الصفحة : 34
ولهذا ما يكون الجسم الواحد يتخلخل ويتكاثف بالتسخين والتبريد، فيختلف مقدار جسميته. وجسميته التي ذكرناها لا تختلف ولا تتغير، فالجسم الطبيعي جوهر بهذه الصفة. وأما قولنا: الجسم التعليمي. فإما أن يقصد به صورة هذا من حيث هو محدد، مقدّر، مأخوذ في النفس، ليس في الوجود، أو يقصد به مقدار ما ذو اتصال أيضاً بهذه الصفة من حيث له اتصال محدود مقدر كان في نقش أو في مادة. فالجسم التعليمي كأنه عارض في ذاته لهذا الجسم الذي بيناه، والسطح نهايته، والخط نهاية نهايته. وسنوضح القول فيما بعد فيها، وننظر في أن الإتصال كيف يكون لها وكيف يكون للجسم الطبيعي. فنقول أولاً: إن منطباع الأجسام أن تنقسم ولا يكفي في إثبات ذلك المشاهدات؛ فإن لقائل أن يقول: إن الأجسام المشاهدة ليس شيء منها هو جسم واحد صرفاً، بل هي مؤلفة من أجسام، وإن الأجسام الوحدانية غير محسوسة، وأنها لا يمكن أن تنقسم بوجه من الوجوه. وقد تكلمنا على إبطال هذا بالبيانات الطبيعية، وخصوصاً على أسهل المذاهب نقضاً، وهو مذهب من خالف بينها بالأشكال. فإن قال قائل: إن طبائعها و أشكالها متشاكلة. فحينئذ يجب أن يبطل مذهبه ورأيه بما أقول. فنقول: إن جعل أصغر الأجسام لا قسمة فيه لا بالقوة ولا بالفعل حتى كان كالنقطة جملة، فإن ذلك الجسم يكون لا محالة حكمه حكم النقطة في امتناع تأليف الجسم المحسوس عنه، وإن لم يكن كذلك، بل كان في ذاته بحيث يمكن أن يفرد منه قسم عن قسم. لكنه ليس يطيع الفصل المفرق بين القسمين اللذين يمكن فرضهما فيه توهماً. فنقول: لا يخلو إما أن يكون حال ما بين القسم والقسم مخالفة لحال ما بين الجزء والجزء في أن الجزئين لا يلتحمان وأن القسمين لا يفترقان، أمراً لطبيعة الشيء وجوهره، أو من سبب من خارج الطبيعة والجوهر. فإن كان سبباً من خارج عن الطبيعة والجوهر فإما أن يكون سبباً يتقوم به الطبيعة والجوهر بالفعل كالصورة للمادة والمحل للعرض، أو سبباً لا يتقوم به. فإن كان سبباً لا يتقوم به فجائز من حيث الطبيعة والجوهر أن يكون بينهما إلتئام عن افتراق وافتراق عن إلتئام، فتكون هذه الطبيعة الجسمية باعتبار نفسها قابلة للإنقسام و إنا لا تنقسم بسبب من خارج. وهذا القدر يكفينا فيما نحن بسبيله. وأما إن كان ذلك السبب يقوم به كل واحد من الأجزاء إما تقوماً داخلاً في طبيعته وماهيته، أو تقوماً في وجوده بالفعل غير داخل في ماهيته مختلفاً فيه فيعرض أول ذلك أن هذه الأجسام مختلفة الجواهر.
الصفحة : 35
وهؤلاء لا يقولون به. وثانياً أن طبيعة الجسمية التي لها لا يكون مستحيلاً عليها ذلك وإنما يستحيل ذلك عليها من حيث صورة تنوعها، ونحن لا نمنع ذلك، ويجوز أن يقارن الجسمية شيء يجعل ذلك الجسم قائماً نوعاً لا يقبل القسمة ولا الإتصال بغيره؛ وهذا قولنا في الفلك. والذي يحتاج إليه ههنا هو أن تكون طبيعة الجسمية لا تمنع ذلك بما هي طبيعة الجسمية. فنقول أولاً: قد تحققنا أن الجسمية من حيث هي جسمية ليست غير قابلة للإنقسام، ففي كلطباع الجسمية أن تقبل الإنقسام. فيظهر من هذا أن صورة الجسم والأبعاد قائمة في شيء. وذلك أن هذه الأبعاد هي الإتصالات أنفسها أو شيء يعرض للإتصال، على ما سنحققها، وليست أشياء يعرض لها الإتصال. فإن لفظ الأبعاد إسم لنفس الكميات المتصل لا للأشياء التي تعرض لها الإتصال. والشيء الذي هو الإتصال نفسه أو المتصل بذاته فمستحيل أن يبقى هو بعينه، وقد يظل الإتصال. فكل إتصال بُعد إذا انفصل بطل ذلك البعد وحصل بعدان آخران. وكذلك إذا حصل إتصال، أعني الإتصال بالمعنى الذي هو فصل لا عروض، وقد بينا هذا في موضع آخر. فقد حدث بعد آخر وبطل كل واحد مما كان بخاصيته. ففي الأجسام إذن شيء موضوع للإتصال والإنفصال، ولما يعرض للإتصال من المقادير المحدودة. وأيضاً فإن الجسم من حيث هو جسم له صورة الجسمية، فهو شيء بالفعل؛ ومن حيث هو مستعد أي استعداد شئت فهو بالقوة؛ ولا يكون الشيء من حيث هو بالقوة شيئاً هو من حيث هو بالفعل شيئاً آخر، فتكون القوة للجسم لا من حيث له الفعل. فصورة الجسم تقارن شيئاً آخر غير له في أنه صورة، فيكون الجسم جوهراً مركباً من شيء عنه له القوة، ومن شيء عنه له الفعل. فالذي له به الفعل هو صورته، والذي عنه بالقوة هو مادته، وهو الهيولي. ولسائل أن يسأل ويقول: فالهيولي أيضاً مركبة، وذلك لأنها في نفسها هيولي وجوهر بالفعل، وهي مستعدة أيضاً. فنقول: إن جوهر الهيولي وكونها بالفعل هيولي ليس شيئاً آخر إلاّ أنه جوهر مستعد لكذا، والجوهرية التي لها تجعلها بالفعل شيئاً من الأشياء، بل تُعدها لأن تكون بالفعل شيئاً بالصورة. وليس معنى جوهريتها إلاّ أنها أمر ليس في موضوع. فالإثبات ههنا هو أنه أمر، وأما أنه ليس في موضوع فهو سلب، "وأنه أمر" ليس يلزم منه أن يكون شيئاً معيناً بالفعل لأن هذا عام، ولا يصير الشيء بالفعل شيئاً بالأمر العام ما لم يكون له فصل يخصه وفصله أنه مستعد لكل شيء، فصورته التي تظن له هي أنه مستعد قابل.
