|
بتاريخ : 27-04-2016 الساعة : 10:28 AM
رقم
#1
رحلة الإسراء والمعراج 1
|
مشرف
|
من أسرار الإسراء
كرم الله حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم برحلة الإسراء والمعراج، هذا المعجزة كان فيها توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام وشريعة سيدنا موسى على عادة القرآن فى ذكر المثل والنظائر الدينية، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله، وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت. فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذي تداولته الرسل من قبل، فلم يستأثرهم بالحلول بذلك المكان هو مهبط الشريعة الموسوية، ورمز أطوار تاريخ بنى إسرائيل وأسلافهم، والذي هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه فى عهد سيدنا إبراهيم كما ورد عند تفسير قوله تعالى ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ الإسراء 1، فأحل الله به سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعد أن هُجِرَ وخُرِّب إيماءً إلى أن أمته تجدد مجده. وأن الله مكنه صلى الله عليه وسلم من حرمي النبوة والشريعة، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة وإنما عُمِّرت كنائس حوله، وأن بنى إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى، فكان إفسادهم سببا فى تسلط أعدائهم عليهم وخَرَاب المسجد الأقصى. وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذى أنكروا رسالته.
ومن أسرار الإسراء أن الحق سبحانه فرض على حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة فى اليوم والليلة، وعند مروره صلى الله عليه وسلم بسيدنا موسى سأله: ما فرض الله على أمتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خمسين صلاة، فقال سيدنا موسى: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجع الحبيب صلى الله عليه وسلم، فحط المولى منها خمس، وما زال الحبيب صلى الله عليه وسلم يتراوح بين سيدنا موسى والحق سبحانه وتعالى حتى وصلت إلى خمس صلوات، ولما أراد سيدنا موسى أن يخفف الخمس، أجابه صلى الله عليه وسلم بأنه قد استحى من ربه.
وهنا لطيفة: لمن يدعي أن الأحياء لا ينتفعون بالأموات، فهذا دليل صريح على إنتفاع الأحياء بالأموات، فسيدنا موسى نفع الأمة المحمدية بأسرها من حيث تخفيف الصلاة... فهل سيدنا موسى كان حياً أم ميتاً؟!!
وبعد الرحلة يتجه الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم إلى بيت الله الحرام فيأتيه أبوجهل ويقول: هل من نبأ جديد؟ فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: نعم، لقد أُسري بي الليلة إلى بيت المقدس قال أبوجهل متعجباً: وأصبحت بين ظهرانينا؟ فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: نعم، قال أبوجهل: أتحدث القوم بما حدثتني؟ قال صلوات ربى وسلامه عليه: نعم، فنادى أبوجهل فى الناس، يا بنى فهر، يا بنى مضر، يا بنى كنانة، فاجتمع العرب، فقال أبوجهل لهم: انظروا إلى صاحبكم ماذا يقول، وكرر عليه صلى الله عليه وسلم نفس الأسئلة عن النبأ الجديد، والناس ما بين مصدق ومكذب، وكل من كذبوا الحبيب صلى الله عليه وسلم فى ذلك الوقت ارتدوا كفاراً بعد ذلك وضُربت أعناقهم فى حروب الردة، ثم توجه أبوجهل إلى سيدنا أبوبكر قائلاً: يزعم صاحبكم أنه ذهب إلى بيت المقدس فى بعض ليلة وأصبح بين ظهرانينا، فرد عليه سيدنا أبوبكر قائلاً: أو قال ذلك؟ فقال أبوجهل: نعم، فقال الصديق: لقد صدق، أنا أصدقه فى أبعد من ذلك، أصدقه فى خبر السماء.
ثم أن قبائل قريش طالبوا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالدليل والبينة، طالبوه صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس، لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم لم يخرج من بينهم إلى بيت المقدس، فأتى سيدنا جبريل بالبيت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى رواية كشف الله له ما بينه وبين بيت المقدس فرآه ومضى فى وصفه بجميع العلامات المميزة فيه، وصفاً دقيقاً يُعجزهم عن تكذيبه، وصدق الحق سبحانه ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ النجم 12.
وهنا لطيفة ثانية:
فنجد صنف من الناس سيماهم التكذيب حتى لو هناك أدلة وصنف آخر سيماهم التصديق دون طلب أدلة وصدق الحق سبحانه ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ المرسلات 15.
ونختم بلطيفة دقيقة عجيبة؛ ألا وهي: عندما تحدث الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه مع سائر الناس فى موضوع الإسراء والمعراج لم يحدثهم إلا فى الشق الأول من الرحلة ألا وهو الإسراء، لأنهم ليسوا أصحاب عقيدة فى الله ورسوله وطالبوه بإقامة البينة فأقامها صلى الله عليه وسلم عليهم بوصفه الدقيق لبيت المقدس، وليس هذا فحسب وإنما أخبرهم صلى الله عليه وسلم عن قافلة فى مكان ما وستدخل مكة فى يوم كذا ويتقدم القافلة جمل أوصافه كذا وكذا.
وعندما انفرد صلى الله عليه وسلم بصحابته حدثهم بما هو أشد من ذلك من الرحلة وهو المعراج، لأن رحلة المعراج تحتاج لأصحاب عقائد صالحة فى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكى يصدقوا بقلوبهم وليس بعقولهم.
ولما انفرد صلى الله عليه وسلم بخاصة صحابته أسرهم بالرؤية الإلهية، ففيما أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي والبزار والدارمي عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وأيضاً عندما سأله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبوذر هل رأيت ربك؟ فقـال الحبيب صلى الله عليه وسلم (قد رأيته نورا أنى أراه) و"قد" هنا تحقيقية، وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره عن عباد بن منصور قال: سألت عكرمة عن قوله تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾النجم 11، قال: أتريد أن أقول لك قد رآه؟ نعم قد رآه ثم نعم قد رآه حتى ينقطع النفس، وما أخرجه ابن جرير الطبري فى جامع البيان عن سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال فى قوله تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، رأى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ربه، وفيما أخرج الإمام مسلم فى صحيحه باب معرفة طريق الرؤية فى حديث طويل نذكر أوله، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن ناساً فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) قال (هل تضارون فى رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب، وهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟ قالوا لا يا رسول الله، قال ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون فى رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة...).
ولما لا وقد قال الحق تبارك وتعالى عن رؤية البشر له سبحانه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ • إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ القيامة 22، 23، وإذا كانت الرؤية هنا في الآخرة لسائر البشر فما بالكم بسيد البشر صلى الله عليه وسلم، وإذا قال أحد أن هذا يتعارض مع قول الحق سبحانه ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الأنعام 103، فقد نهى الحق سبحانه عن رؤيته بالبصر ولم ينه عن رؤيته بالبصيرة.
وصدق الإمام فخرالدين رضي الله عنه حين قال:
في كل حين لنا فى المصطفى أمل حتى إذا حانت الإسراء يسرينا
|
|
|
المفضلات