(1/140)

وأما من صار من الأحرار عبداً فإن عرف الرأي من استعبده في المنام ربما استعبده بإحسانه في اليقظة وربما استعبده بما يطلع عليه من الفواحش والزلل وربما دل على الدَين يرتكبه حتى يصير عبداً لمن استدان منه أو يصير أجيراً تحت يد غيره وربما يمرض ويصير تحت يد من يأمُر عليه وينهاه فإن باعه في المنام نال عزاً ورفعة وربما وقع في مكيدة وذلة لأن بيع الحُر ذلة وربما نال خيراً قياساً على قصة يوسف ( 1 ) عليه السلام وأما العبيد إذا صاروا أحراراً في المنام فإنه يدل على اليُسر بعد العُسر والخلاص من الشدائد وقضاء الديون والشفاء من الأمراض وبلوغ الآمال وربما كان عبداً لله حقاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويخشى الله تعالى وأما الأمَة فحكمها في الرق والحرية حُكم من ذكرناه وربما دلت الأمَة على الداية لخدمتها وعلى قناة الدار لمباشرتها الأقذار والأوساخ وعلى ما يطأه الإنسان من حصير وحداه وربما دلت على المال لقيمتها وربما دلت على العز والجاه والنصرة على الأعداء فإن قيل جارية ربما دلت على المركب والوصيف والوصيفة كذلك
ص 104 أ والمملوك العجين في اللغة وربما دلت الجارية على الأمور الجارية فيما مضى أو فيما يستقبل كما قالت لي امرأة رأيتُ جماعة من العدول شهدوا عليّ بأنني جارية وأنا أنكر ذلك فقلتُ لها اتقي الله تعالى في نفسك فإنك لست بحرُة وعليك من يشهد بذلك فذكرت ما يدل على ذلك والله تعالى أعلم بالصواب
فصل في الأعضاء الظاهرة
(1/141)

كل ما كان من جهة اليمين كان دليلاً في المنام على الأشراف من الرجال وما كان من اليسار دل على النساء أو الأراذل من الرجال وربما كان من السُرَة دليل على الرجال لعلوهم ولقوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء ) وما كان من السُّرة إلى القدم كان دليلاً على النساء للتحكّم عليهم فالرأس ( 1 ) وهو أشرف ما في البدن يدل على الرئاسة والرئيس من كل شيء كالوالد والوالدة والأستاذ والمؤدب والملك ويدل على القِدر ذات الأذان ورأس البطيخ أو رأس الرقيق والرأس الدماغ والأم في اللغة الدماغ وربما ( 2 ) دل الرأس على قلعة الملك وخزانته وربما دل على ما يستره من عمامة وقلنسوة وسقف وربما دل على السماء ذات اليدين ويدل على الميزان والمكيال
ص 104 ب وما يقاس به لأنه محل العقل الذي يُحرز الأشياء ويميزها فبه يأخذ وبه يُعطي
(1/142)

وربما دل على الحمام والفرن وعلى كل مكان ينعقد فيه البخار والوهج للمصلحة ويدل على رأس المال قال الله تعالى ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ) وربما دل الرأس على الخيمة القائمة ذات العمد والأطناب وذات الشريع والتخمين وربما دل رأس العالم على علمه والصانع على صنعته وعلى الذكر الجميل وعلى الموت والحياة فمن حَسُن رأسه أو كبُر مقداره ولم يفحش في النظر دل على العز والرفعة والرزق وربما دل كبَر الرأس على العلم الوافر والعقل والحكمة وإن صغَر رأسه في المنام دل على زوال المنصب وقلة المال والوقوع في الجهالة فإن صار له في المنام رؤوساً رزق ذرية أو علوماً مفيدة أو ضياعاً أو أملاكاً أو أولاداً أو اتباعاً أو مالاً وإلا كثرت عائلته وثقل ظهره وقل ربحه فإن عُدم رأسه فَقَد من دل الرأس عليه أو كان ممن يمشي بغير وعي لكثرة الهموم والأنكاد فإن قطع رأسه بيده قتل نفسه بسوء بيّن أو كان لا يقوم بإكمال الوضوء ولا يتم السجود أو قاطع من يُعز عليه أو خان والده أو سيده أو من دل الرأس عليه وما أصاب الرأس من خير أو شر أو ظهر في الوجه أو في اليد أو المرفق أو الرِجل أو الكعب
(1/143)

