صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 28
  1. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:22 AM رقم #11
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  2. اشتمل البيت على خمسة فصول متضمنة لجواب خمس سؤالات و هي ما في الكلمة المشرفة من أقسام المد و ما من حروف المد فيها , و ما حد المد الذي فيها, و هل يجوز تركه أم لا , و ما يجب قصره فيما لا يجوز مده . فهذه خمسة من السبعة المتقدمة . فهي اثنى عشر فصلا . قوله أقسام مد , أي و ما في الكلمة المشرفة من أقسام المد . الفصل الثامن المتضمن لجواب السؤال الثامن في بيان أقسام المد , أي و ما في قول لا اله الا الله من أقسام المد . اعلم أن المد قسمه بعضهم الى ستة عشر قسما , و قسمه الشيخ خالد الأزهري في شرحه للجزرية الى أربعة عشر قسما . الأول , مد حجز كقوله تعالى : " آانذرتكم " , و سمي بذلك لدخول الألف بين الهمزتين حاجزة بينهما . الثاني , مد عدل كقوله تعالى : " و لا الضالين " , و سمي بذلك لأنه يعدل حركته و يسمى اللازم المشدد . الثالث , مد التمكين و يسمى المتصل أيضا , كقوله تعالى : " و السماء " , سمي به للتمكين من تحقيق الهمزة . الرابع , مد البسط , و يسمى المنفصل أيضا , كقوله تعالى : " بما أنزل اليك " , سمي به لأنه يبسط بين الكلمتين بساطا , أو لأنه يفصل بين الكلمتين . الخامس , مد الروم , كقوله تعالى : " هانتم " , سمي به لأنهم يرومون الهمزة و لا يحققونها , و انما يثبتونها و يشيرون اليها . السادس , مد الفرق , كقوله تعالى : " الله خير " , سمي به لأنه يفرق بين الاستفهام و الخبر . السابع , مد البنية , كقوله تعالى : " و زكرياء " , سمي به لأنه يبين بنية الممدود من المقصور . الثامن , مد البدل من الهمزة في نحو قوله تعالى : " آدم , و آمن , وايمان , و أوتوا العلم " , سمي به لأنه يبدل الهمزة الثانية من جنس حركة ما قبلها . التاسع , مد الأصل , نحو جاء و شاء , كان أصله جيء و شيء . العاشر , المد العرض المخفف , نحو نستعين , سمي به لعروض السكون في الوقف . الحادي عشر , المد الطبيعي كالألف من قال , و الواو من يقول , و الياء من العالمين , سمي بذلك لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقص المد في ذلك عن مقدار حركتها . الثاني عشر , مد لازم مخفف , نحو ص , ق , يس . الثالث عشر , مد تعظيم , كالله , سمي به لأنه أوتي به لتعظيم الجلالة . الرابع عشر , مد مبالغة , كقوله تعالى : " أنه لا اله الا الله " , سمي بذلك للمبالغة في نفي الألوهية عما سوى الله تعالى . قلت و كلها ترجع الى قسمين , أصلي و فرعي . فالأصلي هو الذي لا تقوم ذات الحرف الا به , و يعرف بالمد الطبيعي , و لا يتوقف على سبب , نحو الذين آمنوا , و عفا , و هو كل ألف قبله فتحة , و لا يكون الا ساكنا . و كل واو ساكنة فبلها ضمة , و كل ياء ساكنة قبلها كسرة . قال بن الجزري :
    فألف الجوف و أختاها وهي حروف مد الهواء تنتهي
    و الفرعي خلاف ذلك , و له سببان , اما همزة و اما سكون . و المد للسكون قسمان , لازم و عارض . و المد للهمزة قسمان , واجب و جائز . فاللازم ما لزم حالة واحدة في المد عند جميع القراء , و سمي لازما للزوم سببه , و الوجب ما اجتمع القراء على مده , لكن اختلفوا في مقداره , و سيأتي بيانه , و سمي واجبا لأنه لا يجب قصره . و الجائز ما جاز مده و قصره عند جميع القراء , و العارض من قسم الجائز و حكمه مثله , و هو ما عارضه السكون للوقف , و سيأتي ان شاء الله تعالى . قال ابن الجزري :
    و المد لازم و واجب أتى و جائز و هو قصر ثبتا
    و المد اللازم الذي سببه السكون كما تقدم , ينقسم أيضا قسمين , الى كلي نحو الحاقة و الصاخة , و الى حرفي نحو ص و ق و ن . و المد الذي سببه الهمز ينقسم قسمين , لاحق له و سابق عليه . فالأول كآمن و ايمانا و أوتوا العلم و غيره . فلورش فيه المد و القصر و التوسط . و الثاني , و هو قسمان أيضا , الى متصل نحو جاء و سيءو ابءوا. سمي متصلا لاتصال الهمزة بحرفالمد في كلمة واحدة , و هو الوجب المتقدم ذكره , و سمي واجبا لوجوب مده عند القراء , و انما الخلاف في مقداره كما تقدم . و الى منفصل , و هو ما كان حرف المد في آخر كلمة و الهمزالذي هو سببه في أول كلمة أخرى , نحو أتى أمر الله , و هو من المد الجائز لاختلاف القراء فيه . فمنهم من لا يرى فيه الا المد و هو ورش و حمزة و عاصم و ابن عامر و الكسائي . و منهم من لا يرى فيه الا القصر , و هو ابن كثير و السوسي . و منهم من يرى الوجهين , و هو قالون و الدوري . فتلخص أن في الكلمة المشرفة من أقسام المد مد المبالغة , و هو مد لا كما تقدم , و باضافة اله صار مدا منفصلا . و قد عرف أن المد المنفصل من أقسام الجائز لاختلاف القراء فيه على ما تقدم . و في اله المد لأنه لحق سببه الذي هو الهمزة و هو من الجائز أيضا و الله أعلم , لأن الواجب خصصه ابن الجزري بقوله رحمه الله تعالى :
    و واجب ان جاء قبل همزة متصلا ان جمعا بكلمة
    كجاء مثلا يفهم منه الذي لا توجد فيه هذه القيود , فهو من المد الجائز , و لم أر من نبه عليه , و في حرف الاستثناء المد الطبيعي الأصلي المتقدم ذكره , و ترك النطق به لالتقاء الساكنين المتجانسين . و لذلك يظهر في الوقف و المد في الجلالة للتعظيم كما تقدم . و هو مد طبيعي أصلي , و اذا عرض له السكون للوقف صار المد لازما , أي حمل على الازم . قال الشيخ زكرياء : " و في المد للسكون المذكور ثلاثة أوجه , الطول حملا له على اللازم بجامع اللفظ , و التوسط لعروض السكون المنحط عن لزومه , و القصر بجواز التقاء الساكنين في الوقف . فاستغني عن المد , فتعين في الكلمة المشرفة أربعة أقسام , المد اثنان من الأصلي الطبيعي , و اثنان من الفرعي السببي " . و هذا معنى قوله أقسام مد , و الله أعلم . ثم قال حرفه , أي وما من حروف المد فيها . الفصل التاسع : في الجواب على السؤال التاسع , اعلم أن حروف المد ثلاثة يجمعها قولك (واي) , و تسمى حروف المد و اللين , لامتداد الصوت بها و لينه , أي سهولته . و أصل هذه الحروف الألف , لأنها لا تكون الا ساكنة و لا يكون ما قبلها الا مفتوحا . و أما الواو و الياء فلا يكونان حرفي مد الا بشرطين : أن يكونا ساكنين و أن يكون ما قبلهما حركة من جنسيهما , لأنهما لو تحركتا فلا تكونان حرفي مد , و ان كان ما قبلهما حركة غير مجانسة لهما , كذلك قال ابو العباس , و لا يمكن أن يدخل المد في هذه الحروف . و انما كان ذلك , لأن هذه الحروف أصوات و الحركات مأخوذة منها , بامتداد الصوت بها يتمكن و يسوغ فيها التطويل و التوسط و القصر , و لا يسوغ ذلك في شيء من الحروف سواهن . قال , و لذلك جاز وقوع الساكن المدغم بعدهن من أجل أن المد عوض عن الحركة و امتنع اجتماع الساكنينن اذا كانا حرفي سلامة . يعني به , و مع حرف العلة لا يمتنع اجتماع الساكنين . قال سيبويه : " و هذه الحروف الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها " . قال : " و أخفاهن و أوسعهن مخرجا الألف , ثم الياء , ثم الواو " . قال ابن الجزري :
    فألف الجوف و أختاها و هي حروف مد للهواء تنتهي
    يعني أن هذه الحروف ليس لها مخرج محقق , و لا حيز تنتهي اليه كغيرها من حروف الهجاء , بل مخرجها الجوف أي داخل الفم , و تنتهي بانتهاء هوائه , أي هواء الفم و هو الصوت . قال الامام شمس الدين البقري : " الجوف هو الخلاء الداخل في الفم لا حيز له محقق " . و تسمى هذه الثلاثة جوفية , لخروجها من الجوف و لأن النفس ما دام موجودا كانت موجودة , و اذا انقطع النفس انقطع المخرج . قال الشيخ زكرياء : " و تميز بتصعد الألف و تسفل الياء و اعتراض الواو بين التصعد و التسفل , و نسبت الى الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجها , و سميت حروف المد و اللين لأنها تخرج بامتداد و لين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها . فان المخرج اذا اتسع , انتشر الصوت و امتد و لان . و اذا ضاق انضغط فيه الصوت أي انحبس و صلب . و كل حرف مساو لمخرجه الا هي و لذلك قبلت الزيادة " , انتهى . حروف المد هي التي لا يتصور وجود الحروف الا بها . فاذا لو قلت مثلا ب ت ث و لم تشبع الحروف , كانوا حركات , فاذا أشبعت الحركات الثلاثة التي على الحروف , و هي الفتحة مثلا , أوالكسرة أو الضمة , تولدت من حروف المد الثلاثة لأنها تنشأ عنها اذا أشبعت و الله أعلم . فتعين أن في الكلمة المشرفة من حروف المد الألف و هو أصلها و أوسعها مخرجا كما تقدم . و هذا معنى قوله أقسام مد حرفه , أي ما حرف المد الذي في لا اله الا الله , ثم قال ما حده , أي السؤال العاشر و ما حد المد فيها . الفصل العاشر : في جواب على حد المد في الكلمة المشرفة , أي مقداره . اعلم أن الأصل في المد ما أخرجه سعيد ابن منصور في سننه , قال : " حدثنا شهاب بن خراش , حدثني مسعود بن يزيد الكندي , قال : كان ابن مسعود يقرىء رجلا , فقرأ الرجل " انما الصدقات للفقراء و المساكين " , مرسلة , فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال كيف أقرأها يا عبد الرحمان . قال اقرأنيها " انما الصدقات للفقراء و المساكين " , فمدها . هذا حديث جليل في الباب أخرجه الطبراني في الكبير . و المد عبارة عن زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي , و هو الذي لا يقوم ذات حرف المد دونه , و القصر ترك الزيادة و ابقاء المد الطبيعي على حاله . و حروف المد الألف مطلقا و الواو و الياء بشرطين كما تقدم . و سببه لفظي و معنوي . فاللفظي اما همز أو سكون . فالمد يكون بعد حرف المد و قبله . فالثاني نحو آدم و آمن و اله , و الأول ان كان معه في كلمة واحدة فهو المتصل , نحو أولئك , يشاء الله , السوءى , كما تقدم . و ان كان حرف المد آخر كلمة و المد أول كلمة أخرى , فهو المنفصل , نحو يا أيها , قالوا آمنا و لا اله . و وجه المد لأجل الهمزة ان كان حرف المد خفي و الهمز صعب , فزيد في الخفي ليتمكن من النطق بالصعب و السكون , و ان تقدم , لكن زيادة بيان ينفع وجودها و لا يضر سقوطها . اما لازم وهو الذي لا يتغير في حاليه , نحو الضالين و دابة و أ لم , أو عارض و هو الذي يعرض للوقف و نحوه , نحو العباد و الحساب و نستعين و يوقنون . حالة الوقف , و فيه هدى , و قال لهم , و يقولون ربنا . حالة الادغام و وجه المد للسكون التمكن من الجمع بين الساكنين , فكأنه أي المد قام مقام حركة. و قد أجمع القراء على مد نوعي المتصل و ذي الساكن اللازم , و ان اختلفوا في مقداره و اختلفوا في مد النوعين الأخيرين , و هما المنفصل و ذو الساكن العارض , و في قصرهما . فأما المتصل فاتفق الجمهور على مده , قولا واحدا مشبعا من غير افحاش . و ذهب آخرون الى تفاضله كتفاضل المنفصل . فالطول لحمزة و ورش , و دونها لعاصم , و دونها لابن عامر و الكسائي , و خلف دونها لأبي عمرو و الباقين , و ذهب بعضهم الى تفاوته . و أما المنفصل , و يقال له مد الفصل , لأنه يفصل بين الكلمتين , و مد البسط و مد الاعتبار لاعتبار الكلمتين من كلمة , و مد حرف بحرف أي مد كلمة لكلمة , و المد الجائز من أجل الخلاف في مده و قصره . فقد اختلفت العبارات في مقدار مده اختلافا لا يمكن ظبطه . و الحاصل أن له سبع مراتب : الأولى , القصر و هو حذف المد العرضي و ابقاء ذات حرف المد على ما فيها من غير زيادة , و هي في المنفصل خاصة لأبي جعفر و ابن كثير , و لأبي عمرو عند الجمهور . الثانية , فويق القصر قليلا و قدرت بألفين و بعضهم بألف و نصف , و هي لأبي عمرو في المتصل و المنفصل عند صاحب التيسير . الثالثة , فويقها قليلا و هي التوسط عند الجميع , و قدرت بثلاث ألفات , و قيل بأفين و نصف و بألفين على أن ما قبلها بألف و نصف , و هي لابن عامر و الكساءي في الضربين عند صاحب التيسير . الرابعة , فويقها قليلا و قدرت بأربع ألفات , و قيل بثلاث و نصف , و قيل بثلاث على الخلاف فيما قبلها , و هي لعاصم في الضربين عند صاحب التيسير . الخامسة , فويقها قليلا و قدرت بخمس ألفات و أربع و نصف , و بأربع على الخلاف , و هي فيهما لحمزة و ورش عنده . السادسة فويق ذلك , و قدرها الهذلي بخمس ألفات على تقدير الخامسة بأربع , و ذكر أنها لحمزة . السابعة , الافراط , قدرها الهذلي بست و ذكرها لورش . قال ابن الجزري : " و هذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه , بل هو لفظي , لأن المرتبة الدنيا و هي القصر اذا زيد عليها أدنى زيادة , صارت ثانية , ثم كذلك حتى تنتهي الى القصوى , فعلم من هذا أن الكلمة المشرفة كيفما نطق بها , جاز ما لم يخرج عن المراتب السبعة المذكورة . و أما المد العارضي فيجوز فيه لكل من القراء كل من الأوجه الثلاثة , المد و القصر و التوسط , و هي أوجه تخيير . فعلم أن الاسم الأعظم كيفما نطق به جاز ما لم يخرج به عما ذكر , أو يوصله كما تقدم . و أما السبب المعنوي , فهو قصد المبالغة في النفي , و هو سبب قوي مقصود عند العرب و ان كان أضعف من االلفظ عند القراء . و منه مد التعظيم في نحو لا اله الا الله , و لا اله الا هو , و لا اله الا أنت . و قد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى , و يسمى مد المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي الاهية ما سوى الله تعالى " . قال و هذا مذهب معروف عند العرب , لأنها تمد عند الدعاء و عند الاستغاثة و عند المبالغة في نفي شيء , يمدون ما لا أصل له بهذه العلة . قال ابن الجزري : " وقد ورد عن حمزة مد المبالغة في النفي في لا التي للتبرئة , نحو لا ريب فيه , لا شية فيها , لا مرد له , لا جرم , و قدره في ذلك وسط لا يبلغ الاشباع , لضعف سببه , نص ابن المقضاع " .
    و قد يجتمع السببان اللفظي و المعنوي في نحو لا اله الا الله , و لا اكراه في الدين , و لا اثم عليه , فيمد لحمزة مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمزة , و يلغي المعنوي اعمالا للأقوى و الغاء للأضعف . قاعدة : اذا تغير سبب المد جاز المد مراعاة للأصل , و القصر نظرا للفظ , سواء كان السبب همزا أو سكونا , و سواء تغير الهمز بين بين أو بابدال أو بحذف . و المد أولى فيما بقي لتغيره اثر نحو " هاؤلاء ان كنتم " في قراءة قالون و البزي , و القصر فيما ذهب اليه , نحو " ها " في قراءة أبي عمرو . قاعدة أخرى : متى اجتمع سببان قوي و ضعيف , عمل بالقوي و ألغي الضعيف اجماعا , و يتخرج عليها فروع , منها الفرع السابق في اجتماع اللفظي و المعنوي , و منها نحو جاءوا أباهم , و رأى ايديهم , اذا قرىء لورش لا يجوز فيه القصر ولا التوسط بل الاشباع عملا بأقوى السببين و هو المد لأجل الهمز بعده , فان وقف على جاءوا , و رأى , جازت الأوجه الثلاثة بسبب تقدم الهمزة على حرف المد و ذهاب سببية الهمزة بعده , انتهى , من " الاتقان في علوم القرآن " . هذا معنى قوله ما حده و الله أعلم . فتعين في الكلمة المشرفة و في اسم الجلالة الذي هو آخرها , اذا استعملا في الذكر , يجوز فيهما الثلاثة الأوجه , و كذلك اله على ما تقدم . فمن علم ذلك فلا يعترض على ذاكرها بوجه , و الله الموفق للصواب و اليه المرجع و المئاب . قوله و هل يجوز تركه , أي ترك المد في لا اله الا الله . الفصل الحادي عشر : في الجواب على السائل هل يجوز ترك المد في الكلمة المشرفة أم لا . اعلم أنه تقدم في الكلمة المشرفة ثلاثة أمداد و الرابع لا يظهر الا عند الوقف عليه و هو الا للتقاء الساكنين المتماثلين على ما تقدم , و بقي الثلاثة أمداد . الأول منفصل , و هو مد لا التبرئة و الخلاف فيه على سبعة مراتب كما تقدم . الأول من المراتب , ترك المد و الابقاء على القصر و هو ترك المد الزائد على الطبيعي على ما تقدم . و الثاني , مد اله , و هو من المد المتصل و هو الذي سببه مد بشرط , كون السبب و حرف المد في كلمة واحدة , الا أنه أي الهمز تقدم على حرف المد فهو من الجائز على ما تقدم من الخلاف فيه . قال في " الاتقان في علوم القرآن " : " و قد أجمع القراء على مد نوعي المتصل و ان اختلفوا في مقداره " , الخ . نعم نوعا المتصل هو ما تقدم , السبب فيه نحو آدم و آمن و اله , وما تأخر نحو جاء و شاء و سيء . فاتفق الجمهور على المد فيهما مشبعا من غير افحاش , و ذهب آخرون الى تفاضله فيها كتفاضل المنفصل , و كل ذلك تقدم في الفصل قبل هذا . و الثالث مد الجلالة , و هو لا يسقط بحال لأنه مد طبيعي و يعرض له الطول و التوسط و القصر لأجل السكون العارض للوقف كما تقدم تفصيل ذلك كله , و سيأتي الكلامليه ان شاء الله تعالى , لأن بعض العرب نطقت به في أشعارها من غير مد أصلا . و هل ينعقد به الذكر أم لا , يأتي ان شاء الله تعالى . فتعين جواز ترك المد في الكلمات الثلاث في لا اله الا الله , فتلخص أن الكلمة المشرفة كيفما استعملت جاز , و من هذا قيل مهما قل العلم كثر الاعتراض و العكس بالعكس و الله أعلم . قال في الجوهر الخاص , أن للعلماء في كلمة لا اله الا الله ثلاثة أقوال , أحدها استحباب المد لقوله صلى الله عليه و سلم : " من قال لا اله الا الله مادا بها صوته دخل الجنة " , و قوله : " يغفر الله للمؤذن مادا صوته " . و الثاني , استحباب القصر خوفا من فجأة الموت في النفي . و الثالث و ان كافرا استحب له القصر لألا يموت قبل اتمامها , و ان كان مسلما استحب له المد كالمؤذن . قوله ما قصره , أي ما يجب قصره فيما لا يجوز مده . الفصل الثاني عشر : في الجواب على قول السائل و ما جب قصره فيما لا يجوز مده من لا اله الا الله , اعلم أن الذي يجب قصره مما لا يجوز مده فيها , الهاء من اله , لأنه اذا مد عليها صار مثنى , و الألف من الا أيضا للتقاء الساكنين و فقد سبب المد , قاله في الجوهر الخاص . قلت , و لا خصوصية لهذين الحرفين , فان كل حرف مقصور على معناه , اذا زيد عليه المد خرج عن معناه . فان الهمزة من اله اذا مد عليها خرجت عن معناها , فيجب القصر عليها , و كذلك الهمزة من الا فاذا مد عليها خرجت عن معناها . و كذلك الهمزة المبتدأ بها اسم الجلالة اذا مدت صارت استفهاما , الا الهاء منه في الوصل , فانها لا تخرج عن المعنى في الحركات الثلاث , بل وفي السكون . ففي النصب تشير الى الشهود في الاصطلاح عند أهل الاشارات بالهاء التنبيهية , و في الرفع الى الهوية المطلقة , و في الخفض الى الذات المشرفة , و في السكون الى الفناء عن الفناء و الله أعلم , و هذا معنى قوله ما قصره . قال عفى الله تعالى عنه :

    ( و هل يجوز ابدال الهمزة بيا تلاوة ذكرا كمد الا بيا )

