الشيخ درويش عبود المغربى
12-10-2012, 11:07 AM
معتقدات غريبة في التفاؤل والتشاؤم
معتقدات غريبة وحضارات شفوية متداولة من جيل لآخر
جريدة الصباح
بغداد - امنة عبدالعزيز
التفاؤل والتشاؤم مسألتان نسبيتان من شخص لآخر ويرجح ان الحالة المزاجية تلعب دورا كبيرا في هذه المسألة.انت سعيد يكون التفاؤل حالة ملازمة لك والعكس الحزن والكآبة يبعثان على التشاؤم والمبالغة في الشيء غالبا ما تأتي بنتيجة عكسية.
كثيرون يتشاءمون من بداية يوم ينعق فيه الغراب ويرددون القول(خير ان شاء الله) والبعض الآخر يحاول طرد الطير المشؤوم من سمائهم بعيدا. آخرون يتفاءلون بطائر(البوم) ، آخرون تنشرح صدورهم لزقزقة العصافير وهكذا.
المعتقدات بالاشياء هي موروثات قديمة تتوارثها اجيال عن اجيال، وغالبا ما تكون نتاجات البيئة التي يعيشها الانسان واثرها فيه ويتدخل فيها العامل الثقافي والاجتماعي.
والغريب ان كثيرين يعلقون امورهم الحياتية المهمة على هذه المعتقدات وهناك من لا يخطو خطوة في عمل (ما) اذا تشاءم من شيء، اذن هي حضارات شفوية متداولة من جيل لآخر وهذا ما سنعرفه من خلال هذا الموضوع.
الأفكار الخاطئة والمعتقدات الخرافية
تقول الانسة جنان طه: والدتي انسانة متعلمة ومثقفة تصدق وتعتقد بافكار بالية وواهمة وتقول: لماذا نتركها فهي في كل الاحوال لن تضر لو عملنا بها؟! فعلى سبيل المثال اذا انسكبت القهوة على ثياب احد تثور، وتنفعل وتعتقد ان مكروها سيحدث، كذلك كنس البيت في الليل حرام وغسل الملابس في يوم الجمعة يذهب بالرزق بعيدا ويسرع في فقد احد رجال البيت؟!..
وتضيف الانسة جنان: الغريب ان والدتي مازالت تؤمن وتطبق حرفيا كل هذا واسألها: ما علاقة النظافة بالحرام والحلال والرزق كل هذا من عند الله؟ ترد بالقول هذا صحيح لكن هذا ما وجدنا عليه اباءنا وامهاتنا واخذناه منهم؟ وما عليك سوى تنفيذه وتطبيقه تفاديا لحدوث المكروه؟ وتعتقد أمي ومازال الكلام لجنان ان العجين عندما يطفر في وجه المرأة وهي تخبز يعني ان هناك ضيفاً آتياً لا محالة و(حكة) الانف تعني: نأكل السمك و(كرصة) اللسان حدوث مشادة كلامية مع احدهم. حتى راحت والدتي تؤكد ان في آخر مرة قبل سفرها كيف كانت الاشارة الى ذلك السفر بتعامد الاحذية فوق بعضها بطريقة عفوية.
ام سحر امرأة ذات اطلاع ودراية في بعض المعتقدات تقول: الصدفة هي التي تعطي لبعض المعتقدات المصداقية ونحن فتحنا اعيننا على موروثات قديمة، فعلى سبيل المثال رفة العين اليسرى فأل حسن والعين اليمنى فأل غير حسن و(حكة) اليد اليسرى نتسلم بها نقوداً واليد اليمنى نعطي بها نقودا لشخص ما، و(الشركة) في الاكل او اثناء شرب الماء تأتيك (صوغة) اي هدية من قريب.
