المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حضرة التداني من شرح أبيات الختم التجاني



الشيخ درويش عبود المغربى
23-12-2011, 07:25 AM
كتاب: حضرة التداني من شرح أبيات الختم التجاني

بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم، نحمدك يا من فتح أبواب خزائن الفضل الذي لا نفاذ له في الدار الباقية و الدار الفانية، و منح خواص عباده بالإنفاق منه كيف شاء سرًّا و علانية، و لايزال يمنح جل الخلق و يمنع البعض منهم بمقتضى حكمته، كلا على قدر قابليته و استعداده على وفق ما قضاه في الأزل، و لا يفعل ربنا إلا خيرا، فسبحانه لا إله إلا هو من إله لا معبود بحق سواه، و الصلاة و السلام على الحجاب الأعظم الذي لولاه لاحترق الكون بأنوار و جلال الحق، و لا تُوجد ذرة من الخلق، فهو صلى الله عليه و سلم منه تكوَّن كل متكون، و أنار بسنائه المكون المكون، و به أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، و لأجله أوجَد الوجود و لم يخلقه سدى، و على آله الذين جعلهم الحق في الخلق أمانا، وأعلا في معالي العلا لهم و لمن أحبهم مكانا، و رضوان الله عن جميع الصحابة الهادين المهتدين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

و بعد فيقول خديم الحضرة الأحمدية التجانية، ذوات المواهب العرفانية، أحمد بن الحاج العياشي سكيرج، شرح الله صدره، و غفر وزره، و رفع ذكره، كنتُ يوما أنشدتُ أبياتا مذكورة في كتب الطريقة التجانية من نظم سيدنا الختم التجاني رضي الله عنه(1)، أنشأها بحال قوى في تلهفه على الحصول لما أهمّه من الدخول لحضرة التداني و الوصول، فجرى على خاطري أن أجاريها بما يُبيِّن بعض ما لوّحت له، و لم أشعر بنفسي حتى كتبت عليها هذه العجالة، وسميتها حضرة التداني، من شرح أبيات الختم التجاني رضي الله عنه.

__________
(1) - المعروف عن هذه القصيدة أنها صدرت عن الشيخ الختم أبي العباس التجاني رضي الله عنه في فترة كان عمره فيها لا يتجاوز الأربعين خريفا، وقد ضمنها مطالب كثيرة يسأل فيه الله تعالى أن ينعم عليه بمقامات عرفانية كبيرة، كمرتبة القطبانية العظمى، مع ما لها من خصائص ومميزات ولطائف وتصاريف ونفود.
وكان الدافع له لطلب هذه المقامات ما بَشَّرَتْهُ به جماعة من كبار الشيوخ، ممن التقى بهم في رحلته الأولى لبلاد المغرب، وأيضا في رحلته المشرقية عام 1187م- 1773م، حيث أسرَّ له شيخه سيدي محمود الكردي بأنه سيدرك مقاما فوق مرتبة القطبانية، وأنه سيضع يده على خصوصيات جمة لم يسبق أن نالها وليٌّ صالحٌ آخر.
وعموما فقد كان الشيخ رضي الله عنه شديد الوثوق بهذه البشارات، يضعها نَصْبَ عينيه، ويترقب حصولها بين كل وقت وآخر، آملا أن يظفر بمطلوبه قبل حلول فترة شيخوخته، وهو ما دفعه للتوجه بالدعاء للحضرة الإلاهية، طالبا أن تمدَّهُ بعنايتها الفائقة، وتمنَحَهُ عن قُرْبٍ جميع ما يأمله من مقامات وعطايا ومواهب كريمة.
وقد استجاب الله دعاءه، وحقق له كافة مطالبه التي كان يرجوها، كما زاده من فضله أضعافا مضاعفة من المراتب العلية، والمعارف والفتوحات اللدنية.

و قد كان سيدنا رضي الله عنه قبل فتحه و الحُلول بمقام القطبانية و الختمية بُشِّرَ على لسان الحضرة المحمدية عليها السلام مُشافهةً بكونه أعلا مقاما من غيره، و قبل الإجتماع به يقظة كان بشره أهل الفتح و المكاشفة بما يشاهدون في عالم الغيب من جلالة القدر المنوط به، ويضمنون له بعد تعلقه بهم و الإنحياش إليهم قبل الفتح عليه ما كان يطمئن به صدره، وتطيب به نفسه، و يرى من إقبالهم عليه ما كان يزيده تيقنا تاما بالخصوصية التامة، ويستروح به في خاصة نفسه أن له بذلك شأنا كبيرا في مستقبله، بما كان يترقبه من نيل مطلبه فوق ما يهتم به، و حين طال انتظاره في أوائل أمره لكشف الغطاء عما يختلج في صدره استعمل هذه الأبيات، و هي أبيات استفهامية، في ضمنها طلب تعجيل الظفر بما يطلبه، فقال فيها:

ألا ليت شعري هل أفوز بسكرة(1) ……من الحب تحيى منك كل رميمة

قد ترقب رضي الله عنه للجواب بالإسعاف بمطلبه في ضمن استفهامه عما في دواخل باطنه من شدة التشوف لهذه المطالب، التي هي وسائل لتحصيل غاية المطلب، الذي ما وراءه مرغب، فأتى في ابتداء استفهامه عن مطالبه بالمطلب الذي رآه فاتحة الخيرات، و المفتاح الذي تفتح به المعلقات، و هو من الأمر الأهم، الذي يستحق على غيره أن يقدم، فطلب السكر من الحب لينتعش به باطنه، و يحيي قلبه، و يشرح صدره، و تقوى نفسه على حمل ما يفيض عليها من حضرة القدس من الأسرار، فجرد من نفسه شخصا طلب له بتلك السكرة حياة كل رميمة منه على رواية منك، وفي بعضها مني، و على رواية مني يتعين حذف ياء المتكلم للوزن و لمعنى لطيف، و هو فناء النفس في معنى البقاء، و كأنه يطلب به التحير الذي يطلبه كل محمدي في كمال الترقي في المراتب التي هي نهاية السير في إدراك السر، بمقتضى زدني فيك تحيرا، و على لسان الحضرة يقول عاشقها:

