شعراء الصعاليك: تابط شرا




مرَّ الشعر العربي بعصور مختلفة وتجاربَ كثيرة، فكان لكلِّ عصر من العصور معجمُهُ الخاص وأسلوبهُ الذي يتلاءم مع البيئة والمحيط الذي وجِدَ فيه، والشعر الجاهلي هو كلّ ما كُتبَ من شعر في الجاهلية أي قبل الإسلام، وهو أقدم عصور الشعر المحفوظة والمعروفة، وقد اشتهر الشعر الجاهلي بالمعلقات الجاهلية التي عُرفتْ منذ القِدمِ ولم تزلْ محطَّ اهتمام الدارسين حتى اليوم، وقد اشتهر عدّة شعراء من العصر الجاهلي أمثال امرئ القيس والأعشى وعنترة وزهير بن أبي سلمى، ولم تزلْ أشعارهم حديث كثير من أهل الأدب، وهذا المقال سيسلّط الضوء على شاعر جاهلي سُمِّي تأبط شرًا وسيعرض قصتَهُ وبعضَ قصائدهِ.

نبذة عن تأبط شرًا

هو ثابت بن جابر الفهمي، شاعر جاهلي من الشعراء الصعاليك، وهم شعراء عاشوا في البادية وانعزلوا عن قبائلهم انعزالًا تامًّا، ومنهم: الشنفرى وعروة بن الورد والسليك بن سلكة والشاعر تأبط شرًا الذي تقول الروايات عنه إنّه من قبيلة دوس بني فهم من زهران، وقد كثرتْ الروايات حول سبب تسميته بهذا الاسم، وقيل: إنَّ سبب تسميته بهذا الاسم عائد إلى أنّه خرجَ للغزو فوضعَ سيفَهُ تحت إبطِهِ، فكانت أمُّهُ تقول: تأبط شرًا فسرى عليه هذا اللقب، وفي رواية أخرى قيل إنّه جاء إلى أمِّهِ ذات يوم بجرابِ ممتلئ بالأفاعي، وكانت أمُّهُ قد لامتْهُ أنّه يجيء إليها ولا يأتيها بشيء يهديه إليها كما يفعل فتيان الحي مع أمهاتهم، فجاءَها ذات مرّة وألقى أمامها الأفاعي، ولمّا روتْ الأم هذه الحادثة أمام نساء الحي سألنها: كيف حمل ثابت الأفاعي، قالت أمّه: تأبطها، فقُلْنَ: لقد تأبط شرًا فصار يُسمّى بهذا الاسم.

وقد عاشَ الشاعر حياة الصعاليك، حيث كان يغزو ويأكل ويساعد الفقراء شأنه في هذا شأن كلِّ الشعراء الصعاليك في الجاهلية، وقد توفّيَ سنة 530 للميلاد بحسب الروايات، وقد أجمعت الروايات على أنّه مات مقتولًا، وقيل: قُتِلَ في معركةٍ مع بني رُجيلة في جبل نمار من أرضهم، وفي رواية أخرى قيل: قتل تأبط شرًا بلدغة أفعى أخرجها من جحرِها فلدغته، والله أعلم. [١].

قصة تأبط شرًا

إنَّ قصة الشاعر تأبط شرًا مع الكبش هي إحدى الروايات الواردة في سبب تسميته بهذا الاسم، وتقول القصة بحسب ما ذكر الرواة إنَّ الشاعر رأى كبشًا في الصحراء، فحملَهُ تحت إبطَهُ وجاء به إلى الحي حيث كان يعيش، فكان الكبش يبول عليه طيلة الطريق، فلمّا اقترب من الحي أحسَّ بثقلِ الكبش عليه فرماه على الأرض، فإذا هو الغول، فقال له قومُهُ: ما تأبطتْ يا ثابت؟ قال: الغول، قالوا: لقد تأبطتَ شرًّا، ومن هنا جاءتْ تسميته بهذا الاسم.

ومن قصصه أيضًا قصتُهُ مع أبي كبير الهذلي، حيث تقول القصّة إنّه تزوج أبو كبير عامر بن الحليس الهذلي أمَّ تأبط شرًا وكان غلامًا صغيرًا، فلما وجدَ تأبطَ شرًا أبا كبير يكثر الدخول على أمه تنكَّر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهِهِ إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك، قد والله رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك! قالت: فاحْتَلْ عليه حتَّى تقتله، فقال له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟ فقال: ذلك من أمري، قال: فامض بنا، فخرجَا غازيين ولا زادَ معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد، حتَّى ظن أبو كبير أنَّ الغلام قد جاع، فلمَّا أمسى قصد به أبو كبيرٍ قومًا كانوا له أعداءً فلما رأيا نارهم من بعد، قال له أبو كبير: ويحكَ قد جُعْنَا، فلو ذهبتْ إلى تلك النار فالتمستْ منها لنا شيئًا! قال: ويحكَ وأي وقت جوعٍ هذا؟، قال: أنا قد جعتُ فاطلبْ لي فمضى تأبط شرًا فوجد على النار رجلينِ من ألصِّ من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير لكي يسفكا دمَهُ، فلما رأياه قد غشي نارهما وثَبا عليه، فرمى أحدهَما، وكرَّ على الآخر فرماه، فقتلهما، ثم جاء إلى نارِهما فأخذ الخبز منها، فجاء به إلي أبي كبير، فقال: كلْ لا أشبع الله بطنَك! ولم يأكلْ هو، فقال: ويحكَ أخبرني قصَّتك، قال: وما سؤالك عن هذا؟، كلْ ودعِ المَسألةَ، فدخلتْ أبا كبير منه خيفةٌ، وأهمَّته نفسه.