    اشتمل البيت على ثلاث سؤالات على لا اله الا الله . الأول , هل يجوز ابدال الهمزة ياء من لا اله , و من الا الله بعد فتح الهاء عند تلاوة القرآن أم لا . الثاني , هل يجوز ذلك في الذكر أم لا . الثالث , هل يجوز مد همزة الا الله المكسورة أم لا . و يجاب عليها أيضا في ثلاثة فصول مع الاثني عشر فصلا السابقة , فهي خمسة عشر فصلا . قوله و هل يجوز ابدال الهمزة بيا تلاوة . الفصل الثالث عشر , في الجواب على قوله و هل يجوز ابدال الهمزة ياء من لا اله و من الا الله في تلاوة القرآن أم لا . اعلم أنه يجوز ذلك عند جميع القراء لأنها تصيرالكلمة لا يلاه يلله , و هذا خلاف ما أنزل الله تعالى في كتابه و كلامه الفصيح . تنبيه : انما سأل السائل عن جواز ابدال الهمزة ياء في الكلمة المشرفة لأنهما , أي الهمزة و الياء من حروف الابدال . قال ابن مالك :
    حروف الابدال هدأت موطيا فأبدل الهمزة من واو ويا
    فلجواز ابدال الهمزة بالياء و العكس سأل , لكن لما لم تتوفر شروط الابدال في لا اله الا الله التي اشار اليها بقوله :
    و افتح ورد الهمزيا فيما أعل لا ما و في مثل هراوة جعل
    الخ , قلنا لا يجوز ذلك عند جميع القراء كما تقدم . قلت , و ذكر الامام تاج الدين ابن عطاء الله رحمه الله تعالى في مفتاح الفلاح في اشتقاق اسم الجلالة , أن اله أصله ولاه بالواو , فأبدلت همزة , كما قالوا في وشاح أشاح مثلث الفاء . و الوله هو المحبة الشديدة , و كان يجب أن يقال مألوه كما يقال معبود الا أنهم نقلوه كما قالوا في مكتوب كتاب و محسوب حساب , انتهى كلامه . فحينئذ لا مرية في جواز ابدال الواو ياء للقواعد المقررة في قواعد التصريف . فعلى هذا ما يسمع من أكثر العوام كأهل البدو , خصوصا الجبليين منهم , و أكثر النساء من الحاضرة و البادية . ابدال الهمزة ياء من اله و عدم حسن النطق بها لا ينكر عليه أشد نكير اذا لم يكن أهلا للتعليم , و لا يحكم له بعدم الانتفاع بها و الثواب عليها , بل يثاب عليها و يكفيه قدرته على النطق بها كيف ما كان , يؤيد هذا حديث الامة التي سألها صلى الله عليه و سلم عن الرسالة , أشارت اليه و سألها عن الألوهية أشارت الى السماء , فقال صلى الله عليه و سلم : " اعتقها فانها مؤمنة " . فاكتفى منها صلى الله عليه وسلم بما وسعها من غير زيادة عليه و الله أعلم . فان قلت ان من لا يحسن النطق بها فلا يحسن الوقوف على معناها غالبا , و ما ذكرتم من الثواب و الانتفاع منوط بالمعنى . و قد ذكر في المعيار الامام أبو العباس الونشريسي جواب فقهاء بجاية , سيدي أحمد ابن عيسى و سيدي عبد الرحمان الوغليسي فيمن ينطق بالشهادتين يصلي و يصوم , و قد نشأ بين أظهر المسلمين و لم يقف لهما على معنى , و انما رأى الناس يقولون فقال , و رآهم يفعلون ففعل , فقال , أي علماء بجاية المذكورين , مثل هذا لا يضرب له في التوحيد بسهم , و لا يفوز منه بنصيب و لا ينسب الى الايمان و لا الى الاسلام , بل هو من جملة الهالكين و زمرة الكافرين , و حكمه حكم المجوسي في جميع أحكامه الا في القتل , فانه لا يقتل الا اذا امتنع من التعليم . هذا ملخصه باختصار و تمامه في الكتاب المذكور . قلت نعم و لابد من معرفة التوحيد فقط من الكلمة الكريمة مع التفرقة بين الرسالة و الألوهية , كما في حديث الأمة المذكورة سابقا و لو بالتقليد و الا فلا . و لا يشترط في حق هذا معرفة اندراج العقائد فيها و غيره , لأن معرفة ذلك فرعية و الله أعلم . و قد علمت الخلاف في ايمان المقلد , و لكن الذي عليه المعول صحيح معتبر كما هو معلوم في كتب الكلام . قال في بدا الأمالي :
    و ايمان المقلد ذو اعتبار بأنواع الدلائل كالنصال

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  3. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:23 AM رقم #12
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  4. انتهى و الله أعلم . قوله ذاكرا , أي و هل يجوز ابدال الهمزة ياء من لا اله الا الله في الذكر أم لا . الفصل الرابع عشر , في الجواب على سؤال السائل هل يجوز ابدال الهمزة ياء من الكلمة الكريمة في الذكر أم لا . اعلم أنه تقدم لا يجوز ذلك في التلاوة و كذلك في الذكر لا يجوز , و لا فرق بين الذكر و التلاوة الا أن الذكر له حالتان , حالة اختيارية و حالة اصطلاحية . فالأولى لا يجوز له ذلك , و الثانية مسامح فيها بل بجميع ما يسمع منه ذكر صحيح مثاب عليه , بل سر من الأسرار , و قد تقدم طرف من ذلك في الأدابات . قال في السر المصون في قوله صلى الله عليه و سلم " اذكروا حتى يقولوا مجنون " , في الفائدة السابعة و الستين أن أنواع الواردات تختلف باختلاف الذكر و صدق الذاكرين , حتى أن منهم من يجن و منهم من يئن و منهم من يصيح و منهم من يصوت بلسان فصيح , و كل ذلك صحيح من قلب جريح . و منهم من يخرق و منهم من يمزق الخ . و قال في الحادية و السبعين أن الانسان اذا تعشق تحقق , و كلما زاد الفضل عليه دقق , لأن الفضل اذا كثرت مواهبه استطال فرفع نوره الحجاب و الحجال لسر سرى في التابع من المتبوع المختار صلوات الله عليه و سلامه في هذه الدار و في تلك الدار , لأنهم تحققوا بكنائن كنين الاحسان , حسنت ألسنتهم بالذكر و القرآن , فرقت مراقهم لجمال الحضرة الالهية و تشوفت أسرارهم و أرواحهم و نفوسهم الدائرة المحمدية , فزجوا في هول لجار العظمة , فتلاطمت عليهم لججها فصاحوا فتغربوا عن الجنس , فلما ظفروا بالمحبوب باحوا فلربما ناحوا فاستراحوا , و لهم في الحضرة زفير و شهيق بقدر ما أولي كل واحد من التصديق . فمن باك لا راحة له الا به و من مصفق لا يسكن جأشه الا له , و من راد للشيطان في تدبيره قائلا لا , لا , و من محسن ما أطلع عليه من الجمال يقول دهشا من حسن ما رأى آه آه , و من فان عن شهود الكل يقول متأسفا عن شهوده الأول آواه آواه لما فاته من ضياع الشهود في حضرة المعبود , و من ذاكر شكر النعم المسدلة يقول يا حبيبي يا محبوبي , و من عاجز عن الوصول يقول أف أف تف تف , يعني رداءة نفسه و خستها , و من قائل يا ويلتاه على ما فرطت في جنب الله , و هي كلها أنوار و أسرار , و قد يجتمع جميع ذلك للصادق في مجلس واحد , و يعمر قلبه في تلك الساعة بما لا يعمره بالمجاهدة في ثلاثين سنة . و حكم الذاكر مع الوارد أن يسلم نفسه لوارده ثم لا يأمن مكر الله تعالى طرفة عين . و الوارد حاكم و لا يحكم على وارداته الا من تغلغل في المعرفة فغرقت وارداته فيها و قليل ما هم كالجنيد الذي يتمثل بقوله تعالى " و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب " , يشير الى نفسه حيث قيل له لم لا تهتز كما يهتز غيرك , فقال " و ترى الجبال تحسبها جامدة " . و من مستريح يقول آح آح , و هو و ان كان قد قيل أن آح اسم الشيطان , لكن القوم عند هجوم الواردات لا يستقيم للشيطان حال لأن الحضرة لا يتطفل عليها من ليس منها , و لا نصيب للمحجوب منها فيها من البشر , فأحرى الشيطان , لأن لها حفظة ملائكة غلاظا شدادا يذودون عن الذاكرين أهل الحضرة الالهية جميع الشياطين , حتى أن القرين يكون حينئذ مهينا , ضربت عليهم الذلة و المسكنة لأن سلطان القهر تولى الحضرة فلا يدخل فيها غير أهلها , و الوارد من حضرة قهار , فهو حق و شانيه باطل و الباطل زهوق . قال تعالى : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق " , و قال تعالى : " ان الباطل كان زهوقا " . فالحضرة هي الجنة حقا , لأنه لا صخب فيها و لا نصب , و لا معوق فيها و لا تعب . ألم تسمع قوله تعالى " و لمن خاف مقام ربه جنتان " , فهي هي الجنة الأولى التي للذاكرين أولي الحضرة الربانية . شيء لله يا أولياء الله عند طيبكم هذا , لا تنسوا محبكم الغريب و قد كسوتموه حلة التصويب و لا ملاذ له الا بالسيد الحبيب , الخ كلامه الى أن قال , الحذر الحذر عباد الله من اذاية أهل الله و ما ذكرناه حق الخ , انتهى كلامه و الله أعلم , و هو عجيب . فتعين منه أن الذاكر ينبغي أن لا يعترض عليه كيف ما كان لاتفاقهم من أعطي الذكر فقد أعطي منشور الولاية , و اذا ثبتت ولايته يخاف من الاعتراض عليه ولو بالقلب , لقوله عليه السلام : " من آذى وليا فقد حارب الله تعالى " , أو كما قال , و الله أعلم . فعلى هذا ان ابدال الهمزة ياء لا يجوز لا في التلاوة و لا في الذكر في الكلمة المشرفة حالة الاختيار , اللهم الا اذا اعترى الذاكر وارد اصطلام , فلا يضره ما ينطق به و يسمع منه , سواء أبدل الهمزة ياء أو غير ذلك لما تقدم و الله أعلم . قوله كمد الا بيا , أي و هل يجوز مد همزة الا الله المكسورة أم لا . الفصل الخامس عشر , في الجواب على قول السائل و هل يجوز مد همزة الا الله المكسورة أو لا . اعلم أنه لا يجوز ذلك اختيارا كما تقدم في الفصل قبله , لاختلال المعنى , فاذا مدت الهمزة تصير اي لا الله , فان اي حرف جواب مثل نعم , فتخرج الكلمة الكريمة على المعنى المقصود بها و هو الاستثناء الى معنى الجواب , و هذا خلاف ما أنزل الله تعالى , انتهى , من الجوهر الخاص بالمعنى و الله أعلم . قلت و انما يشترط هذا في الذكر باللسان و أما ذكر القلب فلا يشترط فيه جميع ما ذكر . و قال شيخ شيوخنا سيدي مصطفى البكري في ألفيته , رحمه الله و نفعنا به : " اعلم أن كلمة الاخلاص تذكر بالقلب مع الاخلاص " . قال الامام العارف بالله الشهير بالشطيبي في كتاب مفتاح الجنة المتوقف على الكتاب و السنة : " ذكر الله تعالى باللسان من غير تقصير و لا غفلة و لا توان " , الى أن قال : " فان دمت في هذه الرتبة على الذكر , انتقل ذكرك من اللسان الى القلب و سلب اللسان النطق فلا يتكلم البتة و لا يذكر شيئا بلسان المقال , و انما يصير الذكر يجري في قلبك و يمازج لحمك و دمك كامتزاج الماء بالنبات , و اذا صار الذكر قلبا يظن الذاكر أنه قريب من الحق عندما يرقى لمقام الهيبة , و يصير يسمع الأصوات في سره و جهره بالعبارات المختلفة , كلها ذاكرة معه , و ربما سمع ذلك بأصوات غير مفهومة و لا معهودة , و تراه لا يفرق بين ذكر نفسه و ذكر الأكوان . فليصبر في هذا المقام على ملازمة ذلك بتحفظه عن القواطع و الشواغل , انتهى باختصار و الله الموفق للصواب . قال عفى الله تعالى عنه :

    (و هل فيهما تسكين الهاء من اله و هل تأويل خبر في ذكر الله )

    اشتمل البيت على ثلاث سؤالات عن لا اله الا الله و عن ذكر اسم الله الأعظم . السؤال الأول هل يجوز تسكين الهاء من اله في حال التلاوة أم لا . السؤال الثاني , و هل يجوز ذلك في حال الذكر أم لا . السؤال الثالث , و هل قول الذاكر الله الله يحتاج الى تأويل خبر أم لا . و الجواب على ذلك في ثلاثة فصول , فهي مع الخمسة عشر , ثمانية عشر فصلا جوابا لثمانية عشر سؤالا . قوله و هل فيهما , أي في التلاوة و في الذكر , فالظمير عائد عليهما , تسكين الهاء من اله في التلاوة أولا . الفصل السادس عشر , في الجواب على قوله و هل يجوز تسكين الهاء من اله في لا اله الا الله في التلاوة , أو لا بد من تحريكها و ما هو الحذر منه في تسكينها . اعلم أنه قد تقدم أنها مبنية على حركة الفتح أو معربة على مذهب الزجاج , و حذف التنوين تخفيفا كما تقدم , و لا وجه للسكون حينئذ الا اذا كان للوقف و الوقف قبيح منهي عنه في مثل هذا , و ان كان جائزا لسبب عي أو انحصار نفس . قال ابن الجزري رحمه الله تعالى :
    و ليس في القرآن من وقف وجب و لا حرام غير ما له سبب
    يعني أنه لا يوجد في القرآن وقف واجب يأثم القارء بتركه . و لا وقف حرام يأثم بالوقف عليه , لأن الوصل و الوقف لا يدلان على معنى يختل بذهابهما الا أن يكون لذلك سبب يستدعي تحريمه , كأن تقصد الوقف على أني كفرت و لا اله و نحو ذلك من غير ضرورة , اذ لا يفعل ذلك مسلم . فان لم يقصد لم يحرم . فالأحسن أن يجتنب التالي الوقف على مثل ذلك للايهام , فتعين منه أنه يجوز تسكين الهاء من اله للسبب المذكور و هو العي أو انحصار نفس , و يكره لغيره و يحرم للقصد المذكور و الله أعلم , انتهى قوله . و هل فيهما تسكين الهاء من اله و قد تقدم أن الضمير من فيهما عائد على التلاوة و الذكر المذكورين في البيت قبله , و قد تقدم الجواب على التلاوة في الفصل قبله و أراد الآن أن يسأل هل يجوز ذلك في الذكر لأن باب الذكر أوسع من التلاوة أم لا , فقال السائا و هل يجوز ذلك في الذكر أم لا . الفصل السابع عشر , في الجواب على قوله هل يجوز تسكين الهاء من اله في الذكر أم لا , اعلم أنه لا يجوز ذلك اختيارا لأن الكلمة بنيت على حركة الفتح , و السكون لا يكون الا عن كلام تام فلا يجوز تسكينها اختيارا من التالي و الذاكر بغير سبب , كسكتة نفس أو اعياء و نحو ذلك كما تقدم , لأنه اذا تعمد الوقف عليها بالسكون فكأنه أتم الكلام فيلزم عليه نفي جميع الآلهة , و هو تعطيل , و نعوذ بالله من اعتقاده , فليحذر الذاكر من ذلك والله أعلم , كذا في الجوهر الخاص . قلت , و قد تقدم , أن للذكر حالتين , حالة اختيارية و خالة غير اختيارية , و في حالة غير الاختيار كل ما نطق به ذكر و لا يلزمه شيء مما ذكر , سواء سكن أو حرك , و تقدم ذلك كله . تنبيه : الفرق بين التلاوة و الذكر . فالتلاوة المقصود منها تصحيح الألفاظ و الحروف للمعنى , و الذكر المقصود منه تصحيح المعنى و احتضارها باللفظ . فالمقصود بالأول التعبد بالألفاظ و الحروف , و ان جمع ذلك بالمعنى تضاعف الأجر كما هو معلوم في محله , لما ثبت أن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم لا يعلمون كثيرا من معنى القرآن العظيم , و كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " علمت معنى كتاب الله من أوله الى آخره الا أربع آيات " . و لما يال أبو بكر عن الأب في قوله تعالى " و فاكهة و أبا " , قيل له " فاكهة عرفناه و أما الأب ... " , فقال : " ما كلفنا لمثل هذا " , أو كلاما يقرب منه , رضي الله عنه , و غير ذلك . قال السبكي رحمه الله تعالى في حد الكتاب , هو القرآن الخ , المتعبد بتلاوته ليدخل المنسوخ . و ثبت عن الامام أحمد بن حمبل رضي الله عنه , أنه رأى رب العزة كما يليق بجلاله في المنام فقال : " يا رب بما يتقرب اليك المتقربون " . فقال تعالى : " يا أحمد بكلامي " . فقال : " يا رب بفهم أو بغير فهم " . فقال تعالى : " يا أحمد بفهم أو بغير فهم " , أو كما قال . و أما المقصود من الثاني الذي هو الذكر , التعبد بالمعنى و احتضارها باللفظ , فان حقيقة الذكر هو التخلص من الغفلة و النسيان بدوام حضور القلب مع الله تعالى , و قيل تردد اسم المذكور بالقلب , و سواء في ذلك ذكر الله تعالى أو صفة من صفاته أو حكما من أحكامه أو فعلا من أفعاله , الى أن قال , أو شعرا أو غناء أو محاضرة الخ . فكله مع الحضور ذكر و قد تقدم طرف منه و الله أعلم , كذا في مفتاح الفلاح . فتعين من هذا أن المقصود بالذات في الذكر المعنى , فلا يضر تغير اللفظ مع صحتها بخلاف التلاوة و الله تعالى أعلم , انتهى باختصار . قوله و هل تأويل خبر في ذكر الله , أي السؤال الثامن عشر و هو قول الذاكر الله الله يحتاج الى تأويل خبر أم لا . الفصل الثامن عشر , في الجواب على قوله هل يحتاج ذاكر اسم الجلالة الله الله الى تأويل خبر أم لا . اعلم أنه قال في الجوهر الخاص , أما من حيث الأكمل فيحتاج الى تأويل خبر ليتم المعنى لا من حيث أنه يسمى ذكرا , فانه يسمى ذكرا بدون ذلك لأن صيغ الذكر و ضعت للتعبد بها و لو من غير تأويل خبر . لطيفة : قال الجويري قدس سره , كأن رجلا من أصحابنا يكثر ذكر الله الله , فوقع على رأسه جذع فشجه فكتب دمه على الأرض الله الله , انتهى و الله أعلم . قلت و هكذا كان يقول شيخنا الأزهري نفعنا الله به , آمين . و لا بد من تقدير خبر في الأسماء السبعة كما ذلك في لا اله الا الله بلا معبود أو لا مطلوب أو لا موجود الا الله على ما تقدم قريبا , كذلك في الأسماء الستة بعدها التي هي الله , هو , حق , حي , قيوم , قهار . فيقدر عند ذكر كل اسم من هذه خبر يناسب الذاكر و المذكور , و سيأتي بيان ذلك بعد ان شاء الله تعالى . و هذه الأسماء خاصة بالطريقة الخلوتية . فان الطرق غير الخلوتية مدارها على ثلاثة أسماء فقط و هي لا اله الا الله , الله , هو . و زاد أهل الطريقة الخلوتية أربعة أسماء عليها كما ذكرت أولا , و فائدتها و حكمتها خرق الحجب السبعين أو السبعين ألفا على الروايتين التي أشار اليهما بقوله صلى الله عليه و سلم " أن لله سبعين " , و في رواية " سبعين لف حجاب من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه " . المراد من الحجب التي هي الظلمة , الذنوب و الخطايا , و المراد من الحجب التي هي النور التفاتات السالك للذات الأخروية الجنانية و الى الكرامات و التجليات و الوصال و غير ذلك من المقامات والأحوال , فكل ذلك حجاب , و من في قلبه شيء غير الله تعالى فهو به محجوب و لو كان حجابا نورانيا , فالحجب الظلمانية هي الذنوب كما تقدم , الحجب النورانية هي التفاتات القلب الى غيره تعلى , اللهم الا ان كان ذلك الغير طريقا اليه كالنبي صلى الله عليه وسلم . تنبيه : ان هذه الحجب منقسمة على سبعة نفوس باعتبار ترقيتها بعد كمال تنزلها و هي نفس واحدة , فغاية تنزلها الى مقام ظلمة الاغيار تسمى أمارة بالسوء , فاذا ترقت منه الى مقام الأنوار تسمى لوامة و هي أيضا محجوبة الأنوارعن الاسرار كما كانت في المقام الأول محجوبة بظلمات الأغيار عن الأنوار , فاذا ترقت منه الى المقام الثالث الذي هو مقام الأسرار , تسمى النفس فيه بالملهمة , فاذا ترقت منه الى المقام الرابع الذي هو مقام الكمال تسمى فيه بالمطمئنة , و هي أيضا محجوبة بالكمال عن الوصال . فاذا ترقت منه الى المقام الخامس الذي هو مقام الوصال تسمى فيه بالراضية , و هي أيضا محجوبة بالوصال عن التجليات , فاذا ترقت منه الى المقام السادس الذي هو مقام تجليات الأفعال , تسمى فيه بالمرضية و هي أيضا محجوبة بتجليات الافعال عن تجليات الأسماء و الصفات . فاذا ترقت الى المقام السابع الذي هو مقام تجليات الاسماء و الصفات , تسمى فيه النفس بالكاملة و هي أيضا محجوبة بالأسماء و الصفات عن الذات , و هنا انقطع السلوك و لم تنقطع التجليات , و كل حجاب اكتنف ما بعده , و هكذا الى آخر الحجب . فائدة : لا يفتق هذه الحجب السبعين أو السبعين ألفا الا الاسماء السبعة المذكورة . فكل عشرة آلاف حجاب يخرقها اسم من الاسماء السبعة . فحجب ظلمات الاغيار لا يخرقها الا " لا اله الا الله " , و حجب الانوار لا يخرقها الا اسم الجلالة و هو " الله " , و كذلك حجب الأسرار يخرقها " هو " , و كذلك حجب الكمال يخرقها " حق " , , و حجب الوصال يخرقها " حي " , و تجليات الأفعال " قيوم " , و تجليات الصفات و الأسماء " قهار " , و لهذه الفائدة العظيمة , زادت الطريقة الخلوتية بأربعة أسماء على جميع الطرق , و لو لا يعد ضيق المحل عن المناسبة لاستوفيت الكلام على ذلك , و لكن فاذا دعت المناسبة اليه أذكر طرفا منه ان شاء الله تعالى في غير هذا , انتهى و الله أعلم . قال عفا الله تعالى عنه