ص 105 أ من زيادة أو نقص كان ذلك عائد على طهارته وإتمام وضوئه أو تيممه لقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ( 1 ) فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) وسيأتي الكلام إن شاء الله في مواضع السجود وأما رؤية الشعر في الرأس فإنه دال على ما يسترها وربما دل على الزرع والمال والجاه والزوج للعزباء أو الزوجة للأعزب والولد الذي يتحمل به فحسنه وسواده وطوله دليل على حسن حال من ذكرنا وقصره وبياضه ونتن رائحته دليل على سوء حالهم فإن دهن شعره في المنام أو سرحه دل على الإحسان والوفاء بعهد من دل عليه وحلقه أو تقصيره لمن لا يُؤثر ذلك مقاطعة أو تبذير للمال فإن رأى شعره محلوقاً وكان ذلك في زمن الشتاء ربما دل ذلك على الهموم والأنكاد والمغرم والأمراض وإن كان ذلك في الصيف ربما دل على الشفاء و الراحة من أوجاع الرأس والعين وتقصيره دليل على الهدى والعلم لأن ذلك من صفات العلماء وأهل الخير وإن كان ذلك في زمن الحج ربما دل على الحج لقوله تعالى ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين
(1/144)

ص 105 ب رؤوسكم ومقصرين ) فإن ظَفَر شعره دل على جمع المال وضم الزرع وإن سَرَحة وأخرج القمل من رأسه دل على إخراج المفسدين من أرضه وإن سرّح زوجته ربما طلقها لقوله تعالى ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) وطول الشعر لمن لا يليق به دليل على الهموم والأنكاد والديون لكونه يحتاج إلى خدمة وإصلاح وطوله لمن لا يليق به من الجند أو الصبيان دليل على حَسن حالهم والزيادة في أموالهم وشدة حالهم فإن كان خلاف العادة دل ذلك على الشهرة والديون والتبدد والهموم والأنكاد وربما دل حَسن الشعر على الأعمال الصالحة لقوله تعالى ( يزيد في الخلق ما يشاء ) قيل هو الشعر وربما دل حُسن الشعر وظفره على عمل الشِعر ونظمه وربما دل الشِعر على الاستشعار بالخير إن كان في المنام مليحاً وبالشر إن كان رديئاً والشَعر إن كان رديئاً في المنام ربما دل على مرض الرعش وإذا ظفُر شَعر المرأة ثلاثة قرون طلقت من زوجها ثلاثاً وإن كانت مريضة ماتت وهو عشر من العدد والجمَّة ُ في طولها وتلويها على الظهر شبيهاً بالثعبان إذا خرج من جحره طالباً منسحباً للراحة كما أن تعقيصه وجمعه كأنه كامناً ممن
(1/145)

ص 106 أ رأى في المنام أن له جُمّة طويلة ربما حاوله ثعبان أو وقع عليه فإن صار شعر الأدمي كشعر غيره من الحيوان دل على الجُهد والتعب وإن كان فقيراً ربما استغنى وشعر الحاجب وأهداب العين وشعر السواعد والصدر والساق زينة للرجل وقوة ووقاية وكسوة وسترة ومال دائم وما كان من الشعر من لا نفع فيه كشعر الإبط والعانة فزيادة ذلك في المنام هموم وأنكاد وخروج عن السنة وشعر الأذن كلام أو علم يسمعه وشعر الأنف خبر تتسمه فيه نكد أول مال يخفى وأما الشعر على المرأة في بدنها فإن ذلك تعطيل للعزبا عن الزوج وربما دل ذلك على قيامها على أهلها وأولادها كمقام الرجل والشعر للطفل دليل على طول عُمره فإن طلع الشعر في موضع لا يليق به مثل باطن الكف أو باطن القدم فإن ذلك تعطيل للراحة أو السعي في غير مرضات الله لأن الكف راحة والقدم محل الحفاء والسعي والطهارة وربما تناول الصَدقة لأن ذلك من فضول الأموال والله تعالى أعلم
فصل في الوجه والجبهة
وأما الوجه وطلاقته وتبسمه وحسنه وبياضه فإنه دليل على حسن حال صاحبه حياً كان أو ميتاً لقوله تعالى ( وكان
ص 106 ب عند الله وجيها ) ولقوله تعالى ( وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) ولقوله تعالى ( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) وقال تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وحسن وجه المرأة أو الطفل أو الفرس دليل على بركته وبالعكس ومن رأى له وجهين في المنام دل على سوء الخاتمة لقوله ( لا ينظر الله إلى ذي الوجهين ) ومن رأى له وجوهاً في المنام دل على ارتداده عن الإسلام لقوله تعالى ( الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) وإن كان عالماً تصرف في وجوه العلم
(1/146)

