|
بتاريخ : 06-09-2014 الساعة : 03:32 PM
رقم
#2
كاتب الموضوع :
سامر سويلم
|
نائب المدير العام
|
شق الصدر
أخرج مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلىّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ؛ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ".
يقال أن هذه الحادثة كانت في السنة الرابعة من العمر الشريف. وهذه مشاهدة قد وقعت للصبية الذين كانوا يلعبون جميعِهم. والمشاهدة هي صور لحقائق تظهر في خيال المشاهِد، يُعلّمه الله فيها ما شاء من العلم. وقد أراد الله عز وجل للبشرية أن تعلم من هذه الواقعة المتواترة، ما يتعلق بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ الطفولة الأولى، ما يميّزه عن غيره من أبناء البشر من غير الأنبياء.
ومن المعلوم أن الله قد خلق الناس كلهم على الفطرة التي هي الإسلام المطلق الذي عليه كل الموجودات؛ فقد قال سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: 30]. هذه الفطرة التي يولد الناس عليها تتغير عند جميع الناس إلا الأنبياء عليهم السلام. وذلك أن الإنسان بذوقه لوجوده، وشعوره باستقلاليته، تنشأ عنده النفس التي ظهرت في هذه الواقعة في صورة علقة. وكونها علقة، هو من تعلقها بالوجود الحق؛ فهي تستمد وجودها منه تعالى، فتظهر مع الوجود الحق زائدة عليه. واستخراج الملك هذه العلقة من القلب، هو إبقاء للفطرة على أصلها، فيكون الإسلام الذاتي غير غائب عن العقل. وهذا الإسلام لا يحتاج إلى تكليف، لأنه يستند إلى الوجود لا إلى عقل الوجود (معقوليته). والعقل هو الوارد في هذا الحديث بلفظ القلب. نعني أنه محل العلم والتعقل. هذا يفيد أن العلم القلبي قد يكون موافقا للواقع، كما قد يكون مخالفا. والحكم لما في القلب، حتى يُنسب المرء لمرتبة من المراتب أو مقام من المقامات. وشهود النفس يبدأ عند الناس مع الطفولة، فإن وجد بيئة غفلة تقوّى، فإن لم يجد علما يردعه زاد حتى بلغ الاتصاف الباطل بصفات الربوبية. ومن هذا الصنف يخرج الفراعنة والجبابرة.
ولما كان طريق المصطفَيْن غير طريق العامة، فإنه سبحانه يخلصهم من أصل الداء في أوان ظهوره، منّة منه وفضلا. وقد وصف الملَك عليه السلام العلقة بأنها حظ الشيطان، لأن الشيطان من غير نفس، عملُه وجوده كعدمه. وشهود النفس هو أصل التكليف، فلولا أن الإنسان ما أثبت لنفسه قدرة وإرادة وعلما، ما كان الله ينهاه ويأمره. ولعلك تسأل عن حكمة تكليف الأنبياء وقد خلصهم الله من شهود أنفسهم عليهم السلام. فاعلم أن تكليف الأنبياء غير تكليف غيرهم، لأنهم يأخذون التكليف بالله لا بأنفسهم؛ هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن النفس تبقى منها لطيفة يميّز العبد فيها شهوده، وإلا فني فناء تاما لا يصح معه تكليف ولا تعليم. وهذه اللطيفة باقية للأنبياء عليهم السلام، كمالا في حقهم لا نقصا. وهي كالرائحة التي تدل على النفس إذا قورنت بالنفس المشهودة للعامة. ولهذا السبب (نعني ذهاب النفس) لم يكن للشيطان سلطان على خواص العباد؛ وقد أخبر الله بذلك في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر: 42].
أما الماء الذي غُسل به القلب الشريف، فهو العلم الإلهي (العلم اللدني) الذي يُعطي شهود الأشياء على حقيقتها. وذلك لأن النفس لا تُشهَد إلا مع الجهل، أما العلم فلا يقبلها. وأما طست الذهب، فإشارة إلى الكمال؛ من كون الذهب أكمل المعادن.
وهذه العملية للورثة منها نصيب، فكلهم تُطهّر قلوبهم ويُنتزع منها حظ الشيطان؛ بل إن منهم من يشاهد شق صدره ونزع العلقة وغسل قلبه، على غرار ما وقع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكن ذلك يقع لهم أثناء تربيتهم في السن التي يكونون فيها على الأغلب، لا في طفولتهم.
|
|
|
المفضلات