    ( و هل من غير نية عنه يثاب و ما هو التأويل يا أولي الألباب )

    اشتمل البيت على سؤالين عن اسم الجلالة , و هو الله تعالى . السؤال الأول , هل يكون الله الله ذكرا يثاب عليه بغير نية و تأويل أم لا . السؤال الثاني , و ما هو التأويل ان جاز ذلك . فكان هذا البيت تمام العشرين سؤالا من الخمسة و الأربعين المتقدم ذكرها . قوله و هل من غير نية عليه يثاب . الفصل التاسع عشر , في الجواب على قوله هل يكون الله الله ذكرا يثاب عليه بغير نية و تأويل الخ , اعلم أنه ذكر ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري في الكلام على حديث الأعمال بالنيات عن عبد السلام عن الامام الشافعي رحمهم الله تعالى , أن النية انما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها , و أما ما يتميز بنفسه فانه ينصرف بصورته الى غير ما وضع له , كالأذكار و الأدعية و التلاوة لأنها لا تتردد بين العادة والعبادة , و لا يخفى أن ذلك انما هو بالنظر الى أصل الوضع , أما ما يحدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا . و مع ذلك فلو قصد القرب الى الله تعالى لكان أكثر ثوابا و من ثم قال الامام رحمه الله تعالى , فحركة اللسان بالدكر مع الغفلة عنه يحصل به الثواب لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت المجرد عن التفكر , و انما هو غير نافع بالنسبة لعمل القلب . و سأل بعض المريدين , فقال انا نذكر الله تعالى بألسنتنا و لا نجد في قلوبنا حلاوة , فقيل له احمد الله تعالى على أذ زين جارحة من جوارحكم بطاعته . ففيه أنه أمره بالحمد على دوام الذكر و لو مع العفلة في القلب , و ليس معها نية و لا تأويل . و قال ابن عربي قدس سره : " ما قصدوا بذكرهم الله الله أو هو هو الا من حيث علموا أن المسمى بهذا الاسم و بهذا الضمير من لا تقيده الأكوان و من له الوجود العام التام . و باحضار المعنى في نفس الذاكر عند ذكر الاسم تحصل الفائدة , فانه ذكر عري عن تأويل . فان من تقيد بشيء لم يفتح عليه الا بما تقيد به فقط , لأن هذا مطلبه من الله تعالى فقط . و قال بعض الصوفية ذكر لا اله الا الله على كل حال بقصد القرب يحصل بها الثواب , فيكون ذكر الله الله كذلك . ثم فال : " لكن الأكمل الذي ترد به على القلوب المواهب اللدنية , أن يعظم الذاكر ما عظم الله تعالى و أن يحسن أدبه مع ما شرف الله تعالى " . ففي ذلك اشارة الى ن الأكمل في الذكر يتوقف على التأويل و الله أعلم . تنبيه : قال الحراني في رسالته : " لا يجوز للذاكر في مذهب أهل الذكر و الخلوة أن يتفكر في معنى آية أو حديث أو غيرهما الا اذا ورد عليه معنى من المعاني في أثناء الذكر من التنبيهات الالهية و الواردات الخفية من التأنس بالأفكار البشرية , فيفهم و يشتغل بالذكر بل و يرجع الى اكر , انتهى , من الجوهر الخاص . قلت , فتعين أن ذكر الجلالة لا يفتقر الى نية و لا الى تأويل و هو من الأشياء الموضوعة للعبادة دون العادة , و لكن النية و التأويل من شرط الكمال و زيادة الثواب لعموم ورود السنة بحديث " انما الأعمال بالنيات " , الخ , و منها أشياء لا تفتقر اليها . قال ابن نجيم في الأشباه و النظائر , رحمه الله تعالى , بعد كلام : " ثم التقرب الى الله تعالى يكون بالفرض و النفل و الواجب , فشرعت النية لتميزها عن بعضها , فتفرع على ذلك أن ما لا يكون عادة و لا يلتبس بغيره لا تشترط فيه كالايمان بالله تعالى و المعرفة و الخوف و الرجاء و النية و قراءة القرآن و الأذكار , لأنها متميزة لا تلتبس بغيرها " . و قال ابن وهبان : " ان ما لا يكون الا عبادة لا يحتاج الى النية " . و ذكر أيضا أن النية لا تحتاج الى نية . و نقل العيني في شرح البخاري الاجماع على أن التلاوة و الأذكار و الأذان لا تحتاج الى نية , انتهى و الله أعلم . قاعدة : قال الطيبي : " قال بعض أهل الحقيقة , العل سعي الاركان الى الله تعالى , و النية سعي القلب اليه تعالى , و القلب ملك و الأركان جنوده و يحارب الملك الا بالجنود و لا الجنود الا بالملك . و قال بعضهم : " النية جمع الهمة ليقيد العمل للمعمول له و أن لا يسبح في السر ذكر غيره " . و قال بعضهم : " نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفضل , و نية الجهال التحصن عن سر القضاء و نزول البلاء , و نية أهل النفاق التزين عند الله و عند الناس , و نية العلماء اقامة الطاعة لحرمة ناصبها لا لحرمتها , و نية أهل التصوف ترك الاعتماد على ما يظهر منهم من الطاعات " . تتمة : قال في الاحياء : " النية انما مبدؤها من الايمان , فالمؤمنون يبدؤهم من ايمانهم ذكر الطاعة فتنهض قلوبهم الى الله تعالى من مسقر النفس , فان قلوبهم مع نفوسهم , و ذلك النهوض هو النية . و أهل اليقين جاوزوا هذه المنزلة و صارت قلوبهم مع الله تعالى مزايلة لنفوسهم بالكلية , ففرغوا من النية اذ هي النهوض , فنهوض القلب من معدن الشهوات و العادات الى الله تعالى بأن يعمل طاعة هو نيته و الذي صار قلبه في الحضرة الأحدية مستغرقا , محال أن يقال نهض الى الله تعالى في كذا , بل هو ناهض بجملته مستغرق في جزيل عظمته , قد رفض ذلك الموطن الذي كان موطنه و ارتحل الى الله تعالى . فالمخاطب بالنية الذين يحتاجون أن يخلصوا ارادتهم من أهوائهم و يميزوا عبادتهم من عاداتهم " . خاتمة : في حقيقة النية , فهي في اللغة كما في القاموس , نوى الشيء ينويه نية , و يخفف قصده . و في الشرع كما في التلويح قصد الطاعة و التقرب الى الله تعالى في ايجاد الفعل . و لا يرد عليه النية في التروك , لأنه لا يتقرب بها الا اذا صار المتروك كفا و هو فعل المكلف به في النهي لا الترك , بمهنى العدم لأنه ليس داخلا تحت القدرة للعبد كما في التحرير , و عرفها القاضي البيضاوي بأنها شرعا الارادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى و امتثالا لحكمه . و لغة انبعاث القلب نحو ما يراه موفقا لغرض من جلب نفع أو دفع ض ر حالا أو مئالا , انتهى و الله أعلم . قوله , و ما هو التأويل يا ألي الألباب , أي بينوا لنا ان جاز التأويل , أي تقدير خبر في قول الذاكر الله الله , ما يكون ذلك التأويل . الفصل العشرون , في الجواب على قول السائل ما هو التأويل في ذكر الله الله ان كان و لا بد منه , اعلم أنه قال الامام المحقق زين الدين محمد سبط المرصفي في كتابه الجوهر الخاص , أن التأويل يكون بحسب اللائق به تعالى , نحو الله حق أو الله مطلوب أو موجود أو الله مقصود . و فال الصوفية كالغزالي و غيره فيه تفصيل . فان كان القائل الله من أهل العموم فايعين بها المعبود بحق أو الغني عن كل ما سواه المفتقر اليه كل ما عداه على الخلاف في لا اله الا الله , و ان كان من أهل السلوك فليعين بها المطلوب مثلا أو المعبود أو المشهود أو الموجود كما تقدم ذلك في لا اله الا الله . قلت , و قد كنت أقدر الخبر حين الذكر باسم الجلالة كما ذكر و تارة المحبوب , فأخبرت الأستاذ رحمه الله تالى و نفعنا به آمين , فنهاني و قال لا تزد عن قولك دائم الوجود , يعني اذا قلت بلسانك " الله " , تقول بقلبك دائم الوجود و هكذا , و هددني بقوله و الا أنت أخبر , رحمه الله تعالى و نفعنا به , و قد وجدت و الحمد لله بعض هذا التأويل و السر كله في اتباع أمر المشايخ نفعنا الله تعالى بهم . و من هذا كان يجب على كل من دخل تحت نظر شيخ و أخ نصيح خمية أمور : اتباع أمره و ان ظهر خلافه . الثاني : اجتناب نهيه و ان كان فيه حتفه . الثالث : حفظ حرمته غائبا أو حاضرا حيا أو ميتا . الرابع : القيام بحقوقه حسب الامكان بلا تقصير . الخامس : عزل عقله و علمه و رآسته الى ما يوافق ذلك من شيخه . قاله الشيخ زروق نفعنا الله تعالى به في الوصية . و قال قبله أصول المعاملة خمسة : طلب العلم للقيام بالأمر و صحبة المشائخ و الاخوان للتبصر , و ترك الرخص و التأويلات للتحفظ و ضبط الأوقات بالأوراد للحضور , و اتهام النفس في كل شيء للخروج من الهوى و السلامة من العطب و الغلط الخ . قلت المعاملة هي القيام بحقوق الربوبية بالعبودية . و لأهل الطرق معاملات و لكن صولها هذه , فمن بنى على غير أساس فلا يتم له بناء , و من أحكم الأصل انتفع بالفرع , و من لا فلا . و لهذه الأصول آفات مذكورة في الاصل فلا نطيل بها و الله أعلم . و قوله يا الي الألباب تتميم للنظم معناه يا اصحاب العقول , المراد به العلماء المخاطبون بالسؤال القادرون على الجواب . لأن الألباب جمع لب بالضم و الخالص من كا شيء , و من النخل و و الجوز و اللوز و نحوها قلبها , و العقل . و يجمع على ألباب و ألب وألبب ألخ . كذا في القاموس و لما كان الباعث لألي الألباب من أهل الايمان على تقويهم لله تعالى شهود الجلال و الجمال على سبيل الهيبة و الحياء منه تعالى بحفظ القلب من الهفوات و الخطرات , خاطبهم بقوله تعالى " فاتقوا الله يا ألي الألباب " , بخلاف أهل مقام الاسلام , فهم مخاطبون بقوله تعالى " قاتقوا الله ما استطعتم " , لأن لهم أعمال الجوارح , فتقويهم حفظ الجوارح من المخالفات اتقاء سخط باريء المخلوقات فالواجب عليهم حفظ الجوارح كما الواجب على ألي الألباب حفظ القلوب , لأنهم أرباب قلوب و قد عرفت تقويهم و الله أعلم . قال عفا الله عنه آمين :

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  5. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:23 AM رقم #13
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  6. ( و ما هو الأفضل للذاكر من هيللة أو مفرد له زكن )

    اشتمل البيت على سؤال واحد وهو , ما الافضل للذاكر الاكثار من لا اله الا الله , أو من الله الله , و الهيللة مصدر مركب كالبسملة و الحسبلة و الحوقلة . قال الجوهري هلل الرجل أي قال لا اله الا الله , و يقال قد أكثرت من الهيللة , أي من قول لا اله الا الله , انتهى كلامه . و قوله أو مفرد , المفرد هو اسم الله تعالى الفرد , و هو الاسم الأعظم الذي اذا دعي به أجاب , و اذا سئل به أعطى . و قال صلى الله ليه وسلم : " سبق المفردون " , قالوا و ما المفردون يا رسول الله , قال : " الذاكرون الله تعالى كثيرا " . هذه رواية مسلم , و رواية الترمذي : " م المستهترون بذكر الله تعالى " . و قيل الموحدون الذين لا يذكرون الا الله تعالى , انتهى من مفتاح الفلاح باختصار . و معنى زكن علم . الفصل الحادي و العشرون , في الجواب على قوله و ما هو الأفضل للذاكر الاكثار من لا اله الا الله أو من الله الله . اعلم أنه اختار امام الطائفة أبو القاسم الجنيد و جماعة رحمهم الله تعالى , للمبتدء الاكثار من لا اله الا الله , و المتوسط الله الله , و هو ذكر ينفي الحظوظ و يبقي الحقوق , و يسرع ذهاب الأغيار بالأنوار . و اختار للمنتهي هو هو , و صنف في ذلك كتاب التجريد . و اختار الامام الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب الميزان الاكثار من ذكر الله الله , و ذكر أنه تلقن عن بعض مشائخه الله الله , و قال نها متضمنة لكلمة الشهادة و كان بو الحسن الشاذلي قدس سره يقدمها في التلقين على لا اله الا الله , و قال في رسالة القصد , يقول المريد الله الله , و كما تلقنها لقنها و عمل بها و اختارها هو و جمع من الصوفية لا يحصون و قالوا هي معظم أركانهم من الذكر في التوجه لسلامة قلوبهم مما ينفي , حتى قالوا هي أنفع للمريد و أجمع لخاطره و أصفى بشهوده لناظره , لأنها اثبات محض و مدلولها الذات المقدسة التي الألوهية صفة من صفاتها . قال بو العباس المرسي لبعض أصحابه : " ليكن ذكرك الله , فان هذا الاسم سلطان الأسماء و له بساط و ثمرة , فبساطه العلم و ثمرته النور , ليس مقصودا لنفسه و انما يقع به الكشف و العيان و الله أعلم . فينبغي له الاكثار من ذكرها و ختيارها على غيرها لتضمنها جميع ما في لا اله الا الله من العقائد و العلم و الأدب و الحقوق و ما يفي بها و غير ذلك , فانه يأتي في الله و في هو ما لا يأتي في غيرهما من الأذكار اذا أمعنت النظر و دققت فيهما . و اختيار الأستاذ أبي الحسن رجحه طائفة , و ان كان ابن تيميه من علماء الحنابلة غلطهم في ذلك , فقال : " هذا من الغلط الذي دخل بسببه فساد كبير على السالكين حتى آل بعضهم الى الحلول و الاتحاد " . قلت , و ليس في عقائدهم شيء من الحلول و الاتحاد المنكر , و انما يريدون بالاتحاد الفناء الذي هو محو النفس و اثبات الأمر كله له تعالى و ترك الارادة و الاختيار معه و الجواز على مواقع أقداره من غير اعتراض و ترك نسبة شيء الى غيره . و فوق هذا الفناء فناء آخر و هو أن السالك اذا انتهى سلوكه الى الله وفي الله , يستغرق في بحر التوحيد و العرفان , بحيث يضمحل العبد فيغيب عن كل ما سواه و لا يرى في الوجود الا الله , و هذا يسمونه الفناء في التوحيد , و حينئذ فربما يصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو الاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحالة و بعد الكشف عنها بالمثال . و فوق هذا درجات ثلاث في الفناء , و هو لخواص الأولياء و أئمة المقربين , و هو الفناء عن ارادة السوى سالكا سبيل الجمع على ما يحبه و يرضاه , فيأتي بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه , أعني المراد الديني الأمدي , لا المراد الكوني القدري . قلت , معناه و الله أعلم هو البقاء الذي يعقب الفناء , و هو ان يفنى عن ما له و يبقى بما لله تعالى , فتكون حركاته في موافقة الحق دون مخالفته , فكان فانيا عن المخالفات , باقيا في الموافقات , فصار المراد واحدا . فمن ثم علم أن الصوفية يطلقون الاتحاد في اصطلاحهم و يريدون به معنى ما تقرر , و لا مانع من الاصطلاح و لا مشاحة فيه شرعا , و لو كان ممنوعا لم يجز لأحد أن يتلفظ به , و كم استعمل المحدثون و الفقهاء و النحويون لفظه , كقول المحدثين " اتحاد مخرج الحديث " , و كقول الفقهاء اذا " اتحد نوع الماشية " , و " اتحاد القابض و المقبض " , و كقول النحاة " اتحاد العامل لفظا و معنى " , و " أنت بيني و بين فلان اتحاد " . فحين ما وقع الاتحاد في كلام الصوفية فانما يريدون به معنى الفناء كما قررته لك , و ما قاله ابن تيمية من أن أفضل الكلام بعد القرآن سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر , و هو بالكلام التام لا بالاسم المفرد و لا بالضمير و ان خلاف ذلك غلط , حتى آل بعضهم بسببه للحلول و الاتحاد مدفوعا بأخبار الكمل . قلت , بل بالكتاب و السنة و اجماع الأئمة الا نادرا من الفقهاء لا يعتد به . و لاعتناء أئمة الصوفية بالذكر المفرد و هو الله الله , أو الضمير و هو هو , و ترجيحهم لها على النفي و الاثبات , حتى أن منهم من استحي من ذكر النفي و الاثبات لو لا ما أذن الله تعالى لهم به في التلاوة , خوفا من أن يقبض الذاكر لها في وحشة النفي , اذ ليس لهم مشهود سواه تعالى حتى ينفوه , و من كان هذا حاله فلا بد من أن يستحيي من لا اله حيث نظر الى نفسه قبل نظره الى خالقه , و هو أشد الحياء , قاله ابن عربي رحمه الله تعالى . قال فكانت من ثم أرفع شعب الايمان كما أنها أرفع شعب الحياء من الله تعالى , و ما قصدوا بذكرهم الله أو هو الا نفس دلالته على العين . فانهم علموا أن المسمى بهما لا تقيده الأكوان و من له الوجود التام , و باحتضار هذا المعنى و نحوه بنفس الذاكر عند ذكر الاسم , تحصل الفائدة . فانه ذكر غير مقيد بلا اله الا الله , و ما يعطي المقيد من الفتح الا ما تعطيه هذه الدلالة , و لا يفتح عليه الا بما تقيد به , و لا يمكن أن يجتني صاحب بستان الا ثمرة ما غرس لا كل الثمرات , اذ ليست في مغارس بستانه , و قد تقدم دلالة قوله تعالى " أذكروني أذكركم " على ذلك , و تقدم أن الذكر ما أتى قط مقيدا بشيء , كقوله تعالى : " قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " . و كقوله : " اذكروا الله " , و لم يقل بكذا و كذا , " و لذكر الله أكبر" , " و اذكروا الله في أيام معدودات " , " واذكروا اسم الله عليها " . و في الحديث : " لا تقوم الساعة و على وجه الأرض من يقول الله الله " , و لم يقل في الكل بكذا و لم يقيده تعالى بأمر زائد على هذا اللفظ . و قال ابن عربي أيضا : " هذا الذكر ذكر الخاصة من عباده الذين عمر الله تعالى بأنفاسهم العالم , و ما قصدوا الا استحضار ما يستحقه المسمى , و كم من يقول الله من غير استحضار لما ذكر , فلا يعتبر دون استحضار المعنى المذكور . و كان أبو العباس العربي الأندلسي التزم ذكر الله الله , و التزم آخرون الهاء منها لدلالتها على الهوية , و تقدم أن الغزالي رحمه الله تعالى نبه على أن لفظة هو تدل على الذات من حيث هو و لا حاجة في معرفته الى اعتبار حال غيره , فلفظ هو الذكر به يوصلك الى الحق سبحانه و تعالى , و يقطعك عما سواه , و سائر أسماء الصفات ليس كذلك . فمن ثم صح قول ابن العربي أنه أشرف و لأنه هو دال على الموصوف , و الموصوف أشرف من الصفة , و لهذا كان ذكر خاصة الخاصة . و قال تعالى : " قل هو الله أحد " , فلفظ هو عبارة عما يكون يجده النبي صلى الله عليه وسلم من اطلاع الحق سبحانه و تعالى على قلبه و نظره اليه من الحقيقة . ثم اعلم بأن هذا الاسم له هيبة عظيمة عند أرباب المكاشفات و له شرف عظيم و جلالة تامة و هو ينبىء عن كنه الحقيقة المبرأة عن جميع جهات الكثرة . فهو أشرف الألفاظ و أقرب العبادات الى الحقيقة و الله أعلم . قلت , و التحقيق ما قاله العارف بالله تعالى سيدي أحمد ابن أخت سيدي مدين , نفعنا الله به في رسالة الخلاصة , أن هذا أمر راجع الى الذاكر , فان وجد التأثير في قلبه بلا اله الا الله أكثر لزم ذلك , و ان وجد التأثير بلفظة الله أكثر لزمها . قلت , او بلفظة هو لزمها , و لا ينتقل من ذكر الى آخر الا بوارد حق ينقله اليه . لطيفة : ابتدأ سبحانه و تعالى اسمه الشريف الله بحرف الألف لما فيه من الدلالة عليه و الاشارة اليه , فان معاني الربوبية مندمجة و مندرجة في هذا الاسم مودعة فيه , و لذلك ابتدأ بظهوره لعباده يستدلون به عليه و يصلون به اليه . اذ لا سبيل لذاته تعالى , فدلهم بأسمائه و صفاته , فجعل حرف الألف أول اسمه تعالى , اذ هو أول حروف المعجم و أول ما خاطب الله تعالى به عباده بقوله تعالى " ألست بربكم قالوا بلى " , فأشار به الى أوليته و جعله ممتدا طويلا اشارة الى سرمديته و ديموميته , و جعله لا تجويف فيه اشارة الى صمديته , و جعله مفردا اشارة الى أحديته , و جعل الحروف تتصل به و لا يتصل هو بحرف اشارة الى افتقار خلقه اليه . فالطائف حول كعبة اسم الله تعالى أول ما يكشف له في طوافه عن سر الحرف " ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله " , ثم يسعى بين صفا اللام الأول و اللام الثاني , فاذا تم سعيه و قطع مدرجة الألف و اللامين وقف على عرفات هاء اللاهوتية , فكأن قائلا يقول عند الوصول الى الهاء ها هو المطلوب الذي تعرفه القلوب و تنكشف به الغيوب . و في الهاء معنى لطيف و هو أن قولك هو , حرفان هاء و واو . فالهاء من آخر مخارج الحروف , و الواو من بين الشفتين و هو أول مخارج الحروف , اشارة الى أنه الأول و الآخر , و أنشد في المعنى :
    و اسمع اذا غنت المثاني تقول يا هو لبيك ياهو
    و ما قلت للقلب أين حبي الا قال الضمير ها هو
    و قيــــــــله :
    يا ساقي القوم من شذاه الكل لما سقيت تاهو
    صاحوا و بالحب فيك باحوا و صرحوا بالهوى و فاهو
    يا عاذلي خلني و شربي فلست تدري الشراب ماهو
    قم فاجتلي صفوة المعاني من صفوة الكأس اذا جلاه
    تنبيه : اعترض على الذاكر بلا اله الا الله دون محمد رسول الله , و أجيب بأن محمدا رسول الله اقرار يكفي مرة واحدة في العمر مع أن قول العبد لا اله الا الله لقول الرسول هو عين اثبات رسالته . و لهذا قال صلى اله عليه و سلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله " , و لم يقل محمد رسول الله , لتضمن هذه الشهادة الرسالة , انتهى من الجوهر الخاص , و قد تقدم طرف منه في الأدبات و أعيد لاختلاف النقلين و الله أعلم . فتبين أن ملخص الجواب على سؤال السائل فيما ينبغي الاكثار للذاكر منه لا اله الا الله , أو الله الله , ما تقدم ذكره أولا عن امام الطائفة أبي القاسم الجنيد رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين . و قال شيخنا الأزهري نفعنا الله به : " أما المبتدأ فلا ينفعه الا الاكثار من لا اله الا الله الى أن تصفى عناصره الأربعة أو بعضها التي هي النار و التراب و الهواء و الماء . فحينئذ ينبغي أن ينقل الى الاسم المفرد , و هكذا علامة كل اسم من الأسماء السبعة التي يحصل بها الترقي و السلوك و خرق الحجب , كما تقدم بعض ذلك . و كيفية الوصول الى معرفة صفاء عناصر الذاكر هو من جهة اخباره لنصيحه بمنامه و خواطره المكررين من مرتين فأكثر . و علامة صفاء هذه الأربعة مرموزة في كتبهم لئلا يدعيها من ليس أهلا له , و قد أشرنا الى بعض من ذلك في الرحمانية ليتفطن بها اللبيب , و لو لا خوف الاطالة التي تفضي الى السآمة لذكرنا طرفا من ذلك كما وعدنا به , و ان وجدنا محل المناسبة نأتي به ان شاء الله تعالى بمنه و يمنه . ثم قال عفا الله تعالى عنه :

