الاعتذار ... فن أيضا






فن الاعتذار لو علمه الناس لطالبوا بسن القوانين من أجله وتنظيمه ، بالاعتذار تهدأ المشاعر المتعصية وتتفتح الوجوه وتقترب القلوب من بعضها ، الاعتذار يعد بحق من أصعب الكلمات التي من الممكن أن تسمعها ، علما أن يندر أن تسمعها ، في الطريق تمشي واذا أخطأ أحدهم في مشيته بالسيارة بأن اقترب منك وكاد يضربك أو التف من غير تنبيه تجده في أحيان قليلة يرفع يده ويضعها على رأسه بمعنى أنا آسف أعذرني، تأكد حينها أن هذا الرجل نقي السريرة طلق الوجه مرافق جيد في السفر والحضر وجار جيد فهو يغلب نفسه ويربأ بها عن التعالي في وجوه الاخرين ، هذا الرجل الذي رفع يده تعالى على أخطاءه فاعترف بها هو أقوى من أخطاءه وصاحب قدرة على التحكم في مشاعره لصالح المجتمع ولصالح الناس تفضيلا على نفسه ، لو علم الناس المفعول السحري للاعتذار لبادر كل منهم في الاعتذار لأبيه ولأمه عن عقوقه ونال الرضا حينها عنه وباعتذاره لأخيه عن لبس قميصه ولأخته عن قسوته في معاملتها ولأخيه الطفل الصغير بأن أحضر له لعبة ارضاء له لسادت المودة والرحمة وعمت السكينة في أرجاء البيت وقتها.

أن تعتذر معناه أنك أقوى ومعناه أيضا أننا كمجتمع نقبل منك أن تخطىء ونقبل منك أن تتصرف بحرية ما دمت ترد الحقوق لأصحابها.

زميلك في العمل هل اعتذرت له سابقا؟

لا اعتقد أن الكثير منا يفعل ذلك فعلاقة الزمالة غالبا يسودها التنافس وصراع الديوك والواسطات وغيره ، ماذا يفعل الاعتذار في جو كهذا؟

الاعتذار يجعل من الثماني ساعات التي تقضيها في العمل ساعات رحمة لقلبك وساعات أخوة صادقة وساعات انجاز لمصلحة العمل لكن الاعتذار هنا مرتبط بأمور أخرى حتى تسود به السكينه وهي محاربة الفساد ولن نخوض في ذلك الان فالفساد سرطان أليم ، وماذا لو قام مسؤول بالاعتذار عن اهمال أو سرقة سيقول الناس وقتها أن الاعتذار يستلزم الاستقالة وبذلك ما أن يترقى المسؤول بشافيته الى أفضل حال ويصل فيها الى درجة الاعتذار عن خطئه حتى نطالبه بالمغادرة فورا ، لو كنت أنا من سيحكم عليه وتأكدت أنه وصل الى هذه المرحلة التي نفتقدها لأمرته بخدمة العلم بالبقاء في منصبة مدة مضاعفة عن المدة الأصليه ، لكن أين نحن من ذاك. تمنيت الان لو أني طبيب نفسي وأشرح مفعول الاعتذار في النفوس لكن للأسف لست كذلك وليس لي الا أن أقول أن الاعتذار يتضمن سحرا وليس كأي سحر ولا بالخيال وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى بن أم مكتوم بعد موقف عبس وتولى يبسط له رداءه ويقول: "مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، هل من حاجة؟

وأذكر مرة أني رافقت رجلا أعرف عنه أنه تاجر محنك وصاحب لسان طليق وصاحب مهنة محترف وكان يتودد لي وأصحابي في مسألة فركبنا معه في السيارة فكان أن تجاوز عن سيارة أخرى بشكل غير لائق فمد يده واقترب من السيارة الاخرى وقال للرجل : مرحبا أنا آسف جدا ، فابتسم ذلك الرجل من بعد عصبية وكان موقفا حاز فيه على الاعجاب فقد عرف أين تؤكل الكتف.

وبعد هذا هل نقبل أن يشمل عدم الاعتذار بالعفو العام؟

نتمنى أن تسمو بنا أخلاق الاسلام الى هذا الحد من الفضيلة في معاملة الناس التي تدل وتبين الدين الصادق والخلق القويم ونسأل الله التوفيق