وتقول ام سحر: كثير من المعتقدات اعمل بها، فاذا ما صادفتني قطة سوداء وهي تعترض طريقي اؤجل العمل الذي اريد انجازه في ذلك اليوم، واذا ما نعق غراب اتشاءم منه وكذلك طائر(الططوة) واردد قولي (اللهم يجعل هذا اليوم خيرا) وعلى عكس هذه المخلوقات اجد في صوت الديك في الصباح واصوات العصافير والبلابل كلها مدعاة للتفاؤل والخير كذلك رؤية الطفل عندما(يكنس) البيت عشوائيا ودون سابق انذار والقطة وهي تقوم بتنظيف وجهها ووجود شيء غريب في قدح الشاي كلها دلائل على قدوم الضيوف!!.
ام خليل بائعة عطاريات في منطقة شعبية تتحدث عن موروثات قديمة من خلال المواد التي تبيعها، فالحرمل المخلوط بالنباتات المختلفة والملح يبعد حسد الحاسدين ويجلب الخير، والخل الذي نختم عليه بعض الآيات القرآنية يدفع الشر والسحر عن اهل البيت وغيرها من المعتقدات.
وتقول ام خليل: ان سلامة(النيات) عند البشر هي التي تؤتي بكل خير وهذه المواد هي مجرد نباتات تصدر عنها روائح طيبة تريح النفس لا اكثر، مع هذا اغلب زبائني هم من النسوة وقليل من الرجال لشراء البخور، لان المرأة بطبيعتها تحرص على طرد كل ما هو سيئ وشرير عن اسرتها وبيتها كي تحافظ عليه وهذا ما تعتقده.
العيون الزرق والخرز الأزرق
اللون الازرق له جاذبية امتصاص النظر والقدرة على اخذ الاعجاب من بين كل الالوان، ونلاحظ الكثير من النساء والرجال يتختمون بخاتم في ايديهم او يلبسونه على شكل (ايقونة) يعلقونها حول اعناقهم وكل هذا يجعلهم في راحة نفسية متصورين ان هذا اللون وتلك الاحجار الزرقاء اللون تحمل اليهم الخير وتبعد عنهم اعين الحسد والحاسدين.
ابو محمد: يتختم بخنصره بخاتم يحمل(خرزة) زرقاء ويقول: ان عمرها اكثر من خمسة وثلاثين عاما ورثتها عن ابي وابي ورثها عن جدي وهي تحمل بين تفاصيلها (عروقها) القدرة على طرد الحسد!!.
كيف يمكن لحجر بسيط ان تكون له القدرة الخفية؟
لقد جربتها في جذب عين الحاسد وابعاد انفاسه الحارقة قبل ان تصل لي ويؤكد ابو محمد عن تجربة شخصية: ان احدهم نظر اليه بعين حاسدة شطرت(فص) الخاتم الى نصفين!!.
تقول السيدة ام سيف: انا اعتقد ان المصادفات تلعب دورا في كثير ما نعتقد انها اشياء حقيقية ونصدقها وهي مجرد خرافات وموروثات قديمة ولكن في ذات الوقت نحرص على وجودها في حياتنا وهناك تجارب عن بعض الحالات التي لا نعرف لها تفسيرا مقنعا مثلا اصحاب العيون الرزق نتحاشاهم ونخاف نظرتهم، وبرغم جمالية اللون في اعينهم لكن امكانية الحسد لديهم مجربة، وهذا ما حصل معي عندما دهشت جارتي باشجار الظليات في منزلي وهي تقول آه كم هذا غريب ان تعيش داخل منزلك ظليات وبهذه الحيوية على عكس ما عندي فهي لا تعيش ابدا؟! ولم يمر يوم واحد الا واخذت الظليات بالذبول والاصفرار وانا في حالة من الاستغراب والتساؤل كيف ولماذا؟!.
