أكوكاس (أكاكوس) حضارة ما قبل التاريخ
تعرف عصور ما قبل التاريخ بأنها الفترة الواقعة بين ظهور الانسان واكتشاف الكتابة. وتدل الحفريات على ان الانسان ظهر في ليبيا في الحقبة الاولى من البلاستوسين ، حيث مرت بالصحراء ظروف مناخية متقلبة جعلت من الصحراء القاحلة الآن، جنة خضراء، غنية بالبحيرات والأنهار ولمئات الآلاف من السنين. ثم أعقبت ذلك موجة من الجفاف امتدت كذلك آلافاً عديدة من السنين . لقد حدث هذا التعاقب خمس مرات خلال الحقبة المذكورة ( البلاستوسين) .
إن فترة الجفاف التي نعيشها الآن بدأت منذ حوالى عشرة آلاف عام، حيث بدأت الأنهار تنضب والبحيرات إما تنفق أو تهاجر.
وتستند معرفتنا عن العصر الحجري والقديم الأوسط ( 000. 35- 000. 50 ) في ليبيا ، على ما قدمته لنا بعض الحفريات المنهجية من معلومات وأدوات ترجع هذه الفترة ، وما عثر عليه، كان نتيجة لعمليات المسح الأولية ( ملتقطات سطحية). ويدل الظهور المبكر ووفرة الأدوات الحجرية الهلالية الدقيقة، وحجر الرحى في مناطق شاسعة من الصحراء الليبية العظيمة، على ان الزراعة بدأت قبل أن تبدأ موجة الجفاف الحديثة التي أدت إلى ظهور الصحراء بشكلها وصورتها التي نعهدها اليوم، كما أن الرسوم والنقوش على الصخور، تلك نطالعها في مناطق مختلفة من المنطقة الجنوبية ، تدلنا وبوضوح تام، على أن تربية الماشية كانت حرفة أساسية لبعض السكان في العصر الحجرى. إن مناطق جبال أكوكاس ووادي البرجوج وجبل العوينات والاودية الجافة الجنوبية للحمادة الحمراء هي من أهم مناطق فنون ما قبل التاريخ في ليبيا إذ أن هذه الرسوم وهذه اللوحات النقشية والمحفورة في الحجر تعكس عدة أساليب فنية ترجع إلى فترات زمنية متباينة وبدراسة هذه الأساليب الفنية ونوعية الألوان وطريقة النقش والأماكن التي تم رسمها أو نقشها تمكن العلماء المختصون من تعيين أدوار وتحديد أزمان هذه الفنون .
ومن اهم كهوف ما قبل التاريخ في ليبيا و الشمال الافريقي كهف هوا أفطيح الذي يعتبر أكبر كهف مكتشف حتى الأن في شمال أفريقيا، يقع هذا الكهف على مقربة من مدينة سوسة ولقد أسهم التسلسل الطبقي واللقى الآثرية التي أكتشفت فيه أسهاماً كبيراً في دفع معرفتنا بالتراث الإنساني، وقد تم التعرف على هذه الفترات التي تمتد إلى ثمانين ألف سنة
وتعتبر ليبيا مكانا واعدا في مجال السياحة بمختلف أنواعها لاسيما السياحة الصحراوية حيث أن أغلب السياح القادمين إليها لم يسبق وأن قدموا لهذه المناطق الصحراوية، رغم أنهم زاروا عدة بلدان مجاورة ولعدة مرات.
القادم إلى منطقة أكوكاس منطلقاً من مدينة العوينات، وبمجرد التوغّل لنحو ستين كيلومترا في القطاع الأوسط من سلسلة الجبال يفاجأ بصخرةً منتصبةًًًً أمامه يزيد ارتفاعها عن الخمسين متراً على شكل كائن بشري ذي جسم كبير ورأس متوسط الحجم، ولكن دون أطراف، أطلق عليها سكان الصحراء من الطوارق اسم “أضاد” وهو اسم أمازيغي يعني في العربية الإصبع، والمتأمل لهذه الصخرة يجدها قطعة فنية غايةً في الجمال قامت بنحتها الريح مستخدمة في ذلك حبات الرمل الصغيرة.
ومع الاستمرار في التوغّل في مسالك الصحراء والجبالُ تطل برؤوسها يميناً ويساراً ًيقع نظرك على رسوم نقشت على جدران بعض الجبال والكهوف يرجع تاريخها إلى عشرة آلاف سنة مضت، وهذه النقوش تجسّد الحياة اليومية لسكان هذه المناطق، فبعضها يصور رحلة لصيد حيوانات الماموت والأبقار الوحشية، والبعض الآخر يصوّر معارك طاحنة نشبت بين سكان تلك المناطق.