ثم سأله بالصحبة إلا حدَّثه كيف عمل فأخبره، فازداد خوفًا منه، ثمَّ مضيا في غزوتهما فأصابا إبلاً، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليالٍ: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه، وأنام، وتنام النصف الآخر وأحرس، فقال: ذلك إليك، اختر أيهما شئت، فكانَ أبو كبير ينامُ إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شرًا، فإذا نام تأبط شرًا، نام أبو كبير أيضًا، فلا يحرس شيئًا حتى استوفى الثلاث.

فلما كان في الليلة الرابعة ظنَّ أنَّ النعاس قد غلب على الغلام، فنام أوَّل الليل إلى نصفه وحرَسَهُ تأبط شرًا، فلمَّا نام الغلام، قال أبو كبير: الآن يستثقل نومًا وتمكنني فيه الفرصة، فلما ظن أنه قد استثقل أخذ حصاةً، فحذف بها، فقام الغلام كأنه كعبٌ، فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدري، قال: والله صوتٌ سمعته في عرض الإبل، فقام فطاف فلم ير شيئًا، فعاد فنام، فلمَّا ظن أنَّه استثقل أخذ حصيةً صغيرة فحذف بها، فقام كقيامه الأول، فقال: ما هذا الذي أسمع؟ قال: والله ما أدري، قد سمعتُ كما سمعتَ، وما أدري ما هو ولعلَّ بعضَ الإبل تحركُ، فقام وطاف وعسَّ فلم يرَ شيئًا، فعاد فنام، فأخذ حصيةً أصغر من تلك فرمى بها فوثب كما وثب أولاً، فطاف وعسَّ فلم ير شيئًا ورجع إليه، فقال: يا هذا، إني قد أنكرت أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئًا من هذا لأقتلنَّك! قال أبو كبير: فبتُّ والله أحرسُهُ خوفًا أن يتحرك شيءٌ من الإبل، فيقتلني، قال: فلمّا رجعا إلى حيِّهما، قال أبو كبير: إنَّ أمَّ هذا الغلام لامرأة، لا أقربها أبدًا.

قصائد تأبط شرًا

بعد ما وردَ من حديث عن ثابت بن جابر الفهمي لا بدَّ من المرور على بعضِ قصائدهِ. [٢]



أغَرَّكَ مِنِّي يَا بْنَ فَعْلَة َ عِلَّتِي== عَشِيَّة َ أَنْ رَابَتْ عَلَيَّ رَوَائِبِي

وموقدُ نيرانٍ ثلاثٍ فَشَرّها ==وألأمها إذ قُدتُها غيرَ عازبِ

سَلَبْتَ سِلاَحِي بَائِساً وَشَتَمْتَنِي== فيا خَيرَ مسلُوبٍ ويا شرَّ سالبِ

فإن أكُ لم أخضِبكَ فيها فإنّها== نيوبُ أساويدٍ وشولُ عقاربِ

ويا ركبة َ الحمراءِ شرَّة ََ ركبة ٍ== وكادتْ تكونُ شرّ ركبة َ راكبِ

ومما قال

ألا هل أتى الحسناءَ أنَّ حليلها== تَأَبَّطَ شَرّاً وَاكْتَنَيْتُ أَبَا وَهْبِ

فَهَبْهُ تَسَمَّى اسْمِي وَسَمَّاني باسْمِهِ ==فَأَيْنَ لَهُ صَبْرِي عَلَى مُعْظَمِ الخَطْبِ

وأينَ لهُ بأسٌ كبأسي وَسَورَتي== وأينَ لَهُ في كُلِّ فَادِحة ٍ قَلبي


وقال أيضًا:


إذا المرءُ لم يحتل وقد جدَّ جِدُّهُ ==أَضَاعَ وَقَاسَى أمْرَهُ وَهْوَ مُدْبِرُ

لكن أخو الحزمِ الذي ليسَ نازِلاً== بِهِ الخطْبُ إلاَّ وَهْوَ لِلْقَصْدِ مُبْصِرُ

فذاكَ قريعُ الدّهرِ ما عاشَ حوَّلٌ== إذْا سُدَّ مِنْهُ مَنْخِرٌ جَاشَ مَنْخِرُ

أَقُولُ لِلْحَيْانٍ وَقَدْ صَفِرَتْ لَهُمْ== وِطَابِي وَيَوْمِي ضَيِّقُ الجُحْرِ مَعْوِرُ

هما خُطَّتا إما إسارٌ ومنَّة ٌ== وإما دمَّ والقتلُ بالحرِّ أجدرٌ

وأخرى أصادي النَّفسَ عنها وإنَّها=لَمَوْرِدُ حَزْمٍ إنْ فَعَلْتُ وَمَصْدَرُ

فرَشْتُ لَهَا صَدْرِي فَزَلَّ عَنِ الصَّفَا ==به جؤجؤ عبلٌ ومتنٌ مخصّرُ

فَخَالَطَ سَهْلَ الأرْضِ لَمْ يَكْدَح الصَّفَا== به كدحة ً والموتُ خَزيانُ ينظرُ

فأبتُ إلى فهمٍ ولم أكُ آيباً ==وَكَمْ مِثْلِهَا فَارَقْتُهَا وَهْيَ تَصْفِرُ

فَإنَّكَ لَوْ قَايَسْتَ بِاللِّصْبِ حِيلَتِي== بِلُقْمَانَ لَمْ يُقْصِر بِيَ الدَّهْرَ مُقْصِرُ


منقول