الصفحة : 36
فإذن ليس ههنا حقيقة للهيولي تكون بها بالفعل، وحقيقة أخرى بالقوة؛ إلاّ أن يطرأ عليه حقيقة من خارج، فيصير بذلك الفعل وتكون، في نفسها واعتبار وجود ذاتها، بالقوة. وهذخ الحقيقة هي الصورة. ونسبة الهيولي إلى هذين المعنيين أشبه بنسبة البسيط إلى ما هو جنس وفصل من نسبة المركب إلى ما هو هيولي وصورة. فقد بان من هذا أن صورة الجسمية من حيث هي صورة الجسمية محتاجة إلى مادة، ولأن طبيعة الصورة الجسمية في نفسها من حيث هي صورة جسمية لا تختلف. فإنها طبيعية واحدة بسيطة، ليس يجوز أن تتنوع بفصول تدخل عليها بما هي جسمية، فإن دخلتها فصول تكون أموراً تنضاف إليها من خارج، وتكون أيضاً إحدى الصور المقارنة للمادة، ولا يكون حكمها معها حكم الفصول الحقيقية. وبيان هذا هو أن الجسمية إذا خالفت جسمية الأخرى فيكون لأجل أن هذه حارة وتلك باردة، أو هذه لها طبيعة فلكية وتلك لها طبيعة أرضية. وليس هذا كالمقدار الذي ليس هو في نفسه شيئاً محصلاً ما لم يتنوع بأن يكون خطاً أو سطحاً أو جسماً، وكالعدد الذي هو ليس شيئاً محصلاً ما لم يتنوع أثنين أو ثلاثة أو أربعة. ثم إذا تحصل لا يكون تحصيله بأن ينضاف إليه شيء من خارج، وتكون الطبيعة الجنسية كالمقدارية أو العددية دونها طبيعة قائمة مشار إليها تنضاف إليها طبيعة أخرى فتتنوع بها؛ بل تكون طبيعة الإثنينية نفسها هي العددية التي تحمل على الإثنينية وتختص بها، والطولية نفسها هي المقدارية التي تحمل عليها وتختص بها. وأما ههنا فلا يكون كذلك، بل الجسمية إذا أضيف إليها صورة أخرى لا تكون تلك الصورة التي تظن فصلاً والجسمية باجتماعها جسمية، بل تكون الجسمية أحدهما متحصلة في نفسها متحققة. فإنا نعني ههنا بالجسمية التي كالصورة لا التي كالجنس، وقد عرفت الفرق بينهما في كتاب البرهان، وسيأتيك ههنا إيضاح وبيان لذلك. على أنك قد تحققت فيما تبين لك الفرق بينهما، ما كان كالمقدار يجوز أن تكون أنواعه تختلف بأمور لها في ذاتها؛ والمقدار المطلق لا يكون له في ذاته شيء منها، وذلك لأن المقدار المطلق لا تتحصل له ذات متقررة إلاّ أن تكون خطاً أو سطحاً، فإذا تحصل خطاً أو سطحاً جاز أن يكون للخط لذاته، مخالفة للسطح بفصل هو محصل لطبيعة المقدارية، خطاً أو سطحاً. وأما الجسمية التي نتكلم فيها فهي في نفسها طبيعة محصلة، ليس تحصل نوعيتها بشيء ينضم إليها، حتى لو توهمنا أنه لم ينضم إلى الجسمية معنى، بل كانت جسمية لم يكون متحصلاً في أنفسنا إلاّ مادة
الصفحة : 37
وإتصال فقط. وكذا إذا أثبتنا مع الإتصال شيئاً آخر فليس لأن الإتصال نفسه لا يتحصل لنا إلاّ بإضافته إليه وقرنه به، بل بحجج أخرى تبين أن الإتصال لا يوجد بالفعل وحده. فليس أن لا يوجد الشيء بالفعل موجوداً هو أن لا تتحصل طبيعته، فإن البياض والسواد كل شيء منهما متحصل الطبيعة معنى متخصصاً، أتم تخصيصه الذي هو في ذاته؛ ثم لا يجوز أن يوجد بالفعل إلاّ في مادة. وأما المقدار مطلقاً فيستحيل أن يتحصل طبيعة مشاراً إليها إلاّ أن يتحصل بالضرورة خطاً أو سطحاً، حتى يصير جائزاً أن يوجد، لا أن المقدار يجوز أن يوجد مقداراً، ثم يتبعه أن يكون خطاً أو سطحاً على سبيل أن ذلك شيء لا يوجد الأمر دونه بالفعل. وإن كان متحصل الذات، فإن هذا ليس كذلك، بل الجسمية تتصور أنها وجدت بالأسباب التي لها أن توجد بها وفيها وهي جسمية فقط بلا زيادة، والمقدار لا يتصور أنه وجد بالأسباب التي له أن يوجد بها وفيها وهو مقدار فقط بلا زيادة. فذلك المقدار لذاته يحتاج إلى فصول حتى يوجد شيئاً متحصلاً، وتلك الفصول ذاتيات له لا تحوجه إلى أن يصير لحصولها غير المقدار. فيجوز أن يكون مقداراً يخالف مقداراً في أمر له بالذات. وأما صورة الجسمية من حيث هي جسمية فهي طبيعة واحدة بسيطة محصلة لا اختلاف فيها، ولا تخالف مجرد صورة جسمية لمجرد صورة جسمية بفصل داخل في الجسمية، وما يلحقها إنما يلحقها على أنها شيء خارج عن طبيعتها. فلا يجوز إذن أن تكون جسمية محتاجة إلى مادة، وجسمية غير محتاجة إلى مادة. واللواحق الخارجية لا تغنيها عن الحاجة إلى المادة بوجه من الوجوه، لأن الحاجة إلى المادة إنما تكون للجسمية ولكل ذي مادة لأجل ذاته، وللجسمية من حيث هي جسمية لا من حيث هي جسمية مع لاحق. فقد بان أن الأجسام مؤلفة من مادة وصورة.
الفصل الثالث: (ج)
الصفحة : 38
فصل في أن المادة الجسمانية لا تتعرى عن الصورة.