زدني بفرط الحب فيك تَحَيُّرا ……وارْحَم حشا بلظى هواك تسعَّرا(2)

فالسكر منه هو التحير المطلوب من المحبوب متحققا بأن الحب عليه مدار القرب، فهو إن كان من المحب الصَّادق يدنيه لحضرة الحبيب، و إن كان من الحبيب فهو أعلا و أغلا في رفع شأن المحب على رغم الرقيب، فعلى هذا فإن الحب أول ما يعتني به المريد لإدراك مطالبه من كل أحد، فَلابُدَّ من التقرب إليه بالحب و بحب من يحب، فإذا فاز بالحظ الأوفر من الحب حتى سكر به بحيث يكون مستغرق القلب و القالب في المحبوب مطبقا عليه في الإلتفات عن الغير للغير، فلا جرم أنه ينال من المحبوب فوق ما تمناه، و يحيى به دارس الرسم من حسه و معناه.
__________
(1) - السكر في اصطلاح الصوفية هو غيبة بوارد قوي مفرح، وهو أقوى من الغيبة وأتم منها، ويعجبني في هذا الصدد قول العلامة الولي الصالح سيدي محمد العربي بن السائح، في مطلع قصيدة له:
سكرت ولم يشعر صحابي كلهم ……بأي شراب كان من دونهم سكري
وما بشمول كان سكري وإنما ……شمائل محبوبي شمالي لو تدري
(2) - هو مطلع قصيدة للعارف بالله الشيخ عمر بن الفارض ونصها:
زدني بفرط الحب فيك تحيُّرا ……وارحم حَشَى بِلَظَى هواك تسعرا
وإذا سألتُكَ أن أراك حقيقة ……فاسمحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرَى
يا قلبُ أَنْتَ وعدتني في حبهم ……صبرًا فحاذر أن تضيقَ وتَضْجَرَا
إن الغرامَ هو الحياة فمت بِهِ ……صبًّا فحقك أن تموت وتُعذَرَا
قل للذين تقدموا قبلي ومن ……بَعْدِي ومن أضحى لأَشْجَانِي يرى
عني خذوا وَبِيَ اقتدوا ولي اسمعوا ……وتحدثوا بصبابتي بين الورى
ولقد خلوتُ مع الحبيب وبيننا ……سرٌّ أرقُّ من النسيمِ إذا سرى
وأباح طَرْفِي نظرةً أمَّلْتها ……فغدوت معروفًا وكنت مُنَكَّرَا
فَدُهِشْتُ بين جمالهِ وجلالهِ ……وغدا لسانُ الحالِ عَنِّي مُحيرَا
فأدِرْ لِحَاظَكَ فِي محاسنِ وَجْهِهِ ……تَلْقَى جَمِيعَ الحُسْنِ فِيهِ مصوَّرا
لو أن كلَّ الحُسْْنِ يكمُلُ صورةً ……ورآه كان مُهَلِّلا ومُكَبِّرَا


ثم قال سيدنا رضي الله عنه:

و هل لذرى الإحسان(1) ترقى عوالمي ……و هل تتجلى الذات فيها لفكرة

في استفهامه عن ترقي عوالمه لذرى الإحسان، و تجلي محبوبه لعين فكرته في العيان، طلب الإسعاف بمقصوده وفق ما تقدم، و لكن طلبه المتقدم فيه إجمال، لكون السكر بالحب ربما يحول بين الحبيب و المحب بكمال القرب، فلا يشعر بمذاقه لإطباقه، و إن كان في ضمن المسؤول عنه ما يحيى به كل رميم، فاستفهم هنا عن ترقي عالم حسه و عالم معناه الذي هو عالم الذات، و المراد به الجوارح، و عالم النفس و عالم الروح و عالم القلب و عالم السر في أطواره كلها، و هي العوالم التي يطلب ترقيها لذرى الإحسان إلى التمكن في العبادة المحضة، فتعمل جوارحه الظاهرة و عوالمه الباطنة ما هو في حيز القبول، بحيث تعمل ذاته بإخلاص، بعد توفيقها لما فيه من كل قيد خلاص، و تستعمل النفس و ما عطف عليها في مدارج الإحسان، الذي هو بعد درجات الإسلام والإيمان، مع تفاوته في أطوار الإنسان.

و لذلك استفهم عن أعلا أطواره، الذي هو غاية أوطاره، فطلب بتجلي الذات له في جميع عوالمه حتى ينظرها بعين فكرته، فيكون في هذا البساط سكران يقظان، و يكون المحبوب امتزج به امتزاجا لا يوصف بانفصال، و يرى بنفسه ذلك الإتصال بعين الكمال، بحيث ينزه هذا المحبوب عن الإتحاد، و إن كان في ظاهر القصد هو المراد، غير أن المطلوب هو الحصول على مقام الاستغراق في المشاهدة بما يليق بالحضرة، و لا يفوته ملحظ حق المخلوق، فإن من فاته إعطاء هذه المرتبة حقها حالة الإستغراق في المشاهدة يفوته من المعرفة بالله بقدر ما فاته من ذلك، حسبما تقرر عند خاصة و عامة العارفين، واستفاده الحاتمي من الحضرة الهارونية في إحدى وقائعه العرفانية، و أفاده شيخنا في بعض مقالاته
__________
(1) - قال الجرجاني في كتابه التعريفات: الإحسان في الشريعة هو التحقق بالعبودية على مشاهدة الربوبية بنور البصيرة، أي رؤية الحق موصوفا بصفات بعين صفته، فهو يراه يقينا ولا يراه حقيقة، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إهـ.. التعريفات 14-15.
أما في مصطلح القوم فالإحسان هو مقام يكون فيه المتصوف السالك ملاحظا لآثار أسماء الحق وصفاته، فيتصور في عبادته كأنه بين يدي الله تعالى، وهو مقام الكشف والشهود.


