المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الباب الأول : المقدمة السادسة في أصناف المدركين للغيب من البشر (1 )



الشيخ درويش عبود المغربى
13-07-2008, 03:52 AM
الباب الأول : المقدمة السادسة في أصناف المدركين للغيب من البشر
مقدمة إبن خلدون.

اعلم أن الله سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه و فطرهم على معرفته و جعلهم وسائل بينهم و بين عباده يعرفونهم بمصالحهم و يحرضونهم على هدايتهم و يأخذون بحجزاتهم عن النار و يدلونهم على طريق النجاة. و كان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق و الأخبار الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من الله بوساطتهم و لا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم قال صلى الله عليه و سلم : " ألا و أني لا أعلم إلا ما علمني الله ". و اعلم أن خبرهم في ذلك من خاصيته و ضرورته الصدق لما يتبين لك عند بيان لك عند بيان حقيقة النبوة.

و علامة هذا الصنف من البشر أن توجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين و ليست منهما في شيء و إنما هي في الحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله ثم تنجلي عنه تلك الحال و قد وعى ما القي إليه قال صلى الله عليه و سلم و قد سئل عن الوحي : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشده علي فيفصم عني و قد وعيت ما قال و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ". و يدركه أثناء ذلك من الشدة و الغط مالا يعبر عنه. ففي الحديث : " كان مما يعالج من التنزيل شدة " و قالت عائشة: " كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه و إن جبينه ليتفصد عرقا " و قال تعالى : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } و لأجل هذه الغاية في تنزل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون و يقولون له رئي أو تابع من الجن و إنما لبس عليهم بما شاهدوه من ظاهر تلك الأحوال{ و من يضلل الله فما له من هاد }.

و من علاماتهم أيضا أنه يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير و الزكاء و مجانبة المذمومات و الرجس أجمع و هذا هو معنى العصمة و كأنه مفطور على التنزه عن المذمومات و المنافرة لها و كأنها منافية لجبلته. و في الصحيح أنه حمل الحجارة و هو غلام مع عمه العباس لبناء الكعبة فجعلها في إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتى استتر بإزاره. و دعي إلى مجتمع وليمة فيها عرس و لعب فأصابه غشي النوم إلى أن طلعت الشمس و لم يحضر شيئا من شأنهم بل نزهه الله عن ذلك كله حتى إنه بجبلته يتنزه عن المطعومات المستكرهة فقد كان صلى الله عليه و سلم لا يقرب البصل و الثوم فقيل له في ذلك فقال : " إني أناجي من لا تناجون " . و انظر لما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم خديجة رضي الله عنها بحال الوحي أول ما فاجأه و أرادت اختباره فقالت اجعلني بينك و بين ثوبك فلما فعل ذلك ذهب عنه فقالت إنه ملك و ليس بشيطان و معناه أنه لا يقرب النساء و كذلك سألته عن أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها فقال البياض و الخضرة فقالت إنه الملك يعني أن البياض و الخضرة من ألوان الخير و الملائكة و السواد من ألوان الشر و الشياطين و أمثال ذلك.

و من علاماتهم أيضا دعاؤهم إلى الدين و العبادة من الصلاة و الصدقة و العفاف. و قد استدلت خديجة على صدقه صلى الله عليه و سلم بذلك و كذلك أبو بكر و لم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله و خلقه. و في الصحيح أن هرقل حين جاءه كتاب النبي صلى الله عليه و سلم يدعوه إلى الإسلام أحضر من وجد ببلده من قريش و فيهم أبو سفيان ليسألهم عن حاله فكان فيما سأل أن قال بما يأمركم فقال أبو سفيان بالصلاة و الزكاة و الصلة و العفاف إلى آخر ما سأل فأجابه فقال إن يكن ما تقول حقا فهو نبي و سيملك ما تحت قدمي هاتين. و العفاف الذي أشار إليه هرقل هو العصمة فانظر كيف أخذ من العصمة و الدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة نبوته و لم يحتج إلى معجزة فدل على أن ذلك من علامات النبوة.

و من علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوي حسب في قومهم و في الصحيح " ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه " و في رواية أخرى "في ثروة من قومه " استدركه الحاكم على الصحيحين. و في مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال كيف هو فيكم فقال أبو سفيان هو فينا ذو حسب فقال هرقل والرسل تبعث في أحساب قومها و معناه أن تكون له عصبة و شوكة تمنعه عن أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه و يتم مراد الله من إكمال دينه و ملته.

و من علاماتهم أيضا وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم و هي أفعال يعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجزة و ليست من جنس مقدور العباد و إنما تقع في غير محل قدرتهم و للناس في كيفية وقوعها و دلالتها على تصديق الأنبياء خلاف. فالمتكلمون بناء على القول بالفاعل المختار قائلون بأنها واقعة بقدرة الله لا بفعل النبي و إن كانت أفعال العباد عند المعتزلة صادرة عنهم إلا أن المعجزة لا تكون من جنس أفعالهم و ليس للنبي فيها عند سائر المتكلمين إلا التحدي بها بأذن الله و هو أن يستدل بها النبي صلى الله عليه و سلم قبل وقوعها على صدقه في مدعاه. فإذا وقعت تنزلت منزلة القول الصريح من الله بأنه صادق و تكون دلالتها حينئذ على الصدق قطعية فالمعجزة الدالة بمجموع الخارق و التحدي. و لذلك كان التحدي جزء منها و عبارة المتكلمين صفة نفسها و هو واحد لأنه معنى الذاتي عندهم.

