مولد النور صلى الله عليه وسلم 12

**الشيخ / خالد الجعفري** · 05:20 PM

*12- مولد النور صلى الله عليه وسلم...*

يقول مولانا الإمام فخرالدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنه:
ﻻ يعلم الثقلان عنه قدر ما
جهلوا وضلوا في جلي ضحاه
ﻻ يبلغ الطلاب منه بداية
أو تفقه الأملاك ما نجواه

ما زلنا عند حادثة شق صدر حضرة الرسول الأعظم والحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم في مضارب بني سعد، حيث توافد إليه بنوا سعد يقبلونه صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الحادثة، فقد ذكر الشيخ نافع الجوهري الخفاجي الشافعي الشاذلي رضي الله عنه في كتابه [قصة المولد الشريف]:
أقبل بنو سعد يقبلونه ويسألونه عن حاله فصار يخبرهم فتعجب القوم من ذلك؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما:
وكان الله سبحانه وتعالى قد بعث إليه جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام ومعهم طشت وإبريق وماء من الجنة وماء من الرحيق المختوم ومنديل من السندس الأخضر فأضجعه جبريل فشق صدره بأمر الملك الجليل وشق قلبه وأخرج منه علقة سوداء وقال:
هذا حظ الشيطان منك يا سيد المرسلين ثم صب عليه الماء وأتم غسله ثم أعاد فؤاده كما كان أول مرة فكان يرى أثر المخيط في صدره حتى مات صلى الله عليه وسلم وهو أحد الأقوال في قوله تعالى:
{ألم نشرح لك صدرك}، ثم قال جبريل لميكائيل:
زنه بعشرة من أمته فوزنه فرجحهم ثم قال:
زنه بعشرين فوزنه فرجحهم فقال له:
زنه بأهل الأرض كلهم فوزنه فرجحهم..
قالت حليمة:
فحملناه إلى خيم لنا فقال الناس: أصابه لمم فاذهبوا به إلى كاهن يداويه، فقال صلى الله عليه وسلم:
(ما بي شيء مما ترونه وأني أرى نفسي سليمة وفؤادي صحيحاً بحمد الله)، فغلبوا على رأيي فانطلقت به إلى كاهن فقصصت عليه قصته فقال:
دعيني أسمع منه فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قصته فوثب الكاهن على قدميه وضمه إلى صدره ونادى بأعلى صوت:
يال العرب يال العرب من شر قد اقترب، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم وليبدلن أديانكم وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه..
فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت له:
أنت أعته وأجن من إبني ولو علمت أن هذا يكون منك ما أتيتك به أطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمداً..
فأتيت به منزلي فما بقي يومئذٍ بيت من بني سعد إلا وجد منه ريح المسك وكان ينقض عليه كل يوم طيران أبيضان يغيبان في ثيابه ولا يظهران، فلما رأى أبوه ذلك قال:
يا حليمة إنا لا نأمن على هذا الغلام وقد خشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ما نتخوف به عليه..
وقال الناس:
يا حليمة أرجعيه إلى جده وأمه فإنا نخاف عليه..
فلما عزمت على ذلك سمعت صوتاً في جوف الليل ينادي:
ذهب ربيع الخير وأمان بني سعد هنيئاً لبطحاء مكة إذا كنت فيها يا محمد فالآن قد آمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك إليها يا خير البشر، فلما أصبحت ركبت أتاني ووضعت النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي فلما انتهيت إلى الباب الأعظم من أبواب مكة نزلت لأقضي حاجتي وأنزلت النبي صلى الله عليه وسلم فغشيتني كالسحابة البيضاء وسمعت صوتاً شديداً ففزعت منه والتفت فلم أر النبي صلى الله عليه وسلم فصحت:
يا معشر قريش الغلام الغلام..
قالوا:
وما الغلام ؟!، قلت:
محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الذي نضر الله به وجهي وأغنى عيلتي وأشبع جوعتي وربيته حتى أدركت فيه سروري وجئت لأرده وأخرج من أمانتي اختلس من بين يدي، والات والعزى لأرمين نفسي من شاهق هذا الجبل ولأتقطعن إرباً إرباً..
فإذا بشيخ يتوكأ على عصاه فقال:
لا تبكين أنا أدلك على من يعلم بعلمه وإن شاء أن يرده عليك رده..
فقلت له:
فداك نفسي من هو ؟..
قال: هبل..
فازدريت به وقلت:
ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد صلى الله عليه وسلم..
فقال: كأنك تهزئين بي أو لا تدري ما تقولين، أنا أدخل إليه وأسأله أن يرده عليك..
فدخل عليه فطاف به وهرول وسعى أسبوعاً وقبل رأسه وقال:
يا سيداه لم تزل منك على قريش قديمة وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل فرده إن شئت..
فانكب الهبل على وجهه وتساقطت الأصنام وقالت:
إليك عنا إنما هلاكنا على يد محمد..
فأقبل وأنا أسمع لأنيابه اصطكاكاً ولركبه ارتعاداً وألقى عكازه وهو يقول:
إن لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل..
فانطلقت إلى عبدالمطلب فدخلت عليه فلما نظر إلي قال لي: أسعد نزل بك أم نحس ؟، فقلت: النحس الأكبر..
ففهمها مني وقال: لعل ابنك قد ضل ؟، قلت: نعم..
فعلا الصفا ونادى بأعلى صوته:
يا آل غالب، فاجتمع الرجال إليه فقال لهم: إن ابني محمداً قد فقد، فقالوا له: اركب نركب معك فإن صعدت جبلاً صعدناه وإن خضت بحراً خضناه معك..
فركب وركبت قريش معه فأخذ في أعلى مكة وانحدر أسفلها فلما لم ير شيئاً ترك الناس وأتزر بثوب وارتدى بآخر وأقبل إلى البيت الحرام فطاف به أسبوعاً وهو يقول:

يا رب رد لي محمداً
رداً جميلاً واتخذ عندي يدا
أنت الذي جعلته لي عضداً
يا رب إن محمداً لم يوجدا
فجمع قوي كلهم تبددا

فسمعنا منادياً ينادي من جوف الهواء:
معاشر الناس لا تنتحبوا فإن لمحمد رباً لا يضيعه ولا يخذله، فقال عبدالمطلب:
ومن لنا به ؟ وأين هو ؟، قال:
بوادي تهامة عند شجرة اليمن "وهي الموز"..
فأقبل عبدالمطلب راكباً متسلحاً، فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فسارا جميعاً..
فبينما يسيران إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يجذب بأغصانها، فقال عبدالمطلب:
من أنت يا غلام ؟، قال:
أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، فقال:
فدتك نفسي أنا جدك..
فحمله على قربوس سرجه ثم رده إلى مكة..
فلما قدمنا به إلى أمه قالت أمه آمنة: ما أقدمكما به وقد كنتم حريصين عليه ؟!، قلت:
نخشى عليه الإتلاف والأحداث، قالت:
وما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها بما جرى، فقالت:
أخشيتما على ولدي من الشيطان ؟!، كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن عظيم، فخلياه عنكما..
ثم جهزني عبدالمطلب بأحسن جهاز وانصرفت إلى منزلي... يتبع..

📚 علوم وثقافة منقوله