وتقطيبه وبكاؤه وتشويهه أو سواده دليل على زوال المنصب والكذب وولادة البنات قال الله تعالى ( وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به ) وربما دل سواد الوجه على تغيّر ما يباشره من منصب أو قبلة لقوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها ) ولقوله تعالى ( أينما يوجهه لا يأتي بخير ) وربما دل سواد الوجه على الخوف قال الشاعر
( وصارت وجوه القوم من خشية
الردى كأن عليها من جلود الأرتدج )
الأرتدج الجلد الأسود الذي يجعل منه الخفاف
ص 107 أ وأما الجبهة فإنها محل السجود وربما دلت على البخل والكرم قال الله تعالى ( يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم ) الآية فمن رأى جبهته اسودت أو أن فيها مكاوي ربما دل ذلك على البخل ومنع حق الله تعالى وحسنها ونورها دليل على الإنفاق والمواساة وربما دلت الجبهة على ما يسجد الإنسان عليه من سجادة أو منديل أو غير ذلك فكبرها في المنام أو أنها صارت من حديد أو حجر دليل على الاجتهاد في الصلاة أو القِحة
فصل في الطرة و الصُوغين والحاجبين في المنام
وأما الطُّرَة فإنها دالة على ما دلت الجبهة عليه والجبين كذلك وشبهت الطرُة بالصُبح كما شبّه الجبين أيضاً بالهلال وربما دل الصُدغ على الشفاء والإسقام فمن رأى من المرضى أن صُدغه صار من حديد وكان يشكو بتصديعه في اليقظة دل على البَرء لقوله تعالى ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) وأما الحاجبان فإنهما أبوان أو وَلدان أو شريكان أو زوجتان أو نائبان أو حاجبان وشُبّه الحاجب بالنون المعرقة فإن رأى الإنسان في المنام حاجبان فقد اقترنا دل على الألفة والمحبة وبالعكس وسوادهما وغزارة شعريهما إذا لم يفحشا دليل على حسن حال من دلا عليه وبياضهما
ص 107 ب ونزولهما على العين دليل على تغير حال من دلا عليه من ولد أو شريك أو زوجة أو نائب أو حاجب وربما دل ذلك على طول العُمر حتى يرى نفسه كذلك
(1/147)

فصل في العين والجفن
في المنام -
وأما رؤية العين في البدن والعيون فإن كان ذلك مناسباً للعين الطبيعية كان ذلك دليلاً على المال لما فيها من الديّة وربما دلت رؤية العين الملجة على السحر والموت والحياة
قال الشاعر -
لها في طرفها لحظات سحر
تميت بها وتحيى من تبيد
وتسبي العالمين بمقلتيها
كان العالمين لها عبيدُ
ألاحظها فتعلم ما بقلبي
وتلحظني فاعلم ما تريد
وربما دلت العيون على جمع الأهل أو الأقارب أو الأولاد والأتباع والعين الناظر والعين المقلة وأكل العيون ربما كان العيون المأكولة من البيض والعين الحدَقة من الحدق والتحدق فاعتبر ذلك والعين النعيّ لاشتقاقه منها والعين المأكولة رزق وكذلك ما عداها من جوارح الحيوان المأكول والعين البصر والبصر البصيرة والعين المال والعين الرقيب والعين عين الماء و العين عين القوم فمن رأى أن عينه حسنت رزق هداية وعلماً وبصيرة وإن
(1/148)

ص 108 أ كان عنده ولد أو زوجة أو حبيب مريض أفاق من مرضه وإن كان كافراً أسلم وإن كان فقيراً استغنى والأنال منصباً عالياً يليق به على قدره وربما دل شخوص البصر على الشدة لقوله تعالى ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) وربما دل على القلب قال الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) فمن عميَ بصره في المنام افتقر بعد غنائه أو استغنى بعد فقره لأن من استغنى تعامى عن من دونه أو فقَد من يُعز عليه من مال أو ولد أو أهل وربما طمست عين بئره أو فقد حارسه أو مات جاسوسه أو كان ممن يُنكر المعروف وربما دل العمى على الضلالة بعد الهدى فإن رُئي مريضاً قد برق بصره دل على موته لقوله تعالى ( فإذا برق البصر ) الآية وربما دل العمى على الصمم قال الله تعالى ( صم بكم عمي ) وربما دل العمى في المنام لأرباب الطاعة على احتقار الدنيا والنظر إليها بعين النقيصة ويعمى بصره عنها وربما دل العمى على كتمان الأسرار و العمى للغريب دليل على أنه لم يرجع إلى وطنه والعمى للمسجون خلاص لأن الناس يرحمونه ويأخذون بيده إلى حيث شاء ومن كان طالباً لحاجة دل على أنه لم يظفر بها لأن العين إذا عميت لم تظفر بمقصودها والعمى للهارب دليل على أنه يُمسك وهو للطالب دليل على الظفر وإذا نزلت الآفة بالعين
(1/149)

