السير الى الله

*

يقول الله تعالى فى محكم تنزيله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾*فاطر 35: 15،*ومعنى هذة الاية الكريمة أن كل العالمين فقراء الى الله حتى يجدوه وحينئذ يصيرون أغنياء به فيحمدونه حمداً لائقاً وكما قال تعالى*﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾*النور 24: 39، وكما يقول الرسول*صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)*متفق عليه، وفى الخبر أنه قال أيضاً*صلى الله عليه وسلم:*(كن مع الله يكن معك).

فالسير الى الله مثل السفر وهو حادث أصلا لكل الوجود طوعاً أو كرهاً فتطور حياة الكائنات الحية منذ أطوار حدوثها الأولى وإكتمال وجودها الى فنائها سير الى الله مثلاً بالنسبة للصنف البشرى منذ إنتقاله من صلب أبيه الى رحم أمه نطفه فعلقة فمضغه مخلقة وغير مخلقة ثم يصير عظماً فيكسى لحماً وينشئ خلقاً بشراً سوياً متنقلاً من طور الى طور لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾*نوح 71: 14، والتنقل من الطفولة الى المشيب هذا هو السير الطبيعى للمخلوقات.

أما السير الإختيارى فهو أن يسير الإنسان طائعاً مختاراً الى الله ومسالكه وينطبق عليه قوله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾*الفرقان 25: 59، وقد وضع المولى*عز وجل*فى كتابة الكريم درجات السير وأنواعه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾*الانشقاق 84: 6، والكدح هو السير زحفاً وفى الحديث القدسى: (من تقرب إلى شبراً تقربت منه زراعاً ومن تقرب إلى زراعاً تقربت منه باعاً ومن أتانى يمشى أتيته هرولةً ... الخ الحديث)*البيهقى. وقوله تعالى: ﴿إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى﴾*الصافات 37: 99، وقوله ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾*الواقعة 56: 10، وقوله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾الذاريات 51: 50، فكل هذه محطات مختلفة ومراحل تختلف بإختلاف المسافات والسرعات وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾*السجدة 32: 13، فهذه الآية تؤكد إختلاف مكانة الانسان عند الله تعالى حسب سيره الى الله وحسب مرتبته وحسب إجتهاده.

فأين نحن ياأحباب من هذه المسيرة العظيمة الى الله ؟!