و أما قوله:

و هل لي بغيب الغيب بالله غيبة ……تغيب كلي عن جميع الخليقةِ

فهو استفهام بتمني الغيبة التي هي غاية الصحو بكمال المشاهدة للحق، فإن غيب الغيب الذي تغيب به جميع عوالمه بالله عن غيره هي غاية المراقبة و المشاهدة و القرب التام و الود المحض في بساط الأنس به، فليست الغيبة المطلوبة هنا نقصًا عن درجة المقام الأول، الذي يجمع فيه المشاهد بين حق الرب و العبد، بل هو هنا طلب الإستغراق الكلي و الإصطلام التام حتى يكون مقامه و جميع عوالمه مستورة عن جميع الخلق، بحيث يتقدم في حضرة القدس إلى درجة لا يراه فيها غيره من الكمل، و إلى مقام لغيره لم يُنَلْ، مع رسوخ قدمه هو في إعطاء المقام حقه، و لكل عالم ما استحقه.

و هذا زيادة في التمكن من المقام الأول، و تلك الغيبة المطلوبة تفيد أي غيبة به، بمعنى أنه يأخذه الحق دفعة واحدة من كله تغيبه عن سائر الخلق، فتكون غيبته في غيب الغيب ساترة له بكمال القرب عن كل نقص و عيب، و في ذلك غاية الترقي في درجات المعرفة بالله و صفاء النفس من كل ما يشين شرعا و طريقة و حقيقة، فتصير عوالمه على أكمل درجة من التداني لحضرة القدس، في بساط الأنس، بانجلاء مقتضيات النفس

و لهذا قال:

و هل نفحات القرب(1) فضلا تعمني ……و قد هدمت مني رسوم الطبيعة

فهو استفهام لطلب الحلول في حضرة القرب، بحيث تعمه النفحات القدسية، حتى تستولي عليه استيلاءً كليا، فيكون معدودا من نفس تلك النفحات، لزوال ما طبعت عليه البشرية من الحظوظ النفسانية، فيعمل لغير حظ، و يقبل من غير عمل، لأن من عمه الفضل عُدَّ من أحسن المحسنين، ولو كان من أكبر المسيئين، كما قيل:

و إذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ ……جاءت محاسنه بألفِ شفيع(2)

__________
(1) - القرب في اللغة هو الدنو، وهو خلاف البُعْدِ، أما في اصطلاح القوم فيعبر به عن القيام بالطاعة والإنقطاع عما دون الله، وأن ترى صنائعه ومننه عليك، وتغيب فيه عن رؤية أفعالك ومجاهداتك، والإتصاف في دوام الأوقات بعبادته. قال تعالى: واسجد واقترب.
(2) - البيت للشاعر محمد ابن نباته المصري


غير أنه بطلب الدخول إلى حضرة قدسية ينقطع بها عن حظوظ النفس بالكلية، فلا يصدر منه إلا موجب القرب، و هو في عين القرب بانسدال رواق الحفظ عليه، فتكون له من عناية الله به عصمة قوية، و إن كانت العصمة بين البشر لا تكون إلا للأنبياء، لكن يعطى لبعض خاصة الخاصة من المحمديين حظ منها، و هو القطب، فله بحفظ الله مشرب منها، فالشيخ رضي الله عنه يتمنى هذا المقام المخصوص، و يطلب مقام القطبانية في هذا الإبان الذي هو ابتداء أمره، بحسب البشارات التي عنده، و المبشرات من الخاصة له من أنه سينان قصده، ولكن طال انتظاره، فقال:

و هل جذبات(1) بالتجلي تؤمني ……فتسلبني عن كلي كلي و جملتي

فهو في ضمن استفهامه يتمنى وقوع التجلي من حضرات الجذبات القدسية، لتجذبه من مرتبة لمرتبة، و تطلعه لأعلى المراقي وفق ما طلبه، فيخلع نعليه بواد وقفت بساحله نفوسٌ غواصة لاستخراج درر اللطائف المودعة في صدق العناية من كل بحر عميق، و فج غميق، حاجز عن البلوغ إلى طور الصدمات النورانية، الذي يندك عندما يلمع منها لامع شواهق جبال النفوس العالية، عندما تستطلع عليها بالخوض في هذا البحر الذي غرقت فيه سفن أهل العزم القوي، و لا يهتدي لعبوره منهم إلا من تحلى بمقامات اليقين في ابتداء أمره في الإنكباب بكل جهد لما يوصله إلى حبل التعلق للجذب إلى تلك الحضرة، فالشيخ رضي الله عنه يتشوف بهذا العزم للجذبات التي تتجلى عليه من هذه الحضرة الإمتنانية، لتجذبه للحصول على غاية مطلبه، فتسلب منه الرعونات النفسية التي لا ينفك عنها بشر إلا بتطهير رباني ينصب من حضرة القدس، فينجلي به ما يرق من الأدران من بقايا حظوظ النفس.

