المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضارة المخلل !! ( نشر بصحيفة الأحرار عقب انتهاء بطولة الأمم الأفريقية )



الشيخ درويش عبود المغربى
28-07-2008, 05:55 PM
حضارة المخلل !! ( نشر بصحيفة الأحرار عقب انتهاء بطولة الأمم الأفريقية )

حضــارة المخلل !!


هل رأى أحدكم إنسان كلما جلس إلى مائدته جعل طبق المخلل غذاءه الرئيسى ؟! .. قد يقول أحد المتفلسفون نعم رأيت .. وأنا بدورى لن أكذبه ولكننى فقط سأسأله وكم فردًا رأيت طيلة حياتك من هذا الصنف ؟ أليسوا بكل المقاييس قلة واستثناء لايكاد يمثل رقمًا أو نسبة تذكر ؟ ثم ماهى الحالة الصحية لشواذ القاعدة هؤلاء ؟ أليس من المؤكد أنهم يعانون أعراض كل علة عرفتها البشرية أو جهلتها !!
أتعلمون ماهى مصيبة شواذ القاعدة هؤلاء ؟ وأتعلمون ما هى مصيبتنا فيهم ؟ .. إن مصيبة هؤلاء هى أنهم جعلوا الأصول فروعًا والفروع أصولاً ، مصيبتهم أنهم تعاملوا مع أساسيات الغذاء وكأنها مخللات وتعاملوا مع المخللات وكأنها أساسيات الغذاء ، أما مصيبتنا فيهم فأرجئ ذكرها إلى خاتمة المقال !! .... ثم أما بعد
فقد آليت على نفسى منذ حملت قلمًا وتحملت أمانته ألا أجامل كثرة غالبة فى أخطائها بغية رضاها وألا أتحامل على قلة مغلوبة تهوينـًا من سخطها ، فالرضا رضا الله والسخط سخطه !! .... ثم أما بعد
فإن الرياضات البدنية بشتى أنواعها ومسمياتها تعد من الأسس التربوية التى حثت عليها الأديان لخلق مجتمعات قادرة على البناء والعطاء وإعمار الكون وحمايته من الفساد والمفسدين ونصرة الحق وإقامة العدل ، ولكننا بكل أسف ــ وأكرر بكل أسف ــ جعلناها غاية فى ذاتها ثم لم نكتف بذلك ولكننا بالغنا فى التسامى بها والتغنى لها والإسراف عليها حتى باتت حلمًا من أحلام الآباء لأبنائهم والأبناء لآبائهم لما صارت تثمره من شهرة وثراء ونجومية تتجلى أكثر ما تتجلى فى بعض الرياضات دون سواها وأخص منها لعبة ــ وأكرر لعبة ــ كرة القدم !!
لقد طالت غيبتنا وغيبوبتنا حتى صرنا عاجزين عن التمييز بين التبر والتراب ، صرنا عاجزين عن امتلاك أبجديات الفكر الصحيح الذى يمكننا من ترتيب أولوياتنا بحسب أهميتها وتقييم الأشياء بحسب جدواها .
إننى أعنى بكل ماسبق مأساة القاعدة العريضة من الشعب المصرى الذى بات موطنـًا مثاليًا لفضلات وفيروسات الحضارة الغربية ، ومرة أخرى فإننى أعنى تلك الحالة الهستيرية التى تنتاب تلك القاعدة العريضة فى تعاملها مع عالم الكرة وعالم الفن ، وحيث أننا خارجون لتونا من بطولة الأمم الأفريقية التى قيل عنها وعن صناعها وعن عشاقها مالم يقال عن سواها من أمجاد الأمة وماجديها وعلمائها ومفكريها ونوابغها ومبتكريها ، فإننى أعلنها على الملأ حتى وإن كنت الوحيد بأن هذا الحدث وأشباهه لايتعدى فى نظرى من حيث أهميته وجدواه ماتمثله أطباق المخلل من أهمية وجدوى على مائدة الحضارة والنهضة العلمية العملية الأخلاقية التى أؤمن بها وأتمناها لأمتنا المغيبة تحت تأثير فضلات وفيروسات الحضارة الغربية .... ثم أما بعد
فقد ذكرتنى هذه الهستيريا ببعض أسود أيام حياتى ، وأعنى بها تلك الأيام التى شهدت فاجعة مصر والإنسانية فيما يزيد عن ألف شهيد قضوا حتفهم بغرق عبارة السلام 98 ، لقد شهدت هذه الأيام إلى جانب هذه الفاجعة حدثـًا آخر وهو استضافة مصر لفاعليات بطولة كأس الأمم الإفريقية لعام 2006 ، كانت شوارع مصر تضيق بالمسيرات ، ليس تنديدًا بالفاجعة وملابساتها ولكن تأييدًا لفريقنا الكروى فى معاركه الإفريقية ، كانت أجهزتنا الإعلامية تضج بالأصوات والمصوتين ، ليس انتحابًا على أشقائنا فى بطون قروش وحيتان البحر الأحمر الذى ازدادت حمرته بدمائهم ولكن ترحابًا وتقديسًا لأمجاد الكرة ولاعبيها ومشجعيها الذى وصف أحدهم يوم المباراة النهائية ــ على شاشة التليفزيون المصرى ــ بأنه لايقل أهمية عن يوم السادس من أكتوبر ، كانت صحافتنا فى أغلبها تضيق بالمانشيتات الساخنة ، ليست سوداء حدادًا على موتانا ولكن حمراء تتذيلها صور فتيات المدرجات الليلية وهن يتقافزن وتهتز لحومهن نصرة لفريق الكرة فى حرب الثأر والكرامة ، تلك الحرب التى لم يخجل كبار مسئولينا من وصفها بالحدث الوطنى الهام !!
أتذكر فى إحدى تلك الليالى السوداء أننى جلست أمام شاشة التليفزيون لأتابع فى حسرة ومرارة مساخر شبابنا وفتياتنا فى مدرجات الكرة التى نسوا فيها وبها المغزى الحقيقى للوطنية والمعنى الحقيقى للوطن الجريح الباكى المكلوم فى أبنائه ، تلفت إلى زوجتى وقلت لها مستنكرًا تخيلى أن اللاعب الفلانى معروض للبيع بكذا مليون دولار ، فنظرت لى فى دهشة وصمت ، وإذا بابنتى مريم التى كانت آنذاك مابين السابعة والثامنة من عمرها تلتفت لى وتسألنى فى دهشة ( همه يابابا بيلعبوا وكمان بياخدوا فلوس ؟ ) !!!
والله الذى لاإله إلا هو لاأجد كلامًا بعد ماقالته مريم التى أدركت مافشل فى إدراكه الكثيرون من عامة الشعب وخاصته ، أدركت مريم أن مائدة الحضارة والنهضة عليها أصناف عديدة بعضها أساسى وبعضها مجرد مخلل ، ولكنها لم تدرك بعد أن بعض الأمم يسعدها أن تنجح فى إنجاز حضارة المخلل لأنها لاتستطيع أن تنجح فى إنجاز حضارة أخرى لسبب بسيط وهو أن القاعدة العريضة من أبنائها صاروا متميزون فى إعداد المخللات وتناولها وهذه هى مصيبتنا فيهم !!
وختامًا فإننى لا أطفئ بهذا المقال إحدى الشموع القلائل التى تبدد بعضـًا من ظلماتنا ، ولكننى أضيئ مصباحًا لكى يبدد كافة الظلمات التى لاينبغى أن نستغرق فى إيهام أنفسنا بأن عدة شموع ستبددها !!
منقول للفائدة