    ( و هل حروفه مفسرا تكون و هل آخره محركا يكون )

    اشتمل البيت على سؤالين عن اسم الجلالة . السؤال الأول , و هل يشترط في الذاكر بالجلالة أن تكون مفسرة الأحرف كلها أم لا . السؤال الثاني , وهل آخر الجلالة يكون بالسكون أو بالتحريك , و بها تمام ثلاثة و عشرين سؤالا . قوله و هل يشترط في حروفه , أي اسم الجلالة , مفسرا تكون أي و هل يشترط في الذكر بالجلالة أن تكون مفسرة الأحرف كلها أم لا . الفصل الثاني و العشرون : في الجواب على ذلك قال العالم العلامة زين الدين أبو محمد سبط العارف بالله تعالى سيدي علي المرصفي في كتابه الجوهر الخاص : " نعم يشترط ذلك ما دام واعيا " . قال : " و قال شيخ مشائخنا العارف بالله تعالى سيدي يوسف العجمي رحمه الله تعالى في رسالته أدب الذكر , انما تلزم الذاكر ما دام واعيا في عقله , فللغيبة أحكام يدركها صاحبها , و أما اذا سلب الذاكر اختيار الذكر فلا حرج على الذاكر ما دام مسلوب الاختيار يستعمله كيف يشاء على أنواع مختلفة كلها محمودة و صاحبها مشكور عليها , فانها كلها أسرار , فربما جرى على لسانه الله الله , أو هو هو , أو لا لا , أو أه أه , أو ه ه , أو عياط بغير حرف أو صرع أو تخبط . فدأبه في ذلك الوقت أن يسلم نفسه لوارده يتصرف فيه كيف شاء . و كذا بعد سكون وارده , يكون في تسليمه بالسكوت و السكون ما استطاع , مرتقبا للوارد أيضا , و قد تتفق هذه الأنواع للصادق في مجلس واحد . فهذه الآداب تلزمه ما دام يحتاج الى ذكر اللسان , فاذا استغنى بذكر القلب و الاستغراق في المذكور فلا حاجة الى شيء منها , بل يكون مع ما هو فيه من غير اعتراض و لا التفات الى شيء مطلقا . فان لم تتخلص نفسه الى البشرية , فلا حاجة له الى ذكر الظاهر الا حين عود البشرية اليه , فانها تفنى حينا و تعود حينا الى أن يكمل الفناء ثم البقاء , ثم بعد كمالها يبقى حكم القلب مع حضرة الربوبية كحكم البشرية مع القلب , و بعد هذا أخذ العلم من صدور الرجال بالذوق و الله أعلم . قلت , و قد تقدم طرف منه في الادابات و أعيد للمناسبة الداعية اليه , فتعين منه أنه يجب على الذاكر ما دام واعيا تحقيق حروف الجلالة و خصوصا الهاء منه فان بسقوطها سقوط المعنى فيبقى اللا و ليس هو الاسم الموضوع لها , و أيضا و بسقوط حرف منها سقوط سر من أسرارها , فان كل حرف دال على أسرار لا تحصى , يعلمه أربابه منها , اللهم الا اذا كان مع الوله و الاصطلاح , فكل ما يسمع منه سر من الأسرار , اما من المكتومة و لذلك ينكرها كل سامع , أو من المشار اليها ينكرها بعض و يسلمها بعض , انتهى و الله أعلم . قوله و هل آخره محركا يكون , أي و هل يكون آخر اسم الجلالة في الذكر محركا أم لا بل ساكنا . الفصل الثالث و العشرون : في الجواب على قوله وما يكون آخر الجلالة في الذكر محركا أو مسكنا , قال في الجوهر الخاص , بالتحريك وصلا و بالسكون وقفا و الله أعلم , انتهى كلامه رحمه الله تعالى . قلت , و ذكر العارف بالله تعالى سيدي عبد الرحمان بن الصغير الأخضر في شرحه على الجوهر المكنون في صدف الثلاثة فنون في علم المعاني و البيان و البديع , قال : " (التنبيه التاسع ) ذاكر اسم الجلالة أو غيره من أسماء الله تعالى تارة يذكره مركبا مع العوامل , كأستغفر الله , و هذا لا اشكال فيه , و تارة يذكره مجردا عن التركيب
    , و قياسه حينئذ أن يكون ساكن الآخر , لأن حق الأسماء العارية عن التركيب سكون اعجازها كأسماء الأعداد و أسماء الحروف المذكورة في فواتح بعض السور من كتاب الله عز و جل . و هذا الحكم عام لكل اسم قصد تسمية مسماه فقط , لأن جوهر اللفظ موضوع لجوهر المعنى , و حركة اللفظ دالة على أحوال المعنى .فاذا أريد افادة مجرد جوهر المعنى وجب اخلاء اللفظ عن الحركات غير أنهم اختلفوا في حكمها على ثلاثة أقوال ثالثها موقوفة لا مبنية و لا معربة , لأبي البقا و الامام الرازي و المتأخرين , وعلل البناء بالشبه الاهمالي و الاعراب بأن سكونها لو لم يكن وقفا بل كان بناء , لأجريت مجرى كيف و أين , و الوقف بفقد موجب الاعراب و علة البناء . غير أنها قابلة لأن تدخل عليها العوامل فتعرب , انتهى كلامه . قلت , و عليه ان كل لفظة منها عبادة مستقلة , فلا وصل و ان وصلت بمثلها , أي حركت للاكثار و الاستراحة في الذكر , فينبغي أن تكون حركة مجانسة لما بعدها و هو الفتح لفتح همزة الجلالة و ذلك علامة على عدم دخول الاعراب و البناء الدالين على أحوال المعنى , فالمراد استفادة جوهر معنى الحروف الدالة على مسماها من غير التفات الى الأحوال التي يقتضيها الاعراب و البناء من أنواع التجليات الصفاتية بحسب الأسماء في أطوار التعينات و الله أعلم . ثم قال عفا الله تعالى عنه :

    ( و ما هو التحريك من اشكال و كم له من أحرف يا تال )

    اشتمل البيت على سؤالين . الأول , و ما هو التحريك ان جاز الوصل , هل الرفع و النصب و الخفض . السؤال الثاني , كم للجلالة من أحرف فيها , و بهما تمام الخمسة و العشرين سؤالا . قوله و ما هو التحريك من اشكال . الفصل الرابع و العشرون : الجواب على قوله ان جاز حركة اسم الجلالة في الذكر عند الوصل , ما هي الحركة , هل رفع أو نصب أو خفض . اعلم أنه قال في الجوهر الخاص , أما الخفض فلا وجه له هنا الا أن يكون الداكر مغلوبا غلى لسانه حيث تعلم فلم يمكنه التعلم , فهو لحن لكن لا يمنع من الذكر لذلك , اذ العبرة عند الله تعالى بالمقاصد و كذلك اذا كان مغلوبا عليه غائبا عن عقله. فقد حكي عن بعض العلماء أنه حضر مجلس ذكر مع بعض الصوفية فسمع ذاكرا في المجلس يذكر الله الله بكسر الهاء , فعلم الشيخ من العالم الانكار لذلك الذكر الملحون , فالتفت اليه و قال العبرة عنكم بالمقاصد أو بالوسائل فقال العالم , بالمقاصد , فقال الشيخ هو جوابك , فاستغفر في حقه من انكاره و بر حتى بالجواب , اذ المراد الأعظم و المقصود الأهم صدق المقاصد و الاخلاص فيها , و من هنا أنفاسهم فضلا عن ألفاظهم تعد عند الله تعالى ذكرا ان شاء الله تعالى , ليجزي الله الصادقين بصدقهم . و من ثم قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى : " بالمقصد الصحيح تصل الى الله تعالى " . و أما النصب فله وجه اذا أراد الذاكر أطلب الله , أو أقصد الله , أو نحو ذلك . و أما الرفع فوجهه ظاهر على الابتداء اذا وصلها بما بعدها , نحو الله لا اله الا هو , أو الله ربي أو مطلوبي أو مقصودي و نحوها . و يجوز رفعها على الخبر , نحو المطلوب الله أو المقصود الله و نحو ذلك و الله أعلم . قلت , و قد تقدم أن الأسماء المجردة عن التركيب قياسها سكون اعجازها كأسماء الأعداد و فواتح بعض السور , و هو لمن يقصد تسمية مسماها فقط . فان جوهر اللفظ موضوع لجوهر المعنى , و تقدم . و ان تحركت اعجازها تحركت بحركة من جنس ما بعدها ليكون ذلك دليلا على عدم دخولها الاعراب لأنه مشعر بارادة قصد أحوال المعنى لا جوهرها , فينافي المقصود . و لذلك نقول الله الله بالفتح لا بغيره للمعنى المذكور في حضرتنا عند التوسط بالاسم الثاني , فافهم ذلك , و لأن الالتفات الى أحوال المعنى علة في فقد الاخلاص المعني بقوله تعالى : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا " . و بالحديث الوارد أن الله تعالى أوحى الى داوود " لو لم أخلق جنة و لا نارا , ألم أستحق العبادة لذاتي , قال بلى يا رب " , او كما قال , انتهى و الله أعلم . فاذا علمت ذلك علمت أن ما أمرنا الأستاذ رحمه الله تعالى بتقديره في ذكر الاسم المفرد كما تقدم , هو عين جوهر المعنى لاحالها المؤذن بالالتفات الحقيقي , لا عبارة عنه و لا اشارة اليه , اذ كل ما دخل فلك العبارة أو تحت ايماء الاشارة , فهو شيء . و كلما تعينت شيئيته مع الحق تعالى فهو مزيل للتوحيد من حيث ذلك الشيء , لأن رفض السوى فرض و رفضه يمحو الشرك و الشك , و اذا كان الخبر نفس المبتدا و هو هو , فلا خبر في الحقيقة و لا مبتدأ , و به يذهب اتلاسم و يبقى الرسم . فان قلت اذا كان المطلوب سكون اعجاز الأسماء في الذكر للمعنى المذكور , فلم لم يصرح به الامام العارف بالله تعالى زين الدين في الجوهر الخاص , و انما أحال الجواب على ثبوت الحركة نصبا و رفعا و التمس للخفض وجها , رحمه الله تعالى . قلت , انما قال ذلك مطابقة للسؤال . فان السؤال سأل ما هي الحركة , فأجاب بجواز الحركات المذكورات . فان قلت و قد قال عند قوله و هل آخره محركا يكون , أي في السؤال الذي قبله , و جوابه عنه بقوله بالتحريك وصلا و بالسكون وقفا , و هو مؤذن بالاعراب المشعر بالالتفات الى حال المعنى كما تقدم ولم يتعرض لما ذكرتم . قلت كان خطابه للمبتدا و جوابه على قدر السؤال و لا يسع المبتدأ الا ما ذكرلأنه لا يستطيع أولا أن يلتفت الى جوهر المعنى قبل أن يلتفت الى حالها , و لا يكون ذلك الا للمجذوب , و أما السالك في حال ابتدائه أولا يستدل بالأثر على المؤثر , فاذا توسط صار يستدل بالمؤثر على الأثر , و كلامنا هذا مع المتوسط . و أما أهل النهاية فلا تسأل عن أهل الفراذيس و ما عندهم من العلم النفيس , من الله تعالى علينا بذلك بفضله و جوده , آمين , انتهى و الله أعلم . قوله و كم له من أحرف يا تال , أي و كم للجلالة من حرف . و قوله يا تال , يا تتميم و هو من تلوت القرآن اذا قرأته , أي و كم من حرف في اسمه تعالى الله في اللفظ و النطق و في الكتابة و الرسم . الفصل الخامس و العشرون : في الجواب على قول السائل و كم من حرف في اسم الجلالة , اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص هي في الرسم أربعة أحرف , و هي الألف و لامان و هاء , و في اللفظ خمسة أحرف يزاد على هذه الأربعة ألف بعد اللام الثانية لفظا لا خطا , انتهى كلامه و الله أعلم . قلت , و اختلف العلملء رحمهم الله تعالى في سبب حذف هذه الألف خطا . فقيل تخفيفا لكثرة الاستعمال , و قيل حذفت كراهة اجتماع الحروف المتشابهة في الصورة عند الكتابة , كما كرهوا اجتماع الحروف المتشابهة في اللفظ عند القراء . و قيل لئلا يلتبس باللاهي اسم فاعل . و قيل لئلا يلتبس بخط اللات , قاله ابن عطية . و القول بأنها لغة استعملت لفظا لا خطا غريب , انتهى من الجوهر المكنون . قال سيدي عبد الكريم الجيلي في الانسان الكامل : " واعلم بأن هذا الاسم خماسي لأن الألف التي قبل الهاء ثابتة في اللفظ و لا يعتد بسقوطها في الخط لأن اللفظ حاكم على الخط . و اعلم بأن الألف الأولى عبارة عن الأحدية التي هلكت فيها الكثرة و لم يبقى لها وجود بوجه من الوجوه , و ذلك حقيقة قوله تعالى : " كل شيء هالك الا وجهه " , يعني وجه ذلك الشيء و هو أحدية الحق فيه . و لما كانت الأحدية أول تجليات الذات في نفسه لنفسه بنفسه , كان الالف في اول هذا الاسم و انفراده بحيث أن لا يتعلق به شيء من الحروف تنبيها على الاحدية التي ليس للأوصاف االحقية و لا للنعوت الخلقية فيها ظهور . فهي أحدية محضة , اندحض فيها الأسماء و الصفات و الأفعال و التأثيرات و المخلوقات و ألسنة اشارات بسائط هذه الحروف باندحاضها فيه , اذ بسائط هذه الحروف ألف و لام و فاء . فالألف من البسائط تدل على الذات الجامعة للبساط و المنبسط فيه , و اللام بقائمته تدل على صفاته القديمة و بتعريفه يدل على متعلقات الصفات وهي الأفعال القديمة المنسوبة اليه . و الفاء تدل على المفعولات بهيئته و تدل بنقطتها على وجود الحق في ذات الخلق , و تدل باستدارة رأسه و تجويفه على عدم التناهي الممكن مع قبوله للفيض الالهي , لأن الدائرة لا يعلم لها ابتداء و لا انتهاء , و تجويفه محل الاستدارة لقبوله , اذ المجوف لابد أن يقبل شيئا يملأه . و ثم نكتة وهي أن النقطة التي في رأس الفاء هي التي دائرة رأس الفاء , خصت بحملها , و هنا اشارة لطيفة الى الامانة التي حملها الانسان و هي , أعني الأمانة , كمال الألوهية , كما أن السماوات و الأرض و أهليهما من المخلوقات لم تستطع حمل هذه الأمانة , و كذلك جميع العوالم . ليس محلا للنقطة سوى رأسها المجوف الذي هو عبارة عن الانسان , و ذلك لأنه رئيس هذا العالم , و فيه قيل " أول ما خلق الله تعالى روح نبيك يا جابر " . و كذلك القلم من يد الكاتب , أول ما يصور راس الفاء . فحصل من هذا الكلام و ما قبله أن أحدية الحق تعالى يبطن فيها حكم كل شيء من حقائق أسمائه تعالى صفاته و أفعاله و مأثراته و مخلوقاته , و لا يبقى سوى صفة ذاته المعبر عنها بوجه بالأحدية . الحرف الثاني من هذا الاسم اللام الأولى , فهو عبارة عن الجلال , و لهذا كان الاسم ملاصقا للألف , لأن الجلال أعلى تجليات الذات , و هو أسبق اليها من الجمال . و قد ورد في الحديث النبوي على صاحبه أفضل الصلاة و السلام , " العظمة ازاري و الكبرياء رداءي " . و لا أقرب من ثوب الازار و الرداء الا الشخص . فثبت أن صفات الجلال أسبق اليه من صفات الجمال و لا يناقض هذا قوله " سبقت رحمتي غضبي " , فان الرحمة السابق انما هي بشرط العموم و العموم من الجلال , و اعلم أن الصفة الواحدية الحمالية اذا استوفت كمالها في الظهور أو قاربت سميت جلالية لقوة ظهور سلطان الجمال بمفهوم الرحمة من الجمال عمومها , و انتهائها هو الجلال . الحرف الثالث هو اللام الثاني , و هو عبارة عن الكمال المطلق الساري في مظاهر الحق سبحانه و تعالى و ميع أوصاف الكمال راجع الى و صفين , العلم و اللطف . كما أن الأوصاف الجلالية راجعة الى وصفين , العظمة و الاقتدار . و نهاية االوصفين الأولين راجع اليهما , فكأنهما وصف واحد . و من ثم قيل أن الجمال الظاهر للخلق انما هو جمال الجلال , و الجلال انما هو جلال الجمال , لتلازم كل منهما للآخر . فتجلياتهما في المثل كالفجر الذي هو مبادي ضياء الشمس الى نهاية طلوعها , فنسبة الجمال نسبة الفجر , و نسبة الجلال الاشراق . فهذا معنى جمال الجلال و جلال الجمال . و لما كان اللام اشارة الى هذين المظهرين , لكن باختلاف المراب , كانت بسائط لام ألف ميم , و جملة هذه الأعداد أحد و سبعون عددا , و تلك هي عدد الحجب التي أسدلها الحق تعالى دونه و بين خلقه . و قد قال النبي صلى اله ليه و سلم , " أن لله نيفا و سبعين حجابا من نور , و هو الجمال و الظلمة و هو الجلال , لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره " , يعني الواصل الى ذلك المقام , فلا يبقى له عين و لا أثر . و هي الحالة التي يسمونها الصوفية المحق و السحق . فكل عدد من أعداد هذا الحرف اشارة الى مرتبة من مراتب الحجب التي احتجب الله تعالى بها عن خلقه . و في كل جمرتبة من مراتب الحجب ألف حجاب من نوع تلك المرتبة , كالغرة مثلا فانه أول حجاب قيد الانسان فيالمرتبة الكونية و لكن له ألف وجه , و في كل وجه حجاب , و كذلك بواقي الحجب , لولا قصد الاختصار لشرحناه على أتم وجوهه و أكمله و اخصه و أفضله . الحرف الرابع من هذا الاسم هو الألف المسقوطة خطا الثابتة لفظا , و هي ألف الكمال الذي لا نهاية و غاية له , و الى عدم غايته الاشارة بسقوطه في الخط . لأن المسقوط لا يدرك له عين و لا أثر , و في ثبوته في اللفظ اسارة الى حقيقة وجود نفس الكمال في ذات الحق سبحانه و تعالى . فعلى هذا الكمال من أهل الله تعالى في أكمليته يترقى في الجمال , و الحق تعالى لا يزال في تجلياته , و كل تجل من تجلياته فان الثاني يجمع الأول , فعلى هذا تجلياته أيضا في الترقي . و لهذا قال المحققون أن العالم كله في ترقي في كل نفس , لأنه أثر تجليات الحق تعالى و هي في الترقي , فلزم من هذا أن يكون العالم في الترقي . و ان قلت بهذا الاعتبار أن الحق سبحانه و تعالى وارد بالترقي ظهوره لخلقه , جاز هذا الحديث في الجناب الالهي تعالى عن الزيادة و النقصان و جل أن يتصف بأوصاف الاكوان . الحرف الخامس من هذا الاسم هو الهاء , فهو اشارة الى هوية الحق تالى الذي هو عين الانسان . قال تعالى : يا محمد هو , أي الانسان , الله أحد . فهاء الاشارة راجعة الى فاعل قل و هو أنت , و الا فلا تجوز اعادة الضمير الى غير مذكور , و أقيم المخاطب هنا مقام الغائب التفاتا بيانيا اشارة الى أن المخاطب بهذا ليس نفس الحاضر وحده , بل الغائب و الحاضر في هذا على السواء . قال تعالى : " و لو ترى اذ وقفوا " , ليس المراد به محمد وحده بل كل راء . فاستدارة راس الهاء اشارة الى دوران رحى الوجود الحقي و الخلقي على الانسان . فهو في عالم المثال كالدائرة التي أشار الهاء اليها . فقل ما شئت , ان شئت قلت الدائرة حق و جوفها خلق , و ان شئت قلت الدائرة خلق و جوفها حق . فهو حق و هو خلق , و ان شئت قلت الأمر فيه الابهام . فالأمر في الانسان دوري بين أنه مخلوق و له العبودية و العجز و هو أنه على صورة الرحمان , فله الكمال العز . قال تعالى : " و هو الولي " , يعني أن الانسان الكامل الذي قال له " الا أن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون " , لأنه يستحيل الخوف و الحزن و أمثال ذلك على الله تعالى , لأن الله تعالى هو الولي الحميد , و هو يحي الموتى و هو على كل شيء قدير , أي الولي . فهو حق منصور في صورة خلقية , أو خلق متحقق بمعاني الهية . فعهلى كل حال هو الجامع لوصفي النقص و الكمال الساطع في أرض كونه بنور شمس المتعال , فهو السماء و الارض و هو الطول و هو العرض و في هذا المعنى قلت شعرا :
    لي الملك في الدارين لم أر فيهما سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
    و لا قبل من قبلي فالحق شاوه ولا بعد من بعدي فالحق معناه
    و قد حزت أنواع الكمال و انني جمال جلال الكل ما أنا الا هو
    فمهمى ترى من معدن و نباته و حيوانه مع انسه و سجاياه
    و اني لرب للأنام و سيد جميع الورى اسم و ذاتي مسماه
    لي الملك و الملكوت جلت تحيتي لي الغيب و الجبروت مني مناه
    و ها أنا فيما ذكرت جميعه عن الذات عبد ءايب الى مولاه
    فقير حقير خاضع متذلل أسير ذنوب قيدته خطاياه
    فيا أيها العرب الكرام و من هم لصبهم الولهان أفخر ملجاه
    قصدتكم قصدي أنتم و جيرتي و أنتم مناءي في الذي أتمناه
    عليكم سلام كل يوم و ليلة يزيد على مر الزمان محياه
    انتهى مع اختصار جدا و الله أعلم . انما أطلت الكلام فيه تبركا و اتحافا للمعتني بشيء من كلام أهل الحقيقة في الاسم الاعظم لجامع لجميع الأسماء . تنبيه : يجب على من نظر في كلام أهل الحقيقة أن لا يبادر الى الانكار اذا لم يصل فهمه الى اشاراتهم و ايمائهم فيما لا تسعه العبارة من كلامهم رضي الله عنهم , فحسبه الوقوف مع التسليم الى أن يفتح الله تعالى عليه بمعرفته . و فائدة التسليم هنا و ترك الانكار , أن لا يحرم الوصول الى معرفة ذلك , فان من أنكر شيئا من أهل الحقيقة حرم الوصول اليه ما دام منكرا عليه و لا سبيل له لى غير ذلك , بل و يخشى عليه الحرمان للوصول مطلقا بالانكار أول و هلة , و لا طريق الى الايمان الا التسليم , و بهذا اتفق أهل الحق . فافهم ذلك و اعمل به و الله يتولى هدانا و هداك و هو الموفق للصواب و اليه المرجع و المئاب . ثم قال عفا الله تعالى عنه :