فهو رضي الله عنه قد ارتقى إلى ما هو أعلا من هذا المقام بطلب ما يسلبه عن كل الكل وجملته الظاهرية و الباطنية، بحيث تكون الجذبات المطلوبة واردة عليه من جناب الحق، تحفُّه من سائر الخلق، فيكون عبدا محضا، وارثا محمديا، متحليًا بالأخلاق الإلاهية، لا ينفك عن رابطة الجواذب، و يكون مطلوبا للعناية بعد ما كان لها هو الطالب، فلا تحجبه المشاهدة عن أداء حق الله في الخلق، و لا يمنعه القيام بحق الخلق من أداء حق الحق، وهذه من الكمالات الروحية التي لا تدرك إلا باجتباء قدسي، ولنا رواية في قوله رضي الله عنه بالتجلي، و هي بالتحلي نوع من التحلية، و هي مستقيمة المعنى أيضا، من جهة كون تمنِّيه لجذبات صمدانية واردة عليه بالتحلي المناسب للعبد في دخول حضرة سيده، كما يصح أن يقرأ بالتخلي بالخاء المعجمة، بحيث تكون هذه الجذبات توافيه بالتخلية عن الكون لانجذابه إلى حضرة المكون، وعلى كل حال فهو متشوف للإنقطاع إلى الله عن كل ما يشغله عنه، طالب تعجيل ذلك له ليدرك كمال إقبال الحق عليه، و كمال محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، و في ذلك غاية المطلب

__________
(1) - جذبات: جمع جذبة، والجذب في اصطلاح أهل التصوف هو تقريب العبد بمقتضى العناية الإلاهية المهيئة له كل ما يحتاج إليه في طي المنازل إلى الحق بلا كلفة وسعي منه.


وهذا مرتبط مع قوله:

و هل واردات(1) الوصل منها ترق لي ……لكي أرتقي العلياءَ من كل رتبة

فإنه يطلب تعجيل الوصل ضمن التجليات العالية المرجو ورودها عليه بصدق الوجهة، مع تباشير الهناء المخصوص به على لسان الخاصَّة، وفق ما أشرنا إليه، فهو لكمال التشوف للعرائس التي ستبرز له من تحت خدور التجليات، و تُزف لحضرته من أعلى المقامات، أزعجه الشوق للإستطلاع على وُجُوهها، منتظرا لما يرد عليه من الجذبات ليرتقي في مراقي الرتب العالية، ليصل إليها حين تجذبه يد العناية، و تفتح له باب الدخول لحضرتها ملحوظا بالرعاية، و في ذلك كمال مَطلبه، فإنه يتحقق رضي الله عنه بأنه إذا زفت له واردات الوصل فإنها ترقى به من كل رتبة على العلا التي لا يصعد فيها إلا من هو لها أهل، غير أن كل صاعد من أهلها يقف عند رتبته المخصوصة به، و لا يحمل به التشوف للرتبة التي هي أعلا قدرا من قدره قياما بواجب الأدب، فلا يطلب مطلق الولي رتبة القطب المتصدر على كرسي جلالته، و لا يطلب القطب رتبة الصحابي الذي عدَّه النبي صلى الله عليه و سلم من صحابته، و لا يطلب الصحابي رتبة النبي المنفرد بنبوة، فأحرى إذا ارتبطت برسالته، و لا يطلب النبي و الرسول رتبة الألوهية لانفراد الحق بها جلَّ علاه عن الشريك في وحدانيته و إلاهيته، فوقف الكل عند حدِّ الأدب اللائق به.

غير أن الكامل من الرجال يستطلع بهمة مؤيدة بالعناية على الرتب التي ترقى فيها الهمم، فإذا استطلعت عليها أقبلت على نيلها بعزم قوي، فتظفر منها بالوصل، و ما يفتح الحق بابا من التعرف منه لعبده إلا ودعاه للدخول منه و تنبيهه على طلب ما يراه أو بشر به، فإن الشيخ رضي الله عنه قوي العزم، له البشارة التَّامة قبل الحصول على المراد الذي تحمله له واردات الوَصل، ليرقى من كل رتبة أعلاها بين ذوي العقد و الحل، فطلبه لهذا من باب طلب الشخص لتعجيل الحق المخصوص به، فهو مستحق له في الحقيقة بالتخصيص والإجتباء له، و لا يجب عليه سبحانه شيء من الأشياء إلا ما اقتضاه عدله، وجاد من غير وجوب عليه به فضله، و الحاصل أن الشيخ رضي الله عنه كان يطلب تعجيل ما بشر به قبل الوفاة، فإن الرتب لا يعظم قدرها في العالم الأخروي إلا بقدرها المحصل في الحياة، و بعد الموت لا يبقى لها ترق إلا ما خص به الرسول صلى الله عليه و سلم من الترقي الدائم، ولخليفته قدم في الترقي معه.

__________
(1) - الواردات: جمع وارد، وهو في اصطلاح القوم كل ما يرد على القلب من المعاني الغيبية من غير تَعَمُّدٍ أو تعمُّلٍ من العبد.


