عطر عنبر سلطان -






عطر سيرغ لوتن – عنبر سلطان

Serge Lutens Ambre Sultan


قبل أن أتحدث عن هذا العطر أودُّ أن أنوه للبعض بمعلومة ونصيحة في ذات الوقت .. أنتم الآن تعرفون أكثر في العطور و تعلمون أن هناك إفتتاحية و قلب و قاعدة لكل عطر و هي ماتسمّى بالهرم العطري ..


لذلك .. أتمنى منكم عندما تجربون أي عطر أن تجربوه جيداً أولاً قبل الحكم عليه .. فهناك عطور بدايتها ساحرة .. ثم في قلب العطر أو قاعدته تحدث الكارثة و العكس صحيح .. لذلك أرجو منكم تجربة كل عطر لفترة كافية قبل الشراء ..
كما أنصح دائماً بالشراء في اليوم التالي أفضل .. والآن أربطوا الأحزمة ..




كريستوفر شيلدريك (الأنف خلف العطر) .. والذي كان خلف عطر شيرجي الجميل الذي أبدع في وصفه أخونا الرائع so simple في تقرير سابق .. صنع عطراً يحمل إسم سيرغ لوتن عنبر سلطان .. و أيمُ الله أنه أبدعَ خير إبداعٍ في صنعه.. لوحةٌ فنية رسمها لنا هذا الفنان بطريقة رائعة .. ليس من عطور الزهور و غيرها و لكنه العنبر الذي لقّبته بالفتيّ في عدة تقارير سابقة نظراً لطغيان رائحته الحلوة في معظم القواعد العطرية الساحرة للعطور .. فما بالكم و هو يقطن متربّعاً في قلب عطرٍ كهذا!! .. سنتابع في وصف هذا العطر كيف يكون ..






بداية عطر عنبر سلطان بودريةٌ خضراء جافة و شرقية فاخرة .. تبدأ بنفحات متضاربة لنبات الراتينج الجاوي و التوابل العطرية .. تشعر معها بمحاولات العنبر الحثيثة للدخول في بداية العطر بعنادٍ تام لأن العطر يحمل إسمه بالطبع .. و ماهي إلا لحظات إلاّ و يُعلن العنبر عن خبرِ وفاة تلك المقدمة البودرية الجميلة .. و يقف شامخاً في قلب العطر كالسلطان و تقف إلى جواره بهدوء شديد و رزانة قرينته الفانيلا .. و حولهم أُناسٌ من عُلية القوم يحيطون بهم.. هم ورق الغار و الكزبرة و نبتة الآس الزهرية العطرية .. يحضرون بكثافة منقطعة النظير .. يسيطرون على قلب العطر المدخّن الفارِه .. و كأنهم يعيدون لنا أجواء حكايات الف ليلة و ليلة .. عندما كانت تجلس شهرزاد متكئةً بنعومةٍ و دلال .. تروي للملك شهريار قصصاً من نسج خيالها .. يعيش معها ليالٍ حالمة ..


حكايات تستمر عالقةً في مخيلته حتى أوقات النهار .. ينتظر بشغفٍ كلّ ليلة سردها لبقية الأحداث .. بل و تبقى في مخيلته حتى في أحلامه التي تراوده .. فقد شغفه أسلوب هذه الفتاة الساحر في سرد القصص و حبكتها الدرامية .. فأصبحت مُتنفسّه الوحيد من هموم السلطة و الجاه .. كأنه يرتدي وقتها هذا العطر .. و كأنها هي أيضاً ترتدي نفس العطر .. ليعبق المكان برائحة العنبر الحلوة الذكية .. و ليُصبح قصر السلطان ذو رائحةٍ فريدة فخمة لاتُنسى ..

و أثناء سردها لقصتها الجميلة .. تُلاحظ استسلام الملك شهريار للنوم فيُدركُها الصّباح .. لتسكت عن الكلام المُباح .. و تتجه للباحة الخلفية للقصر و رائحة العنبر تفوح منها ..كأنها تتبعها أثناء سيرها .. تقف تفكّر في تكملة لبقية القصة .. تدور عيناها حول المكان بتأمّل .. تهُبّ نسمة قوية جداً تعبث بستائر القصر العالية .. تحمل أريج البتشول العبق برائحة التربة و خشب الصندل و رائحة رطبة منبعثة من جذور نبتة أنجيليكا (حشيشة الملاك) المزروعة في تلك الباحة .. تختلط بقلب العطر العنبري بشغف .. تسحب رائحته بهدوء .. فتغادر كلّ الروائح من قلب القصر العطري .. و يبقي العنبر الفتيّ بعناده آخر المغادرين .. يُبسط عنفوانه من قلب العطر على قاعدته .. كما فرضه سابقاً على مقدِّمته و قضى عليها ..






كأنه يصرُخ و يقول أنا السلطان .. أنا العنبر .. و هذا قصري العطري .. أتجول فيه حيث أشاء .. فلا صوت يعلو فوق صوتي .. و لا أريج ينفذ فوق أريجي .. فيمتليء القصر بتلك النهاية القاعدية التي حملها نسيم الصباح عُنوةً لداخل قصر السلطان العنبري .. ذلك السلطان الذي ترتعد له فرائص الجميع .. كما ارتعدت له فرائص كلّ النوتات ..


عطرٌ أراه شتويّ .. و لكلا الجنسين .. كثيف جداً ..غامضٌ و مدخّن .. غريبٌ و مثير .. يجذب إهتمام الآخرين بسهولة .. يضمن لك المديح المنشود .. يدوم طويلاً .. فثباته رائع بحق .. و ستعيشون معه تجربة حسّية فريدة .. تجربة لن تنسونها أبداً .. عطر من ألف ليلة و ليلة .. قادمٌ من الشرق .. من قصر شهريار .. صُنع له و لشهرزاد ..


أضمن لكل عُشاق العنبر جمال هذه الرائحة .. و أرشحها بقوة .. و لا أوّد الإسهاب أكثر في شرحها و مديحها .. فرشّةٌ واحدة ستُعيد سرد حكايات ألف ليلة وليلة إلى مسامعكم مرة أخرى .. فكما تعرفون بالطبع أن القراءة عن زيارة مكان جميل ليست كزيارته الفعلية .. ففي الزيارة يكمن الإحساس التام بالمتعة العطرية .. و الإستمتاع التام بنقاء الرائحة الشرقية .. زوروا قصر السلطان .. فأريج قصره سيرسم ابتسامة رضىً على أفواهكم .. ويترككم في غبطةٍ و سرور .. و يجعلكم متميزينَ عن أقرانكم .. و يبقيكم في سعادةٍ و حُبُور .. طبتم و طابت أيامكم و لياليكم.




منقووول