرهم الخارجي أو بهدف التشبه بفنانين أو مشاهير في مجالات مختلفة.

إحدى السيدات، طلبت عدم ذكر اسمها تقول انها ، تلجأ إلى عمليات تجميلية خاصة في مناطق الأرداف والصدر والعنق، وأيضاً الثدي، من أجل اتباع آخر صيحات الموضة في التجميل، والتشبه خاصة بالشكل الخارجي لإحدى الممثلات الأمريكيات، وهو الأمر الذي تُصر على أنه ليس تقليداً أعمى، بل نزوة نفسية وشخصية تلبي بها غريزة الأنثى والجمال التي تسيطر عليها، وأيضاً للتباهي بشبابها رغم تأثير السنين أمام رفيقاتها ونساء عائلتها الثرية.

التقليد الفني

وبرزت ظاهرة فنية أيضاً تسير في اتجاه التقليد الأعمى للموجات الفنية والموسيقية التي تغزو العالم، حيث تناسلت فرق ومجموعات غنائية مغربية تتعاطى لموسيقى وغناء الهيب هوب والراب، في تقليد واضح ولصيق لما تعرفه الساحة الفنية في أمريكا خاصة.

ومس التقليد علاوة على الصنف والنمط الموسيقي والألحان، شكل المغني ولباسه وحركاته بجسده وإيماءاته وتنقلاته وحركاته، بشكل يوحي بأن المغني ليس مغربياً وإنما غربياً أو أمريكياً، وذلك من فرط التقليد شبه التام للطقوس والأجواء التي تحضر في مجموعات الهيب هوب والراب في أمريكا.
ولاقى مغنو الراب الذين يقلدون بشكل أعمى نظراءهم في الخارج العديد من الانتقادات التي تهاجم طريقتهم التقليدية، دون بذل أدنى مجهود للتميز والخروج عن تقليد الآخرين، خاصة أن الفن والموسيقى تستوجب أن يكون صاحبها مبدعاً وذا روح تجديدية.

وشم وبناطيل ساقطة

https://altanmia.files.wordpress.com/2012/12/31676_01295046253.jpg

يؤكد بعض علماء الاجتماع أن المجتمع الموريتاني بات مجتمعاً استهلاكياً تطغى عليه الوجاهة الاجتماعية والتفاخر والتقليد الأعمى، وتتعدد مظاهر هذا التقليد لتشمل جميع طبقات المجتمع وفئاته العمرية، كما أنه يطغى على مجالات مختلفة اجتماعية واقتصادية وشبابية وفنية فبينما تلجأ الشركات إلى التقليد الأعمى للسلع والخطط الإنتاجية بدل التنافس والبحث عن طرق مختلفة لكسب السوق، يعمد العاملون في الوسط الفني على تقليد بعضهم البعض واستنساخ تجارب الفنانين الأجانب سواء في أعمالهم أو في أغلفة ألبوماتهم أو حتى في الشكل وأسلوب الغناء، ويظهر التقليد الأعمى في أوساط المجتمع الموريتاني بشكل أكبر في صرعات الشباب الذي يتأثرون بالموضة الغربية في لبس البنطلونات الساقطة ووضع الأوشام على أجسادهم وتقليد تسريحات شعر الممثلين والممثلات في المسلسلات خاصة المسلسلات التركية.

وفي أوساط العائلات يظهر التقليد الأعمى في حفلات الأعراس واللباس وتسريحات الشعر، حيث يدفع حب الانفراد بمظهر لافت البعض إلى تقليد مشاهير المجتمع في طريقة احتفالهم بالأعراس وأماكن قضاء شهر العسل وزينة العروس، وتكاد تكون هذه الظاهرة عامة وسمة تميز احتفالات الموريتانيين بأعراسهم.
وفي أوساط الشباب يطغى التقليد الأعمى على حياة الفتيان والفتيات، حيث يحرص الجميع على ارتداء سراويل الراب وبنطلونات الجينز ذات الخصر النازل وقمصان بأكمام قصيرة، والتزين بحلي وأقراط كثيرة ووضع الوشم بأحجام وأشكال مبالغ فيها، فقد اكتسحت ظاهرة الوشم على الجسم أوساط الشباب وتطورت بشكل يلائم صرعات التجميل، وباتت تقليداً دارجاً لمشاهير عالميين كديفيد بيكام وأنجلينا جولي، ولم يعد الوشم على الجسم رمزاً للعصابات الإجرامية والمتشردين أو رمزاً قبلياً كما في الماضي، بل أصبح علامة تتعدد معانيها وتختلف من شخص لآخر، فهناك من يضعه تعبيراً عن عمق الصداقة أو قوة الحب وهناك من يرى أنه علامة فريدة للتميز وإثارة انتباه الآخرين، ومع كل تلك المعاني أصبح الحصول على «التاتو» أمنية غالية لدى فئات عريضة من الشباب.