ونقول الآن إن هذه المادة الجسمانية يستحيل أن توجد بالفعل متعرية عن الصورة. ومما يوضح ذلك بسرعة أنا بينا أن كل وجود يوجد فيه شيء بالفعل محصل قائم، وأيضاً استعداد لقبول شيء آخر، فذلك الوجود مركب من مادة وصورة، والمادة الأخيرة غير مركبة من مادة وصورة. وأيضاً إنها فارقت الصورة الجسمية فلا يخلو إما أن يكون لها وضع وحيز في الوجود الذي لها حينئذ، أو لا يكون، فإن كان لها وضع وحيز وكان يمكن أن تنقسم فهي لا محالة ذات مقدار وقد فرض لا مقدار لها، وإن لم يمكن أن تنقسم ولها وضع فهي لا محالة نقطة ويمكن أن ينتهي إليها خط، ولا يجوز أن تكون مفردة الذات منحازة، على ما علمت في مواضع. وأنا إن كان هذا الجوهر لا ضع له ولا إليه إشارة، بل هو كالجواهر المعقولة، لم يخل إما أن يحل فيه البُعد المحصل بأسره دفعة، أو يتحرك هو إلى كمال مقداره تحركاً على الإتصال. فإن حل فيه المقدار دفعة وحصل لا محالة مع تقدره في حيز مخصوص فيكون قد صادفه المقدار مختصاً بحيز، وإلاّ لم يكن حيز أولى به من حيز، فقد صادفه المقدار حيث انضاف إليه، فيكون لا محالة قد صادفه وهو في الحيز الذي هو فيه، فيكون ذلك الجوهر متحيزاً، إلاّ أنه عساه أة لا يكون محسوساً، وقد قد فرض غير متحيز البتة، هذا خلف. ولا يجوز أن يكون التحيز قد حصل له دفعة من قبول المقدار، لأن المقدار إن وافاه وليس هو في حيز كان المقدار يقترن به لا في حيز، ولم يكن يوافيه في حيز مخصوص من الأحياز المختلفة المحتملة له، فيكون حينئذ لا حيز له، وهذا محال؛ أو يكون في كل حيز يمكن أن يكون له لا يخصصه ببعضه، وهذا أيضاً محال. وهذا يظهر ظهوراً أكثر في توهمنا الهيولي مدرة ما قد تجردت ثم حصل حصل فيها صورة تلك المدرة، فلا يجوز أن تحصل فيها وليست في حيز، ولا يجوز أن تكون تلك المدرة تحصل في كل حيز هو بالقوة حيز طبيعي للمدرة، فإن المدرية لا تجعلها شاغلة لكل حيز لنوعها، ولا تجعلها أولى بجهة من حيزها دون جهة، ولا يجوز أن توجد إلاّ في جهة مخصوصة من جملة كلية الحيز، ولا يجوز أن تتحصل في جهة مخصوصة، ولا مخصص له بها من الأحوال. إذ ليس إلاّ اقتران صورة بمادة، وذلك مشترك الإحتمال للحصول في أي جهة كانت من الجهات الطبيعية لأجزاء الأرض. وقد علمت أن مثل هذا الحصول في جهة من الحيز إنما يكون فيما يكون بسبب وقوعه بالقرب منه بقسر قاسر خصص ذلك القرب باتجاهه إلى ذلك المكان بعينه بالحركة المستقيمة أو حدوثه في الإبتداء هناك. وبذلك القرب
الصفحة : 39
أو وقوعه فيه بنقل ناقل لذلك تخصص، وقد أشبع لك الكلام في هذا. فالهيولي التي للمدرة لا تختص بعد التجريد، لم ليس صورة للمدرية بجهة إلاّ أن يكون لها مناسبة مع تلك الجهة لتلك المناسبة لا ليس لكونها هيولي أولاً؛ ولا لنفس إكتسابها بالصورة ثانياً تخصصت بها؛ وتلك المناسبة وضع ما. وكذلك إن كان قبوله المقدار بكمله لا دفعة، بل هو على انبساط، وعلى أن كل ما من شأنه أن ينبسط، فله جهات، وكل ما له جهات فهو ذو وضع فيكون ذلك الجوهر ذا وضع وحيز، وقيل لا وضع له ولا حيز، وهذا خلف. والذي أوجب هذا كله فَرضُنا أنه يفارق الصورة الجسمية، فيمتنع أن يوجد بالفعل إلاّ متقوماً بالصورة الجسمية، وكيف تكون ذاتٌ لا حيز لها في القوة ولا في الفعل تقبل الكم؟ فتبين أن المادة لا تبقى مفارقة. وأيضاً فإنها لا تخلو إما أن يكون وجودها وجود قابل، فيكون دائماً قابلاً لشيء لا يعرى عن قبوله لها، وإما أن يكون لها وجود خاص متقوم، ثم يلحق به أن يقبل بوجودها الخاص المتقوم غير ذي كم وغير ذي حيز، فيكون المقدار الجسماني هو الذي عرض له وصير ذاته بحيث له بالقوة أجزاء بعد ما آن لذاته أن تقوّم جوهراً في نفسه غير ذي حيز ولا كمية ولا قبول قسمة. فإن كان قبوله الخاص الذي يتقوم به لا يبقى عند التكثر أصلاً، فيكون ما هو متقوم بأنه لا حيز له، ولا ينقسم بالوهم، والعرض يعرض له أن يبطل عنه ما يتقوم به الفعل لورود عارض عليه، وإن كانت تلك الوحدانية لا لما تقوّم به الهيولي؛ بل لأمر آخر. ويكون ما فرضناه وجوداً خاصاً به يتقوم، فيكون حينئذ للمادة صورة عارضة بها تكون واحدة بالقوة والفعل، وصورة أخرى عارضة بها تكون تكون غير واحدة بالقوة والفعل. فيكون بين الأمرين شيء مشترك، هو قابل للأمرين، من شأنه أن يصير مرة وليس في قوته أن ينقسم ومرة أخرى وفي قوته أن ينقسم أعني القوة القريبة التي لا واسطة لها. فلنفرض الآن هذا الجوهر وقد صار بالفعل اثنين، وكل واحد منهما بالعدد غير الآخر، وحكمه أنه يفارق الصورة الجسمانية، فليفارق كل واحد منهما الصورة الجسمانية، فيبقى كل واحد منهما جوهراً واحداً بالقوة والفعل. ولنفرضه بعينه أنه لم ينقسم إلاّ أنه أزيل عنه الصورة الجسمانية حتى يبقى جوهراً واحداً بالقوة والفعل، فلا يخلو إما أن يكون بعينه هذا الذي يبقى جوهراً وهو غير جسم، هو بعينه مثل الذي هو كجزئه الذي بقي كذلك مجرداً أو يخالفه؛ فإم خالفه فلا يخلو إما أن يكون لأن هذا بقي وذلك
الصفحة : 40