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  7. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:24 AM رقم #14
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  8. ( و هل يجوز مد همز قبل لام و هل يجوز حذف ها و ي بعد لام )

    اشتمل البيت على سؤالين عن اسم الجلالة الأول , هل يجوز مد الهمزة منه . السؤال الثاني , و هل يجوز حذف الالف الهاوي الذي بعد اللام الثانية و قبل الهاء أم لا و بهما يكون سبعة و عشرون سؤالا . قوله و هل يجوز مد همز قبل لام , أي الهمزة الأولى منه التي قبل لام التعريفية أو التعظيمية على قول , كما سيذكر ان شاء الله تعالى . الفصل السادس و العشرون : في الجواب على قوله , و هو يجوز مد الهمزة من اسم الله تعالى أم لا . اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص : " اذا مدت الهمزة منه لا يكون ذكرا , بل يكون استفهاما , كقوله تعالى " قل الله أذن لكم ام على الله تفترون " , و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز الكلام على تركيب هذا الاسم المعظم و في معناه و عدمه . قيل ينبغي الامساك عنه اجلالا و تعظيما , أو لعدم الاذن فيه شرعا , و الصحيح الجواز , قاله غير واحد ثم اختلفوا في أصل وضعه , فقيل عجمي , و قيل عربي . و اختلف القائلون بأنه عجمي اللفظ , فقيل عبراني , و قيل سرياني , و الصحيح أنه عربي . و اختلف القائلون بأنه عربي هل هو علم أم لا , و الحق أنه علم و هو مذهب سيبويه و الخليل و أكثر الأصوليين و الفقهاء لوجوه مذكورة في المطولات . و احتج نفات العلمية أيضا بوجوه مذكورة في محالها , ثم اختلفوا أهل هو مرتجل أو منقول . الأصح أنه مرتجل و ليس منقول و لا مشتق . قال فيه زائدة لازمة لا للتعريف بل كذلك وضع , قاله السهيلي . و القول بأنه منقول اختلفوا فيه , فأما الكوفين فقالوا أصله الاه , فأدخلت الا عليه للتعظيم , ثم حذفت الهمزة الاصلية استثقالا لكثرة جريانها على الألسنة كما تقدم , فاجتمع لامان أدغمت أولاهما ثم غلضت اللام تعظيما . و أما البصريون فقالولا صله لاه فألحقوا به ال و أنشدوا :
    و لاهك قد يغشى العشيرة نوره و نورك نور في الجديدين ساطع
    أي ارتفاعك و سؤ ددك علو شأنك . و القول بأنه مشتق , قال فيه زائدة لازمة , و عليه في مادته ربعة اقوال . أحدها ن مادة لام و ياء وهاء من لاه يليه اذا ارتفع . الثاني , أن مادته لام و واو و هاء من لاه يلوه اذا احتجب , فألفه على الأول منقلبة عن ياء , و على الثاني منقلبة عن واو لتحركها و انفتاح ما قبلها . الثالث أن مادته همزة و لام و هاء من أله أي عبد . فالاه فعال بمعنى مفعول ككتاب بمعن مكتوب كما تقدم , و الألف التي قبل الهاء على هذا زائدة , و الهمزة التي بين اللامين أصلية أي التي بين لام التعريف و لام الاصل . وحذفت اعتباطا بالعين المهملة من الحذف الآخر للشيء من غير استحقاق عارض و الله أعلم . قال في المصباح , الاعتباط أن ينحر البعير و غيره من غير علة , كما في ناس أصله أناس . الرابع , أن مادته واو و لام و هاء من وله , ادا اضطرب , فالهمزة فيه على هذا مبدلة عن واو . و زعم بعضهم أن ال فيه من نفس الكلمة , و وصلت الهمزة لكثرة الاستعمال . و رد بأنه لو كان كذلك لنون , لأن وزنه حينئذ فعال كعلام و أواب , و لا مانع من تنوينه , انتهى و الله أعلم . تنبيه : و لما جاز الكلام في تركيبه و معناه , فلا مانع أن يجوز الكلام في حكم تركيبه مع حروف النداء ما عدى يا و الميم المشددة , و هي ستة . الهمزة و اي مقصورتين و مدودتين , و أيا و هيا . و قوله في الجوهر الخاص " اذا مدت الهمزة من الجلالة لا يكون ذكرا " , فيه نظر, لأنه اذا قصد به النداء كسائر الأعلام , فالصناعة النحوية لا تمنعه كسائر حروف النداء , و يكون ذكرا , فان العبرة بالمقاصد كما تقدم . الا أن يقال أنه لم يرد به السماع , اذ لم يأت اسم الجلالة في القرآن و لا في السنة منادى الا بيا أو الميم المشددة , اما يا . قال سيدي عبد الرحمان الثعالبي, نفعنا الله تعالى به في مفردات مقدماته في علم الاعراب : " هي حرف موضوع لنداء البعيد حقيقة أو حكما , و قد ينادى بها القريب توكيدا , وهي أكثر أحرف النداء استعمالا . و لهذا لا يقدر عند الحذف سواها , و لا ينادى اسم الله تعالى الا بها و ليس نصب المنادى بها و بأخواتها بل ادعوا محذوفا " , انتهى كلامه نقلا من كتب ابن هشام " كالمغني " و " التوضيح " و غيرهما , هكذا قال . قلت , و حكم اسم الجلالة معها ففيه أربعة أوجه . الأول , يا الله باثبات ألفين , أعني ألف النداء و لف الجلالة مقطوعة لأنها لما كانت لازمة أشبهت الأصلية . الثاني , يلله بحذفهما . الثالث , يا لله بحذف الف الجلالة فقط . الرابع , حذفها أي يا و تعوض عنها الميم المشددة زائدة في آخر الجلالة , فتقول اللهم , و هو الكثير و لم يذكر في القرآن سواه . و هل يجمع بينهما أي بين يا و الميم , و لا تجوز الا في ضرورة الشعر . قال ابن مالك رحمه الله تعالى :
    و الأكثر اللهم بالتعويض و شذيا اللهم في قريض
    يشير بذلك الى قول أبي خراش الهذلي
    اني اذا ما حدث الما أقول ياللهم ياللهم
    و هذا مما يحفظ و لا يقلس عليه . فائدة : يجوزحذف حرف النداء و هو يا خاصة , سواء كان المنادى مفردا أو جاريا مجراه أو مضافا نحو " يوسف أعرض عن هذا " , " سنفرغ لكم أيها الثقلان " , " أن أدوا الي عباد الله " , الا في ثمان مسائل . منها اسم الجلالة , فلا يجوز حذف يا الندء عنه الا اذا عوض عنها الميم المشددة كما تقدم , و تمامه في التوضيح و غيره . و ما ذكرت هذا و ان كان بعيد المناسبة الا لكثرة المعترضين على الذاكرين , ليكون تبصرة للمبتدا و تذكرة للمنتهي و حجة و محجة للمعتني . فائدة : ذكر الفقهاء أن مد الهمزة من الجلالة في تحريمة الصلاة لا تنعقد به , فالتحريمة , و هو قولنا الله أكبر , شرط أو ركن على الخلاف و الأصح شرط عند الحنيفية , و شرط صحتها أن لا تمد همزة الجلالة كما لا تمد همزة أكبر . و كذلك مد الباء منه , فيقول أكبار , مثلا . قالوا لا يصير شارعا , و ان قال في خلال الصلاة تفسد صلاته , قيل لأنه اسم من أسماء الشيطان , و قيل غير ذلك . قيل لا تفسد , و الأصح الأول , و أما اشباع حركة الهاء من الجلالة في التكبير خطأ من حيث اللغة , و لا تفسد به و كذلك تسكينها في التكبير أيضا , لأن محله الوصل , ليتنبه و الله أعلم . واختلف العلماء في جواز انعقاد الصلاة بالجلالة فقط , قال به أبو حنيفة رحمه الله تعالى , و بكل لفظ يدل على التعظيم , كالعظيم و الجليل و غيره . و قال الشافعي رحمه الله تعالى " تنعقد بالله أكبر " , و قال قال الامام مالك و أحمد رحمهما الله تعالى " تنعقد الا بقولنا الله أكبر " . فعلى هذا ينبغي زيادة تنبيه في التكبير في الصلاة التي هي خالص الذكر و لبه , كما قال تعالى : " أقم الصلاة لذكري " , انتهى و الله أعلم . قوله و هل يجوز حذف هاوي بعد لام , أي و هل بعد اللام الثانية من الجلالة و قبل الهاء ألف أم لا . هكذا في الأصل , كأنه يقول , و هل يجوز حذف ذلك الألف أم لا , بدليل جواب الامام العارف بالله تالى زين الدين سبط المرصفي رحمه الله تعالى , و سمى الألف هاوي , لأنه يخرج من هواء الفم و هو جوفه كما تقدم . الفصل السابع و العشرون : في الجواب على قوله و هل يجوز حذف الحرف الهاوي من الجلالة أم لا . اعلم أنه قال الامام العارف بالله تعالى زين الدين أبو محمد سبط علي بن خليل المرصفي , رحمه الله تعالى و نفعنا به : " قد تقدم أن بعد اللام الثانية ألف لفظية لا خطية , و حكمها أن حذفها في اللفظ لحن لا تنعقد به الصلاة و لا اليمين و لا يكون ذكرا بدونها , و لا يعتد في جواز حذفها بقول الشاعر :
    ألا لا بارك الله في سهيل اذا بارك الله في الرجال
    فان ذلك لضرورة الشعر و الله أعلم , انتهى كلامه . قال الامام العارف بالله تعالى , سيدي عبد الرحمان بن الصغير الأخضري في القدسية :
    و من شروط الذكر ألا يسقطا بعض حروف الاسم أو يفرطا
    في البعض من مناسك الشريعة عمدا فتلك بدعة شنيعة
    و الرقص و الصراخ و الصفيق عمدا بذكر الله لا يليق
    وانما المطلوب في الأذكار الذكر بالخشوع و الوقار
    و غير ذا حركة نفسية الا مع الغلبة القوية
    فواجب تنزيه ذكر الله على اللبيب الذاكر الأواه
    من كل ما تفعله أهل البدع و يقتدي بفعل أرباب الورع
    و قال رحمه الله تعالى في شرحه على الجوهر المكنون (تنبيه) : " لا يجوز حذف ألف الجلالة الذي قبل الهاء لفظا الا في ضرورة الشعر عند الوقف عليه , كقوله :
    أقبل سيل بماء من مر الله دل على ذلك حرف الروى
    و ينبني على هذه المسألة فروع منها : من قال في يمينه بله , هل تنعقد أم لا . فقيل لا تنعقد لأن لفظ بله اسم للطوبة , قيل تنعقد لأن اللفظ يحسب أصل اللغة جائز , و قد نوى فيه الحلف . و منها قوله عند الذبح أو الاحرام أو الشهادة هل يكفي أم لا . و منها هل يثاب ذاكر ذلك أم يعاقب , لأنه قيد اسم الله تعالى . قال : قلت في استدلالهم على جواز حذف ألف الجلالة للضرورة بوروده في بعض أشعار العرب , نظر لأنها مسئلة شرعية تعبدية لا تأخذ الا من دليل شرعي , فلا تأخذ من أشعار العرب , انتهى كلامه و الله أعلم . قلت , و حيث وجد الخلاف وجب الانصاف , فالعبرة للمقاصد لا لوسائل , و لا خفاء في أن اللفظ وسيلة للمعنى لا العكس , و أن الله تعالى تعبدنا بالمعاني كما قاله امام دار الهجرة مالك رضي الله عنه , و حيث صح القصد فلا التفات الى الضد , و من تأمل قوله صلى الله عليه وسلم : " أذكروا الله حتى يقولوا مجنون " , و نظر شرحه في كتاب السر المصون , فلم يبق له اعتراض على ذاكر حيث ما يكون , و من أمعن النظر في نصرة الفقير للعارف بالله تعالى الشيخ سيدي محمد السنوسي فلا يبقى له ازدراء بفقير . لقد أحسن العلامة بو سعيد رحمه الله تعالى حيث قال :
    لكن سر الله في صدق الطلب كم رءي في أصحابه من العجب
    اللهم الا اذا تغير القصد و نقص العهد , فيستوجب حينئذ البعد و يقام الحد و الى ذلك أشار العارف بالله تعالى الجامع بين الشريعة والحقيقة , سيدي عبد الرحمان بن الصغير الأخضري في رسالته القدسية كما تقدم فقال :
    فقد رأينا فرقة ان ذكروا تبدعوا و ربما قد كفروا
    و صنعوا في الذكر صنعا منكرا طبعا فجاهدهم جهادا أكبرا
    خلوا من اسم الله حرف الهاء فألحدوا في أعظم الأسماء
    لقد أتوا و الله شيئا ادا تخر منه الشامخات هدا
    و الألف المحذوف قبل الهاء قد أسقطوه و هو ذو خفاء
    و غرهم اسقاطه في الخط فكل من يتركه فمخطي
    قد غيروا اسم الله جل و علا و زعموا نيل المراتب العلا
    تغرهم مذاقة طبعية سببها حركة نفسية
    فزعموا أن لهم أسرارا و أن في قلوبهم أنوارا
    و زعموا أن لهم أحوالا و أنهم قد بلغوا الكمالا
    و القوم لا يدرون ما الأحوال فكونها لمثلهم محال
    حاشى بساط القدس و الكمال تقدمه حوافر الجهال
    فقد ادعوا من الكمال منتهى يكل عن ادراكه ألوا النهى
    و الجاهلون كالحمير الموكفة و العارفون سادة مشرفة
    و هل يرى بساحل الأنوار من لج في بحر الظلام ساري
    و قال بعض السادة المتبعة في رجز يهجوا به المبتدعة
    و يذكرون الله بالتغيير و يشطحون الشطح كالحمير
    و ينبحون النبح كالكلاب مذهبهم ليس على الصواب
    قلت و شاع أمر الاشتباه في المتراسلين في اسم الله
    و قد تقدم قبله في شروط الذكر
    والرقص والصراخ والتصفيق عمدا بذكر الله لا يليق
    الخ , انتهى ما قصدنا من كلامه , رضي الله عنه , و لو لا الاطالة التي تفضي الى السآمة لتتبعنا كلامه بالشرح , و ملخصه ما شرنا اليه أولا و هو ظاهر لمن كان له قلب يفهم به عن الرب , و كلام العارفين , أي و نهيهم تحذيرهم . و اعتراضهم ذو وجهين بين الاشارة و العبارة من اللوامة الى الأمارة و هم رضي الله عنهم تارة يوجهون الاشارة الى المطمئنة اللوامة العبارة الى الأمارة كهذا , و تارة بالعكس و لذلك يتوقف في كلامهم , رضي الله عنهم , و يقولون لا يفهم كلام الأخرس الا أمه . قال في الحكم , عبارتهم اما لفيضان وجد و لقصد هداية مريد . فالأول حال السالكين و الثاني حال أرباب المكنة و المتحققين . قال ايضا قبله تسبق انوار الحكماء أقوالهم , فحيث صار التنوير وصل التعبير . الحكماء هم العارفون بالله تعالى , واعلم أنه من لم يبلغ مقاما لا يستطيع أن يعبر عليه . و المقامات سبعة و من بلغ الى السابع له أن يعبر عن جميعها و له أن يعترض على ما دونها , لقوله عليه السلام : " حسنات الأبرار سيآت المقربين " , الخ . و من كان في الأول لا يفهم أيضا حال من هو في المقام الثاني . فاذا اعترض عليه فهو من جهله به , و اعتراضه لم يصادف محلا , و لهذا لما اعترض على سيدنا يوسف عليه السلام , " و ما أبرىء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي " , الآية , و لما كانوا في الامارة لم يفهموا حله فلم يجدوا جوابا الا ما ذكر و ان كان الوجب عليه أن يقول لم أفعل , لأنهم لم يفهموا ذلك . و بيان ذلك على سبيل التقريب و الاختصار , أن غاية تنزل النفس الناطقة الى المقام الأول و هو مقام ظلمات الأغيار و تسمى فيه أمارة بالسوء , ثم تأخذ في الترقي بسبب الأذكار و الطاعات و التقرب الى الله تعالى بالرياضات بعد الايمان و اليقين و السلوك في زمرة المتقين . فلا تزال تترقى مقاما بعد مقام الى السابع الذي هو مقام تجليات الاسماء و الصفات , و تسمى هذه الأمارة بالكاملة فيه , و هذا الكامل من العارفين . فاذا كان ذلك , فمن كان في المقام الاول الذي هو مقام ظلمات الاغيار فلا يقدر أن يعبر عن المقام الثاني الذي هو مقام الأنوار , ولا يفهم كلام من هو فيه للمنافاة التي بين ظلمات الأغيار و بين الأنوار . و من كان في المقام الثاني الذي هو مقام الأنوار فلا يقدر أيضا أنيعبر عن المقام الثالث الذي هو مقام الأسرار , و لا يفهم كلام من هو فيه . و من كان في المقام الثالث الذي هو مقام الاسرار , فلا يستطيع أن يعبر عن المقام الرابع الذي هو مقام الكمال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . و من كان في المقام الرابع الذي هو مقام الكمال فلا يقدر أن يعبر عن المقام الخامس الذي هو مقام الوصال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . ومن كان في المقام الخامس الذي هو مقام الوصال , فلا يقدر أن يعبر عن المقام السادس الذي هو مقام تجليات الأفعال , و لا يفهم كلام من هو فيه أيضا . و من كان في المقام السادس الذي هو مقام تجليات الأفعال فلا يقدر أن يعبر عن المقام السابع الذي هو مقام تجليات الأسماء و الصفات , و لا يفهم أيضا كلام من هو فيه , و يعبر على كل مقام سلكه وما دونه لا ما فوقه , فافهم و الله أعلم , و بسببه وقع الانكار و الخلاف . و العارف لا يخرج عن مركز دائرة الانصاف و الانتصاف , و أسماء النفس في هذه المقامات قد تقدم , و هذا معنى قولهم " كل مقام له مقال " , فافهم و الله تعالى يتولى هدانا و هداك , و لا ينزل القياس على كل الناس , و انما سنح بنا الكلام حتى خرج عن المقام حماية للذاكرين و شفقة عن المنكرين . واعلم أن من بلغ الى المقام الثالث الذي تسمى النفس فيه ملهمة لم يبق له اعتراض على أحد , لأنه يشهد بأن الله تعالى آخذ بناصية كل دابة , فلم يبق له اعتراض على مخلوق أصلا , حتى اذا اعترض , انما يعترض في حال الفرق الذي هو بعد الجمع عملا بظاهر الشرع مع التسليم القلبي . و انما تقع كثرة الاعتراض من المقام الثاني الذي هو مقام الانوار , و تسمى النفس فيه لوامة . و اللوم انما هو على الأول و بقية شيء منه في المقام الثاني كما هو معلوم في صناعة السير و السلوك . و انما و قع اللوم و الانكار في المقام الثاني على الأول , لأنه علم الحق حقا و الباطل باطلا و لم يقدر على الانفصال منه , أي من الباطل و لذلك لام نفسه . و لأن الثاني مقام الأنوار , و بالأنوار ينكشف ما في ظلمة الاغيار , فيقع الاعتراض و اللوم و الانكار الى الثالث , و هذه فائدة الترقي . و هذا كله قطرة من بحر علم شيخنا الازهري نفعنا الله تعالى به , آمين . و لولا خيفة الاطالة و الخروج عن المناسبة لبينا كل مقام على لسان العلم , و لكن ان دعت المناسبة اليه أشرنا الى ما يحتمله المقام , و الله علم . فالملخص من هذا الكلام أن الانكار و اللوم و الاعتراض انما يتوجه الى أهل المقام الأول و بعض اهل المقام الثاني لأنه لا يستطيع أن يميز بين الحق و الباطل , فهو كما قيل :
    يغبى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
    و العارفون لا يعنون الا ما ذكر , و ان عمموا بقولهم فذلك للتأنس و عدم الايحاش و سلوك الأدب مع الحق و الناس . ألا ترى قوله تعالى , " و الوالدات يرضعن أولادهن " , الى قوله " و على المولود له رزقهن و كسوتهن " , الآية , ايناسا و رحمة بالأمهات سبحانه و تعالى و تعليما لنا . فقد اشار باللام لدالة على اختصاص الولاد بالوالد دون الوالدة رحمة بالم ي لا تحزن و تتألم بصريح الخطاب الوارد و لا شك أن الاشارة أغمض من و لأجل أن لا يفهمها كل
    كان عليه السلام يقول : " ما بال أقوام " كذا و كذا , و يعني به واحدا . و هكذا سيرة العارفين , لا يعنون الا الأمارة , وهو معنى قولنا اذا تغير القصد و نقض العهد الخ . و كذلك قولنا لا ينزل القياس على كل الناس . و لذلك كان يجب قبل كل شيء بعد الايمان بالله و تعلم ما يجب تعلمه أولا , على كل مكلف أن يأخذ في السير و السلوك و يفحص عليه و على أهله حتى يجده , فان من جد وجد . و ينبغي له أن لا يقول لا وجود له و لا لأهله , فان الله تعالى لا يعجزه شيء , و لو يبعث له من رجال لغيب . و قد صرحت السنة بذلك بحديث " لا تزال طائفة من أمتي " ... الخ . و بالصدق و النية و الاخلاص تدرك مراتب الخواص و خواص الخواص و الله أعلم . ثم قال عفا الله تعالى عنه :