و التحدي هو الفارق بينها و بين الكرامة و السحر إذ لا حاجة فيهما إلى التصديق فلا وجود للتحدي إلا إن وجد اتفاقا. و إن وقع التحدي في الكرامة عند من يجيزها و كانت لها دلالة فإنما هي على الولاية و هي غير النبوة و من هنا منع الأستاذ أبو إسحق و غيره وقوع الخوارق كرامة فرارا من الالتباس بالنبوة عند التحدي بالولاية. و قد أريناك المغايرة بينهما و إنه يتحدى بغير ما يتحدى به النبي فلا لبس على أن النقل عن الأستاذ في ذلك ليس صريحا و ربما حمل على إنكار أن تقع خوارق الأنبياء لهم بناء على اختصاص كل من الفريقين بخوارقه.

و أما المعتزلة فالمانع من وقوع الكرامة عندهم أن الخوارق ليست من أفعال العباد و أفعالهم معتادة فلا فرق و أما وقوعها على يد الكاذب تلبيسا فهو محال. أما عند الأشعرية فلأن صفة نفس المعجزة التصديق و الهداية فلو وقعت بخلاف ذلك انقلب الدليل شبهة و الهداية ضلالة و التصديق كذبا و استحالت الحقائق و انقلبت صفات النفس و ما يلزم من فرض وقوعه المحال لا يكون ممكنا. و أما عند المعتزلة فلأن وقوع الدليل شبهة و الهداية ضلالة قبيح فلا يقع من الله.

و أما الحكماء فالخارق عندهم من فعل النبي و لو كان في غير محل القدرة بناء على مذهبهم في الإيجاب الذاتي و وقوع الحوادث بعضها عن بعض متوقف عن الأسباب و الشروط الحادثة مستندة أخيرا إلى الواجب الفاعل بالذات لا بالاختيار. و أن النفس النبوية عندهم لها خواص ذاتية منها صدور هذه الخوارق بقدرته و طاعة العناصر له في التكوين و النبي عندهم مجبول على التصريف في الأكوان مهما توجه إليها و استجمع لها بما جعل الله له من ذلك و الخارق عندهم يقع للنبي سواء كان للتحدي أم لم يكن و هو شاهد بصدقه من حيث دلالته على تصرف النبي في الأكوان الذي هو من خواص النفس النبوية لا بأنه يتنزل منزلة القول الصريح بالتصديق فلذلك لا تكون دلالتها عندهم قطعية كما هي عند المتكلمين و لا يكون التحدي جزءا من المعجزة و لم يصح فارقا لها عن السحر و الكرامة. و فارقها عندهم عن السحر أن النبي مجبول على أفعال الخير مصروف عن أفعال الشر فلا يلم الشر بخوارقه و الساحر على الضد فأفعاله كلها شر و في مقاصد الشر. و فارقها عن الكرامة أن خوارق النبي مخصوصة كالصعود إلى السماء و النفوذ في الأجسام الكثيفة و إحياء الموتى و تكليم الملائكة و الطيران في الهواء. و خوارق الولي دون ذلك كتكثير القليل و الحديث عن بعض المستقبل و أمثاله مما هو قاصر عن تصريف الأنبياء و يأتي النبي بجميع خوارقه و لا يقدر هو على مثل خوارق الأنبياء. و قد قرر ذلك المتصوفة فيما كتبوه في طريقتهم و لقنوه عمن أخبرهم.

moon light
15-07-2008, 02:10 AM
الف شكر لك اخي عبود

جزاك الله كل خير واغناك

semsem
15-07-2008, 02:11 AM
شكراا لك
لك مني كل الود والاحترام

hoseen
15-07-2008, 02:12 AM
بارك الله فيك ياخي وجزاك الله خير جزاء المحسنين

nada
15-07-2008, 02:13 AM
جزاك الله الف الف خير

حنين
09-06-2016, 06:38 PM
بارك الله فيك شيخنا الجليل على الطرح القيم وجزاك الله عنا كل خير ورمضان كريم

احمد عزيز
10-06-2016, 05:20 PM
بارك الله فيك شيخنا الجليل على المقالة القيمة ورمضان كريم

حليمة المطلبى
12-06-2016, 09:55 PM
بارك الله فيك شيخنا الجليل على الطرح الطيب وجزاكم الله كل خير ورمضان كريم

زخارى
14-06-2016, 05:33 AM
شكرا على المقالة القيمة شيخنا الكريم وكل عام وانتم بخير

ونيس المسيرى
15-06-2016, 11:33 PM
بارك الله فيك شيخنا الكريم على الموضوع والمعلومات ووالافادة القيمة جلها الله فى ميزان حسناتكم ورمضان كريم

محمد المازن
29-06-2016, 04:38 PM
جزاك الله كل خير شيخنا الجليل على الموضوع القيم

شذى الورود
30-06-2016, 02:51 PM
شكرا على الموضوع والافادة شيخنا الجليل جزاكم الله كل خير

شقيق
06-07-2016, 06:15 AM
شكرا على الطرح والافادات القيمة بارك الله فيكم

عيون المها
11-07-2016, 09:44 PM
شكرا"مولانا الفاضل على المقال الطيب جعله الله لك في ميزان حسناتك...