عُدم، أو بالعكس، أو يكون كلاهما قد بقيا - ولكن تختص بهذا كيفية أو صورة لا توجد إلاّ لذلك - أو يختلفان بالتفاوت بعد الإتفاق في المقدار أو الكيفية أو غير ذلك. فإن بقي أحدهما وعُدم الآخر، والطبيعة واحدة، متشابهة، وإنما أعدَم أحدهما رَفعُ الصورة الجسمانية فيجب أن يعدم الآخر ذلك بعينه. وإن اختص بهذا كيفية، والطبيعة واحدة ولم تحدث حالة إلاّ مفارقة للصورة الجسمانية، ولم يحدث مع هذه حالة إلاّ ما يلزم هذه الحالة، فيجب أن يكون حال الآخر كذلك. فإن قيل: إن الأولين وهما اثنان متحدان فيصيران واحداً؛ فنقول: ومحال أن يتحد جوهران، لأنهما إن اتحدا وكل منهما موجود فهما اثنان لا واحد، وإن اتحدا وأحدهما معدوم والآخر موجود فالمعدوم كيف يتحد بالموجود؟ وإن عدما جميعاً باالإتحاد وحدث شيء ثالث منهما فهما غير متحدين بل فاسدين، وبينهما وبين الثالث مادة مشتركة، وكلامنا في نفس المادة لا في شيء ذي مادة. وأما إن إختلفا بالتفاوت في المقدار أو غير ذلك، فيجب أن يكونا وليس لهما صورة جسمانية ولهما صورة مقدارية، وهذا خلف. وأما إن لا يختلفا بوجه من الوجوه، فيكون حينئذ حكم الشيء لو لم ينفصل عنه ما هو غيره، هو حكمه بعينه وقد انفصل عنه غيره، وحكمه مع غيره وحكمه وحده ومن كل جهة حكماً واحداً، هذا خلف. أعني أن يكون حكم بعض الموضوع وحكم كله واحداً من كل جهة، أعني أن يكون لو كان الشيء لن ينقص بأن يؤخذ منه شيء كما إذا أخذ منه شيء، وحكمه ولم يضف إليه شيء حكمه وقد أضيف إليه شيء. وبالجملة كل شيء يجوز في وقت من الأوقات أن يصير اثنين، ففي طباع ذاته استعداد للإنقسام لا يجوز أن يفارقه، وربما يمتنع عنه بعارض غير استعداد الذات، وذلك الاستعداد محال إلاّ بمقارنة المقدار للذات. فبقي أن المادة لا تتعرى عن الصورة الجسمية. ولأن هذا الجوهر إنما صار كمّاً بمقدار حله،فليس بكم ذاته، فليس يجب أن تختص ذاته بقبول قطر بعينه دون قطر وقدر دون قدر، وإن كانت الصورة الجسمية واحدة ونسبة ما هو غير مجتزئ ولا مكمّم في ذاته، بل إنما يتجزأ ويتكمم بغيره إلى أي مقدار يجوز وجوده نسبة واحدة، وإلاّ فله مقدار في ذاته يطابق ما يساويه دون ما يفضل عليه. فبين من هذا أنه يمكن أن تصغر المادة بالتكاثف وتكبر بالتخلخل، وهذا محسوس بل يجب أن يكون
الصفحة : 41
تعين المقدار عليها بسبب يقتضي في الوجود ذلك المقدار. وذلك لسبب لايخلو إما أن يكون أحد الصور والأعراض التي تكون في المادة، أو سبباً من خارج. فإن كان سبباً من خارج فإما أن يفيد ذلك المقدار المقدر بتوسط أمر آخر أو بسبب استعداد خاص. فيكون حكم هذا وحكم القسم الأول واحداً يرجع إلى أن الأجسام لإختلاف أحوالها تختلف مقاديرها. وإما أن لا تكون الإفادة بسبب ذلك وبتوسطه، فتكون الأجسام متساوية الإستحقاق للكم ومتساوية الأحجام، وهذا كاذب. ومع ذلك أيضاً فليس يجب أن يصدر عن ذلك السبب حجم بعينه دون حجم إلاّ لأمر، وأعني بذلك الأمر شرطاً ينضاف إلى المادة به تستحق المقدار المعين لا لنفس كونها مادة ولا أيضاً لكونها مادة لها مصور بالكمية، بل يكون للمادة شيء لأجله تستحق أن يصورها المصور بذلك الحجم والكمية. ويجوز أن تختلف بالنوع مطلقاً، ويجوز أن تختلف بالأشد والأضعف ليس بالنوع مطلقاً، وإن كان الأشد والأضعف قد يقارب الإختلاف في النوع، لكن بين الإختلاف بالنوع مطلقاً وبين الإختلاف بالأشد والأضعف مخالفة معلومة عند المعتبرين فقد علم ان الهيولي قد تتهيأ بعينها لمقادير مختلفة وهذا أيضاً مبدأ للطبيعيات. وأيضاً فإن كل جسم يختص لا محالة بحيز من الأحياز، و ليس له الحيز الخاص به بما هو جسم، وإلاّ لكان كل جسم كذلك، فهو إذن لا محالة مختص به لصورة ما في ذاته، وهذا بين. فإنه إما أن يكون غير قابل للتشكيلات والتفصيلات فيكون بصورة ما صار كذلك لأنه بما هو جسم قابل له، وإما أن يكون قابلاً لها بسهولة أو بعسر. وكيف ما كان، فهو على إحدى الصور المذكورة في الطبيعيات. فإذن المادة الجسمية لا توجد مفارقة للصورة. فالمادة إذن إنما تتقوم بالفعل بالصورة، فإذن المادة إذا جردت في التوهم، فقد فعل بها ما لا يثبت معه في الوجود.
الفصل الرابع: (د)
الصفحة : 42
فصل في تقديم الصورة على المادة في مرتبة الوجود.
فقد صح أن المادة الجسمانية إنما تقوم بالفعل عند وجود الصورة، وأيضاً فإن الصورة المادية ليست توجد مفارقة للمادة. فلا يخلو إما أن تكون بينهما علاقة المضاف فلا تعقل ماهية كل واحد منهما إلاّ مقولة بالقياس إلى الآخر. وليس كذلك، فإنا نعقل كثيرأ من الصورة الجسمانية، ونحتاج إلى تكلف شديد حتى نثبت أن لها مادة، وكذلك هذه المادة نعقلها الجوهر المستعد، ولا نعلم من ذلك أن ما تستعد له يجب أن يكون فيه منه شيء بالفعل إلاّ يبحث وينظر. نعم هي من حيث هي مستعدة مضافة إلى مستعد له وبينهما علاقة الإضافة، لكن كلامنا في مقايسة ما بين ذاتيهما دون ما يعرض لهما من إضافة أو يلزمهما، وقد عرفت كيف هذا. وأيضاً فإن كلامنا في الحال بين المادة وبين الصورة من حيث هي موجودة. والإستعداد لا يوجب علاقة مع شيء هو موجود لا محالة، وإن كان يجوز ذلك فلا يخلو إما أن تكون العلاقة بينهما علاقة ما بين العلة والمعلول، وإما أن تكون العلاقة بينهما علاقة أمرين متكافئي الوجود ليس أحدهما علة ولا معلولاً للآخر، ولكن لا يوجد أحدهما إلاّ والآخر يوجد. وكل شيئين ليس أحدهما علة للآخر ولا معلولاً له ثم بينهما هذه العلاقة فلا يجوز أن يكون رفع أحدهما علة لرفع علة الآخر من حيث هو ذات، بل يكون أمراً معه، أعني يكون رفعاً لا يخلو عن أن يكون مع رفع، لا رفعاً موجب رفع، إن كان ولا بد. وقد عرفت الفرق بين الوجهين، فقد عرفت أن الشيء الذي رفعه علتة لرفع شيء آخر فهو علته، فقد بان هذا لك قبل في مواضع على التفصيل وسيزداد إيضاحاً في خلل ما نفهمه. وأما الآن فقد علمت، ههنا، أنه فرق بين أن يقال في الشيء: إن رفعه علة لرفع شيء؛ وبين أن يقال: لا بد من أن يكون مع رفعه رفع شيء. فإن كان ليس رفع أحد هذين الشيئين المذكورين علة لرفع الآخر، بل لا بد من أن يكون مع رفعه إرتفاع الآخر، فلا يخلو إما أن يكون رفع المرفوع منهما يوجب رفع شيء ثالث غيرهما، أو يجب عن رفع شيء ثالث، حتى أنه لولا رفع عَرض لذلك الثالث لم يمكن رفع هذا، أو لا يكون شيء من ذلك. فإن لم يمكن، بل كان ليس يرتفع هذا إلاّ مع ذلك، وذلك إلاّ مع هذا من غير سبب ثالث غير طبيعتهما، فطبيعة كل واحد منهما متعلقة في الوجود، بالفعل، بالآخر. فإما أن يكون ذلك لماهيتهما فتكون مضافة، وقد بان أنها ليست مضافة؛ وإما أن يكون في وجودهما. وبين أن مثل هذا لا يكون واجب الوجود فيكون في ماهيته ممكن الوجود، لكنه يصير بغيره واجب الوجود