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  9. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:25 AM رقم #15
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  10. ( و ما هو الافضل في الاكثار ذكر صلا تعلم أو قاري )

    اشتمل البيت على سؤال واحد و هو ما هو الأفضل لطالب الآخرة , الاكثار من ذكر لا اله الا الله , أو من صلاة النافلة المطلقة , أو الاشتغال بالعلم الشرعي تعليمه و تعلمه , أو قراءة القرآن و تلاوته و به تمام ثمانية و عشرين سؤالا . و قوله صلا أي صلاة , فان الصلا وسط الظهر منا و من كل ذي أربعة أو ما عن يمين الذنب و يساره , و هما صلوان (قاموس) . قيل الصلاة مأخوذة من تحريكهما عليه , فهو اصل لها و جائز في النظم أن ترد الأشياء الى أصولها . الفصل الثامن و العشرون : في تالجواب على قوله و ما هو الأفضل لطالب الآخرة . هل الاكثار من ذكر لا اله الا الله , أو الاكثار من الصلاة النافلة المطلقة , أو الاكثار من قراءة القرآن و تلاوته , أو الاكثار من قراءة العلم الشرعي تعلما و تعليما . اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص أن جميع ما ذكر في هذا السؤال أعمال تتوقف على العلم , اذ هو رأس العمل . فمن ثم كان الأفضل للمكلف أن يتعلم من العلم ما لا يسعه جهله , و هذا القدر فرض عليه . و ما ذكر في السؤال نوافل و الفرض افضل من النافلة و لحديث الآتي ذكره , و قال صلى الله عليه و سلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " . ثم بعد العلم لا يخلو طالب الآخرة اما أن يريد العمل بأفضل العمال , فالأفضل من الأعمال بعد الايمان , كما قال امامنا الشافعي رحمه الله تعالى ,الصلاة فرضا و نفلا لحديث " ما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضته عليه مازال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه , فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها , و ان سألني لأعطينه و ان استعاذني لأعيذنه , و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت و أنا أكره مسائته " . و قال الامام أحمد رحمه الله تعالى : " لا شيء بعد فرائض الاعيان أفضل من العلم و الجهاد , و الأفضل الأذكار من القرآن , سيما اذا كان في الصلاة . و أما ان يريد سلوك طريق الصوفية فالأفضل له في مذهبهم الاكثار من الذكر بعد تعلمه ما لا يسعه جهله من العلم , فان الله تعالى أمر بذلك فقال : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا " , الآية . و قد ورد في كتاب الترمذي و ابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه , قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أفضل الذكر لا اله الا الله " , و قال الترمدي حديث حسن . و قد أجمع المشائخ المرشدون على أنه ما سلك المريد طريقا أصح و أوضح من الذكر , فينبغي للسلك أن لا يشتغل بشيء سواه ما عدى الفرائض و السنن , و ما للمحب شأن أشرف و أعلى من الاشتغال بذكر محبوبه على رجاء وصله و مشاهدة جماله , حتى قال الغزالي في الاحياء : " و يمنع الشيخ المريد من تكثير الأوراد الظاهرة بليقتصر على الفرائض و الرواتب و يكون ورده وردا واحدا و هو لب الأوراد و ثمرتها , أعني ملازمة القلب لذكر الله تعالى بعد الخاو عن ذكر الغير حتى يشتغل به لسانه و قلبه فيجلس مثلا و يقول الله الله , و لا يزال يواظب عليه حتى تسقط حركة اللسان و تكون الكلمة كأنها حادثة على اللسان من غير تحريك , ثم لا يزال يواظب عليها حتى يسقط الأثر عن اللسان و تبقى صورة اللفظ في القلب . ثم لا يزال كذلك حتى تنمحي من القلب حروف اللفظ و صورته , و تبقى حقيقة معناها لازمة للقلب حاضرة معه غالبة عليه قد فرغ القلب عن كل ما سواها , لأن القلب اذا اشتغل بشيء خلا عن غيره . فاذا اشتغل اللسان أولا بذكر الله تعالى فبالمواظبة عليه يسكن في القلب , فيلشتغل بذكر الله تعالى , فاذا اشتغل به كان هذا هو المقصود . فمن ثم لم يخل القلب لا محالة عن ذكر الله تعالى , و عند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب و الخواطر التي تتعلق بالدنيا , ما يتذكر فيمكا مضى في أحواله و احوال غيره
    , فانه مهما اشتغل بشيء منه و لو في لحظة , خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة و كان نقصانا , فليجتهد في دفع ذلك . ثم قال : (فائدة) لبعض المحققين و هي أن النصف الأول من كلمة التوحيد لتطييب الأسرار و تنزيهها , و النصف الثاني لتنوير القلب . و الأول فناء و الثاني بقاء , و الول انفصال عن ما سوى الحق و الثاني اتصال بالحق . و الأول اشارة الى قوله " ففروا الى الله جميعا " , و الثاني اشارة الى قوله تعالى " قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون " . (منزع ) " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا " . يا نداء من الحبيب للحبيب , و أيها تنبيه من الحبيب للحبيب , و الذين اشارة من الحبيب للحبيب , و اذكروا الله أمر من الحبيب للحبيب . و الذكر الكثير باللسان أ، لا يذكر مع الله تعالى غيره . و الذكر الكثير من القلب أن لا يفتر على المشاهدة و لا يغفل عن الحضرة بحال , و قيل في المعنى :
    الله يعلم أني لست أذكره و كيف أذكر شيئا لست أنساه
    قلت و اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في العلم الذي يجب أولا في قوله صلى الله عليه و سلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " , الخ . قيل علم الحال و قيل علم الحلال و الحرام , و قيل علم التوحيد , و قيل علم السر , و قيل علم الخواطر , و قيل علم غير ذلك . قال الامام حجة الاسلام أبو حامد الغزالي في كتابه منهاج العابدين : " فاعلم أن العلوم التي في الجملة فرض طلبها ثلاثة : علم التوحيد , و علم السر , أعني به ما يتعلق بالقلب و مساعيه و علم الشريعة . و أما حد ما يجب من كل منها , فالذي يتعين فرضه من علم التوحيد ما تعرف به أصول الدين , و هو أن لك الاها عالما قادرا مريدا حيا متكلما سميعا بصيرا واحدا لا شريك له , متصفا بصفات الكمال , منزها عن دلالة الحدوث , منفردا بالقدم على كل محدث , و أن محمدا صلى الله عليه و سلم عبده و رسوله الصادق فيما جاء به عن الله تعالى و في ما ورد على لسانه من أمور الآخرة , ثم مسائل في شعائر السنة يجب معرفتها . و اياك أن تبتدع في دين الله تعالى ما لم يرد به كتاب و لا أثر , فتكون مع الله تعالى على أعظم خطر . و جميع أدلة التوحيد موجودة , أصلها في كتاب الله عز و جل , و قد ذكرها شيوخنا رحمهم الله تعالى في كتبهم التي صنفوها في أصول الديانات و على الجملة كل ما لا يؤمن الهلاك مع جهله من العلوم فطلبه فرض لا يسوغ تركه . و أما الذي يتعين فرضه من علم السر فمعرفة مواجبه و مناهيه حتى يحصل لك تعظيم الله تعالى و الاخلاص له في النية و سلامة العمل . مواجبه كالتوكل و التفويض و الرضا و الصبر و التوبة و غير ذلك . و مناهيه هي أضدادها كالسخط و الرياء و الامل و الكبر و العجب و غيرها . و أما ما يلزم من علم الشريعة , فكلما يتعين عليك فرض فعله وجب عليك تعلمه لتؤديه كالطهارة و الصلاة و الصيام , أما الحج و الجهاد و الزكاة ان تعين عليك وجب عليك عمله تؤديه و الا فلا . فهذا ما يلزم العبد تحصيله من العلم لا محالة , و يتعين فرضه بحيث لا بد له من ذلك " , انتهى و الله أعلم . ثم قال عفا الله تعالى نه :

    ( هل اكتساب مع لزوم الواجب و ما هو الترتيب في الأفضليات )

    اشتمل البيت على سؤالين , الأول , هل الاكتساب و القيام على من يلزمه مؤنته مع القيام بالواجبات أفضل أم التوكل و ترك ذلك و الاشتغال بأحد الأمور المتقدم ذكرها قبله . الثاني , و ما هو الترتيب في الافضل من الاعمال , و ما يجب تقديمه على غيره منها لطالب الآخرة و بهذين السؤالين تمام ثلاثين سؤالا . قوله هل اكتساب افضل مع لزوم واجبات منها القيام على من تلزمه مؤنته , أم توكل واشتغال بالعبادة . الفصل التاسع و العشرون : في الجواب على قوله هل الاكتساب افضل أم التوكل الخ , اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى في كتابه الجوهر الخاص في أجوبة كلمة الاخلاص , الاكتساب لأجل ما ذكر واجب , لقوله صلى الله عليه و سلم : " كفى بالمرء اثما أن يضيع من يعول " , و في رواية " من يقوت " , مع أنه يحتاج الى العلم . كما قال العلماء , المتسبب يحتاج الى شيئين , علم و تقوى . فالعلم يعرف به الحرام و الحلال , و التقوى تصرفه عن ارتكاب الآثام و الضلال . و روي عن الامام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال : " الافضل من
    الاسترزاق الكسب بالحرف و الصنائع و الزراعة و التجارة و نحو ذلك , دون السؤال . و عند بعض الصوفية الكسب بالسؤال أقوى في كسر النفس من الكسب . بما ذكر وحده تحصيل الكفاية التي تقوم به و بمن تلزمه نفقته أو الكفاف , فانه صلى الله عليه و سلم قال : " اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا " , و من ثم عد الكسب من الرخص في مذهبهم , و ان تعين في حق المبتلى بالعيال و الأولاد و من يجب القيام عليهم , لأن التجرد و التسبب ليسا رتبة واحدة عندهم , و لن يجعل الله تعالى من تفرغ لعبادته و شغل أوقاته كالمتداخل في الاسباب و لو كان فيها متقيا . اذ المتجرد و المتسبب و ان استويا في مقام المعرفة بالله تعالى , فالمتجرد أفضل و ما هو فيه أعلى و أكمل , اذ مثلهما كعبدين لمالك قال لأحدهما اعمل و كل من كسبك , و قال للآخر الزم أنت خدمتي و حضرتي و أنا أقوم لك بما تريد , فلا مزية أن هذا قدره عند المالك أجل و صنعه بتلك الغاية أدل , و ان لم يستويا في المعرفة . فالمريد المتجرد كالمسافر المتجرد ينهض في سيره الى قطع المسافات البعيدة , يمد السير دون المسافر المثقل , فلا يصح له ذلك . و المراد بالرخصة في مذهب الصوفية الرجوع عن حقيقة العلم الى ظاهره , و يعدون ذلك نقصا في حالهم و الانحطاط الى الظاهر عن درجة الحقيقة من سوء الادب عند بعضهم و الله اعلم . قلت , و قد قال العلامة الجلال السيوطي في اتمام الدراية : " و فضل قوم التوكل على الاكتساب بالاعراض عن أسبابه اعتمادا للقلب على الرب تعالى . و عكس قوم ففضلوا الاكتساب على تركه و فضل آخرون باختلاف الأحوال . فمن يكن في توكله لا يسخط عند ضيق الرزق عليه و لا يطلع الى سؤال أحد من الخلق , فالتوكل في حقه أفضل لما فيه من الصبر و المجاهدة للنفس . و من يكون في توكله بخلاف ما ذكر فالاكتساب في حقه أفضل حذرا من السخط و التطلع " , ثم قال : " و المختار عندي أنه لا ينافي التوكل , بل يكون مكتسبا متوكلا بأن يرضى بما قسم له و لا يتطلع الى أكثر منه . و قد قال عمر رضي الله تعالى عنه لقوم قعدوا و ادعوا التوكل , " بل أنتم المتواكلون , انما المتوكل الذي يلقي بذره في الأرض و يتوكل " , رواه البيهقي . و في رسالة الامام القشيري عن سهل ابن عبد الله رحمهما الله تعالى , التوكل حال النبي صلى الله عليه و سلم و الكسب سنته . فمن قوي على حاله فلا يتركن سنته . و يقرب من ذلك حديث " أدع ناقتي و أتوكل , فقال عليه السلام , اعقلها و توكل " . ولا ينافي التوكل أيضا ادخار قوت سنة , فقد كان صلى الله عليه وسلم يدخر قوت عياله سنة كما في الصحيحين , و هو سيد المتوكلين . و كل من الخلق أقامه الله تعالى على ما يريد سبحانه من الحالة التي هو عليها من كسب و ترك و علم و عمل وارتفاع و انخفاض و غير ذلك لانتظام الوجود , اذ لو ترك الناس كلهم الكسب لتعطلت المصالح و المعايش و تفاوتت المراتب في الدنيا و الآخرة , لا راد لقضائه بالدفع و لا معقب لحكمه بالنقض سبحانه و تعالى , انتهى و الله أعلم . قوله , و ما هو الترتيب في الأفضليات , أي و ما ترتيب الأفضلية في ما تقدم في قوله وما هو الأفضل في الاكثار , ذكر صلا تعلم أو قاري . يعني ما يجب تقديمه أولا من الأعمال , و ما يكون بعده على الترتيب الخ . الفصل الثلاثون : في الجواب على قوله أي السائل , وما ترتيب الأفضلية الخ , اعلم أنه قال الامام العارف بالله تعالى زين الدين في كتابه الجوهر الخاص في الجواب على هذا السؤال , يأخذ مما تقدم في الجواب قبل هذا , أن علم ما لا يسع المكلف جهله أفضل اذ هو الأصل و العمل فرع , و لا يصح فرع بدون أصل , يعضد ذلك ما أخرجه تقي الدين بن مخلد عن عبد الله بن عمرو بن العاص , أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بمجلسين أحدهما يدعون الله تعالى و يرغبون اليه , و الآخر يعلمون العلم و يتعلمونه , فقال صلى اله عليه و سلم : " كلا المجلسين على خير و أحدهما أفضل من الآخر " , يريد مجلس العلم و الله أعلم . و قد علم أيضا مما تقدم أن القرآن أفضل الأذكار , و ان كان المفضول قد يكون أفضل في بعض الاحوال باعتبار آخر و هذا متفق عليه , و لم ينازع في ذلك الا بعض المتأخرين , حيث جعل الذكر أفضل , اما مطلقا أو في بعض الخواص كما يقوله الغزالي رحمه الله تعالى , أو في حق المبتدء و هو أقرب . فان المفضول قد يكون أفضل في بعض الأزمان و الاشخاص كالقراءة في الركوع , فانها تكره تعظيما و تشريفا أن يقرأ القرآن في حالة الخضوع , و هو الذل . كما كره أن يقرأمع الجنابة و الله أعلم " , انتهى كلامه . فلت , لم يستوعب بهذا الجواب من السؤال المراد , لكن لا ينبغي لمثلنا عليه اعتراض كما قال سيدي قاسم بن غانم في معارضته للشيخ سيدي علي النوري في تحريم الدخان :
    و لم أرض خلف الشيخ حبا و هيبة فما رؤية الزرقا كرؤية أرمد
    الخ . و الغريب في ترتيب الأفضليات ما ذكره العلامة العارف بالله تعالى الجلال في خاتمة شرحه اتمام الدراية على النقاية في فن الت . قال رحمه الله تعالى : " العلم أس العمل , فلا يصح عمل بدونه . وهو أي العمل ثمرة العلم , فلا ينفع علم بلا عمل بل يضر . و قليل العمل مع العلم خير من كثيره مع الجهل . لأن من عمل بلا علم ففساده أكثر من صلاحه . فمن ثم كان العلم كما قال الامام الشافعي , رضي الله عنه , أفضل من صلاة النافلة لأنه فرض عين أو كفاية . و الفرض أفضل من النفل لحديث : " و ما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضته عليه " , الخ كما تقدم , رواه البخاري . و قال صلى الله عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " . و قال عليه السلام : " لفقيه واحد أشد على الشيطان من لف عابد " , رواهما الترمذي و غيره . و قال عليه السلام : " فضل العلم أحب الي من فضل العبادة " , رواه الحاكم , و في لفظ عند الطبراني " قليل العلم خير من كثير العبادة " . و كفى بالمرء فقها اذا عبد الله و كفى بالمرء جهلا اذا أعجب برأيه . و كان صلى الله عليه و سلم يدعو : " اللهم اني أعوذ بك من علم لا ينفع " , رواه الحاكم و غيره . و قال عليه السلام كل علم وبال على صاحبه يوم القيامة الا من عمل به " , رواه الطبراني . و أفضل العلم أصول الدين , لتوقف أصل الايمان و كماله عليه . فالتفسير لتعلقه بكلام الله تعالى , أشرف الكلام , فالحديث لتعلقه بكلامه صلى الله عليه و سلم , فالأصول فالفقه , فالآلات من النحو و اللغة و المعاني و غيرها على حسبها , أي قدر الحاجة اليها , فالطب لأنه من فروض الكفاية . و الصلاة أفضل من الطواف و سائر العبادات على الأصح , لحديث " خير أعمالكم الصلاة " , رواه الحاكم و غيره . و الطواف أفضل من غيره من العبادات حتى من العمرة . روى الأزرقي أن أنس بن مالك قدم المدينة , فركب اليه عمر بن عبد العزيز , فسأله الطواف أفضل أم العمرة فقال : " الطواف و النفل بالبيت أفضل من خارجه , حتى من مسجد مكة و المدينة , لحديث الصحيحين : " ياأيها الناس صلوا في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة " , و نفل الليل أفضل من نفل النهار , لحديث مسلم : " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة اليل ثم وسطه " , أي الثلث الاوسط أفضل من طرفيه . فآخره أفضل من أوله و هو ما بعد الوسط . سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم , أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة , فقال : " جوف اليل " , رواه مسلم . و قال عليه السلام : " أحب الصلاة الى الله تعالى صلاة داوود , كان ينام نصف اليل و يقوم ثلثه و ينام سدسه " . و قال عليه السلام : "ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث اليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه , من يستغفرني فاغفر له " , رواهما الشيخان . و القرآن أفضل من سائر الذكر , للحديث الآتي , و هما أي القرآن و الذكر أفضل من الدعاء , حيث لم يشرع لما روى الترمذي و حسنه عن أبي سعسد الخذري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقول الرب تبارك و تعالى , " من شغله القرآن و ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " , و فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه " . و في لفظ في مسند البزار , يقول الله تعالى : " من شغله قراءة القرآن عن دعاءي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين " . و روى البيهقي حديث " قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة , و قراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح و التكبير . أما الدعاء حيث شرع و كذا الذكر فهو فهو أفضل اتباعا , و حرف تدبر خير من حرفي غيره . قال تعالى : " كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته " . و قال تعالى : " ورتل القرآن ترتيلا " . و روى أبو عبيدة عن أبي حمزه , قال : " قلت لابن عباس اني سريع القراءة , فقال : لان أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها و أرتلها , أحب الي من أن أقرأ القرآن أجمع هدرمة " . و روى أصحاب السنن الأربع حديث : " لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " . و روى البخاري عن أنس , قال : " كانت قراءة النبي صلى لله عليه وسلم مدى " . و روى أبو داوود و الترمذي و النسائي عن أم سلمة أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قراءة مفسرة حرفا حرفا . و القراءة بالمصحف أفضل منها على ظهر قلب , لأن النظر فيه عبادة , حتى كره جماعة من السلف أن يمضي على الرجل يوم لا ينظر في مصحفه . و روى أبو عبيدة حديث فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأ مظهرا , كفضل الفريضة على النافلة , و اسناده ضعيف . و روى " أعطوا أعينكم حظها من العبادة , قالوا وما هو , قال النظر في المصحف ".
    و فيه بسند صحيح موقوف على ابن مسعود : " أديموا النظر في المصحف " . و الجهر افضل من السر حيث لا رياء , فان نفعه متعدد للسامعين . أما اذا خاف الرياء فالاسرار أفضل , و غليه يحمل حديث الترمدي : " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة , و السر بالقرآن كالمسر بالصدقة " . و السكوت أفضل من التكلم و لو استوت مصلحتهما الا في حق . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل كلام ابن آدم عليه لا له الا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى " . و قال عليه السلام تكثروا الكلام بغير ذكر الله , فان الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب و ان أبعد الناس من الله القلب القاسي , و مخالطة الناس و تحمل أذاهم أفضل من اعتزالهم " . قال عليه الصلاة و السلام : " المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم " , رواه الشيخان في الادب , و هو أفضل أي الاعتزال حيث خاف الفتنة في دينه بموافقتهم على ما هم عليه , يحمل عليه حديث عقبة : " واليسعك بيتك " , الخ . و روى ابن ابي الدنيا في كتاب العزلة , حيث " أن أعجب الناس الي رجل يؤمن بالله و رسولهو يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يفر بماله و يحفظ دينه و يعتزل الناس " . و روى البيهقي في الزهد من حديث أبي هريرة مرفوعا : " يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه , الا من هرب بدينه من شاهق الى شاهق و من حجر الى حجر . فاذا كان ذلك الزمان لم تنل المعيشة الا بسخط الله تعالى . فاذا كان ذلك كذلك كان هلاك الرجل على يد زوجته و ولده . فان لم يكن له زوجة و لا ولد كان هلاكه على يدي أبويه , فان لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي قرابته أو الجيران " , قالوا : " كيف ذلك يا رسول الله " , قال : " يعيرونه بضيق المعيشة فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه , و الكفاف أفضل من الفقر و الغنى " . قال عليه السلام : " أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما رزقه " . و قال عليه السلام : " طوبى لمن هدي للاسلام و كان عيشه كفافا و قنع " . روى الاول مسلم و روى الثاني الترمذي . و قيل الفقر مع الصبر أفضل لما في الصحيحين : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمس مائة عام " . و قيل الغنى مع الشكر أفضل لحديث الصحيحين : " ذهب أصحاب الدثور بالأجور " , الخ , انتهى و الله أعلم . فهذه نبذة من ترتيب الأفضليات تومى الى قوله و ما هو الترتيب في الأفضليات . ثم قال عفا الله تعالى عنه:

    ( و هل ما بعد مغرب و فجر سن احياؤه و أي فيهما حسن )

    اشتمل البيت على سؤالين . الاول , هل احياء ما بين المغرب و العشاء و ما بين الفجر و طلوع الشمس سنة أم لا . السؤال الثاني , ما هو الأفضل فيما بين المغرب و العشاء من الاشتغال بالصلاة أو بقراءة القرآن أو الذكر أو التسبيح أو غيرهما , و فيما بعد صلاة الصبح بالذكر أو بالقرآن أو مطالعة الكتب الشرعية أو تعلمها و تعليمها أو غير ذلك , مما فيه نفع في الدارين . و زاد هنا سؤالا ثالثا و هو , و هل تكره القراءة بعد العصر أم لا , و لكن ذكره استطرادا , و حديث لم يعقد له بابا في الأصل لم نعقد له فصلا في النظم تبعا له . و بتمام السؤالين المذكورين في النظم ما عدى الثالث , بلغت اثنان و ثلاثون سؤالا . قوله و هل ما بعد مغرب و فجر سن احياؤه , أي وهل ما بعد مغرب الى العشاء , وما بعد فجر الى طلوع الشمس سنة احياء هذين الوقتين أم لا . الفصل الحادي و الثلاثون : في الجواب على قوله و هل يسن احياء ما بين المغرب و العشاء و ما بين الفجر و الطلوع أم لا الخ . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى في كتابه الجوهر الخاص : " نعم انه سنة فيما ذكر لما ورد فيه من الأحاديث الآتي ذكرها ان شاء الله تعالى , انتهى كلامه و الله أعلم . قلت أما احياء ما بين المغرب و العشاء , فقد بالغ الصوفية رضي الله عنهم و أكدوا في المحافظة على تعمير هدا الوقت و حذروا و نهوا عن الكلام المباح فيه فضلا عن المكروه و خلاف الأول حتى قال بعضهم : " كلما تكلم العبد كلمة فيه الا خرج من قلبه نور و نزل مكانه ظلام , و هكذا حتى يمتلأ قلبه ظلاما و هو لا يشعر . فليحذر المريد الطالب طريق الآخرة من الكلام فيه و أن يعمره بما يأتي ان شاء الله تعالى في الفصل الثاني و الثلاثين , و لعله و الله أعلم ليحصل له الحضور في صلاة العتمة , لأنها خاتمة صلاة يومه , و الأمور تعتبر بخواتمها , و لأنه , أي الوقت المذكور احياؤه و تعميره وسيلة لها , و من ضيع الحضور في الوسائل لا يستطيعه في المقاصد , و من ذلك شرطوا الحضور في الوضوء ليستعان به على الحضور في الصلاة كما ذكرهفي العوارف . قلت , و اذا حصل له حضور و خشوع في صلاة , كان و الله أعلم كمن صلاها في جماعة , لما ورد في الأخبار أن العبد اذا قام الى الصلاة رفع الله تعالى الحجاب بينه و بينه و واجهه بوجهه الكريم , و قامت الملائكة من لدن منكبيه الى الهوى يصلون بصلاته و يؤمنون على دعائه . و أن المصلي لينشر عليه من البر من عنان السماء الى مفرق رأسه و يناديه منادي لو علم المصلي من يناجي ما التفت أو ما انفتل , الخ . هذا ما لم يسرق من صلاته , لقولهم : " أقبح السرقة سرقة المصلي من صلاته " , و هو أن يلتفت قلبه الى غير ما هو بصدده . و قد قال عليه الصلاة و السلام : " تفضل صلاة الجماعة صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة " , و خصوصا اذا وافق ليلة القدر , فانها تنتقل على الصحيح في جميع ليالي السنة خلافا لمن حصرها في افراد النصف الاخير من رمضان , أو في العشر الأواسط , أو في العشر الأواخر منه أو في ليلة السابع و العشرين منه , أو ليلة النصف من شعبان أيضا . أقوال و الصحيح ما ذكرناه , قاله سيدي عبد الله بن أبي جمرة نفعنا الله تعالى به آمين . و قد قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : " من شهد العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر , و ليلة القدر كما قال تعالى خير من ألف شهر , و مبلغها ثلاثون ألفا من الايام و ثلاثون ألفا من الليالي , و مجموعها ستون ألفا من الدهر , أوزعنا الله تعالى شكر نعمه و جعلنا من أهلها و أعاننا عليها بمنه آمين . و لهذا ينبغي للمريد الطالب طريق الآخرة أن لا يتقاصر عن نيتها كل ليلة , أو ينويها أي ينوي قيامها أول ليلة من السنة فيقول ان كانت الليلة ليلة قدر فأنا أقومها ايمانا و احتسابا , و ينوي أن يفعل ذلك في ليالي السنة , ثم يستصحب قيام ليالي تلك السنة كلها بناء على كفاية نية واحدة في العمل المتتابع كالصوم في رمضان و هو مذهب مالك رضي الله عنه لقوله عليه الصلاة و السلام : " من قام ليلة القدر ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " , رواه البخاري من حديث أبي هريرة . قوله ايمانا يعني لما جاء فيها من الثواب , و احتسابا يعني ثوابه عند الله تعالى . فخرج من قامها عادة أو مباهاة أو مستأجرا أو غيره , قاله الشيخ زروق . و اختلف في قيام ليلة القدر هل الليل كله أو بعضه , و اذا كان بعضه هل أوله و هو ما بعد صلاة العشاء كالتراويح , و تسمى قيام رمضان , أو آخره و هو ما بعد النوم و يسمى التهجد , الصحيح الاخير عندي . يصح الاول لما نقل الواحدي في قوله تعالى " و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما " . قال : " و ذكر الكلبي عن ابن عباس أنه قال : " من صلى ركعتين بعد العشاء فقد بات لله ساجدا و قائما " . و اختلف هل يجزي غير الصلاة من أنواع العبادات في قيام هذه الليلة من الدكر و التلاوة أو المراقبة أو غيرها . الظاهر أنه يجزي لكن ذكر العلامة الولي العارف بالله تعالى سيدي عبد الله ابن أبي جمرة , أن الصلاة هي المطلوبة في قيام هذه الليلة , و لا يجزي غيرها عنها من أفعال البر آخذا من قول سعيد بن المسيب : " من صلى العشاء في جماعة " , الخ , كما تقدم . واختلف أيضا في القدر المجزي منها , أي من الصلاة لتحصيل ثوابها المذكور في اللآية و الحديث على أقوال , و الصحيح نهايته قيام النبي صلى الله عليه وسلم بما ثبت عنه من الاحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعات على اختلاف الروايات , و أنه لم يزد عليها في رمضان و لا في غيره , بدليل أنه عليه الصلاة و السلام , لا يأخذ في حق نفسه المكرمة الا بالأعلى و الأرجح . و أقل ما يجزي فيها ركعتان , لقوله عليه الصلاة و السلام : " من قام بالآيتين من آخر سورة البقرة " , و في رواية , " من آخر سورة آل عمران , كفتاه " , أي أجزتاه عن قيام الليل . و اختلف فيمن صلى أقل من ركعتين هل يحصل له فضلها كله أم بعض . الصحيح أنه يصح له بعض لقول سعيد بن المسيب : " فقد أخذ بحظه منها " , كما تقدم , و هو على قول من يجوز التنفل بركعة , خلافا للحنفية . و أما احياء ما بين الفجر و طلوع الشمس فلا تخفى سنية احياء هذا الوقت على من له أدنى ممارسة بكتب الشريعة و رسائل أهل الصوفية , لما جاء في ذلك من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية و الصحف الابراهيمية , كما سيأتي بعده ان شاء الله تعالى في الفصل الرابع و الثلاثين منها ما ورد , و مما أنزل الله تعالى في صحف ابراهيم عليه السلام . و على العاقل أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه . قال الشيخ زروق : " هي من السحر الى طلوع الشمس " . و ساعة يحاسب فيها نفسه , قال : " و هي من العصر الى الغروب " , الخ , فلا نطيل به . و قوله تعالى : " و اذكر اسم ربك بكرة و أصيلا " , الآية . قالوا , البكرة من طلوع الفجر الى حلول النافلة . و قال له الصلاة و السلام : " واستعينوا بالغدوة و الروحة و بشيء من الدلجة " , الخ . و كذلك قوله تعالى في الحديث القدسي : " اذكرني ساعة بعد العصر " , الخ . فالغدوة و ساعة بعد الصبح هو من الفجر الى الشمس و الله أعلم . و كثير مما لا يحصى من اللآيات و الأحاديث الدالة على سنية احياء هذا الوقت تركناها اختصارا , و الله تعالى الموفق للصواب . قوله و أي فيهما حسن , الضمير في قوله فيهما عائد على ما بين المغرب و العشاء , و ما بين الفجر و طلوع الشمس . كأنه يقول , فاذا ثبت سنية احياء هذين الوقتين , أي عمل من أعمال البر يحسن تعميرهما به , و هو السؤال الثاني و الثلاثون على الكلمة المشرفة . الفصل الثاني و الثلاثون : في الجواب على قوله ما هو الافضل فيما بين المغرب و العشاء , الاشتغال بالصلاة أو بقراءة القرآن أو الذكر أو التسبيح أو غيرهما . و فيما بعد صلاة الصبح , أبالذكر أو بالقرآن أو مطالعة الكتب الشرعية أو تعلمهما أو تعليمهما أو غير ذلك مما فيه نفع في الدارين , بل في الدين , و هل تكره القراءة بعد العصر أم لا . اعلم أنه قال الامام العالم العارف بالله تعالى , زين الدين رحمه الله تعالى , في الجوهر الخاص , قال الامام النووي , رمه الله تعالى , في الأذكار : " روى بن السمني عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها , أن النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا انصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين ثم يقول فيما يدعو: " يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ". و في غير الأذكار قال أنه صلى الله عليه و سلم كان يصلي بين المغرب و العشاء ست ركعات . و روى السلمي عن أنس رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى بعد المغرب ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل " قل هو الله أحد " أربعين مرة , صافحته الملائكة يوم القيامة و أمن الصراط و الحساب و الميزان " . ففي هذا دليل على أن الصلاة في هذا الوقت أفضل , الا أنه ورد ما يدل على أن الذكر فيه أفضل . ففي الترمذي عن عمارة بن شبيب قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قال لا اله الا الله وحده لا شريك , له
    الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير عشر مرخات اثر صلاة المغرب , بعث الله تعالى مسلحة يكفلونه من الشيطان حتى يصبح , و كتب الله له عشر حسنات موجبات و محى عنه عشر سيئات موبقات و كانت له بعدل عشر رقبات مؤمنات " . لكن قال الترمذي لا نعرف لعمارة بن شبيب سماعا من النبي صلى الله عليه و سلم . و في كتابه عمل اليوم و الليلة من طريقين , أحدهما هذا , و الثاني عن عمارة عن رجل من الأنصار , قال ابن عساكر أن هذا الثاني هو الصواب . و قوله مسلحة هو الحرس , انتهى كلامه . قال في القاموس , المسلحة بالفتح هم االقوم ذوو السلاح . قلت , و ذكر الامام العارف بالله تعالى أبو الحسن علي الخروبي في شرحه على أصول الشيخ أحمد زروق رحمهما الله تعالى , و اختار المشائخ , رحمهم الله تعالى و نفعنا بهم آمين , في هذا الوقت الى صلاة العشاء الأخيرة النافلة , لأنه وقت غفلة و من شاء ذكر الله تعالى فليفعل , و كذلك الصلاة على سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم . و من كان له عيال أو أولاد و أراد أن يعلمهم ما يجب عليهم من أمور دينهم , فذلك أفضل الأعمال و أعظمها ثوابا عند الله تعالى . و ذكر الامام العالكم الجامع بين الحقيقة و الشريعة , العارف بالله تعالى الخوافي في رسالته الوصية في صرف الأوقات لما يليق بها , قال : " في هذا الوقت و هو بعد المغرب الى العشاء , يأتى بسنتي المغرب ثم يصلي لبقاء الايمان , يقرأ في كل ركعة منها بعد الفاتحة آية الكرسي مرة و الاخلاص مرة , و المعوذتين كل واحدة منهما مرتين , ثم اذا سلم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم عشر مرات , ثم يدعو بهذا الدعاء ثلاث مرات : " اللهم أستودعك ديني و ايماني فاحفظهما علي في حياتي و عند وفاتي و بعد مماتي " , ليثبته الله تعالى على الايمان و يأمنه من النزع و الخذلان . قال كذا أفاده شيخنا قدس سره . ثم اذا كان طالب العلم يشتغل فيما بين العشائين بالمطالعة و التكرار و لا يتكلم في هذا الوقت فان الكلام فيه يكدر القلب و يذهب بنظارة الوقت , فلا يصفو الى آخر الليل . و زاد , قال : " و كذا فيما بعد العشاء الأخيرة لا يتكلم البتة , الا ذا عرض عارض شرعي فذلك لا يضره اذا كان مقتصرا على قدر الحاجة . قال , و ان لم يكن طالب علم فالأولى الاشتغال بذكر لا اله الا الله على الوصف الذي تقدم , فان الذكر في هذا الوقت يصفي قلبه عما طرأ عليه من الأمور الطبيعية في النهار فيتهيأ بالصفاء للحضور فيما يعمل بالليل الى آخره . و أما فيما بعد صلاة الصبح فالافضل الذكر لما روى الترمذي في كتابه عن أنس رضي الله تعالى عنه , أنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من صلى الفجر في جماعة , ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس , ثم صلى ركعتين , كانت له كأجر حجة و عمرة " , ثلاثا . قال الترمذي حديث حسن . و أخرج البيهقي و ابن أبي الدنيا و الأصبهاني عن أنس رصي الله تعالى عنه , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لان أجلس مع قوم يذكرون الله تعالى من بعد صلاة الصبح الى أن تطلع الشمس , أحب الي مما طلعت عليه الشمس . و لان أجلس مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة العصر الى أن تغيب الشمس , أحب الي من الدنيا و ما فيها " . و قال النووي رحمه الله تعالى في الاذكار في كتاب تلاوة القرآن : " و القراءة بين المغرب و العشاء محبوبة , و أما قراءة النهار فأفضلها بعد صلاة الصبح , و لا تكره القراءة في وقت من الأوقات , و لو في وقت النهي عن الصلاة " . و أما ما حكاه ابن داوود رحمه الله تعالى عن معاذ بن أبي رفاعة رحمه الله تعالى عن مشائخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر , و قال انها دراسة اليهود . فغير مقبول و لا أصل له و الله أعلم , انتهى كلامه فان قلت انما قال صاحب الجوهر الخاص في الجواب على هذا السؤال و هو , ما الافضل من الأعمال فيما بعد المغرب و فيما بعد صلاة الصبح . و الأول العموم كما يفهم من النظم , و هو قوله و هل ما بعد مغرب , أي وقت الغروب , و فجر أي طلوع فجر , سن احيائه الخ , و هو مشعر بالتغاير . قلت لا تغاير بينهما , و يجاب عنه بجوابين : الأول على حذف مضاف تقديره في النظم و هل ما بعد مغرب أي صلاة سنة مغرب و فجر , أي سنة فجر . أما الفرض لا خلاف بأنه أفضل ما تحيى به أوقاته لقوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم : " و ما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضته عليه " , رواه البخاري و غيره . و الثاني أنه معلوم في الشرع ضرورة , لا أفضل من هذين الركعتين اللتين بعد المغرب و بعد طلوع الفجر . و هذا آكد , حتى قيل أن المشتغل بالفتيا يترك سائر السنن الا سنة الفجر . أما الأولى , لقوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد , يقرأ في الأولى بالحمد و قل يا أيها الكافرون , و في الركعة الثانية بالحمد و قل هو الله أحد , رج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها " , أخرجه ابن النجار في تاريخه من حديث أنس . دليل أفضلية الثانية و تأكيدها على الأولى ما رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها , قالت : " كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي و يدع , و لكن لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر و لا حضر , ولا صحة و لا سقم " . و قالت رضي الله تعالى عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم , لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر" , رواه الشيخان . و قال صلى الله عليه وسلم : " ركعتا الفجر أحب الي من الدنيا و ما فيها " , و في لفظ " خير من الدنيا و ما فيها " , رواه مسلم . فتعين من هذا المراد من احياء الوقتين ما بعد صلاتهما فرضا و نفلا , لكن بقي عليه أدعية هناك , ثبت أفضليتها في السنة , و اتخدها الصوفية وظائفا تقرأ بين سنة الفجر و فرضه , و لو لا خيفة الاطالة , لذكرنا منها نبدة , و من أراد شيئا منها فعليه برسالة الامام الخوافي نفعنا الله تعالى به , و كتاب عوارف المعارف و غيرهما . و رسائل شيخ شيوخنا سيدي مصطفى البكري نفعنا الله تعالى به , أغنت عن غيرها , لأنه رحمه الله تعالى جعل لكل وقت وظيفة , كحزب السحر و حزب الشروق و غيرهما , و لكن كان الاستاذ رحمه الله تعالى , يقول لا تليق بالمبتدء هذه , لا ينبغي له الا الاكثار من الاسم الذي لقنه الشيخ , فان السر و الفتح فيه , و يعبر عليه بالغذاء الذي تقوم به البنية . و غيره من الأذكار و الوظائف كالأبزار التي تكون على الطعام فلا تغني عن الطعام , كذلك الورد و الوظيفة . و مما أقر الشيخ رحمه الله تعالى التلاميذ من الأدعية التي تقرأ سنة , هو بعد أن يسلم يأتي بالاستغفار و الشهادة , و يقول آمنت بالله ربا و بالاسلام دينا و بالكعبة قبلة و بالقرآن اماما و بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا و رسولا , اللهم اني أصبحت أشهدك و أشهد حملة عرشك و ملائكتك و أنبيائك و كتبك و رسولك و جميع خلقك أنك أنت الله الذي لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك , و أ، محمدا عبدك و رسولك , أستغفرك و أتوب اليك , الحمد لله الذي نور قلبي و جعلني من المؤمنين و لم يجعلني ضالا , الحمد لله الذي خلقني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم , الحمد لله الذي لم يجعل رزقي على يد غيره , الحمد لله الذي غفر لي ذنوبي و ستر علي عيوبي , ثم يقرأ دعاء صحيفة القاضي عبد الوهاب , و هو " لا اله الا الله المعبود في كل مكان , لا اله الا الله الموجود في كل زمان , لا اله الا الله المذكور بكل لسان , لا اله الا الله المعروف يالاحسان , لا اله الا الله الحنان المنان لا اله الا الله ذو الجلال و الاكرام , لا اله الا الله كل يوم هو في شأن , لا اله الا الله أمان الأمان أعوذ بك من زوال الايمان و من الرجيم الشيطان ( ثلاثا ) , يا عزيز يا غفور يا رحمان يا رحيم " . أما هذا يأكد و يوصي به سائر التلاميذ بعد سنة الفجر , و بعد صلاة العصر (ثلاثا) تقرأ بعدهما , و زاد لبعض التلاميذ قراءة دعاء الخضر عليه السلام مع هذه الأدعية المذكورة بعدهما , و هو " اللهم اسبل لينا سترك و أدخلنا في مكنون غيبك و احجبنا من جميع خلقك , بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض و لا في السماء و هو السميع العليم , يا حفيظ يا حفيظ يا حفيظ احفظنا بما حفظت به أوليائك و استرنا بما سترت به عبادك الصالحين , يا حفيظ (ثلاثا) " . و اما المسبعات فهي من الورد , تقرأ الى نصف النهار و العصرية الى نصف الليل , و هي معلومة تحفظ من الفقراء في الطريقة الخلوتية . و انما ذكرت هذا لنعين ما ينبغي أن يكون عليه المريد في الطريقة المذكورة , و لو لا خشية الاطالة لذكرت ورد السحر و ورد الشروق و غيرهما , و لكن من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم , انتهى و الله أعلم . ثم قال عفا الله عنه :