و لا بأس بذكر واقعة حصلت لي بتاريخ 8 جمادى عام 1325، و الله يشهد أنها لحق، فقد ظهر لي بين النوم و اليقظة، والحالة الثانية أغلب أن صاحب حضرة القدس ترتقي مرتبته دنيا و أخرى في كل لحظة، لأنه مستمد من الحضرة المحمدية، و هي دائمة الترقي، و انظر إلى قوله تعالى: "و رفعنا لك ذكرك(1)" أي أن مرتبتك لا تزال ترتقي دنيا و أخرى، فكذلك صاحب هذه الحضرة لحلوله بمرتبة الخلافة كالشيخ سيدي أحمد التجاني، و أما غير صاحبها فينتهي ترقيه بموته، إهـ.. بمعنى ما رأيتُه و سمعتُه في هذه الوقعة الروحانية، و فيها بحمد الله داع الفلاح للموفق ليقدر قدر الشيخ رضي الله عنه، ثبتنا الله على محبته.
__________
(1) - سورة ألم نشرح الآية 4


و أما قوله رضي الله عنه:
و هل أردن من بحر الشهود فيشتفي ……غليلي بغوص فيه في كل لمحةِ

فهو من باب طلب تحصيل المفازة، التي هي منتهى مفازات السير، للعثور على منبع كل خير، في قطع مشاهدة الغير، فإنه إذا ورد العارف من بحر الشهود، أفاض على الوجود ينابيع الجود، فينتفع في خاصة نفسه، و ينفع غيره من أبناء جنسه، في عالم معناه و عالم حسه، فيكون وارثا أحمديا، وخلفا محمديا.

و ناهيك بهذا المقام الذي هو مطمح نظر خاصة الأصفياء و أكابر الأولياء، ليجري النفع على يدهم لعباد الله عند ما يحصلون على الحظ الأوفر منه، فتدعوهم داعية الخير المفاض عليهم للأخذ بيد الضعفاء، و يسقونهم من موَاردِ الصفاء ما فيه هدًى و شفاء، و هذا المقام ينقسم بحسب الوارد و المُورد و المورود و المراد و المريد إلى أقسام ما بين سالك ومجذوب، و عذب أو ملح غير مشروب، ليس الكلام فيه الآن، حيث أن مطلب الشيخ رضي الله عنه هنا إنما هو تعجيل الفتح عليه بالورود من بحر الشهود، فيشتفي غليله بغوصه فيه في كل لمحة من لمحات بصره، و المقصود سقيه في كل نفس من أنفاسه من شراب مختلف لونه و ذوقه، من معين المعرفة بالله تعالى، و المشاهدة التامة المتمكنة من مقام الإحسان في قرار مكين، و هذا البحر الذي هو بحر الشهود ينصب في بحر الحقيقة المحمدية، ثم منها ينصب لبحر الألوهية الذي غاية ما يناله الخائض فيها بالحق من الحق في الخلق العجز عن الإدراك و التحقق بالعبودية المحضة على قدر منصبه من التمكن في المعرفة، فإن الشهود الحقي ما كان من حيز هذا المطلب، و إلا كان باطلا يأتي لصاحبه بما لا يرضيه، و يوقعه فيما يُرديه.


و الشيخ قدس سره يطلب الشهود الحقي الذي لا يأتيه الباطل، و يطلب التمكن فيه بما يرده من بحره و يغوص فيه غوصا يقضي عليه بعدم الخروج منه، فهو ممن ينطق لسان حاله بعد خوضه قائلا: خضنا بحرا وقفت الأنبياء بساحله، و على كل حال فمطلب الشيخ دوام الشهود و التعجيل عليه بالفتح به، و لهذا قال:

و هل تطلعن شمس المعارف(1) جهرة ……بباطن قلبي و الهدى لي زفت

فإنه رضي الله عنه قد كان في أشد ما يكون من الإشتياق إلى طلوع شمس المعارف بمنازل قلبه من الحضرة القدسية، و طال انتظاره لإشراق أنوارها جهرة لديه، فيرى بعين اليقين وجه محبوبه الذي ألقى نفسه بين يديه، فاستفهم عن طلوعها في مطلع الأسرار من باطنه، وفي طي استفهامه تمني التعجيل بطلوع هذه الشمس التي إذا أشرقت في قلبٍ استنار بأنوار محمدية مطلعها من أنوار قدسية إلاهية، لا تبقي من ظلام النفس بقية، فيهتدي من أشرقت في باطنه لما فيه السعادة الأبدية، و يسلك بها مطمئنا من الوقوع في مهاوي الدَّسائس النفسية، بما أشرق عليه من الأنوار المنيرة، حتى يرد من عين الحياة السرمدية، التي لا يبلغ إليها إلا من خرق الحجب البشرية، و صار نورا محضا بامتزاج نور المعرفة بنفسِهِ المرضية، فتزف له عروس الهدى من خدور الرضى، ويفوز بوصلها الذي لم ينله من عالم الغيب إلا من ارتضى، فتشوف رضي الله عنه لهذا الزفاف الذي له قرة العين بالحصول على المعرفة التي لا جهل بعدها، لطلوع شمسها في باطن صاحبها الذي خص من الحضرة العلية بالقرب التام عندها، و هذا من ضمن مطلبه رضي الله عنه المتشوف للتعجيل له به، لتكمل معرفته بالله، فيصطفيه الحق اصطفاء أفراد محمديين خصصوا بالكمال بين الخلق، فيرقى في معارج الحقائق، محوطا بالعناية في سلوك الطرائق
__________
(1) - المعارف في اصطلاح الصوفية هي عبارة عن إحاطة العبد بعينه وإدراك ماله وما عليه. إهـ.. وعن حقيقة المعرفة يقول الشيخ أبو العباس التجاني رضي الله عنه: المعرفة الحقيقية أخذ الله العبد أخذًا لا يعرف له أصلا ولا فصلا ولا سببًا، ولا تعقل فيه كيفية مخصوصة، ولا يبقى له شعور بحسه، وشواهده وممحواته، ومشيئته وإرادته، بل تقع عن تجل إلاهي ليس له بداية ولا غاية، ولا يوقف له على حدّ ولا نهاية. إلخ.. أنظر جواهر المعاني للعارف بربه سيدي الحاج علي حرازم برادة 2: 95.