ص 108 ب الواحدة كان أخف فيما ذكرناه وإن انتقلت العين إلى غير محلها من البدن دل على الآفة فيه من سيلان دماء أو قروح أو فتح عيون في بدنه ومن كان مسافراً وخاف على نفسه العطش ورأى في بدنه عيوناً أو التقطها من الأرض وجد الماء وانتفع به لقوله تعالى ( وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) وأما العين التي لا تدرك ( 1 ) ولا توصف لكبرها وعظمها وربما كانت عين العناية من الله تعالى وطمس العيون دليل على حلول العذاب من الله تعالى لقوله ( فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ) وإذا دلت العيون على الخير كذلك تدل على الشر لقوله تعالى ( كم تركوا من جنات وعيون ) الآية ومن وقعت عينه على شخص وكان مختفياً منه رآه لأن من قولهم وقعت عيني على فلان المختفي ومن وجد بعينه نقصاً ربما شكر ضرراً في رجله فإن من المحبين من تغالى في زيادة حبيبه كما قال بعضهم -
( لو جئتكم زائراً أسعى على بصري
لم أدِّ حقاً وأيّ الحق أديت )
وأما الجفون فإنها دالة على كل ما يتوقى به من سلاح وعلى كل من يحجب ( 2 ) عن الإنسان الأذى كالأستاذ وربما دلت الأجفان على الأخوة والأخوات والأزواج والأولاد ومصرعي الباب والصندوق والخزانة والحجاب والحرس والغلمان وعلى كاتمي الأسرار
ص 109 أ وأرباب الودائع وعلى الرضى والغضب فمن رأى جفن إنسان من ذوي الأقدار يلعب في وجهه دل على غضبه عليه وإلا اطلع على أمر يوجب التغاظي فإن دلت الأجفان على الأزواج كان الأعلى ذكر والأسفل أنثى وما يتولد من بينهما من رماص أو غيره دليل على الولد والدموع شبيهه بالنطفة وما فيهما من الشعر دليل على ما لهما الدافع عنهما الأذى فحسنهما ونقائهما من العمش دليل على حسن حال من دلت الأجفان عليه وربما دل ضعفهما على نقص الحُرمة وعدم العلم
وربما دل غمض الأجفان على القيادة والمكاسرة عن ما يُنهى عنه
(1/150)

وشبهت الأجفان بالسحب والدموع بالأمطار وتدل الجفون المراض على العشق للرأي والهيام وإذا دلت العين على المال كانت الأجفان زكاته وحصته كما قال ( 1 ) عليه السلام ( حصنوا أموالكم بالزكاة ) والله تعالى أعلم بالصواب
فصل في رؤية الأنف والوجنة والشفة والفم في المنام
الأنف له حاسية الشم وهو محل الراحة لما يصل منه إلى البدن من الهواء أو الرائحة الطيبة فحسنه ( 2 ) وشبهُه إدراك الرائحة في المنام دليل على الراحة
ص 109 ب فمن دل عليه ثم هو في التأويل دال على ما يتحمل به الإنسان من مال أو والد أو ولد أو أخ أو شريك أو زوج أو عامل فمن حسُن أنفه في المنام كان دليلاً على حسن حال من دل عليه ممن ذكرناه وسوادهُ أو كبره دليل على الإرغام والقهر كما أن مناسبته المقدار الطبيعي واستنشاقه الرائحة الطيبة دليل على علو الشأن وطيب الخاطر وكثرة الأنوف في المنام في الوجه أو في شيء من البدن دليل على تجديد الراحات أو الأولاد أو الأتباع فإن رأى أن أنفه صار من حديد أو من ذهب دل على نزول آفة تلحقه بسبب جريمة يفعلها لأن أرباب الجرائم تقطع ( 1 ) أنوفهم فإذا استتيبوا عملوا لهم أنوفاً من ذهب أو حديد خوف الشهرة فإن كان الرأي كارياً ورأى أنفه صار من فضة أو ذهب دل على خطوته ومعرفته وكثرة أرباحه وربما دل الأنف على ما يصل الإنسان من الأخبار على لسان رسول وربما دل الأنف على الجاسوس الآتي بالأخبار التي لا يطلع عليها أحد وربما دل على الفرج أو الدُبر لما ينزل منه من المخاط كالغدرة فإذا أفسَد الدماغ عاد المخاط ماءً كالذي يخرج من الذكر من ماء أو منيّ وربما دل على باب سر الإنسان
(1/151)

