المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فيلم Mommy .. أغرب علاقة أمومة بتاريخ السينما!



نسائم الرحمن
19-03-2017, 11:33 PM
فيلم Mommy .. أغرب علاقة أمومة بتاريخ السينما!

http://blog-imgs-95.fc2.com/m/i/u/miumichi1127/20160519001349158.jpg


ياسمين عادل


الأمومة هي تلك العاطفة التي عادةً ما تكون مُنزَّهة عن أي أنانية، أو حُب مشروط، فليس عند الأم أغلى من أطفالها، مهما عانت معهم أو بسببهم. لذا لن يكون هيناً أبداً على أي أُم اكتشاف أن حُبها لا يكفِ لحماية صغارها من مرارة الأيام، وأن طاقتها لا تحتمل كل الضغوط المُلقاة على كاهلها.

http://a133.idata.over-blog.com/0/19/49/05/2014/cinema/mommy_anne-dorval.jpg

فأن تستسلم الأُم أمام صعاب الحياة ومن ثَمّ تُقرر التقاعس عن آداء دورها، أمرٌ ليس بعادي، ولا طبيعي، وبالطبع لا يُصاحبه أية راحة بال، وعلى قَدر ما قد يوصَم صاحبه بالأنانية، إلا أنه دون أدنى شك يُفتت الروح ويُصيبها في مقتل.


فيلم Mommy .. كندي الإنتاج من 2014، وهو الفيلم الذي رشحته كندا من أجل المُنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. الفيلم تأليف وإخراج Xavier Dolan وبطولة Anne Dorval Antonie Oliver Pilon، و Suzanne Clement.

يبدأ الفيلم بمقولة تُفيد بأنه في كندا – التخيلية – تصل حكومة للسُلطة وبعد شهور تضع سياسات جديدة أحد بنودها يتعلق بالجانب الصحي. فتُصدر قانوناً ينُص على أن أي أم/أب لديه طفل يُعاني من الاضطرابات السلوكية، وفي حالة أنهم يُعانون من ضائقة مادية، أو أي احتمالات أذي نفسي أو جسدي بسبب الطفل، يُمكنهم حينها تسليمه لأي مُستشفى عمومي لرعايته، دون أن يكون على الأم/الأب أية مٌسائلة قانونية أو معنوية.

قصة بطلة فيلم Mommy مَعنية بشكل أو بآخر بذلك القانون، إذ تدور الأحداث حول (داي) أرملة بالخمسينات من عُمرها، ابنها المُراهق (ستيف) يُعاني من “ADHD” وهو مرض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، ما يتسبب في جَعل صاحبه غير قادر على اتبَّاع الأوامر أو السيطرة على تصرفاته، كذلك يجد صعوبة في الانتباه للقوانين أو التَقَيُّد بها هذا بالإضافة للعصبية الزائدة وردود الأفعال العنيفة.

http://www.kinomania.ru/images/frames/nt_696195.jpg

هكذا كان ستيف فتى صعب المراس، لا يُمكن التنبؤ بتصرفاته، حتى أنه يقوم بإشعال النيران بالكافيتريا وإصابة أحد زُملائه بحروق جسيمة، ما يتسبب بطرده من المدرسة الداخلية التي وضعته بها أمه. لتجد “داي” نفسها مُضطرة للاعتناء بستيف في الوقت الذي يتم طردها فيه من العمل ما يضعها بمأزق مادي ونفسي بجانب حياتها التي تخلو من العاطفة، وهو ما يجعل احتوائها لابنها أمر يتطلب مجهوداً خارقاً ومُستمراً.

وعلى ذلك كما يليق بأم تُحاول (داي) جاهدةً التعامل مع ابنها بأفضل طريقة ممكنة، فتمتص غضبه قَدر الإمكان ولا تميل لاستفزازه، كذلك يُحاول ستيف أن يتماسك من أجل أمه وأن يصبح سندها ورجُلها بالحياة، غير أن الأمر سُرعان ما يشتعل لسببٍ أو لآخر، ويوشك كل شيء على الانهيار.