ولهذا قال:

و هل أرتقي سير الحقائق واصلا ……إلى الله محفوفا بكل كريمة

تمنى في طي هذا الإستفهام الوصول إلى هذا المقام الذي ما بعده في رتب المعرفة بالله إلا الفناء المحض، فإن عرش الحقائق غاية ما ترقى له الهمم المجدة في الترقي بقطع المسافات التي انقطع عن بلوغ غايتها كل من جاهد نفسه و اجتهد كل اجتهاد للحصول فيها على المراد، فلم يصل لهذا العرش إلا أفذاذ من كمل الصادقين، و خاصة الأقطاب المحمديين.

فالشيخ رضي الله عنه يطلب هذا المقام ليظفر به قبل أن يحول بينه و بينه حائل الموت الحسي، و لم يقف في الطلب إلى هذا الحد من الترقي، بل مقصوده الوصول إلى الله محفوفا بكل كريمة، آخذا بيده حتى تدخل به لحضرة مولاه، فيقال له: ها أنت وربك، فيقوم في حضرته بواجب الأدب، و يعطي المقام حقه من القيام بحق التوحيد للحق في هذا البساط الذي تزل فيه قدم العقول بترك ما يتعيّن على العبد الذي ساعدته العناية بالدخول لحضرة التداني بعد الوصول


و لهذا قال:

و هل حلة التوحيد ألبسها و قد ……تمكن سري من بساط الحقيقة

فإنه يتشوف إلى الوصول إلى الله، و يكون وصوله ملحوظا بكمال العناية به، في إلباسه حلة التوحيد التي يقي بها حر الضلال، بعد ما شاهد الحق جهارا بلا اختلال، فينزهه عما لا يليق به، و هو متمكن في بساط الحقيقة بكشف حجبه، محفوظ في توحيده المتين، بعد الوقوف على عين اليقين، فالحصول على هذا المطلب من الكمالات التي لم يظفر بها إلا القليل من أهل التجديد، الماسكين على حبل التوحيد بدون تقليد، فإن من تجلت له الحقيقة، و تمكن سره في بساطها بين الخليقة باح بما يلوح عليه من أسرارها، و لكن لا يمكنه التعبير بما يجب لمقدارها، فتصادفه الأنوار الشعشعانية، فتتضاءل عندها تحقيقاته العرفانية، فيكبر عليه من الحال ما يعظم شرحه، و يشيع بين الخاصة شطحه، فيقام عليه الحد في تهتكه.

و قلما وصل أحد إلى هذا الحد فلم يبح بسره، متجردا بحكم التجلي من حلة التوحيد في جهره، و الشيخ رضي الله عنه يطلب إفراغ حلة التوحيد عليه في هذا البساط، ليكون محفوظ التوحيد الخاص، من غير تفريط فيه و لا إفراط، يعطي المنصب حقه جمعا و فرقا، حقا وخلقا، فلا يخل بأدب الحق، و لا يضله بتحققه الخلق.


و لهذا قال:
و هل لي بجمع الجمع بالله وصلة ……وقد طلعت شمس الوصول بقبلتي

فهو قد استفهم عن تحصيل الوصلة بالله في حضرة جمع الجمع، و هي مكانة عالية القدر، لا يحصل عليها إلا أفراد محمديون مخصوصون بالاجتباء من حضرة القدس إلى حضرة الزلفى، بعدما يتمكن مقام المدرك لها في حضرة غيب الغيب، فيتم ظهوره بها، و يكون بين أولياء عصره كالشمس المنيرة، فلا تخفى على أحد من الناظرين إليها بدون حائل، فلا يحجب مقامه بعد ظهوره عن أحد منهم، و لا ينكشف لهم عن سره إلا بقدر ما يشفعون به من جهة الإستمداد منه و التعلق به في نيل المراد من غير تقصير في حقه، فإن الشيخ رضي الله عنه قد طلعت شمس الوصول بقبلته، وفق رغبته، بل فوق أمنيته، فظهر لأولياء وقته نورُه، و تحقق الكل بأن قدره فوق ما عليه ظهوره، مع ما هو عليه من كمال الظهور في المرتبة ظاهرا و باطنا، لم يزدد إلا ترقيا في إقباله على الله، و إقبال الخلق عليه بما يرضي الله ويرضى به عنهم، فهو إمامهم الذي تقدم في محراب القرب من حضرة الوصول، و وراءه أهل الاختصاص قائمون بحق الأدب الذي تستحقه الحضرة، فإنه رضي الله عنه في هذا المظهر الذي طلبه أضحى نفس القبلة التي طلعت فيها شمس الوصول، فتوجه لها كل من رام نيل المنى و بلوغ السول من أهل العناية، فهو في هذه الحضرة مجموع بالله، و جامع القلوب على الله، شمس الوصول في محرابه طالعة، و أنوار المعرفة عليه ساطعة، و نحن و إن لم يسمح الدهر لنا بالإجتماع برؤية طلعته المنيرة، لنؤدي ذلك على وفق ما نراه، فنشهد بما نرى، فقد ظهرت أنواره للوجود، بما أغنانا عن إقامة الشهود، على ما ظهر منها في الشهود.

و قد تلقينا بعض ما أمليناه، و نمليه ممن تلقوه عن خاصة أصحابه، و عمن كشف الله لهم الحجب عن عرائس الولاية، و قد حدثني سيدي و مولاي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه أنه اجتمع بتونس بأحد خاصة الأولياء من أهل الطريقة الشاذلية، ممن شهد له بالفتح، فقال له: يا فلان، إني شاذلي الطريق، و إني أرى المدد الذي يصلني إنما هو على يد القطب التجاني رضي الله عنه. إهـ.. و بمثل هذا يقول كل من كشف عن عين قلبه، ورأى ما يفيض عليه من حضرة ربه، ممن اصطفاه لحضرة قربه، وراثة محمدية خصت بها الحضرة الأحمدية فضلا من الله و منّة.