زاير جمعة
السيد طالب البطاط يتحدث عن احد الاشخاص الذي كان يقطن في احدى مناطق الجنوب يقول: ذاع صيت الزاير جمعة وقدرته(الخارقة) في الحسد، وكثيرا ما كان الزاير يتفاخر بهذه المقدرة التي يعتبرها قوة مميزة لا يمتلكها كثيرون وراح صيته تتناقله المدينة ويتحاشى الناس عينيه، فاذا ما مر من مكان يهربون منه طلبا للنجاة من مكروه قد يصيبهم بسبب الحسد، ويقول السيد طالب مستذكرا حادثة لا ينساها، راهن الزاير جمعة على مقدرته في اسقاط طائر(الخضيري) فنظر الى الطائر واخذ شهيقاً عالياً وهو يقول (يا بوية ما بيه حيل يطير من اللحم) فما كان الا وسقط طائر من السماء الى الارض امام دهشتنا واستغرابنا!!.
يقول السيد طالب: اجد في الاعتقادات التي تلازمنا والتي ورثناها جيلا بعد جيل هي تحصيل حاصل لنتاجات المجتمع الذي نعيش داخله ولكن المبالغة احيانا تأتي عن جهل وعدم وعي وربما تكون حالات فردية كحالة زاير جمعة التي لا اجد لها تفسيرا كظاهرة غريية وفريدة.
(العزيزة) ومشاكل محتملة
الحاجة ام قاسم تتذكر تلك الممارسات التي كانت سائدة في المناطق القديمة من بغداد ويتمسك بها البعض فتقول: قد لا يعرف الكثيرون ما هي (العزيزة)؟! هي عظمة غضروفية يميل لونها الى الزرقة الخفيفة وهي تكون في(دفة) الخروف، وهناك من يعتقد انها اذا ما اخرجت ورميت بعيدا تجلب النحس والمشاكل.
وتستذكر الحاجة ام قاسم فتقول: كانت جارتي في محلتنا تأتي (بالعزيزة) وترمي بها قرب دارنا وتنتظر ان تفعل(العزيزة) المشاكل؟! كنت اضحك وانا اجد في تصرف جارتي عملاًَ ينم عن جهل وعدم الايمان والتصديق بالخرافات.
المناطق الشعبية أرض خصبة
للموروثات والمعتقدات القديمة
يتحدث الباحث هيثم عبد الرزاق صالح اختصاص تاريخ قديم عن ظواهر يعتقد بوجودها كثيرون او يؤمنون بوجودها قائلا: هناك من يعتقد بوجود ساعة نحس في يوم الجمعة، وهذا اعتقاد خاطئ ومرفوض على العكس ففي الساعة الاخيرة بعد عصر يوم الجمعة وكما ورد في احاديث نبوية كثيرة ان في هذه الساعة لا يسأل عبد ربه الا واستجاب له.
وهناك من يعلق التمائم والخرز وحدوة الحصان والاكف والسبع عيون وقرن الغزال والاحذية القديمة وغيرها في واجهة المنزل اعتقادا منه بطرد الشر والحسد وانها اي هذه الاشياء لها تأثير على ابعاد الحاسدين واعينهم والضرر عنهم.
واضاف الباحث قوله: اهل بغداد والقدماء درجوا على معتقد هو كسر اناء قديم فخاري عند باب الدار مع آخر يوم من شهر(صفر) الذي يسمونه شهر(النحس) وهو من الاشهر الحرم اعتقادا منهم ان عملهم هذا يذهب النحس مع الشهر دون رجعة. وكثيرا ما كنا نسمع انكسارات الاواني الفخارية عند بيوت البغداديين فضلا عن ان من يضحك كثيرا يتشاءم وهو يردد (اللهم اجعله خيراً) ظنا منه ان بعد هذا الفرح والتفاؤل بالضحك سيحصل مكروه او ما شابه.
كل هذا وغيره اصبح ارثا قديما ومعتقدات بالية والحضارة الجديدة ووعي الناس جعل منها امورا مضحكة عند الكثيرين ومجرد خرافات لا يمكن ان تمت للواقع والحقيقة بشيء.