في ذلك الوقت تدخل (كايلا) – التي تُعاني هي الأخرى من مشكلات نفسية وحياتية تجعلها تجد صعوبة بالنُطق وبالتالي بالحديث مع أي أحد – حياة داي وستيف، فيُشكلون معاً علاقة أُسرية في كنفها يستطيع كل فرد منهم أن يُقدم أفضل ما لديه.


https://lebruitducinema.files.wordpress.com/2015/05/mommy.png

كما لو أن تلك العلاقة تمنحهم الشعور بالبراح والأمان ما يجعلهم قادرين على أن يتألقوا في أحسن صورة، فتتلون حياتهم بألوان البهجة والمرح والتلقائية المُطلَقة حيث الجنون حُرية، والتفكير العقلاني ليس إلا سجن يكبت الروح ويمتص الحياة منهم. هذا بالطبع قبل أن تعود الدُنيا لممارسة ألاعيبها معهم، فتتوتر حياتهم من جديد، ويسقطون بالأزمات.. وتتوالى الأحداث.

مثل كثيرين من العُظماء الذين بزغ نجمهم مُبكراً، هكذا هو حال المخرج والمؤلف الكندي Xavier Dolan ذو الـ 26 عاماً! والذي بدأ مشواره الفني قبل ستة أعوام أي حين كان في العشرين من عمره، ليُقدم للسينما 5 أفلام ليست فقط جيدة لدرجة كافية للفت الأنظار إليه، بل أنه صنع لنفسه خطاً فنياً فريداً، حاملاً لغة سينمائية تخصه وحده، هذا بالإضافة للقضايا الشائكة والجريئة التي يتناولها بأفلامه – التي يقوم بكتابتها وإخراجها بل وأحياناً الاشتراك بها تمثيلياً – والمٌعالجات المُبتكرة التي يتبنَّاها.

وبعمله الأخير – حتى الآن – فيلم Mommy استطاع أن يتربَّع على عرش الفن السينمائي، حيث نجح فيلمه في تسليط الضوء عليه، واستقطاب الجماهير والنُقاد على حَدٍ سواء ليفوز بـ 45 جائزة أهمها جائزة مهرجان كان لأفضل فيلم أجنبي لعام 2014، فضلاً عن الترشح لـ 49 جائزة أخرى.


ولعل أكثر نُقطة مُثيرة للاهتمام بتكنيك الإخراج الذي لجأ إليه المُخرج هو الكادر الذي استخدمه على مدار الفيلم على الشاشة. إذ قام دولان باستخدام إطار شاشة ضيق بنسبة 1:1 في حين أن المُتعارف عليه حالياً هو استخدام كادر بنسبة 1.85:1 أو 2.35:1.

وقد صرَّح دولان أنه فعل ذلك من أجل إبراز الحصار النفسي للشخصيات، ولتكثيف الانفعالات والعواطف بأكبر قدر ممكن، وهو ما كان ذكياً للغاية وأدى ما اُنتظِر منه بالفِعل.

وإن كان الكادر اتسع ليشمل الشاشة بأكملها مرتين: الأولى بفِعل المُخرج في مشهد الحلم الذي تخيلته الأم للمُستقبل الذي ينتظرها هي وابنها، والثاني فعله ستيف بنفسه في أحد المشاهد العبقرية والمُلهمة حين قام – مجازاً – بتوسيع الكادر بيده لتتسع الشاشة كما لو كان يقوم بتحرير نفسه وباقي الأبطال من الحصار والخناق الذي تُضيقه عليهم الحياة.

من الإيجابيات الفنية الأخرى في فيلم Mommy


القصة.. دولان لم يكتف بالإخراج بل قام كذلك بتأليف القصة التي اتسمت بالجنون، الجموح، دفء المشاعر، والتوق للتحرر والخلاص من قسوة الواقع. فجاءت الكتابة طازجة ومُعبرة.

المونتاج.. دولان هو من قام بعمل المونتاج أيضاً ليضع بصمته بشكل أكبر ويستطيع تكثيف المشاعر التي يُريد عرضها على الشاشة، لدرجة لا تسمح بالانفصال عنها حتى بعد انتهاء عرض الفيلم.