http://1.bp.blogspot.com/_bQ0SqifjNcg/SwOQ8gTtMEI/AAAAAAAAIOw/BlTEdBs_aXE/s300/scorpion-tattoo-6.jpg

وبينما يحرص الشباب إلى رسم أفعى أو تنين أو جمجمة للتعبير عن القوة والصلابة، تفضل الفتيات رسم وردة أو سمكة أو فراشة أو نقوش فرعونية على أماكن مختلفة من الجسم لإظهار مفاتنه كاليد والكتف والرجل والخصر.

ويختار البعض وشم رسومات تعبر عن الصداقة والعرفان بالجميل لشخص معين أو حب فنان شهير، أما المغرمون فيتخذون من الوشم رباط حب يجمعهم دائماً بوضع نفس الرسم على جسديهما أو كتابة اسم الحبيب أو رسم صورته على الجسد كدلالة على الحب الكبير والارتباط الأبدي.

ولا يكترث الشباب لنتائج هذا التقليد الأعمى والحالات المرضية التي قد يسببها خاصة أنه من الصعب إزالته إلا باستعمال ماء النار أو إجراء عملية جراحية، ويؤكد الأطباء أن الوشم يمكن أن يتسبب في انتقال أمراض كثيرة من شخص لآخر مثل التهاب الكبد الوبائي وفيروس الإيدز وسرطان الجلد بسبب تلوث الأدوات المستخدمة في الوشم.

http://almraah.net/imgcache/2/61508alsh3er.gif

ومن الصرعات الجديدة التي ظهرت بسبب تقليد الشباب للغرب موضة وضع أقراط في الأذن والأنف والتزين بالسلاسل المزروعة في مختلف مناطق الجسم، حيث ظهرت فئات من الشباب يجوبون الشوارع في مجموعات بهيئات وأشكال غريبة لا علاقة لها بمجتمعهم، يجتهدون في تقليد الغرب ولا يهمهم آثار هذا السلوك عليهم وعلى الأجيال الصاعدة.

ويطالب الباحثون المجتمع بعدم التساهل مع هذا التقليد الذي يهدد التقاليد والعادات والمعتقدات، ويعتبرون أن تقويم سلوك الشباب وتنبيههم إلى خطورة تقليدهم للغرب يستلزم تظافر جهود الأسرة والمدرسة ودور الشباب من أجل إقناع هؤلاء المراهقين بعدم جدوى ما يتبعونه من سلوكيات لأنها تقف حاجزاً بين هؤلاء الشباب ومجتمعاتهم وتمنعهم من التواصل مع محيطهم ومجتمعهم.

عندما يكون الإنسان عدو نفسه

يقول الدكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الصحة النفسية: الطفل أكثر تأثراً من البالغ الراشد وهو يقلد أكثر لأن معلوماته وخبراته قليلة، وعندما يكبر فهو يصبح أقل تأثراً وتقليداً وأكثر تأثيراً واستقلالية. والتقليد بالمعنى المرضي يعني التأثر الشديد بالآخرين، والبحث عن تقليدهم في الملبس والشكل والهيئة وطريقة الكلام، وفي المسكن والمشتريات وغير ذلك دون أن يكون في ذلك مصلحة حقيقية أو نفع أو ملاءمة لشخصية الإنسان وظروفه الخاصة.