اما الباحثة زينب جاسم الزيدي فتقول: تجدون في المناطق البسيطة والشعبية خزيناً من الحكايات والموروثات يحرص اهاليها على الاحتفاظ بها والعمل بها، وتجد لها صدى واسعاً بينهم ويحسنون الدعاية الكافية لها كي يخلقوا منها قصصا اقرب للحقيقة، ومن الممكن ايضا ان تجدوا في تلك الاحياء الفقيرة اكثر من امرأة(عرافة) لقراءة الطابع والكف والفنجان والتفسير لظواهر تقلق الناس البسطاء، وكل هذا هو ناتج عن سذاجة البعض والتصديق بما يسمعونه او توارثوه جيلا بعد آخر، لذا هم يبالغون في التمسك بكل هذا وهناك من يتخذ منها اساسيات في بعض الخطوات المهمة في حياته.
فعلى سبيل المثال:(العرضة) او ما نسميه بـ(العريضي) فمن الممكن تأجيل عمل مهم لسبب قد يعترض احدهم فيتشاءم ويقول لنؤجل هذا ليوم آخر(بيهه صالح)!! وحكايات اخرى عن(كصة عروس فلان) (ما بيهه خير) او بيت ابي فلان(عتبته) نحس، او ارتداء العروس لثوب الزفاف ورؤية العريس لها فأل غير جيد.
لذا هؤلاء الناس يؤمنون بهذه المعتقدات ويدرجونها تحت مسميات عديدة بـ(العريضي) وبيهه(صالح) وراح الشر عندما تكسر الاواني الزجاجية الى آخر المسميات.
واضافت الباحثة زينب لتقول: الرجل اقل تمسكاً بالخرافات والمعتقدات من المرأة وهذا له اساسياته المتعلقة بطبيعة المرأة ونشأتها في المجتمعات الشرقية، وتبقى هذه المعتقدات في حياة الناس حالة ينظرون اليها على انها جزء من صور قديمة واعتقادات مرت على ذاكرتهم ولكنها ليست بالضرورة ان تكون حقائق يصدقونها وهي بالنتيجة موروثات اجتماعية. منقول
معتقدات غريبة وحضارات شفوية متداولة من جيل لآخر
جريدة الصباح
بغداد - امنة عبدالعزيز
التفاؤل والتشاؤم مسألتان نسبيتان من شخص لآخر ويرجح ان الحالة المزاجية تلعب دورا كبيرا في هذه المسألة.انت سعيد يكون التفاؤل حالة ملازمة لك والعكس الحزن والكآبة يبعثان على التشاؤم والمبالغة في الشيء غالبا ما تأتي بنتيجة عكسية.
كثيرون يتشاءمون من بداية يوم ينعق فيه الغراب ويرددون القول(خير ان شاء الله) والبعض الآخر يحاول طرد الطير المشؤوم من سمائهم بعيدا. آخرون يتفاءلون بطائر(البوم) ، آخرون تنشرح صدورهم لزقزقة العصافير وهكذا.
المعتقدات بالاشياء هي موروثات قديمة تتوارثها اجيال عن اجيال، وغالبا ما تكون نتاجات البيئة التي يعيشها الانسان واثرها فيه ويتدخل فيها العامل الثقافي والاجتماعي.
والغريب ان كثيرين يعلقون امورهم الحياتية المهمة على هذه المعتقدات وهناك من لا يخطو خطوة في عمل (ما) اذا تشاءم من شيء، اذن هي حضارات شفوية متداولة من جيل لآخر وهذا ما سنعرفه من خلال هذا الموضوع.
الأفكار الخاطئة والمعتقدات الخرافية
تقول الانسة جنان طه: والدتي انسانة متعلمة ومثقفة تصدق وتعتقد بافكار بالية وواهمة وتقول: لماذا نتركها فهي في كل الاحوال لن تضر لو عملنا بها؟! فعلى سبيل المثال اذا انسكبت القهوة على ثياب احد تثور، وتنفعل وتعتقد ان مكروها سيحدث، كذلك كنس البيت في الليل حرام وغسل الملابس في يوم الجمعة يذهب بالرزق بعيدا ويسرع في فقد احد رجال البيت؟!..