ص 110 أ وربما دل على الكبر أو المنفَخ الذي يقوم منه عيشه فمن رأى أن منفخه خرب ربما نزل بأنفه نازلة وكذلك إن حدث بأنفه حادث شر تعطلت عليه صنعته ومن كان قارئاً أو مؤذناً أو مُطرباً ورأى أنفه قد عُدم أو أنه سدد ولا يشتم منه رائحة دل على تعذر راحته من صنعته لأن الأنف مُعين على إخراج النفس وربما مرض الرأي بضيق النفس وربما دل الأنف والأذن على التلال والجروف ذات العشب والأوساخ المجتمعة إذا يبست فيه كالقلاقل الذي ينبغي إصلاحها وتمهيدها وربما دل الأنف على الفرج للمريض لكون الإصبع لا يزال فيه مُصلحاً وربما دل الأنف على الحمق والكبر والثناء الرديء فمن تقلص أنفه في المنام أو أعوج دل على ما ذكرناه لأنه يقال فيمن سنح أنفه أنف في الثريا واست في الثرى والله تعالى أعلم بالصواب
وأما الوجنة فاحمرارها وسمنها دليل على الوجاهة واليُرؤ من الإسقام والحظ والقبول والبشر وصفرتها أو سوادها دليل على الخوف والأحزان وانحطاط القدر
والوجنة من الجنا والجناية والخدّ من التخديد وهو الحَفر
ص 110 ب
قال الله تعالى ( قُتل أصحاب الأخدود ) قال بعض السلف الصالح وقد كُشف له في نومه عن مقامه فاستيقظ وهو ينشد -
( وحقك لا نظرت إلى سواكا
بعين مودة حتى أراكا )
( أراك مَعذبي بفتور لحظٍ ويا لخدّ المورد من جناكا )
والخدان دالان على من يتحمل بهما الإنسان أو يهواه وربما دلت الخدان على من يقبلهما فما نزل بهما من حادث كان دليلاً على فساد حال مقبّله ويقاس على ذلك الشفاه إذا أُري فيهما نقص أو زيادة مانعة للنفع كان دليلاً على مفارقة ما يقبله من ولد أو محبوب وربما دلت الوجنة على الجان العارض أو الجُنّة التي يُدفع بها الأذى عنه ومن ذلك قوله ( الصوم جُنة ) أي جُنة من العذاب وربما دلت الوجنة على الجنة فإذا رُئي الميت كان وجنتاه نيرتان مليحتان دل على أنه في نعيم الجنة
ولبعضهم في الخدّ -
(1/152)

( أعدْ نظراً فما بالخدّ نيت حماه الله من ريب المنون )
( ولكن رقّ ما الحُسن حتى
أراك بمَنال أهداب الجفون )
ص 111 أ
وفي معناه -
لا تحسبن شاقة في خدهُ طُبعت
على صقاله خدٍ راق منظره
وإنما خده الصافي تخال به سواد
عينيك خالاً العين تنظره
وربما دل الخدّ على الذل والمسكنة إذا كان ترِباً أو مغبراً لقوله تعالى ( ولا تُصعر خدك للناس ) وذلك لأرباب الدين زيادة ورفعة عند الله تعالى لأن ذلك من سمات المتهجدين
وأما الشفة فجمعها شفاه فتدل على الشفاء من الإسقام ومن رغم الحسود وعلى الأخبار الشافية للقلب وربما دلت الشفتان على الحُجّاب والغلمان والحراس أو الأبواب أو الأقفال وربما دلت الشفتان على العلم والهدى ( 1 ) والأكل والشرب والفرح والحزن وكتمان الأسرار فمن عُدمت شفتاه في المنام دل ذلك على فَقد حجابه أو علمائه أو حُراسه أو ينهدم بابه أو يتعذر قفله أو يضيع مفتاحه وربما دل ذلك على موت الوالدين أو الولدين أو الزوجين الراكب أحدهما على الآخر وربما دلت الشفتان على المعيشة الذات للبوّاقين والزمّارين وأشباههم كصانع الحلواء المنفوخة غير بائعها وصانع القوارير وشبهه من صناع النفخ
ص 111 ب ورقة الشفاه واحمرارها دليل على الفصاحة والهداية وطيب المأكل والمشرب والأفراح وغلظهما أو ثقلهما أو سوادهما أو زرقتهما دليل على البلادة والعجز عن قيام الحُجة وعدم الراحة في الكسب وربما دل سوادهما أو زرقتهما للمريض على موته لأن ذلك من علامات الموت وربما دلت الشفتان في انطباقهما على الأجفان بفتحهما وغلقهما وربما دلتا على الفَرْج لما يدخل فيه ويخرج منه وربما دلتا على حافتي النهر ولما يتردد بينهما وعلى الدُبر واليتيه وعلى البئر وغطائه وما أشبه ذلك والله تعالى أعلم
(1/153)