ومثل ذلك تقليد شخصية مشهورة أو مذيعة.. حيث تبذل الفتاة جهوداً كبيرة في التقليد من حيث المظاهر لتصبح شبيهة «بالبطلة»، ودون الوصول إلى المضمون الإيجابي والمفيد لتلك الشخصية لأنها تفتقد ذلك أصلاً.. وكثير من يسعى وراء الموضات والمظاهر والتقليد وهم يظنون أنهم أصبحوا أحسن حالاً وأنهم امتلكوا النجاح والمنزلة والشهرة.. ولكنهم في الحقيقة يتعلقون بقشور وأوهام ويضيع منهم الجوهر والمضمون، مما يجعل معاناتهم مستمرة.. وهم لايشعرون بالرضا الحقيقي عن أنفسهم وظروفهم.
والتعلق بالنجوم والأبطال ظاهرة اعتيادية في مرحلة المراهقة.. وتختلف المجتمعات في نجومها وأبطالها وفي صفاتهم وسلوكهم.. والتعلق يرضي حاجات نفسية عميقة ترفع من قيمة الذات وتشعرها بالقوة والرضا.. والقدوة الحسنة مطلوبة دائماً .. ولا بد من الاختيار الناجح للنجوم والأبطال وللقدوة الحسنة.
وعادة يقلد الأضعف الأقوى ويتأثر به كما يقلد الصغير الكبير، لأنه يشعر بالنقص والضعف ويتمنى أن يتخلص من ضعفه ونقصه من خلال التشبه والشبه.. ويحقق ذلك درجة من الرضا والاطمئنان المؤقت..
وفي الجانب الآخر يمكن أن يكون التقليد دافعاً للجد والتحصيل واكتساب المهارة والقدرات.. وفي ذلك دفع إيجابي وطبيعي ومطلوب.. والإنسان يسعى للأفضل والأحسن دائماً.. ولا بد من التفريق بين تقليد القوالب الجامدة الشكلية الفارغة، وبين الوصول إلى المضمون الأقوى والأنجح من خلال الجد والتحصيل والعمل.
ويلعب الحسد والتنافس دوراً مهماً في التقليد، حيث يقلد البعض أعمال الآخرين الناجحة ولكن بشكل مزيف.. لأنه لا يمتلك جوهر النجاح من حيث الموهبة والدأب والمثابرة والإمكانات..

https://cdn.kaumo.jp/element/d9c75490-bdf8-44d2-aff2-4af3a9100983.jpg?w=360&h=500&t=resize&q=90

والمقلد عموماً شخصية تشكو من النقص وعدم الثقة بذاتها.. ولايمكنها أن تحقق ذاتها وأن ترضى عنها من خلال أعمالها العادية وسلوكها واستقلاليتها وإنتاجيتها.. وهي قلقة وغير مستقرة وتبحث عن ذاتها من خلال الآخرين فقط.. ولا يمكنها أن تنظر في أعماقها لتكتشف مواقع القوة والضعف، بل تهرب إلى التفكير السطحي والكسب السريع والإطراء من الآخرين.. كما أنها أقل نضجاً وتماسكاً وفعالية.. وهي تتأثر بسرعة وتتقلب وتفتقد إلى القوة الحقيقة والعمق والنجاح.. وأخيراً.. لا بد للإنسان من أن يبحث عن ذاته وأن يفهمها ويطورها ويغنيها بما يناسبها من خلال الجد والكفاح والطموح والتحصيل في كافة المجالات المفيدة والبناءة بعيداً عن التقليد السطحي وعن القشور الهشة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

الشباب والتقليد

ومن جانبها تقول الكاتبة صافيناز كاظم: إن مظاهر الغزو ظهرت جلية على شبابنا العربي متمثلة في تيارات وموجات غريبة من الأفكار والمبادئ والعادات الشاذة والتصرفات المنكرة، التي دخلت إليهم عبر السماوات المفتوحة وعبر الإنترنت ولقد تأثر كثيراً من الشباب والشابات بهذه الموجات وبمظاهر هذه المدنية الآثمة فقلدوا كل ما وقعت عليه عيونهم من ملابس غريبة نافرة منفرة.. واختلاط شائن. ورقص ماجن، وجلس الجميع على المقهى يدخن الشيشة وأطال الشاب شعره، أو قصه مثل النعاج والخراف، وقصرت البنت شعرها كأنها الولد ولبست ملبسه وجلست جلسته، وظنوا أن هذه هي (المدنية) وأتهموا المتمسك بدينه المحافظ على مظهره بالرجعية والتخلف.. وسار الشباب خلف هذه الدعاوى مقلداً تقليداً أعمى، فشاع الانحلال وانتشرت الميوعة، وللأسف أصبحت أصوات الإصلاحيين خافتة فلم تصل إلى الشباب وخلت الساحة إلا من دعاة الرذيلة من إعلاميين وإعلاميات وممثلين وممثلات ومغنين ومغنيات وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، وباعاً بباع حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه» رواه ابن جرير.