وتضيف الانسة جنان: الغريب ان والدتي مازالت تؤمن وتطبق حرفيا كل هذا واسألها: ما علاقة النظافة بالحرام والحلال والرزق كل هذا من عند الله؟ ترد بالقول هذا صحيح لكن هذا ما وجدنا عليه اباءنا وامهاتنا واخذناه منهم؟ وما عليك سوى تنفيذه وتطبيقه تفاديا لحدوث المكروه؟ وتعتقد أمي ومازال الكلام لجنان ان العجين عندما يطفر في وجه المرأة وهي تخبز يعني ان هناك ضيفاً آتياً لا محالة و(حكة) الانف تعني: نأكل السمك و(كرصة) اللسان حدوث مشادة كلامية مع احدهم. حتى راحت والدتي تؤكد ان في آخر مرة قبل سفرها كيف كانت الاشارة الى ذلك السفر بتعامد الاحذية فوق بعضها بطريقة عفوية.
ام سحر امرأة ذات اطلاع ودراية في بعض المعتقدات تقول: الصدفة هي التي تعطي لبعض المعتقدات المصداقية ونحن فتحنا اعيننا على موروثات قديمة، فعلى سبيل المثال رفة العين اليسرى فأل حسن والعين اليمنى فأل غير حسن و(حكة) اليد اليسرى نتسلم بها نقوداً واليد اليمنى نعطي بها نقودا لشخص ما، و(الشركة) في الاكل او اثناء شرب الماء تأتيك (صوغة) اي هدية من قريب.
وتقول ام سحر: كثير من المعتقدات اعمل بها، فاذا ما صادفتني قطة سوداء وهي تعترض طريقي اؤجل العمل الذي اريد انجازه في ذلك اليوم، واذا ما نعق غراب اتشاءم منه وكذلك طائر(الططوة) واردد قولي (اللهم يجعل هذا اليوم خيرا) وعلى عكس هذه المخلوقات اجد في صوت الديك في الصباح واصوات العصافير والبلابل كلها مدعاة للتفاؤل والخير كذلك رؤية الطفل عندما(يكنس) البيت عشوائيا ودون سابق انذار والقطة وهي تقوم بتنظيف وجهها ووجود شيء غريب في قدح الشاي كلها دلائل على قدوم الضيوف!!.
ام خليل بائعة عطاريات في منطقة شعبية تتحدث عن موروثات قديمة من خلال المواد التي تبيعها، فالحرمل المخلوط بالنباتات المختلفة والملح يبعد حسد الحاسدين ويجلب الخير، والخل الذي نختم عليه بعض الآيات القرآنية يدفع الشر والسحر عن اهل البيت وغيرها من المعتقدات.
وتقول ام خليل: ان سلامة(النيات) عند البشر هي التي تؤتي بكل خير وهذه المواد هي مجرد نباتات تصدر عنها روائح طيبة تريح النفس لا اكثر، مع هذا اغلب زبائني هم من النسوة وقليل من الرجال لشراء البخور، لان المرأة بطبيعتها تحرص على طرد كل ما هو سيئ وشرير عن اسرتها وبيتها كي تحافظ عليه وهذا ما تعتقده.
العيون الزرق والخرز الأزرق
اللون الازرق له جاذبية امتصاص النظر والقدرة على اخذ الاعجاب من بين كل الالوان، ونلاحظ الكثير من النساء والرجال يتختمون بخاتم في ايديهم او يلبسونه على شكل (ايقونة) يعلقونها حول اعناقهم وكل هذا يجعلهم في راحة نفسية متصورين ان هذا اللون وتلك الاحجار الزرقاء اللون تحمل اليهم الخير وتبعد عنهم اعين الحسد والحاسدين.