وأما الفم فإنه دال على الموت والحياة والكلام والمسكن والوعاء والسجن والحمام والطاحون والمطمر والصندوق والزوجة والبالوعة والمطلب والمهلك والمعبد والرزق والصناعة والهدى والضلالة
فمن رأى فمه عُدم دل على موته وإن رأى المريض إن فمه قد كبُر أو حسُن دل على سلامته وحياته وإن كانت حرفته من النداء أو الحرس ورأى أن فمه قد عُدم دل على توقف أحواله وبالعكس وربما دل على خراب المسكن وكسر الوعاء أو قطعه وخلو السجن فإن دل الفم على الحمّام فلما فيه من الماء الدائم الذي يعم من فيه واللسان
ص 112 أ فيه كالقيم وإن دل على الطاحون فلطحنه ما يدخل فيه ثم هو المطمر لكون ما يدخل فيه لم يزل مستوراً وكذلك الصندوق وهو الزوجة لدخول اليد فيه كالذكر ولما يخرج منه من القيء ثم هو البالوعة لما يدخل فيه مزدرداً ويبلع وهو المطلب لما حصل فيه من كل مطلوب فهو طالب لشهوته مطلوب لمنفعته والمهلك لهلاك ما يدخل فيه والمعبد لأنه محل الطهارة والرزق لأنه مرزوق سقاية وحركته وهو صناعة للوعاظ والخطباء والقراء وأشباههم ثم منه تظهر الضلالة والهدى وربما دل الفم على فم البئر والزير والعيبة والقربة وعلى هذا فقس
فصل في الحلقوم واللسان والأسنان والأذن والذقن والشارب والعنفقة والحنك والعذار والخضاب
الحلقوم مجرى الطعام والمريء مجرى النَفس والإدراج عروق ممتدة من الرأس إلى أسفل الرجلين فالحلقوم على ما ذكرناه دليل على الرسول والموت والحياة قال الله تعالى ( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) وأما المريء فهو دال على العافية والسقم وأما الأدراج فربما دلوا على العمل أو الرباطات في العمل الشديد فافهم ذلك واللسان فربما دل للملك على ترجمانه أو نائبه أو صاحبَه أو وزيره أو كاتبه وربما
(1/154)

ص 112 ب دل على المال المكنوز والجاه والعلم الذي يصدر عنه ويدل على الخادم المتبتل لمصالح الأهل أو الأجير أو الدار أو الدابة أو العدو أو الحبيب أو الغرس الذي له الثمرة أو الزوجة الصّيتة التي لا تحمل أو الكلام الذي يصدر عنه أو الرزق أو الكُناس في الطرقات أو قُصاص الأثر أو الذي يخرج المخبأت
وربما دل على الشرطي أو خادم المسجونين وربما دل لسان الحيوان على موته أو حياته لأن اللسان له كاليد التي تتناول بها فإن رأى الملك إن لسانه قد قطع فقد ترجمانه بموت أو عزل وربما دل على عزل نائبه أو حاجبه أو وزيره أو كاتبه وربما فقد مالاً طائلاً وربما تغلب العدو على بعض بلاده أو قطع منها رسمه أو اسمه أو جاهَه وإن رأى العالم أن لسانه قد قطع غُلب في مجادلته ومناظرته وربما مات خادمه أو تلميذه أو ولده
وإن رأى الصانع لسانه مقطوعاً ربما فقد أجيره أو شريكه وربما أباع داره أو أجرها أو ماتت دابته وربما دل فَقد اللسان على شماتة الأعداء من أهله أو جيرانه أو مات من يحبه أو قطع برّه عنهم لأنه مُعين على مصلحة البدن وربما تعطل حمل شجرته أو خلع شجرة لا تثمر وربما دل فقد اللسان أو قطعه
(1/155)