الصفحة : 43
فلا يجوز البتة أن يصير واجب الوجود بذلك الآخر؛ فقد بينا هذا. فيجب أن يصير واجب الوجود هو وصاحبه معه في آخر الأمر، إذا ارتقينا إلى العلل بشيء ثالث، ويكون ذلك الشيء الثالث، من حيث هو علة بالفعل لوجوب أحدهما، لا يصح رفع أحدهما إلاّ برفع كونه علة بالفعل. فيكون هذان إنما يرتفعان برفع سبب ثالث، وقد قلنا ليس كذلك، هذا خلف. فقد بطل هذا، وبقي الحق أحد القسمين الآخرين. فإن كان رفعهما بسبب رفع شيء ثالث حتى يكونا هما معلولاه، فلننظر كيف يمكن أن تكون ذات كل واحد منهما تتعلق بمقارنة ذات الآخر. فإنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد منهما يجب وجوده من العلة بواسطة صاحبه، فيكون كل واحد منهما هو العلة القريبة لوجوب وجود صاحبه، وهذا محال، فقد بان أن هذا مستحيل فيما سلف من أقاويلنا؛ وإما أن يكون أحدهما بعينه أقرب إلى هذا الثالث، فيصير هو العلة الواسطة، والثاني هو المعلول، ويكون الحق هو القسم الذي قلنا: إن العلاقة بينهما علاقة يكون بها أحدهما علة الآخر والآخر معلولاً. فأما إن كان رفع أحدهما يوجب رفع ثالث يجب عن رفعه رفع الثاني منهما، فقد صار أحدهما علة العلة، وعلة العلة علة. والأمر يتقرر في آخره على أن يكون أحدهما معلولاً والآخر علة. فلننظر الآن أيهما ينبغي أن تكون العلة منهما. فأما المادة فلا يجوز أن تكون هي العلة لوجود الصورة، أما أولاً: فلأن المادة إنما هي مادة، لأن لها قوة القبول والاستعداد، والمستعد بما هو مستعد لا يكون سبباً لوجود ما هو مستعد له، ولو كان سبباً لوجب أن يوجد ذلك دائماً له من غير استعداد. وأما ثانياً: فإنه من المستحيل أن تكون ذات الشيء سبباً لشيء بالفعل وهو بعد بالقوة؛ بل يجب أن تكون ذاته قد صارت بالفعل، ثم صار سبباً لشيء آخر، سواء كان هذا التقدم بالزمان أو بالذات، أعني ولو لم يكن البتة موجوداً إلاّ وهو سبب للثاني، وإلاّ أن يقوم به الثاني بالذات، ولذلك يكون متقدماً بالذات. وسواء كان ما هو سبب له يقارن ذاته أو يكون مفارقاً ذاته، فإنه يجوز أن يكون بعض أسباب وجود الشيء إنما يكون عنه وجود شيء يكون مقارناً لذاته، وبعض أسباب وجود الشيء إنما يكون عنه وجود شيء مباين لذاته، فإن العقل ليس ينقبض عن تجويز هذا. ثم البحث يوجب وجود القسمين جميعاً، فإن كانت المادة سبباً للصورة فيجب أن تكون لها ذات بالفعل أقدم من الصورة، وقد منعنا هذا منعاً ليس بناؤه على أن ذاته لا يمكن أن يوجد إلاّ ملتزماً لمقارنة الصورة؛ بل على أن ذاته يستحيل وجودها أن يكون بالفعل إلاّ بالصورة؛ وبين الأمرين فرق. وأما ثالثاً فإنه إذا كانت المادة هي العلة القريبة للصورة، والمادة لا اختلاف لها في ذاتها، وما يلزم عن
الصفحة : 44
الشيء الذي لا اختلاف فيه لا اختلاف فيه البتة، فكان يجب أن تكون الصورة المادية لا اختلاف فيها. فإن كان اختلافها لأمور تختلف من أحوال للمادة، فتكون تلك الأمور هي الصور الأولى في المادة، ويعود الكلام بأصله جذعاً. فإن كان علة وجود هذه الصور المختلفة المادة وشيء آخر مع المادة ليس في المادة، حتى لا تكون المادة وحدها هي العلة القريبة، بل المادة وشيء آخر فيكون ذلك الشيء الآخر والمادة إذا اجتمعا جميعاً حصل صورة ما معينة في المادة. وإن كان شيء غير ذلك الآخر واجتمع مع المادة حصلت صورة غير تلك الصورة المعينة، فتكون المادة في الحقيقة لها قبول الصورة. وأما خاصية كل صورة فإنما تكون عن تلك العلل. وإنما تكون كل صورة هي هي بخاصيتها فتكون علة وجود كل صورة بخاصيتها هي الشيء الخارج، ولا يكون للمادة في تلك الخاصية صنع، وإنما كانت تلك الصورة موجودة وجودها بتلك الخاصية، فيكون لا صنع للمادة في خصوصية وجود كل صورة، إلاّ أنها لا بد منها في أن توجد لصورة فيها، وهذه خاصية العلة القابلية، فيبقى لها القبول فقط. فقد بطل أن تكون المادة علة للصورة بوجه من الوجوه. وقد بقي أن تكون الصورة وحدها هي التي بها يجب وجود المادة. فلننظر هل يمكن أن تكون الصورة وحدها هي التي بها يجب وجود المادة. فنقول: أما الصورة التي لا تفارقها مادتها فذلك جائز فيها، وأما الصورة التي تفارق المادة، وتبقى المادة موجودة بصورة أخرى، فلا يجوز ذلك فيها. وذلك لأن هذه الصورة، لو كانت وحدها لذاتها علة، لكانت المادة تعدم بعد عدمها، وتكون للصورة المستأنفة مادة أخرى توجد عنها، ولكانت تلك المادة حادثة، ولكان يحتاج لها إلى مادة أخرى. فيجب إذن أن تكون علة وجود المادة شيئاً مع الصورة، حتى تكون المادة إنما يفيض وجودها عن ذلك الشيء. لكن يستحيل أن يكمل فيضانه عنه بلا صورة البتة، بل إنما يتم الأمر بهما جميعاً. فيكون تعلق المادة في وجودها بذلك الشيء وبصورة كيف كانت تصدر عنه فيها، فلا تعدم بعدم الصورة، إذ الصورة لا تفارقها إلاّ لصورة أخرى تفعل مع العلة - التي عنها مبدأ وجود المادة - ما كانت تفعله الصورة الأولى. فيما أن هذا الثاني يشارك الأول في أنه صورة، يشاركه في أنه يعاونه على إقامة هذه المادة، وبما يخالفه يجعل المادة بالفعل جوهراً غير الجوهر الذي كان يفعله الأول. فكثير من الأمور الموجودة إنما تتم بوجود شيئين، فإن الإضاءة والإنارة إنما تحصل بسبب مضيء، ومن كيفية لا بعينها تجعل الجسم منير قابلاً لأن ينفذ فيه الشعاع ولا ينعكس ثم تكون تلك الكيفية تقيم الشعاع على خاصية غير الخاصية التي تقيمه كيفية أخرى من الألوان.
