اخي الكريم سامر

التصوف سر بين الله وعبده لا يدركه ملك مقرب ولا نبي مرسل
وهو موجود في كل الاديان والمذاهب والمشارب بالنفس الرباني الأول

والمذاهب الصوفية اربعة سأذكر منها اشهرها وهما اثنان:

المذهب الأول: مذهب المعرفة ووسيلتها القلب وتعريفه ان الله تعالى لا يدرك بطريق الحواس ولا يدرك بطريقة العقل لان العقل عاجز عن ذلك انما يدرك بطريق الروح والقلب ومن هنا ظهر قولهم "فتش عن الله في قلبك فهناك عرشه"
والانسان عند اصحاب هذا الراي متى عرف حقيقة نفسه كأنه عرف الله تعالى (كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق ليعرفوني)
واصحاب هذا الرأي منفتحين متسامحين لا فرق عندهم بين دين ودين لأن الله تعالى رب الجميع وهو وحده يعلم ما في القلوب
ومن امثلتهم
إن سئل الصوفي ما طريق الخلاص من الشر؟
اجاب: الحب والحب موضعه القلب والقلب مصدر المعرفة

والمذهب الثاني: مذهب العقل وأن الله يمكن الوصول اليه بالعقل والتأمل والتفكير والفلسفة والحواس الظاهرة
وهذا المذهب جمع الكثير من الفلسفات الغريبة عن الاسلام واكبر دليل على ذلك اختلاف الناس في اشخاص كالحلاج وابن عربي وابن سبعين وعبد الكريم الجيلي والسهروردي فهم بين من رماهم بالزندقة والالحاد ومن قال عنهم انهم بلغو غاية الايمان ومن رماهم بالجهل ومن رماهم بالغش والخداع ومن احترمهم وأجلهم إلى حد التقديس

وإذا اخذنا السهروردي المقتول مثالا فلا يمكننا انكار تأثره بالفلسفة اليونانية وخاصة الفلسفة الافلاطونية الحديثة من جهة وديانات الفرس من جهة اخرى
فالمحوران التي تدور عليهما حكمة الاشراق مثلا هما النور والظلام ويرمز اليهما كما فعل الفرس الى الخير والشر كما يرمز الى العقول (بالانوار) والى الذات الالهية (بنور الانوار) والى الاجسام المظلمة (بالبرازخ) وهكذا كما في كتابيه حكمة الاشراق وهياكل النور

والخلاصة وحتى لا اطيل خلاصة مذهب السهروردي مبنى على نظرية الاشراق وهي نظرية يونانية قديمة وملخص التصوف عنده هو الذوق أو الشوق ثم تذوق الحقيقة العليا ثم الوصول الى النور الاسمى وهو الله تعالى

وأنا كنت من انصار المدرسة الثانية مدرسة الفكر والفلسفة وخاصة انني لا اجد نفسي ابدا في صوفية الدروشة فقرأت كل ما طالته يداي من كتب ابن عربي وابن سبعين والجيلي والسهروردي
ومن بين كل ما قرات توقفت بكل الحب والاعجاب أمام كتاب المواقف والمخاطبات للنفري, ولكن وبعد قراءات كثيرة وجدت نفسي تائها بين هذه الفلسفات والاراء المختلفة وتوقفت مع نفسي وقلت واذا استمريت على هذا الحال فلن اصل الى شيء
لذا فمنهجي الان هو الجمع بين المدرستين وتغليب الاولى على الثانية فهذا في رأيي هو افضل طريق
وخاصة بعد غلو الكثير ممن ينتمون للمدرستين فالمغالين من اتباع المدرسة الاولى ركنو الى الدروشة وجعلو التصوف مجرد خلوات وترديد للاوراد دون تطهير للنفس والقيام بباقي الشروط
والثانية بالغة في شطحاتها واخذها الكثير من الفلسفات دون غربلة

وما سبق اخي يجيب عن جوانب من سؤالك
فالتصوف هو وجهة نظر للمخلوقات وللانسان والكون والحياة وهذا هو السبب في اختلاف وتعدد تعريفاته وعدم وجود تعريف واضح له
اما اخواننا من الشيعة فقد اختارو العقل والفلسفة منهجا للوصول فغلب عليهم ذلك وهم كانو واضحين وارادو الاستقلال والتميز فسموه العرفان الشيعي وليس التصوف الشيعي وهذا امر جيد فتنوع الافكار مطلوب ويثرى التجربة
وهذا لا ينفي أبدا وجود تجربة روحية عندهم وليس عقلية فقط لكن لها خصوصيتها وتختلف عن التصوف بمفهمومه لدينا وهذا امر طبيعي لاختلاف المذهب والعقيدة والفكر والمشرب

لذا فرأيي ان من اراد سلوك التصوف فالتجربة الصوفية السنية تكفيه تماما فهي تجربه متراكمة ممتده منذ صدر الاسلام
والصوفي طريقه واضح يعلم جيدا ما يريد الوصول إليه ويعلم جيدا ما النهاية التي يريد الوصول إليها

والنهاية هي كما شرحها الامام الجنيد مرموزة مختصرة "هي الرجوع إلى البداية" وما أجمل هذا القول وأعمقه

وفقكم الله لكل خير