ص 113 أ على طلاق الزوجة أو ينقطع كلامه من المكان الذي هو فيه أو يبطل منه رزقه وإن رأى لساناً مقطوعاً في المنام دل على موت حشاش أو كناس في الطرقات أو قصاص الأثر أو رجل يُخرج الخبايا أو رجل شرير فإن رأى أن له ألسنة في المنام دل على الزيادة في المال أو الأهل أو العلم وربما يحكم بألسنة عديدة وإن رأى أن له لساناً مع لسانه دل على النميمة وإلقاء الكلام بين الناس لأنه يقال للرجل الفتان فلان بوجهين ولسانين وإن كان اللسان الزائد لا يمنع الكلام ولا النفع فربما دل على الصدق والتودد لقوله تعالى ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) وربما دل اللسان على ما يحتمي به الإنسان من سيف أو عُدة وربما دل قطعه لأهل المعرفة على لزوم الصمت والقيام بشكر الله تعالى
ونبات الشعر على اللسان دليل على الحكمة أو نظم الشعر وقالت اليونان من رأى في النوم أن الشعر قد نبت على لسانه فإن كانت صناعته الكلام انفسد عليه نظامه وإن لم يكن من أرباب الكلام تعذر عليه أمر القوت
وإذا رأى الإنسان لنفسه ألسنة أو آذاناً ابتُلي بالحبّ
أنشد بعضهم -
ص 113 ب
فإن حدّثوا عني فكلي مسامع
وكلي إن حدثتهم ألسُن تتلوا
وربما دل اللسان على الأسير أو الحية في جحرها
(1/156)

وأما الأسنان قد تقدم الكلام في ذكر الميامن والمياسر من الإنسان وأما السن فإنها دالة على مُنتهى الأجل والسّن الذي كتب له وجمع الأسنان تدل على الأهل والعشيرة والغلمان والبنات من الأولاد وربما دلت الأسنان على المال والمعيشة والدواب والأجراء ( 1 ) والأملاك والأنشاب والذخائر والموت والحياة والفرقة والاجتماع وتدل الأسنان على الودائع والأسرار كما قال لي إنسان رأيت كأني قلعت سناً من أسناني فلما صار في يدي رأيته قد كبر فأعطيته إنساناً فقلت أنت تطلعُ على سرٍ وتذيعه وتزيد عليه ثم تُطلع عليه غيرك قال نعم فالأضراس كبار قوم الرأي أو خيارهم والنواجذ أتباع والثنايا والرباعيات ما يتجمل به من المال الطاهر أو الولد فصفرتهم في المنام أو سوادهم دليل على تغير حال من دلوا عليه
وقلع بعضهم دليل على فقد بعض الأهل أو من ذكرنا وربما دل قلع السّن على قدوم الغائب أو موت من يعز عليه قال الشاعر فيه -
ص 114 أ
وصاحب لم أملّ الدهر صحبته
يسعى لنفعي ويسعى سعى مجتهد
لم ألفه مُذ تصاحبنا فمُذ نظرت
عيني عليه افترقنا فرقة الأبد
(1/157)