التصوير السينمائي.. لـ Andre Turpin جاء بديعاً وعذباً، حيث استطاع إبراز المشاعر التي تعتري الأبطال بوضوح وحرفية، حتى أنه فاز عنه بالكثير من الجوائز.

كذلك لعبت الإضاءة دوراً هاماً في التعبير عن مكنون صدور الأبطال، وحالاتهم المزاجية والعاطفية، إذ اتسَمَت بالحساسية تجاه ما يشعرون به أو يتوقون إليه، فغلب عليها الألوان الدافئة كالأحمر والبرتقالي، مع الاحتفاظ باللون الرمادي في المشاهد التي اتسمت بالواقعية.

جزئية أخرى يجب التوقف عندها ألا وهي: الموسيقى التصويرية بالفيلم.. فـ “دولان” كان جريئاً بما يكفي لـــ اللجوء لأغاني بوب وروك معروفة مُسبقاً للجمهور وإقحامها بالأحداث، دون أن يخاف من أن يكون الجمهور لديه ارتباط شرطي مُسبق مع تلك الأغاني ما سيجعله لا يقبلها بالفيلم.

وعلى ذلك نجح دولان في توظيف تلك الأغنيات والتي جاءت ملائمة للمواقف والأحداث، حتى أنها استطاعت خلق حالة خاصة في المشاهد التي اُستخدمت بها، وهو ما يدل على ثقة دولان بنفسه وبرؤيته الفنية.

أما الموسيقى التي تم استخدامها بالفيلم لـ Noia الذي استطاع إصابة قلوب المُشاهدين بألحانه التعبيرية والمؤثرة، خاصةً تلك التي صاحبت مشهد النهاية، أو المشاهد التي جمعت الثُلاثي (داي/ستيف/كايلا).



أخيراً التمثيل..


Anne Dorval قدمت شخصية الأم التي تُحب نفسها وتُحب الحياة، لكنها كذلك تتسم بالشراسة إذا ما حاول أي شخص/شيء آذية طفلها، وعلى الرغم من كل القوة التي تبدو عليها إلا أنها من داخلها هَشَّة، هي فقط لا تسمح لأحد برؤية ذلك.

أدت Anne دورها بشكل مثالي ما أهلَّها للفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان Film Club’s The Lost Weekend، وبـ Canadian Screen Award بالإضافة لجوائز وترشيحات أخرى.

Antonie Oliver Pilon ودور الابن المُراهق الذي لا يُريد سوى أن يصبح حُراً يتصرف على سجيته، ما يجعله في صدام دائم مع القانون والمُجتمع، وعلى ذلك فهو كثيراً ما يُراجع نفسه مُحاولاً أن يصبح أفضل من أجل أمه التي يُحبها مهما فعلت به أو لأجله. وقد فاز أنطونيو عن دوره بجائزة أفضل ممثل بالعديد من المهرجانات كذلك.

Suzanne Clement بدور كايلا، الزوجة الثلاثينية ذات الصمت المليء بالكلمات والانفعالات، والتي على الرغم من أن الأحداث لم تقُم بالتركيز على حياتها الخاصة، إلا أن دورها بحياة داي وستيف كان مؤثراً، قوياً، بل ومحورياً. واستطاعت أن تؤديه بحرفية حتى أنها لفتت الانتباه إليها ونالت عنه الكثير من الجوائز كأفضل ممثلة مُساعدة.

فيلم Mommy .. هو أحد تلك الأفلام التي يجب عليكم مُشاهدتها، حيث يقدم علاقة الأمومة الأغرب والأكثر عاطفيةً بتاريخ السينما، ليجد المُشاهد نفسه بالنهاية عاجزاً عن معرفة مَن مِن الطرفين -الأم/الابن- الذي يحتوي الآخر أكثر، أو يؤذيه.

تلك العلاقة التي جاء وقودها الحُب والخوف يُصاحبها عدم الاستسلام، والأمل، غيلا أن قسوة الواقع جعلت كل ما سبق لا يكفي من أجل القُدرة على الاستمرار الأدنى بالحياة.

بديعة فؤاد
20-03-2017, 05:44 AM
شكرا على مقدمة الفيلم الجميلة

على سليمان
23-03-2017, 10:38 AM
شكرا على عرض هذه الافلام