الصفحة : 45
ويجب أن لا تناقش فيما لَفَظنا به من نفوذ الشعاع و انعكاسه، بعد أنك بالغرض بصير. ولا يبعد - إذا تأملت - أن تجد لهذا أمثلة أشد موافقة ولا يضرك أن لا تجد أيضاً مثالاً، فإنه ليس يجب أن يكون لكل شيء مثال. ولقائل أن يقول: إنه إن كان تعلق المادة بذلك الشيء وبصورة فيكون مجموعهما كالعلة له، وإذا أبطلت الصورة بطل هذا المجموع الذي هو العلة، فوجب أن يبطل المعلول. فنقول: إنه ليس تعلق المادة بذلك الشيء وبالصورة، من حيث الصورة صورة معينة بالنوع، بل من حيث هي صورة. وهذا المجموع ليس يبطل البتة، فإنه يكون دائماً موجوداً ذلك الشيء، والصورة من حيث هي صورة، فيكون لو لم يكن ذلك الشيء لم تكن المادة؛ ولو لم تكن الصورة من حيث هي صورة لم تكن المادة. ولو أبطلت الصورة الأولى لا بسبب تعقب الثاني لكان يكون ذلك الشيء المفارق وحده، ولا يكون الشيء الذي هو الصورة من حيث هو صورة. فكان يستحيل أن يفيض من ذلك الشيء وجود المادة، إذ هو وحده بلا شريك أو شريطة. ولقائل أن يقول: إن مجموع ذلك: العلة والصورة ليس واحداً بالعدد، بل واحد بمعنى عام، والواحد بالمعنى العام لا يكون علة للواحد بالعدد، ولمثل طبيعة المادة فإنها واحدة بالعدد. فنقول: إنا لا نمنع أن يكون الواحد بالمعنى العام المستحفظ وحده عمومه بواحد العدد علة الواحد بالعدد؛ وههنا كذلك، فإن الواحد بالنوع - مستحفظ بواحد العدد - هو المفارق. فيكون ذلك الشيء يوجب المادة، ولا يتم إيجابها إلاّ بأحد أمور تقارنه، أيها كانت. وأما هذا الشيء فستعلمه بعد. فالصور إما صور لا تفارقها المادة، وإما صور تفارقها المادة ولا تخلو المادة عن مثلها. فالصور التي تفارق المادة إلى عاقب، فإن معقبها فيها يستبقيها بتعقيب تلك الصورة، فتكون الصورة من وجه واسطة بين المادة المستبقاة وبين مستبقيها، والواسطة في التقويم، فإنه أولاً يتقوم ذاته، ثم يقوم به غيره أولية بالذات، وهي العلة القريبة من المستبقى في البقاء. فإن كانت تقوم بالعلة المبقية للمادة بواسطتها، فالقوام لها من الأوائل أولاً، ثم للمادة؛ وإن كانت قائمة لا بتلك العلة، بل بنفسها، ثم تقام المادة بها فذلك أظهر فيها. وأما الصور التي لا تفارقها المادة فلا يجوز أن تجعل معلولة للمادة حتى تكون المادة تقتضيها وتوجبها بنفسها، فتكون موجبة لوجود ما تستكمل به، فتكون من حيث تستكمل به قابلة، ومن حيث توجبه موجدة، فتكون توجب وجود شيء في نفسها تتصور به. لكن الشيء من حيث هو قابل، غيره من حيث
الصفحة : 46
هو موجب. فتكون المادة ذات أمرين: بأحدهما تستعد، وبالآخر يوجد عنها شيء. فيكون المستعد منهما هو جوهر المادة، وذلك الآخر أمراً زائداً على كونه مادة تقارنه وتوجب فيه أثراً كالطبيعة للحركة في المادة، فيكون ذلك الشيء هو الصورة الأولى، ويعود الكلام جذعاً. فإذن الصورة أقدم من الهيولي، ولا يجوز أن يقال إن الصورة بنفسها موجودة بالقوة دائماً، وإنما تصير بالفعل بالمادة، لأن جوهر الصورة هو الفعل. وأما طبيعة ما بالقوة فإن محلها المادة، فتكون المادة هي التي يصلح فيها أن يقال لها أنها في نفسها بالقوة تكون موجودة، وأنها بالفعل بالصورة، والصورة وإن كانت لا تفارق الهيولي فليست تتقوم بالهيولي، بل بالعلة المفيدة إياها الهيولي وكيف تتقوم الصورة بالهيولي وقد بينا أنها علتها؟ والعلة لا تتقوم بالمعلول، ولا شيئان اثنان يتقوم أحدهما بالآخر بأن كل واحد منهما يفيد الآخر وجوده. فقد بان استحالة هذا، وتبين لك الفرق بين الذي يتقوم به الشيء وبين الذي لا يفارقه. فالصورة لا توجد إلاّ في الهيولي، لا أن علة وجودها الهيولي، أو كونها في الهيولي. كما أن العلة لا توجد إلاّ مع المعلول، لا أن وجود العلة هو المعلول أو كونه مع المعلول؛ كما أن العلة إذا كانت علة بالفعل لزم عنها المعلول وأن تكون معها، كذلك الصورة إذا كانت صورة موجودة يلزم عنها أن تقوّم شيئاً؛ ذلك الشيء مقارن لذاتها. فكأن ما يقوّم شيئاً بالفعل، ويفيده الوجود، منه ما يفيده وهو مباين، ومنه ما يفيده وهو ملاق وإن لم يكن جزء منه مثل الجوهر للأعراض التي يلحقها أو يلزمها، والمزاجات. وبين بهذا أن كل صورة توجد في مادة مجسمة، فبعلة ما توجد؛ أما الحادثة فذلك ظاهر فيها، وأما الملازمة للمادة فلأن الهيولي الجسمانية إنما خصصت بها لعلة. وسنبين هذا أظهر في مواضع أخرى.
الصفحة : 47
المقالة الثالثة
وفيها عشر فصول
الفصل الأول: (أ)
فصل حال المقولات التسع في الإشارة إلى ما ينبغي أن يبحث عنه من حال المقولات التسع وفي عرضيتها.
فنقول: قد بينا ماهية الجوهر، وبينا أنها مقولة عن المفارق، وعلى الجسم، وعلى المادة، والصورة. فأما الجسم فإثباته مستغنى عنه، وأما المادة والصورة فقد أثبتناهما، وأما المفارق فقد أثبتناه بالقوة القريبة من الفعل، ونحن مثبتوه من بعد. وعلى أنك إن تذكرت ما قلناه في النفس، صحَّ لك وجود جوهر مفارق غير جسم، فبالحري أن تنتقل الآن إلى تحقيق الأعراض وإثباتها. فنقول: أما المقولات العشرة فقد تفهمت ماهياتها في افتتاح المنطق. ثم لا يشك في أن المضاف من جملتها - من حيث هو مضاف - أمر عارض لشيء ضرورةً. وكذلك النسب التي هي في "أين" و"متى" وفي "الوضع" وفي "الفعل" و"الإنفعال" فإنها أحوال عارضة لأشياء هي فيها، كالموجود في الموضوع. اللهم إلاّ أن يقول قائل: إن الفعل ليس كذلك، فإن وجود الفعل ليس في الفاعل، بل في المفعول. فإن قال ذلك، وسلم له، فليس يضر فيما ترومه من أن الفعل موجود في شيء وجوده في الموضوع، وإن كان ليس في الفاعل. فبقي من المقولات ما يقع فيه اشكال، وأنه هل هو عرض أو ليس بعرض، مقولتان: مقولة الكم، ومقولة الكيف. أما مقولة الكم، فكثير من الناس رأى أن يجعل الخط والسطح والمقدار الجسماني من الجوهر، وأن لا يقتصر على ذلك، بل يجعل هذه الأشياء مبادئ الجواهر. وبعضهم رأى ذلك في الكميات المنفصلة، أي الأعداد، وجعلها مبادىء الجواهر. وأما الكيف فقد رأى آخرون من الطبيعيين أنها ليست محمولة البتة، بل اللون جوهر بنفسه، والطعم جوهر آخر، والرائحة جوهر آخر، وأن من هذه قوام الجواهر المحسوسة، وأكثر أصحاب الكمون ذاهبون إلى هذا.