و قد من الله تعالى عليَّ و له الحمد بمعرفة سر إمداد سيدنا رضي الله عنه للأولياء في عالم السر، في واقعة مباركة شاهدتُ فيها المصطفى صلى الله عليه و سلم جالسا جلوس إجلال وإكرام، وسيدنا رضي الله عنه عن يمينه، و العارف بالله سيدي ابن وَفَا(1) عن يساره، و العبد الضعيف في مقابلته، فسمعت سيدي ابن وفا يقول: يا سيدي يا رسول الله نحب أن نراك، فأجابه صلى الله عليه و سلم بلسانه، مشيرا بيده وبنانه إلى سيدنا رضي الله عنه قائلا: سل هذا من ابن سالم، فعرفت بذلك سر الخصوصية، و سر الوساطة التي نالها بعدما طلب الوصلة في حضرة جمع الجمع بالله في حضوره و غيبته، و طلوع تلك الشمس في قبلته، حسبما أخبر عن نفسه من ضمان الرسول صلى الله عليه و سلم لجميع طلباته.
__________
(1) - محمد وفا بن محمد بن محمد، من أكابر أهل التصوف بمصر، أصله من بلاد المغرب، له عدة مصنفات في التصوف منها: نفائس العرفان من أنفاس الرحمان، والأزل، والمقامات السنية المخصوص بها السادة الصوفية، والعروش، والصور، وغيرها. توفي عام 765 هـ.
أنظر ترجمته في الطبقات الكبرى، للشعراني 2: 21 رقم 314. الخطط التوفيقية، لمبارك 5: 141. الدرر الكامنة، لابن حجر العسقلاني 4: 279. شذرات الذهب، لابن العماد 2: 206. الأعلام، للزركلي 7: 37.


ثم قال سيدنا رضي الله عنه :
و هل وابل العلم اللدني(1) هاطل ……إلي و يبقى دائمًا كل لحظة

فهذا استفهام فيه تمني نيل العلم اللدني، و هطل وابله إليه، و طلب بقائه كل لحظة فائضا عليه، و قد تحقق بهذا المقام حسبما أشرنا له أول الكلام، فكان رضي الله عنه بحرا زاخرا، كل من أراد أن يسأله أو يكتب عنه يملي له من غير تأمل في كل ما أراد، كأنه لوح بين عينيه ينظر فيه، و هذا مُشَاهد للخاصة و العامة كما قاله في الجامع، ثم قال عقبه: و قال لي مرة بعد أن كتبت عليه جواب مسألة: لو سألني أحد أربع سنين و أنا أملي عليه و هو يكتب لم يفرغ، يعني من غير تأمل.

قلتُ وهذه أحوال العلم اللدني رضي الله عنهم، و لا يستغرب هذا منه، لأن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم قال لهُ: كل ما أمليت فأنت مترجم عني، أو كلاما هذا معناه. إهـ..، فهو رضي الله عنه هطلت سحائب العلم اللدني عليه بالوابل، بما لم يمطر به على الأوائل، و قد أقرَّ له بهذا معاصروه، و بقيت رشحة من علومه و معارفه تنبع من عيون كمالاته المودعة في ضمن ما ألفه البعض من أحبّائه و إخوانه، و العرب عنها: كل من جاء بعده بتبيانه، يمليها على لسانه، ويرسمها ببنانه، و في ذلك أعظم كرامة له في كل عصر، تظهر بين أحبابه في كل مصر، و لا يجحد هذا إلا من طبع على قلبه بطابع الحرمان، و معرفة أمثاله و التسليم لهم لا ينال إلا بتأييد الرحمن، فقد بلغ رضي الله عنه الغاية القصوى من جميع مطالبه، واستولى من كل مطلب منها على أعلا مراتبه، فكان قوله:

و هل أملي من هذه بالغ المدى ……فيا حبّذا أم لا بلوغ لمنيتي
و هل تجمع الأيام شملي ببغيتي ……و نيل مُرادي أم أمُوت بحسرتي

من تمام الإستفهام المبني عليه طلب تعجيل قضاء مطالبه التي وفق لها بإلهام، و قد نالها وفق المرام، فإنه رضي الله عنه جمعت الأيام شمله ببغيته، و بلغته فوق أمنيته قبل منيته، فكملت له المسرة، ولم يمت منها بحسرة، و حق له أن يقال في جوابه:

بلغت المدى يا حبّذا من مزية ……بها فقت أهل الله يا خير صفوة
حَباك بما تهواه ربك بالرضى ……على وفق ما يرضاه منك بدعوة
فنلت من الحب الذي يكشف العنا ……و يحيي نفوس الخلق أنفس سكرة
و فوق ذوي الإحسان صرت مبَرزا ……و ذلك فضل الله طبق المشيئة
فأنت بغيب الله بالله حاضر ……مع الكل و الأكوان فيك تجلتِ
قد انطبعت فيك المحاسن كلها ……بنفحة قرب فيه هدم الطبيعة
و قد جذبتك بالتجلي جواذب ……إلى حضرة في ضمنها كل حضوةِ
و قد وردت بالوصل منها بشائر ……ترقيك في العليا لأرفع رتبة
وردت بها بحر الشهود حقيقة ……فنلت شفاء كاشفًا كل غلّة
و قد طلعت شمس المعارف و الهدى ……بقلبك و الأنوار منك تبدَّتِ
وصلت إلى الله الكريم مؤيدا ……بخير كرامات و كل كريمةِ
لبست من التوحيد خير حلى و قد ……تمكنت حقا في بساط الحقيقة
و نلت بجمع الجمع بالله وصلة ……بها صرت موصولا بكل جميلةِ
و أنت من العلم اللدني رويتَ ما ……بهِ منك قد فاضت ينابيع حكمة
ليهنيك يا مولاي يا أحمد الرضى ……بُلوغك للمطلوب قبل المنية