فإن صارت أسنان الملك حديداً أو نحاساً دل على شدة عسكره وقوة جنده وإن فقد أسنانه في المنام زال مُلكه وربما دل قلع الأسنان على طول عُمر الرأي حتى لم ينطر من أسنانه أحدا وربما دل ذلك على تعطيل ربحه من النبات والأنشاب وربما صار عقيماً لا يرزق ولد أو يفتقر بعد غنائه أو يتعطل ربحه من داره أو من دوابه أو طاحونه وإن ادّخر شيئاً لوقت الفائدة فيه فسد حاله وعُدم فيه وربما مات وانقطع رزقه فإن أخذ ما سقط من أسنانه ربما تكلم بخطأ وندم عليه وكتمه وربما كان المغرّم على قدر ديّة السّن في الشرع وربما دل فَقد الأسنان لأرباب المجاهدات على لزوم الصوم فإن قلع أسنانه بيده تصرف في ماله تصرفاً رديئاً أو عاشر أهله بغير المعروف أو فعل منكراً وندم عليه أو أصاب ربحاً من دين يستدينه ويرجع عليه وباله هذا إن كان ذلك ظاهراً في للياس في المنام فإن قلعها له أحد في المنام دل على احتياجه إلى الرهن أو البيع لما يتجمل به أو لما لا بُد له منه فإن قلع سناً يتأذى منه في اليقظة
ص 114 ب دل على معالجته لمن يؤذيه وزواله عنه وربما دل ذلك على زوال الهم والنكد من مطالب فلازم وتجديد ما يقلع من الأسنان في المنام دليل على المعاوضات والربح بعد الخسارة فإن طلع مكان أسنانه أسناناً من ذهب أو فضة ربما دل على الاجاحة في المال أو يحتاج إلى شد شيء من أسنانه لمرض أو عارض
ورؤية العين الزائدة أو الأنف الزائد أو الأذن أو السن في المنام دليل على فقَد ذلك أو على قيمته في الشرع لقوله تعالى ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن ) والزيادة تعين النقص وربما دلت السِّنّة على السَّنة أو السُّنّة أو السِّنَة
فمن رأى أن معه في المنام سِنّه وكان ممن يعتريه السهر نام وعاودته السِنَة وربما استقبل سنة مباركة أو سلك سُنة حسنة وتمسك بها
(1/158)

وأما الأذن فهي محل الوعي والزينة وزينة الإنسان ولده وماله ومنصبه فهي دالة في المنام على الولد والمال والمنصب وربما دلت الأذن على العلم والعقل والدين وعلى الملك والأهل والعشيرة الذي يتجمل بهم الإنسان
والأذن السمع فمن رأى أن سمعه
ص 115 أ كبُر أو حسُن أو أن النور خارج منه أو داخل إليه دل على هدايته وطاعته لله وقبول أمره وإن رآه في المنام صغيراً أو يخرج منه أو يدخل فيه رائحة رديئة دل على ضلالته عن الحق والوقوف عندما يوجب المقت من الله قال الله تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )
وقطع الأذن أو فقده دليل على الفساد في الأرض لأن المعهود قطع الأنوف والآذان لقطاع السبيل وجمع الأذن آذان وربما كانت الآذان آذان بالقصر أي أعلام وهو الآذان المشروع فافهم ذلك وربما دلت الأذن الزائدة على الإذن للإنسان زيادة فيما يرومه فإن كانت أذناً حسنة كان ما يرومه خيراً قال الله تعالى ( قل أذن خير لكم ) وكثرة الآذان في المنام دليل على فنون العلوم أو أنه لا يثبت على حالة واحدة وربما دلت الأذن على ما يُعلّقُ فيها من المصنوع فإن صارت أذنه أذن شيء من الحيوانات زال عنه منصبه وتقطعت حرمته أو تبلد ذهنه فإن رأى أنه يجعل اصبعيه في أذنيه دل على موته مبتدعاً لقوله تعالى ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) ولقوله تعالى ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ) وإن كان
ص 115 ب الرأي على بدعة وضلالة ورأي أنه يجعل أصابعه في أذنيه دل على توبته وتصميمه على الترك لما هو مُرتكبه أو يصير مؤذناً وأذان الملك جاسوسة فإن رأى الملك أن أذنه زالت دل على انقطاع الأخبار عنه والأذن دالة على ما يوعى فيه من كيس أو صندوق أو خزانة فما حدث في الأذن من زيادة أو نقص كان عائداً على من ذكرناه
(1/159)

وأما الذقن فإنها دالة على ما يتجمل به الإنسان من مال ظاهر أو والد يعضده أو ولد يساعده أو خادم يخدمه أو منصب جليل يستقل به وربما دلت الذقن على إسباغ الوضوء لأن تخليلها من الواجب وربما دلت على أساس الدار واللحية هي الهيبة وربما دلت اللحية على حانوته وسببه ولباسه ومغرمه وربحه فإن قص لحيته في المنام بفمه طال همه وغمه قال بعض أرباب التجارب ومما يورث الغَم والتعمم جالساً ولبس السروال قائماً والمشي بين الأغنام وقص شعر اللحية بالأسنان والقعود على أسُلفه الباب والأكل بالشمال ومسح الوجه بالأذيال والمشي على قشور البيض والاستنجاء باليمين والضحك في المقابر ويقال للحيّة الكريمة وهي أيضا قسم يقسم بها ثم هي أيضاً دالة على الصدق والكذب فيقال للرجل إذا صَدق في قوله صَدقت لحيته ويقال