الصفحة : 48
فأما شكوك أصحاب القول بجوهرية الكيف، فالأحرى بها أن تورد في العلم الطبيعي، وكأنا قد فعلنا ذلك. وأما أصحاب القول بجوهرية الكم، فمن ذهب إلى أن المتصلات هي جواهر ومبادئ للجواهر فقد قال: إن هذه هي الأبعاد المقومة للجوهر الجسماني، وما هو مقوم للشيء فهو أقدم، وما أقدم من الجواهر فهو أولى بالجوهرية، وجعل النقطة أولى الثلاثة بالجوهرية. وأما أصحاب العدد، فإنهم جعلوا هذه مبادئ الجواهر، إلاّ أنهم جعلوها مؤلفة من الوحدات حتى صارت الوحدات مبادئ للمبادئ، ثم قالوا: إن الوحدة طبيعة غير متعلقة في ذاتها بشيء من الأشياء، وذلك لأن الوحدة تكون في كل شيء، وتكون الوحدة في ذلك الشيء غير ماهية ذلك الشيء، فإن الوحدة في الماء غير الماء، وفي الناس غير الناس، ثم هي بما هي وحدة مستغنية عن أن تكون شيئاً من الأشياء، وكل شيء فإنما يصير هو ما هو بأن يكون واحداً متعيناً، فتكون الوحدة مبدأ للخط وللسطح ولكل شيء، فإن السطح لا يكون سطحاً إلاّ بوحدة اتصالها الخاص، وكذلك الخط والنقطة أيضاً وحدة صار لها وضع. فالوحدة علة كل شيء. وأول ما يكون ويحدث عن الوحدة العدد. فالعدد هو علة متوسطة بين الوحدة وبين كل شيء، فالنقطة وحدة وضعية، والخط اثنوية وضعية، والسطح ثلاثية وضعية، والجسم رباعية وضعية؛ ثم تدرجوا إلى أن جعلوا كل شيء حادثاً عن العدد. فيجب علينا أولاً أن نبين: أن المقادير والأعداد أعراض، ثم نشتغل بعد ذلك بحل الشكوك التي لهؤلاء. وقبل ذلك يجب أن نعرف حقيقة أنواع الكمية، والأولى بنا أن نعرف طبيعة الوحدة، فإنه يحق علينا أن نعرف طبيعة الواحد في هذا الموضوع بشيئين: أحدهما، أن الواحد شديد المناسبة للموجود الذي هو موضوع هذا العلم؛ والثاني، أن الواحد مبدأ ما بوجه ما للكمية. أما كونه مبدأ للعدد، فأمر قريب من المتأمل. وأما للمتصل فلأن الإتصال وحدة ما، وكأنه علة صورية للمتصل، ولأن المقدار كونه مقداراً هو أنه بحيث يقدر، وكونه بحيث يقدر هو كونه بحيث يعد، وكونه بحيث يعد كونه بحيث أن له واحداً.
الفصل الثاني (ب)
الصفحة : 49
فصل في الكلام في الواحد فنقول: إن الواحد يقال بالتشكيك على معان تتفق في أنها لا قسمة فيها بالفعل من حيث كل واحد هو هو، لكن هذا المعنى يوجد فيها بتقدم وتأخر، وذلك بعد الواحد بالعرض. والواحد بالعرض هو أن يقال في شيء يقارن شيئاً آخر، أنه هو الآخر، وأنهما واحد. وذلك إما موضوع ومحمول عرضي، كقولنا: إن زيداً وابن عبد الله واحد، وإن زيداً والطبيب واحد؛ وإما محمولان موضوع، كقولنا: الطبيب هو وابن عبد الله واحد، إذ عرض أن كان شيء واحد طبيباً وابن عبد الله؛ أو موضوعان في محمول واحد عرضي، كقولنا: الثلج والجص واحد، أي في البياض، إذ قد عرض أن حمل عليهما عرض واحد. لكن الواحد الذي بالذات، منه واحد بالجنس، ومنه واحد بالنوع وهو الواحد بالفصل، ومنه واحد بالمناسبة، ومنه واحد بالموضوع، ومنه واحد بالعدد. والواحد بالعدد قد يكون بالإتصال، وقد يكون بالتماس، وقد يكون لأجل نوعه، وقد يكون لأجل ذاته. والواحد بالجنس قد يكون بالجنس القريب، وقد يكون بالجنس البعيد. والواحد بالنوع كذلك قد يكون بنوع قريب لا يتجزأ إلى أنواع، وقد يكون بنوع بعيد فيوافق أحد قسمي الباب الأول، وإن كان هناك اختلاف في الإعتبار. وإذا كان واحد بالنوع فهو لا محالة واحد بالفصل، ومعلوم أن الواحد بالجنس كثير بالنوع، وأن الواحد بالنوع قد يجوز أن يكون كثيراً بالعدد، وقد يجوز أن لا يكون إذا كانت طبيعة النوع كلها في شخص واحد، فيكون من جهة نوعاً ومن جهة لا يكون نوعاً، إذ هو من جهة كلي ومن جهة ليس بكلي. وتأمل في هذا الوضع الذي نتكلم فيه على الكلي، أو تذكر مواضع سلفت لك. وأما الواحد بالإتصال فهو الذي يكون واحداً بالفعل من جهة، وفيه كثرة أيضاً من جهة. أما الحقيقي فهو الذي تكون فيه الكثرة بالقوة فقط، وهو إما في الخطوط: فالذي لا زاوية له، وفي السطوح أيضاً: البسيط المسطح، وفي المجسمات: الجسم الذي يحيط به سطح ليس فيه انفراج على زاوية؛ ويليه ما يكون فيه كثرة بالفعل إلاّ أن أطرافها تلتقي عد حد مشترك مثل جملة الخطين المحيطين بالزاوية، ويليه أن تكون الأطراف متماسة تماساً يشبه المتصل في تلازم حركة بعضها لبعض فتكون وحدتها كأنها تابعة لوحدة الحركة لأن هناك التحاماً، وذلك كالأعضاء المؤلفة من أعضاء، وأولى ذلك ما كان التحامه طبيعياً لا صناعياً.