hoseen
19-08-2008, 02:36 AM
بوركت يا شيخ و جزاك الله خيرا

nada
19-08-2008, 02:36 AM
له يفتح عليك اخاي ويبعد علك الباس والبلا.و يجعل لك النور تمشي فيه دنيا و اخرة.

نذار الشامى
19-08-2008, 02:37 AM
اللهم زدنا علما

ابو على
19-08-2008, 02:38 AM
جزاك الله عنا خيرا
وجعلها الله فى ميزان حسناتك

خالد
19-08-2008, 03:45 AM
بارك الله فيك ياشيخ

الشيخ درويش عبود المغربى
07-09-2008, 11:06 AM
شكرا لمروركم العطر وجميل ردودكم وكل عام وانتم بخير

رقية نامى
17-09-2012, 07:31 PM
مشكور شيخنا عبود على الطرح

يمنة
29-09-2012, 03:29 PM
جزاك الله عنا خيرا
وجعلها الله فى ميزان حسناتك

حسنة
03-10-2012, 03:42 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ...

جعلها الله في ميزان حسناتك

زخارى
12-10-2012, 04:37 PM
جزاك الله عنا خيرا
وجعلها الله فى ميزان حسناتك

جنة
12-10-2012, 06:31 PM
جزاك الله عنا خيرا
وجعلها الله فى ميزان حسناتك

هاشم
12-10-2012, 07:22 PM
مشكور وبارك الله فيك على الطرح القيم

خيرى السيد
28-01-2019, 12:14 PM
جزاك الله خير الجزاء

ديما ناصر
30-01-2019, 01:32 PM
شكرا لك يا شيخ على المواضيع المتنوعة فهذا المنتدى الرائع

البراء
27-02-2022, 01:05 PM
احسنت يا شيخ بارك الله فيك

مفيدة اسماعيل
04-03-2022, 01:20 PM
شكــــ وجزاك الله خيرا ــــــرا ........

سانديا
26-03-2022, 08:22 PM
مشكور شيخنا عبود على الطرح

فارس دشدوش
03-04-2022, 11:05 PM
شكرا وجزاك الله كل خير

السموأل
25-01-2023, 11:08 PM
مشكوووووور يا شيخ
والله يعطيك الف عافيه