وتضيف.. كاظم ولم يدر الشباب أن التقليد الأعمى دليل على الهزيمة الروحية والإفلاس الحضاري وضعف الشخصية، وعدم الثقة بالذات والرغبة في تغييرها أو تجميلها بما لا يتناسب معها وفي هذا ضياع للشخصية وذوبان لها في كيان من يقلد، ولذلك كان التقليد الأعمى للغرب في المظهر والملبس تدميراً حقيقياً للشخصية المسلمة الجادة وأهم مظاهر نجاح الغزو.

وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبع سنن الإسلام وطرائق الخلفاء الراشدين وأن نعض عليها بالنواجذ، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.. وكل ضلالة في النار» رواه الإمام أحمد.

الوباء والإمعة

وحول التقليد الأعمى لما جاء به الغزو الثقافي لشبابنا يقول د. صلاح عبدالمتعال خبير علم الاجتماع: إن التقليد الأعمى وباء فتاك يحطم الشخصية ويضعف الذاكرة ويؤدي إلى تمييع الخلق ويقتل الرجولة وينشر الأمراض الاجتماعية.. إلى جانب الأمراض الجسمانية لأنه قد يؤدي إلى تفلت الغرائز وانطلاق الشهوات وبالتالي ارتكاب الفواحش من زنا وشرب خمر وتعاطي المخدرات؛ وهذا للأسف الشديد احتمال وقوعه قوي جداً لضعف الشخصية المقلدة وتسلط شياطين الإنس والجن عليها.

أمي تقلدني وتغار مني!!

«نهاد» طالبة فى المرحلة الثانوية، عندما سألناها عن مشكلة الأمهات، قالت: أنا فعلاً أعاني من أمي التي تكبرني بثمانية عشر عاماً فقط، فأنا أكبر أبنائها، أنجبتنى بعد زواجها بعام واحد وكان عمرها 18 عاماً، وعمرها الآن 35 عاماً وأنا 17 عاماً، والمشكلة ليست في فارق السن ولكن في تصرفات أمي، فأنا أشعر أنها إحدى زميلاتي في الفصل الدراسي وليست أمي، فهي مغرمة جداً بالأغاني الشبابية وتقلدني بالإعجاب بالمطربين، وهي مدمنة للمسلسلات والأفلام وكثيراً ما تتشاجر معي بسبب هذه الهواية، حيث تتعارض مواعيد المسلسل مع أوقات البرامج التعليمية بالتليفزيون وتصر على مشاهدة المسلسل رغم أنفي.
وتضيف «نهاد»: أمي تنافسني أيضاً في طريقة الملبس فهي ما زالت ترتدي الجينز أحياناً، وإذا الفت نظرها بهدوء إلى عدم ملاءمة هذا الملبس لها، تغضب، وتقول إنها لم تتمتع بشبابها بسبب زواجها المبكر، وإنها أفنت سنوات عمرها في تربيتي أنا وإخوتي. وتؤكد أنه حان الوقت بعدما كبرنا بعض الشيء ونستطيع الاعتماد على أنفسنا أن تنتبه هي لشبابها الضائع.

وتمسك بطرف الحديث «يمنى» -(طالبة جامعية) مؤكدة أن أشد ما يفرح والدتها أن يقال لها أنب أختها أو صديقتها ولست ابنتها، وهي تحاول دائماً أن تحافظ على هذه الصورة بكل الوسائل، فترتدي ملابس تشبه إلى حد كبير ملابسي، وتصفف شعرها مثل شعري، وأحياناً تقلدني في بعض الكلمات والحركات، المهم عندها أن تبدو صديقتي أو أختي وأشعر أنها تغار مني إذا أثنى عليّ أحد ولم يثن عليها، والأطرف من ذلك أنها تنفق كثيراً من مصروفات البيت على أحدث شرائط الكاسيت والفيديو؛ ولهذا تكاد تكون موسوعة فنية متحركة.. ولأنها أمي لا يمكنني أن انتقدها أو أصادر على تصرفاتها..