ابو محمد: يتختم بخنصره بخاتم يحمل(خرزة) زرقاء ويقول: ان عمرها اكثر من خمسة وثلاثين عاما ورثتها عن ابي وابي ورثها عن جدي وهي تحمل بين تفاصيلها (عروقها) القدرة على طرد الحسد!!.
كيف يمكن لحجر بسيط ان تكون له القدرة الخفية؟
لقد جربتها في جذب عين الحاسد وابعاد انفاسه الحارقة قبل ان تصل لي ويؤكد ابو محمد عن تجربة شخصية: ان احدهم نظر اليه بعين حاسدة شطرت(فص) الخاتم الى نصفين!!.
تقول السيدة ام سيف: انا اعتقد ان المصادفات تلعب دورا في كثير ما نعتقد انها اشياء حقيقية ونصدقها وهي مجرد خرافات وموروثات قديمة ولكن في ذات الوقت نحرص على وجودها في حياتنا وهناك تجارب عن بعض الحالات التي لا نعرف لها تفسيرا مقنعا مثلا اصحاب العيون الرزق نتحاشاهم ونخاف نظرتهم، وبرغم جمالية اللون في اعينهم لكن امكانية الحسد لديهم مجربة، وهذا ما حصل معي عندما دهشت جارتي باشجار الظليات في منزلي وهي تقول آه كم هذا غريب ان تعيش داخل منزلك ظليات وبهذه الحيوية على عكس ما عندي فهي لا تعيش ابدا؟! ولم يمر يوم واحد الا واخذت الظليات بالذبول والاصفرار وانا في حالة من الاستغراب والتساؤل كيف ولماذا؟!.
زاير جمعة
السيد طالب البطاط يتحدث عن احد الاشخاص الذي كان يقطن في احدى مناطق الجنوب يقول: ذاع صيت الزاير جمعة وقدرته(الخارقة) في الحسد، وكثيرا ما كان الزاير يتفاخر بهذه المقدرة التي يعتبرها قوة مميزة لا يمتلكها كثيرون وراح صيته تتناقله المدينة ويتحاشى الناس عينيه، فاذا ما مر من مكان يهربون منه طلبا للنجاة من مكروه قد يصيبهم بسبب الحسد، ويقول السيد طالب مستذكرا حادثة لا ينساها، راهن الزاير جمعة على مقدرته في اسقاط طائر(الخضيري) فنظر الى الطائر واخذ شهيقاً عالياً وهو يقول (يا بوية ما بيه حيل يطير من اللحم) فما كان الا وسقط طائر من السماء الى الارض امام دهشتنا واستغرابنا!!.
يقول السيد طالب: اجد في الاعتقادات التي تلازمنا والتي ورثناها جيلا بعد جيل هي تحصيل حاصل لنتاجات المجتمع الذي نعيش داخله ولكن المبالغة احيانا تأتي عن جهل وعدم وعي وربما تكون حالات فردية كحالة زاير جمعة التي لا اجد لها تفسيرا كظاهرة غريية وفريدة.
(العزيزة) ومشاكل محتملة
الحاجة ام قاسم تتذكر تلك الممارسات التي كانت سائدة في المناطق القديمة من بغداد ويتمسك بها البعض فتقول: قد لا يعرف الكثيرون ما هي (العزيزة)؟! هي عظمة غضروفية يميل لونها الى الزرقة الخفيفة وهي تكون في(دفة) الخروف، وهناك من يعتقد انها اذا ما اخرجت ورميت بعيدا تجلب النحس والمشاكل.
وتستذكر الحاجة ام قاسم فتقول: كانت جارتي في محلتنا تأتي (بالعزيزة) وترمي بها قرب دارنا وتنتظر ان تفعل(العزيزة) المشاكل؟! كنت اضحك وانا اجد في تصرف جارتي عملاًَ ينم عن جهل وعدم الايمان والتصديق بالخرافات.