و هذه المطالب التي استفهم عنها رضي الله عنه كانت في ابتداء أمره، و نظمها في تلك الأبيات التي جارينا الكلام عليها من غير تأنق في تتبعها و لا قصد في استيفاء ما اشتملت عليه من المطالب بتفننها و تنوعها، و قد ضُمِنَت له، و لم ينتقل من الحياة الدنيوية حتى حصل على غاية المنتهى منها، وفق ما كان يتمنى فضلا من الله و امتنانا، و الله يوتي فضله من يشاء و الله ذو الفضل العظيم وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم و على آله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين، و الحمد لله رب العالمين. إهـ..

__________
(1) - المقصود بالعلم اللدني في مصطلح القوم هو: معرفة ذات الله تعالى وصفاته علما يقينا من مشاهدة وذوق ببصائر القلوب. إهـ.. وقد جاء لفظ (لدني) في القرآن الكريم في قوله تعالى: آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما. إهـ.. وجاء أيضا في آيات أخرى، بيد أن الآية المذكورة اختصت بقصة موسى والخضر المذكورة في سورة الكهف، وهي تشير إلى اختصاص الله عز و جل للسيد الخضر بهذا العلم الباطني العظيم، وينصب موضوع هذا العلم حول أحكام الأسماء الإلاهية ولوازمها، وكيفية ظهورها في مظاهر الوجود، كما يحتوي العلم بأعيان الموجودات الثابتة، وأعيانها الخارجية من حيث هي مظاهر للحق.

سلمى النويشى
05-01-2012, 01:13 PM
بارك الله فيك

مصطفى شوقى
06-01-2012, 02:13 AM
مشكور شيخنا ويارك الله فيك

الشيخ درويش عبود المغربى
06-01-2012, 04:48 PM
مشكورين لمروركم العطر وبارك الله فيكم وعليكم

فريدة
08-01-2012, 08:26 PM
شكرا وبارك الله فيك

سلمى النويشى
12-01-2012, 04:30 PM
بارك الله فيك شيخنا ورحم والديك

ابراهيم الدالى
12-01-2012, 04:52 PM
مشكور وبارك الله فيك على الطرح الرائع

الشيخ درويش عبود المغربى
14-01-2012, 07:00 AM
شكرا لمروكم العطر وبارك الله فيكم جميعا

نسائم الرحمن
14-01-2012, 07:58 PM
زدني بفرط الحب فيك تحيُّرا ……وارحم حَشَى بِلَظَى هواك تسعرا
وإذا سألتُكَ أن أراك حقيقة ……فاسمحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرَى
يا قلبُ أَنْتَ وعدتني في حبهم ……صبرًا فحاذر أن تضيقَ وتَضْجَرَا
إن الغرامَ هو الحياة فمت بِهِ ……صبًّا فحقك أن تموت وتُعذَرَا
قل للذين تقدموا قبلي ومن ……بَعْدِي ومن أضحى لأَشْجَانِي يرى
عني خذوا وَبِيَ اقتدوا ولي اسمعوا ……وتحدثوا بصبابتي بين الورى
ولقد خلوتُ مع الحبيب وبيننا ……سرٌّ أرقُّ من النسيمِ إذا سرى
وأباح طَرْفِي نظرةً أمَّلْتها ……فغدوت معروفًا وكنت مُنَكَّرَا

قمة البلاغة وأسمى معاني الحب والعشق للحضرة المحمدية
بارك الله فيك شيخنا الفاضل على هذه الدرر

وليد البلوشى
17-01-2012, 02:19 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

نجوى كريم
20-01-2012, 05:28 AM
مشكور شيخنا الجليل وجعله الله بميزان حسناتك

راجى عفو المولى
04-02-2012, 07:30 PM
مشكور شيخنا الجليل على الموضوع القيم وجزاك الله خير الجزاء

محمود
06-02-2012, 05:29 AM
مشكور شيخنا وكل عام وانت بخير ادام الله عليك الصحة والعافية
وبارك الله فيك وعليك

صفاء السعدى
11-02-2012, 07:49 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

نجم الليل
03-03-2012, 03:06 AM
شكرا لك جزيلا عن هذه المعلومات القيمة وبارك الله فيك أيها الشيخ

زهر البنفسج
04-03-2012, 03:22 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

زهر البنفسج
06-03-2012, 04:42 AM
بارك الله فيك شيخنا عبود المغربى ورحم والديك

ورد الشام
03-04-2012, 04:29 AM
يعجز اللسان عن شكركم والقلب عن الدعاء لكم الله يوفقكم لم يحب ويرضى

وعد المحبة
18-04-2012, 11:00 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

بو حمد
27-04-2012, 02:06 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

نوران
04-05-2012, 05:54 AM
بارك الله فيك شيخنا ورحم والديك

رامى
04-05-2012, 06:42 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

حسنة
16-05-2012, 04:22 AM
بارك الله فيك يا مولانا الشيخ درويش.

ابو بكر
21-07-2012, 01:38 PM
بارك الله فيك يا مولانا الشيخ درويش. ورمضان كريم

تبارك
11-09-2012, 06:52 PM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

زخارى
09-10-2012, 10:42 AM
مشكور وبارك الله فيك يا شيخنا وجعله فى ميزان حسناتك

جنة
12-10-2012, 06:35 PM
مشكور شيخنا الجليل على الموضوع القيم وجزاك الله خير الجزاء