فراغ ديني

يعتبر محمد الفارس - مهندس مدني- أن عادة التقليد لم تقتصر على الكلام واستخدام مفردات أجنبية فحسب، بل في التصرفات والملابس ويتساءل عما يجبر الشباب وحتى الكبار على هذا التقليد؟ ويقول: ليس عيباً الاستفادة من تجارب الآخرين ونجاحاتهم وهذا حق مشروع لكن العيب والخطأ في التقليد الأعمى لمجتمعات مختلفة عن عاداتنا وتقاليدنا! فما نراه اليوم من تقليد يشعرنا بدهشة كبيرة بهذه الحياة العصرية التي يترجمها البعض كما يريد.

ويؤكد أن من يتشبث بظواهر دخيلة على مجتمعه سيعود لجذوره بعد أن يكتشف حقيقة ما يقوم به من تقليد أنه أمر غير مجدٍّ، لافتاً إلى أن ذلك لا يمنع البعض من الاستمرار بالتقليد اعتقاداً منه بأن هذه هي الحياة المدنية التي يجب أن يواكبها.

من جانبه يرى صادق عبدالرحمن أن التقليد أخذ أشكالاً عديدة كالملابس التي لا تناسب الشباب والفتيات والإكسسوارات من أقراط وسلاسل والتزيين بتاج الشعر، وكذلك قص الشعر والتسريحات والتفنن في اللحى، ويقول: أغرب ما بظاهرة التقليد هو الوشم الذي ينتشر بين الشباب من الجنسين، حيث نرى عدداً من الشباب مستخدمين الوشم للتزيين الذي يشوه خلق رب العالمين وبما منً على عبده من نعم؛ وهذا شعور مؤسف لما نراه اليوم.

ويعتقد صادق أن التنشئة والتربية لهما دور في عدم تخطي حدود المعقول في الموضة والتقليد كذلك الوعي الديني والثقافة التي يجب أن تركز عليها مؤسسات المجتمع المدني للتنوير والمعرفة؛ وذلك من خلال حملات توعية جماعية انطلاقاً من مسؤولية المجتمع بكل شرائحه وفئاته تجاه الجيل الجديد.
أما بدور عبدالكريم تقول إن أكثر ما يزعجها رؤية كبار السن يقلدون الغرب والشباب بما يتنافى مع أعمارهم ووقارهم لأن الشباب قد يعيش مرحلة تقليد وتنتهي مع تقدم السن ومرحلة النضج ولكن ماذا عن هؤلاء ممن نعتبرهم قدوة.

وتقول: لا بد من وجود أسباب تدفع البعض للتقليد الأعمى، وأعتقد أبرزها الإعجاب بنجوم الفن ومحاولة تقليدهم في كل شيء. مشيرة إلى أن التقليد ظاهرة لها انعكاسات سلبية في السلوك والتربية والثقافة وتتطلب حلولاً وخطوات جادة من الأسرة والمجتمع. من جهته يعتبر فهد ناصر حرية الاختيار ملك للشخص طالما يقوم بالتقليد في حدود المعقول، وبالنسبة له يتابع خطوط الموضة ويختار الأزياء الشبابية العصرية، ليتساءل قائلًا: هل مواكبة أحدث التصاميم والابتكارات تعتبر تقليداً للغرب؟ ولماذا كل هذا التحامل على الشباب؟

من وجهة نظر منطقية يرى ماجد عبدالمحسن أن السبب في انتشار ظاهرة التقليد يعود إلى أن المظاهر الغربية متغلغلة في مجتمعاتنا وإن لم تكن بشكل ظاهر لكنها موجودة ويمارسها الشباب. ويقول: لماذا لا يكون تقليدنا للغرب يعود علينا بالإيجابية والفائدة مثلاً تقليدهم في الاختراع والابتكار لما في مصلحة الإنسان وتصدير اختراعاتنا لهم؟ لماذا لا نقلد الغرب بعادات مهمة لتقدم المجتمعات مثل القراءة والثقافة والمعرفة والابتعاد عن القشور والبحث عن الجوهر الذي يقودنا إلى بر الأمان!.