الصفحة : 50
والوحدة بالجملة في هذه أضعف، وتخرج عن الوحدة الإتصالية إلى الوحدة الاجتماعية. فالوحدة الإتصالية أولى من الاجتماعية بمعنى الوحدة، وذلك أن الوحدة الإتصالية لا كثرة فيها بالفعل، والوحدة الاجتماعية فيها كثرة بالفعل. فهناك كثرة غشيتها وحدة لا تزيل عنها الكثرية. والوحدة بالإتصال إما معتبرة مع المقدار فقط وإما أن تكون مع طبيعة أخرى مثل أن تكون ماء أو هواء. ويعرض للواحد بالإتصال أن يكون واحداً في الموضوع، فإن الموضوع المتصل بالحقيقة جسم بسيط متفق الطبع، وقد علمت هذا في الطبيعيات. فيكون موضوع وحدة الإتصال واحداً أيضاً في الطبيعة من حيث أن طبيعته لا تنقسم إلى صور مختلفة؛ بل نقول: إن الواحد بالعدد لا شك أنه غير منقسم بالعدد من حيث هو واحد، بل ولا غيره مما هو واحد منقسم من حيث هو واحد، لكنه يجب أن ينظر فيه من حيث الطبيعة التي عرض لها الوحدة، فيكون الواحد بالعدد منه ما ليس من طبيعته التي عرض لها الوحدة أن يتكثر مثل: الإنسان الواحد، ومنه ما من طبيعته ذلك كالماء الواحد والخط الواحد فإنه قد يصير الماء مياهاً والخط خطوطاً. والذي ليس من طبيعته ذلك فإما أن يكون قد يتكثر من وجه آخر، وإما أن لا يكون. مثال الأول: الواحد بالعدد من الناس، فإنه لا يتكثر من حيث طبيعته، أي من حيث هو إنسان إذا قسم، لكنه قد يتكثر من جهة أخرى إذا قسم إلى نفس وبدن، فيكون له نفس وبدن وليس واحد منهما بإنسان. وأما الذي لا يكون فهو على قسمين: إما أن يكون موجوداً له - مع أنه شيء ليس بمنقسم - طبيعة أخرى، وإما أن لا يكون. فإن كان موجوداً له مع ذلك طبيعة أخرى فإما أن تكون تلك الطبيعة هي الوضع وما يناسب الوضع، فتكون نقطة والنقطة لا منقسمة من حيث هي نقطة ولا من جهة أخرى، وهناك طبيعة غير الوحدة المذكورة؛ وإما أن لا يكون الوضع وما يناسبه، فيكون مثل العقل والنفس، فإن العقل له وجود غير الذي يفهم من أنه لا ينقسم، وليس ذلك الوجود بوضع، وليس ينقسم في طبيعته ولا في جهة أخرى. وأما الذي لا يكون هناك طبيعة أخرى فكنفس الوحدة التي هي مبدأ العدد، أعني التي إذا أضيف إليها غيرها صار مجموعهما عدداً. فمن هذه الأصناف من الوحدة ما لا ينقسم مفهومه في الذهن، فضلاً عن قسمة مادية أو مكانية أو زمانية. ولنعد القسم الذي يتكثر أيضاً من حيث الطبيعة الواحدة بالوحدة ومن حيث الاتصال، فمن ذلك أن يكون تكثره في الطبيعة التي هي لذاتها معدة لكثرة عن الوحدة، وهذا هو المقدار؛ ومن ذلك أن يكون تكثره في طبيعة إنما لها الوحدة المعدة للتكثر بسبب غير نفسها، وذلك هو الجسم البسيط مثل الماء. فإن هذا الماء واحد بالعدد وهو ماء وفي قوته أن يصير مياهاً كثيرة بالعدد لا لأجل المائية، بل لمقارنة السبب
الصفحة : 51
الذي هو المقدار. فتكون تلك المياه الكثيرة بالعدد واحدة بالنوع وواحدة أيضاً بالموضوع، لأن من طبع موضوعها أن تتحد بالفعل واحداً بالعدد. ولا كذلك أشخاص الناس، فإنها ليس من شأن عدة موضوعات منها أن يتحد موضوع إنسان واحد نعم كل واحد منهما واحد بموضوعه الواحد، ولكن ليس المجتمع من الكثرة واحداً بالموضوع، وليس حاله حال كل قطعة من الماء، فإنها واحدة في نفسها بموضوعها. والجملة يقال إنها واحدة في الموضوع، إذ من شأن موضوعاتها أن تتحد موضوعاً واحداً بالإتصال، فيكون جملتها حينئذ ماء واحداً. لكن كل واحد من هذين القسمين إما أن يكون حاصلاً فيه جميع ما يمكن أن يكون له أو لا يكون، فإن كان فهو تام وواحد بالتمام، وإن لم يكن فهو كثير، ومن عادة الناس أن يجعلوا الكثير غير الواحد. وهذه الوحدة التمامية إما أن تكون بالفرض والوهم والوضع كدرهم تام ودينار تام، وإما أن تكون بالحقيقة. وذلك إما بالصناعة كالبيت التام، فإن البيت الناقص لا يقال له بيت واحد. وإما بالطبيعة كشخص إنسان واحد تام الأعضاء. ولأن الخط المستقيم قد يقبل زيادة في استقامته ليس موجودة له، فليس بواحد من جهة التمام. وأما المستدير فإذ ليس يقبلها، بل حصلت له بالطبع الإحاطة بالمركز من كل جهة، فهو تام وواحد بالتمام، ويشبه أن يكون أيضاً كل شخص من الناس واحداً من هذه الجهة، فيكون بعض الأشياء يلزمه التمام كالأشخاص والخط المستدير، وبعضها لا يلزمه التمام كالماء والخط المستقيم. وأما الواحد بالمساواة فهو بمناسبة ما، مثل أن حال السفن عند الربان وحال المدينة عند الملك واحدة، فإن هاتين حالتان متفقتان، وليس وحدتهما بالعرض، بل وحدة ما يتحد بهما بالعرض، أعني وحدة السفينة والمدينة بهما هي وحدة بالعرض. وأما وحدة الحالتين فليست الوحدة التي جعلناها وحدة بالعرض. فتقول من رأس: إنه إذا كانت الوحدة إما أن تقال على أشياء كثيرة بالعدد، أو تقال على شيء واحد بالعدد، وقد بينا أنا حصرنا أقسام الواحد بالعدد. فلنمل إلى الحيثية الأخرى، فنقول: وأما الأشياء الكثيرة بالعدد فإنما يقال لها من جهة أخرى واحدة لإتفاق بينها في معنى. فإما أن يكون اتفاقها في نسبة أو محمول غير النسبة، وأما في موضوع. والمحمول إما جنس، وإما نوع، وإما فصل، وإما عرض، فيكون سهلاً عليك من هذا الموضوع أن
الصفحة : 52
تعرف أنا حققنا أقسام الواحد، وأنت تعرف مما قد عرفت أيها أولى بالوحدة واسبق استحقاقاً لها، فتعرف أن الواحد بالجنس أولى بالوحدة من الواحد بالمناسبة، وأن الواحد بالنوع أولى من الواحد بالجنس، والواحد بالعدد أولى من الواحد بالنوع، والبسيط الذي لا ينقسم بوجه أولى من المركب، والتام من الذي ينقسم أولى من الناقص. والواحد قد يطابق الموجود في أن الواحد قد يقال على كل واحد من المقولات كالموجود، لكن مفهومهما - على ما علمت - مختلف، ويتفقان في أنه لا يدل واحد منهما على جوهر بشيء من الأشياء، وقد علمت ذلك.