المناطق الشعبية أرض خصبة
للموروثات والمعتقدات القديمة
يتحدث الباحث هيثم عبد الرزاق صالح اختصاص تاريخ قديم عن ظواهر يعتقد بوجودها كثيرون او يؤمنون بوجودها قائلا: هناك من يعتقد بوجود ساعة نحس في يوم الجمعة، وهذا اعتقاد خاطئ ومرفوض على العكس ففي الساعة الاخيرة بعد عصر يوم الجمعة وكما ورد في احاديث نبوية كثيرة ان في هذه الساعة لا يسأل عبد ربه الا واستجاب له.
وهناك من يعلق التمائم والخرز وحدوة الحصان والاكف والسبع عيون وقرن الغزال والاحذية القديمة وغيرها في واجهة المنزل اعتقادا منه بطرد الشر والحسد وانها اي هذه الاشياء لها تأثير على ابعاد الحاسدين واعينهم والضرر عنهم.
واضاف الباحث قوله: اهل بغداد والقدماء درجوا على معتقد هو كسر اناء قديم فخاري عند باب الدار مع آخر يوم من شهر(صفر) الذي يسمونه شهر(النحس) وهو من الاشهر الحرم اعتقادا منهم ان عملهم هذا يذهب النحس مع الشهر دون رجعة. وكثيرا ما كنا نسمع انكسارات الاواني الفخارية عند بيوت البغداديين فضلا عن ان من يضحك كثيرا يتشاءم وهو يردد (اللهم اجعله خيراً) ظنا منه ان بعد هذا الفرح والتفاؤل بالضحك سيحصل مكروه او ما شابه.
كل هذا وغيره اصبح ارثا قديما ومعتقدات بالية والحضارة الجديدة ووعي الناس جعل منها امورا مضحكة عند الكثيرين ومجرد خرافات لا يمكن ان تمت للواقع والحقيقة بشيء.
اما الباحثة زينب جاسم الزيدي فتقول: تجدون في المناطق البسيطة والشعبية خزيناً من الحكايات والموروثات يحرص اهاليها على الاحتفاظ بها والعمل بها، وتجد لها صدى واسعاً بينهم ويحسنون الدعاية الكافية لها كي يخلقوا منها قصصا اقرب للحقيقة، ومن الممكن ايضا ان تجدوا في تلك الاحياء الفقيرة اكثر من امرأة(عرافة) لقراءة الطابع والكف والفنجان والتفسير لظواهر تقلق الناس البسطاء، وكل هذا هو ناتج عن سذاجة البعض والتصديق بما يسمعونه او توارثوه جيلا بعد آخر، لذا هم يبالغون في التمسك بكل هذا وهناك من يتخذ منها اساسيات في بعض الخطوات المهمة في حياته.
فعلى سبيل المثال:(العرضة) او ما نسميه بـ(العريضي) فمن الممكن تأجيل عمل مهم لسبب قد يعترض احدهم فيتشاءم ويقول لنؤجل هذا ليوم آخر(بيهه صالح)!! وحكايات اخرى عن(كصة عروس فلان) (ما بيهه خير) او بيت ابي فلان(عتبته) نحس، او ارتداء العروس لثوب الزفاف ورؤية العريس لها فأل غير جيد.
لذا هؤلاء الناس يؤمنون بهذه المعتقدات ويدرجونها تحت مسميات عديدة بـ(العريضي) وبيهه(صالح) وراح الشر عندما تكسر الاواني الزجاجية الى آخر المسميات.
واضافت الباحثة زينب لتقول: الرجل اقل تمسكاً بالخرافات والمعتقدات من المرأة وهذا له اساسياته المتعلقة بطبيعة المرأة ونشأتها في المجتمعات الشرقية، وتبقى هذه المعتقدات في حياة الناس حالة ينظرون اليها على انها جزء من صور قديمة واعتقادات مرت على ذاكرتهم ولكنها ليست بالضرورة ان تكون حقائق يصدقونها وهي بالنتيجة موروثات اجتماعية. منقول