ومن الجدير بالذكر أنه وفي أحد هذه الكهوف عثرعلى أقدم مومياء محنطة بطريقة نزع الأحشاء، وهى لطفل يبلغ من العمر السنتين والنصف، والمرجح أنّه أسمر البشرة نظراً لتركيب جمجمته، وهذا الاكتشاف يرجع إلى خمسينات القرن الماضي، والمعروف عند علماء الآثار والمستحاثات أن طريقة التحنيط بنزع الأحشاء هي طريقة استخدمها الفراعنة في مصر القديمة.
وبدراسة بعض هؤلاء العلماء لهذه المومياء التي وجدت ملفوفة في قطعة من جلد الغزال، وجدوا أن عمر هذه المومياء يقارب 5500 سنة، أي أنها أقدم مومياء مكتشفة في إفريقيا وأقدم من أيّ مومياء مكتشفة في مصر بألف سنة، الأمر الذي جعلها مشهورة في الوسط العلمي العالمي، وأطلق عليها اسم “مون هجاج”، ومن يرغب في رؤية مومياء هذا الطفل فسوف يجده نائماً بسلام داخل مهد زجاجي في متحف السرايا الحمراء بمدينة طرابلس.
آثار خصب واخضرار
إن المتأمّل للرسوم الجدارية الموجودة على جدران كهوف وجبال أكوكاس يفاجئه وجود رسومات لأنهار ومراعٍ خصبة وحيوانات كثيرة، مثل الفيلة والجواميس الوحشية والزرافات، وهذه الحيوانات من المعروف عنها أنها تعيش في مناطق تكثر فيها المياه، بعكس ماهو موجود في هذه الأيام فالصحراء خاوية من أوجه الحياة، اللّهم إلا بعض النباتات والزواحف الصحراوية الموجودة هنا أو هناك مثل نبات الحنظل أو بعض العظاءات والأفاعي وبالتالي فإن بعض علماء الآثار يرجحون فرضية هجرة بعض القبائل التي كانت تسكن في تلك المناطق إلى وادي النيل، عندما أصيبت مناطقهم بجفاف كبير نجم عنه نفوق حيواناتهم وتلف محاصيلهم الزراعية، ومن هنا نقلوا أسلوب تحنيط الموتى معهم إلى وادي النيل وبالتحديد إلى منطقة النوبة الواقعة في جنوب مصر وشمال السودان.
عند الاتّجاه غرباً في محاذاة مرتفعات أكوكاس التي تظهر كما لو أنها جزر صغيرة في بحار من الرمال العظيمة يطالعنا أكبر قوس طبيعى في إفريقيا، وهو قوس “افازاجار” منتصباً في وسط الصحراء وكلما تعمّقنا داخل الصحراء زادت حيرتنا حتى نصل إلى مرتفعات وكهوف تاسيلى التي تعتبر امتداداً طبيعياً لجبال تدرات أكوكاس والموجودة تحديداً في الحدود الليبية الجزائرية، والرسوم الموجودة في هذه الكهوف تختلف بعض الشيء عن سابقاتها.
وقد اختلف العلماء في تفسيرها، فهى تظهر كائنات شبه بشرية تطير في السماء وبعضها يلبس ما يشبه الخوذات، وهناك أشكال غريبة تشبه السفن الفضائية، وصور لرجال ونساء يرتدين ملابس تشبه إلى حدّ كبير ملابس الزمن الحالي، الأمر الذي أربك العلماء، حيث لم يجدوا تفسيراً مقنعاً لذلك، فمنهم من قال إن هذا المكان ربما يكون لقارة اطلنتس المفقودة، ومنهم من قال إن هذه المنطقة ربما تعرّضت لغزو في فترة ما من قبل كائنات فضائية.
ويذكر أن هذه الكهوف تم اكتشافها في سنة 1938 من قبل الرحالة الإنجليزي بربيان، وأعيد اكتشافها في سنة 1956 على يد المستكشف وعالم الآثار هنري لوت، واستخدم علماء الآثار ما يعرف بالتحليل الذري والكربوني لتحديد عمر هذه الرسومات التي وجدوا أن عمرها يزيد عن العشرين ألف سنة وأطلقوا عليها تسمية لغز تاسيلى الكبير.
والمعروف أنّه في سنة 1973 صنفت منظمة الثقافة والعلوم اليونسكو التي تتبع الأمم المتحدة هذه المناطق ضمن الميراث الثقافي الإنساني.



























المفضلات