أستاذ علم النفس د. أحمد المنصور يشير إلى أسباب ودوافع ظاهرة التقليد الأعمى قائلاً: الأسباب والدوافع كثيرة ومتشعبة أهمها الفراغ الديني والفكري والعاطفي الذي يجعل الشخص مشتتاً فكرياً ما بين الماضي والأصالة والحاضر بما يتميز من حداثة وتطوير وعدم إمكانية الجمع بينهما؛ وبالتالي يقوم الفرد بالتقليد الأعمى دون أدنى تفكير بمجتمعه أو ما يناسبه. ويقول: كذلك غياب الدور الرقابي من الأسرة والتوجيه والإرشاد.

اغتراب الشباب

يقول الطالب الجامعي الياس الأسمر من بيروت: «أرفض هذه الظواهر الغريبة الدخيلة على مجتمعنا، ومن ينجح في تغيير مظهر الشباب الخارجي، ينجح في تغيير ثقافتنا العربية وهويتنا الأصيلة».

أما الطالب وسام صالح، فيقول: «هذه «التقليعات» مجرّد أشياء سطحية، وهي لا تدلّ على فراغ يعانيه الشباب فكرّياً أو ثقافياً، بل أراها ترويحاً عن النفس ومسايرة للموضة العالمية، ولا اعتبرها نقصاً ولا عيباً». تعترض ريم وهّاب، فتقول: «أعتبر هذه الظواهر سمة شبابية وهي نوع من التعبير عن الذات، والإقبال على ما هو جديد وجريء، ولا أظنّها تمسّ جوهر الشباب في شيء».


http://www.3rbz.com/uploads/832334729ebc1.jpg



تقول جوزفين حبيقة «طالبة في كلية إدارة الأعمال» أنا عاشقة لكل ما هو جديد وغريب في عالم الموضة، لذلك ما إن يقع ناظري على أكسسوار جديد إلا وأشتريه وأتباهى بارتدائه أمام رفيقاتي». من جانبها ترى الدكتورة هدى البيبي «اختصاصية اجتماعية» أن الظاهرة التي انتشرت تفشت بشكل يدعو إلى الاشمئزاز، وما هي إلاّ تقليد أعمى للغرب ما يتنافى وقيمنا الإسلامية الأصلية، وهذا ناتج عن فراغ ثقافي وفكري. وأسردت أنّ هناك نوعاً من «التأثر» الإيجابي بأشخاص وأحداث وأشياء، إذ قالت: «الإنسان المتوازن يتأثر ويؤثر. وهذا يعني أن التقليد يمكن أن يكون طبيعياً، حيث يتأثر الإنسان بالأشخاص من حوله بأفكارهم وسلوكهم وتصرفاتهم وثيابهم وغير ذلك. هذا يساهم في قبوله في الجماعة التي ينتمي إليها ويعزز مكانته فيها، ويعتبر ذلك نوعاً من التكيّف الاجتماعي الناجح. أما اهتمام الشباب بالمظهر والبعد عن الجوهر، فجعلهم يبدون كأنهم أدمغة خاوية بين مقلّد للغرب ومتشّبه بالنساء، وهذه «السلوكيات» جعلتهم ينغمسون في تيار «التقليد الأعمى»، وهذا ناتج أيضاً عن قلّة الوعي وعدم الثقة بالنفس.

فيحاء
05-03-2017, 05:17 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة

كاميليا السويفي
17-03-2017, 08:33 AM
شكرا على الطرح والمعلومات المفيدة والممتعة

صافيناز العتيبي
18-03-2017, 10:38 AM
شكرا على الافادات الجميلة ويسلمووو

رامى
25-03-2017, 07:22 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة

شروق العسيلي
29-03-2017, 06:23 PM
شكرا على الموضوع والافادات القيمة

ميمونة
02-04-2017, 07:57 AM
شكرا على المعلومات والافادة

زهرة الاحلام
03-04-2017, 05:19 PM
تسلم اناملك الذهبية على النقل الرائع