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  11. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:25 AM رقم #16
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  12. ( و ما هو الأفضل سرا او علن و هل في مسجد جماعة علن )

    اشتمل البيت على سؤالين , الأول و هل الافضل القراءة أو الذكر سرا أو جهرا , أو يختلف باختلاف السالكين . و الثاني و هل ما اعتاده الصوفية من حلق الذكر و الجهر به في المساجد و غيرها , و رفع الصوت فيه أو في غيره مستحب أو مكروه أولا , و اذا قلتم باستحبابه , فما معنى قوله تعالى " واذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة و دون الجهر من القول " , الآية . و قوله صلى الله عليه وسلم : " خير الذكر الخفي " , و بهما تمام أربعة و ثلاثين سؤالا . قوله و ما هو الأفضل من القراءة أو الذكر , سرات يكونان أو علنا , أي لنا بمعنى جهرا . قال في القاموس , علن الأمر كضرب و نصر و كرم و فرح علنا , و اعتلن ظهر , و اعلنته أظهرته الخ . الفصل الثالث و الثلاثون : في الجواب على قوله ما هو الأفضل في الذكر و القراءة , السر أو الجهر , أو يختلف باختلاف السالكين . اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص , قال النووي في الذكار المشروعة و غيرها , لا يجب شيء منها و لا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه اذا كان صحيح السمع لاعراض له , انتهى كلامه . قلت , و الكلام الآن في الجهر الذي فوق هذا المقدار , فوردت أحاديث تقتضي الجهر و أحاديث تقتضي الاسرار , و جمع بينهما بأن الذاكر أو القارء ان خاف الرياء أو تأذي مصلي , فالاخفاء أفضل والا فالجهر أفضل , و سيأتي الكلام على ما ورد في ذلك في الفصل الرابع و الثلاثين . و فرق الصوفية بين المبتدء و غيره , فقالوا يستحب للمبتدء الجهر به , فقال الغزالي في كدتاب ثمرات الأعمال , قال صلى الله عليه و سلم : " مفتاح الجنة لا اله الا الله " . فمن حافظ على قول لا اله الا الله ظاهرا و داوم على ذكرها و جعل لسانه مستغرقا فيها , فتح الله تعالى على قلبه نورا يكشف به عن سرها الخ . و قال سيدي يوسف العجمي في آداب الذكر : " العاشر أن يختار من الذكر لا اله الا الله مع التعظيم بقوة تامة جهرا و تصعيدا " . و قال في الخلاصة أن من لم تتخلص نفسه على البشرية يحتاج الى ذكر الظاهر و البطن . و قال العجمي , قدس سره , أن الأولى للجماعة اذا اجتمعوا للذكر , و للمبتدء , رفع الصوت بالذكر , فان ذلك أشد تأثيرا في القلب لينفي الخواطر و جلاء للقلب و رقته , و رفع الحجب عنه , لأن الله تالى شبه القلوب بالحجارة في قوله تعالى : " ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " . و معلوم أن الحجر لا ينكسر الا بالقوة . فقوة ذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد , أشد تأثيرا من قوة ذكر شخص واحد , و لهذا قال الأستاذ نجم الدين كبرى , قدس سره , أن القوة شرط واستدل بهذه الآية , و بما روي أن الناس كانوا يذكرون الله عند غروب الشمس , لا يرفعون اصواتهم بالذكر , فاذا خفت أرسل اليهم عمر ابن الخطاب , رضي الله عنه , أن نوروا الذكر أي ارفعوا أصواتكم به و في قوة الذكر جلاء القلب من صدئه , اذ القلوب تصدأ من الغفلة عن ذكر الله تعالى كما يصدأ الحديد , و صقالها ذكر الله تعالى بالقوة التامة حتى تصفو كالمرآة , لا يحصل جلائها و صفائها حتى ترى فيها الاشياء الا بقوة الصقل . فكذلك القلب لا يصفو الا بدوام الذكر بالقوة المذكورة . و صفائها و طهارتها من جميع الأدناس شيء منهم مطلوب , فقد قال عليه الصلاة و السلام : " ان الله لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم " . و قال صلى الله عليه و سلم : " ألا و ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله , و اذا فسدت فسد الجسد كله , ألا و هي القلب " . و قال تعالى : " و ثيابك فطهر " , قيل قلبك . و قال تعالى : " الا من أتى الله بقلب سليم " . و في الحديث القدسي يا داوود طهر لي بيتي ما وسعني أرضي و لا سمائي , و وسعني قلب عبدي المؤمن " . و انما تأكدت طهارة القلب لأنه مورد الايمان و التوحيد و العرفان و الاستسلام و الرضى و الايقان و خزانة السرار و منبع الحكم و مهبط الانوار . و من المعلوم المصور أنه لا يصلح أن يكون خزانة الاسرار و محلا لسلطان الاذكار الا بيت طاهر من جميع الأدناس و الاقذار , فالبدار البدار الى تنظيفه من سيء الاخلاق كالكبر و الغل و الغش و الحقد و خوف الفقر و الغضب و خشية الاملاق و الغفلة عن ذكر الملك الخلاق , و حب التمدح بما ليس فيه و سوء الخلق و النفاق و الشقاق . فمتى ظهر القلب بالتخلي منها و تحلى بمحمود الصفات , خلص من رق الهوى و النفس الى يوم التلاق , و سمي الصوفي صوفيا لصفاء قلبه و سلامة لبه و أنشد في المعنى :
    تخالف الناس في الصوفي واختلفوا و كلهم قال قولا غير معروف
    و ليس يمنح هذا الاسم غير فتى صافي فصوفي حتى سمي الصوفي
    و ملخص الجواب أن الحكم في هذه المسألة يختلف عند الناسكين و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت و قد ألف الامام السيوطي رسالة في ذلك , و جمع بين الاحاديث التي تقتضي الاسرار و التي تقتضي الجهر بالذكر كما فعل النووي في ذلك بالقراءة و سماها نتيجة الفكر في الجهر بالذكر , و رجح الجهر على الاسرار لفوائد مذكورة هناك , و الحق ما قاله شيخنا الأزهري نفعنا الله تعالى به , آمين . فما ورد من الآيات و الأحاديث التي تقتضي الجهر بالذكر و القراءة , انما ذلك في حق المبتدأ , و ما ورد من الآيات و الأحاديث التي تقتضي الاسرار به انما هي في حق المنتهي . و المبتدأ لا يسمع الا بأذن رأسه فالأفضل في حقه الجهر , و المنتهي لا يسمع الا بأذن قلبه فالأفضل في حقه السر , لأن من كان في أذن قلبه وقر الخواطر و الهواجس و حديث النفس لا ينفعه الا الجهر لينفعها , و من لا فلا . تنبيه: قال الامام تاج الدين في مفتاح الفلاح : " و ينبغي للذاكر اذا كان وحده , ان كان من الخاصة , أن يخفظ صوته بالذكر , و ان كان من العامة أن يجهر به . و ان كان الذاكرون جماعة , فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر مع توافق الأصوات بطريقة واحدة موزونة . قال بعضهم , مثل ذكر الواحد وحده و ذكر الجماعة , كمثل
    مؤذن واحد و مؤذنين جماعة , فكما أصوات المؤذنين جماعة تقطع الهواء أكثر مما يقطعه صوت واحد , كذلك ذكر جماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا و أشد قوة في رفع الحجب عن القلب من ذكر واحد وحده . و أيضا يحصل لكل واحد ثواب ذكر نفسه و ثواب سماع الذكر من غيره , الخ " , انتهى كلامه . فائدة : عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد , يحيي و يميت و هو حي لا يموت , بيده الخير و هو على كل شيء قدير , كتب الله تعالى له ألف ألف حسنة و محى عنه ألف ألف سيئة , و رفع له ألف ألف درجة " , و في رواية عوض الثلاثة , " و بنى له بيتا في الجنة " , أخرجه الترمذي . في رواية , " من دخل السوق و نادى بأعلى صوته " , الى قوله " قدير " , " كتبت له ألف ألف حسنة " , انتهى و الله أعلم . وقوله وهل في مسجد جماعة علن , يعني وهل يجوز الذكر في مسجد جماعة , أي ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر في المساجد بالجماعات . علن أي مع العلانية به و رفع الصوت و الجهر به , أو لا يجوز ذلك , و هو السؤال الرابع و الثلاثون . الفصل الرابع و الثلاثون : في الجواب على قوله و هل في مسجد جماعة علن الخ , اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى في الجوهر الخاص : " لا كراهة في شيء من ذلك , وقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر في الذكر , و أحاديث تقتضي الاسرار به , و الجمع بينهما يختلف باختلاف الأحوال و الأشخاص . كما جمع النووي بين الأحاديث الواردة باستحباب الاسرار , و الواردة باستحباب الجهر بقراءة القرآن . و وردت أحاديث باجتماع الناس و تحلقهم للذكر في المسجد و غيره . فأما أحاديث الجهر به , فمنها ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال قال رسول الله صلى الله عليه ومسلم : " أنا عند ظن عبدي بي و أنا معه اذا ذكرني , فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي , و ان ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم " , و الذكر في الملا لا يكون الا جهرا . و أخرج الحاكم و البيهقي و صححه في شعب الايمان عن أبي سعيد الخذري ضي الله تعالى عنه , قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أكثروا ذكر لا اله الا الله , حتى يقولوا مجنون " . و أخرج البيهقي أيضا في الشعب عن أبي الجوزاء رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : " أكثروا ذكر لا اله الا الله حتى يقول حالمنافقون أنكم مراؤون " . قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى : " وجه الاستدلال من هذا و الذي قبله , أن ذلك انما يقال عند الجهر دون الاسرار " . و أخرج البزار و البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما , قال قال تعالى : " عبدي اذا ذكرتني خاليا , و اذا ذكرتني في ملا , ذكرتك في ذملا خير منهم و أكثر " . و أخرج البيهقي عن ابن مسعود رضي اله تعالى عنه , أن الجبل ينادي الجبل باسمه , يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله , فان قال نعم استبشر " , الحديث . و قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى " فما بكت عليهم السماء و الأرض " , أن المؤمن اذا مات بكت عليه المواضع التي كان يصلي فيها . و أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبيد , قال : " ان الوؤمن اذا مات تنادت بقاع الأرض و السماء , فيقول الرحمان ما يبكيكما على عبدي , فيقولان ربنا لم يمش في ناحية منا قط الا و هو يذكرك " . قال السيوطي رحمه الله تعالى ان سماع الجبل و الأرض للذكر لا يكون الا عن جهر . و أخرج البيهقي عن جابر رضي الله تعالى عنه , أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا أخفض من صوته , فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " انه أواه " , و معنى الأواه الرحيم رقيق القلب . و أخرج الحاكم عن شداد , قال : " بينما أنا عند النبي صلى الله عليه و سلم , اذ قال ارفعوا أيديكم فقولوا لا اله الا الله , فقلنا , فقال اللهم انك بعثتني بهذه الكلمة و أمرتني بها و وعدتني عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد , ثم قال ابشروا فان الله تالى قد غفر لكم " . و أخرج أحمد و أبو داوود و الترمدي و صححه النسائي و ابن ماجة عن السائب , أن
    رسول الله صلى اله عليه و سلم قال : " جائني جبريل فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية " . و أخرج الحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه و سلم قال : " من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير , كتب الله له ألف ألف حسنة , و محى عنه ألف ألف سيئة , و رفع له ألف ألف درجة و بنى له بيتا في الجنة " , و بعض طرق الحديث " فنادى " . و أما أحاديث اجتماع الناس للذكر , فمنها ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه , قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من قوم يجتمعون يذكرون الله تعالى الا ناداهم منادي من السماء , قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات " . و منها حديث " منكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم " , و منها ما أخرجه الامام أحمد في الزهد عن ثابت , قال : " كان سليمان في عصابة يذكرون الله تعالى , فمر النبي صلى الله عليه و سلم فكفوا , فقال اني رأيت الرحمة تنزل عليكم و أحبت أن أشارككم فيها " , ثم قال : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معه " . و روى أنه قال ذلك لما نزل عليه صلى الله ليه و سلم و هو في بعض بيوت أزواجه " و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه " . كما أخرجه الطبراني في الكبير , و ابن جرير عن عبد الرحمان ابن سهل بن حنيف , " فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله تعالى , منهم ثائر الرأس و جاف الجلد " , الحديث . تقدم حديث " لان أجلس مع قوم يذكرون الله تعالى بعد صلاة الصبح الى ان تطلع الشمس , أحب الي مما طلعت عليه الشمس " , الحديث . و منها ما أخرجه البزار و الحاكم في المستدرك و صححه عن جابر , فال : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " يا أيها الناس ان لله ملائكة سيارة تحل و تقف على مجالس الذكر في الأرض , فارتعوا في رياض الجنة " ,قالوا و أين رياض الجنة يا رسول الله , " قال مجالس الذكر , فاغدوا و روحوا في ذكر الله تعالى " . و منها ما أخرجه مسلم و الحاكم و اللفظ له عن ابي هريرة , قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان لله ملائكة سيارة و فضلا يلتمسون مجالس الذكر في الأرض " , الحديث . و منها ما أخرجه مسلم و الترمذي و صححه عن أبي هريرة و أبي سعيد الخذري رضي الله تعالى عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يذكرون الله تعالى , الا حفت بهم الملائكة و غشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم اله في من عنده " . و منها ما أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي زرين العقيلي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : " الا أدلك على ملاك الأمر الذي تصيب به خير الدنيا و الآخرة , قال بلى , قال : عليك بمجالس الذكر , و اذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله تعالى " . و أما أحاديث التحلق بالذكر , فمنها ما أخرج مسلم و الترمذي و حسنه عن معاوية , أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوما على حلقة من أصحابه , قال : " ما أجلسكم , قالوا جلسنا نذكر الله تعالى و نحمده , فقال انه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة " . و منها ما أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم , اذا مررتم برياض الجن فارتعوا , قالوا بلى يا رسول الله , و ما رياض الجنة , قال حلق الذكر " . و منها ما أخرج البزار عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم , " أن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر , فاذا أتوا عليهم حفوا , فيقول الله تعالى اغشوهم برحمتي , فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . و أما رفع الصوت به في المسجد , فورد فيه أحاديث منها ما أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم , قال : " قال ابن الأزرع , انطلقت مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة , فمر برجل في المسجد يرفع صوته , فقلت لرسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا , قال لا لكنه أواه " . و منها ما أخرج المروزي في كتاب العبد بن عز عن عبيد بن عمير , قال : " كان عمر يكبر في قبة فيكبر أهل المسجد فيكبر أهل السوق حتى ترتج من التكبير " . و منها ما أخرج البيهقي عن أبي سعيد الخذري رضي الله تعالى عنه , أن النبي صلى الله عليه و سلم , قال : " يقول الرب يوم القيامة سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم , فقيل من أهل الكرم يا رسول الله , قال مجالس الذكر في المساجد " . فلهذا مدح الذكر في المساجد و كل موضع شريف , و لما جاء عن ميسرة رضي الله تعالى عنه , أنه قال : " لا يذكر الله تعالى الا في مكان طاهر " . فعلم من هذه الأحاديث أنه لا كراهة البتة في الجهر بالذكر , بل فيه ما يدل على اسحبابه , و أما معارضته بحديث " خير الذكر الخفي " , فهو نظير معارضة أحاديث الجهر بالقرآن بحديث " المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة " . و قد جمع النووي رحمه الله تعالى بينهما بأن الاخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذي به مصلين أو نيام , و الجهر أفضل في غير هذا لأن العمل فيه أكثر و تتعدى فائدته الى السامعين , لأنه يوقظ قلب القارء و يجمع همته الى الفكر , و يصرف سمعه اليه و يطرد النوم عنه و يزيد في انشاطه . و قال بعضهم : " يستحب الجهر ببعض القراءة و الاسرار ببعضها , لأن المسر قد يكل فيأنس بالجهر , و الجاهر قد يكل أيضا فيستريح بالاسرار " . و كذلك يقال في الذكر على هذا التفصيل الا للمريد المبتدء , فيتأكد في حقه الجهر بقوة تلزمه في مذهب الصوفية , و قد تقدم . و أما قوله تعالى : " و اذكر ربك في نفسك " , الآية , و قوله في الحديث " خير الذكر الخفي " , الجواب عن الآية من ثلاثة أوجه : الأول أن الآية مكية كآية الاسرار " و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها " , نزلت حين كان صلى الله عليه و سلم اذا سمعه المشركون يقرأ القرآن , يسبون القرآن و من أنزله , فأمر بترك الجهر لأجل ذلك . كما نهي صلى الله عليه و سلم عن سب الأصنام في قوله تعالى : " و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " , و قد زال هذا المعنى . الثاني أن جماعة من المفسرين , منهم ابن أسلم شيخ الامام مالك رحمهما الله تعالى , و ابن جرير , حملوا الآية على الذكر في حالة قراءة القرآن , و أنه أمر له بالذكر على هذه الصفة تعظيما للقرآن أن ترفع عنده الأصوات , و يقويه اتصالها بقوله تعالى " واذا قرء القرآن فاستمعوا له و أنصتوا " . و كأنه لما أمر بالانصات خشي من ذلك الاخلال الى البطالة فنبه على أنه و ان كان مأمورا بالسكوت باللسان , الا أن تكليف القلب بالذكر باق حتى لا يغفل عن ذكر الله , و لهذا ختمة الآية بقوله " و لا تكن من الغافلين " . الثالث ما ذكره بعض الصوفية أن الأمر بأخفاء الذكر خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم الكامل المكمل , و أما غيره ممن هو محل الوسواس و الخواطر الردية فمأمور بالجهر , لأانه أشد تأثيرا في دفعها , و يأيده ما أخرجه البزار عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم , من صلى منكم بالليل فليجهر بقرائته فان الملائكة تصلي بصلاته و تسمع لقرائته , و ان مؤمني الجن الذين يكونون في الهواء , و جيرانه الذين معه في مسكنه يصلون بصلاته و يسمعون قرائته , و أنه ينطرد بجهره بقرائته عن داره و عن الدور التي حوله فساق الجن و مردة الشياطين " . قال سيدي يوسف العجمي في الجواب عن الآية و الحديث : " ان الله تعالى خاطب عامة عباده بقوله تعالى " أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت " , و خاطب الخاصة بقوله تعالى " أفلا يتدبرون القرآن " , و خاطب سيد أهل الحضرة محمدا صلى الله عليه وسلم , بعد أن عرفه بنفسه و بربه بقوله تعالى " واذكر ربك في نفسك " , فمن لا يعرف نفسه ولا ربه , فكيف يذكر ربه في نفسه , بل هم المخاطبون بقوله تعالى " اذكروا الله ذكرا كثيرا " . و أما الذكر الخفي , فهو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت , و هو أيضا خاص به صلى الله عليه وسلم و بمن له به اسوة . و أما ما روي عن ابن مسعود أنه خرج من المسجد قوما يرفعون أصواتهم بالتهليل فيه , و قال ما أراكم الا مبتدعين , قال الامام السيوطي رحمه الله تعالى : " يتوقف على ثبوته , فهو معارض بالأحاديث الكثيرة المتقدمة و غيرها و هي مقدمة عليه عند التعارض , بل قال الامام أحمد رحمه الله تعالى في كتاب الزهد : " حدثنا حسين بن محمد , حدثنا المسعودي عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال : هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله بن مسعود كان ينهى عن الذكر , ما جالسته مجلسا قط الا ذكر الله تعالى فيه " . فان قلت قال تعالى " ادعوا ربكم تضرعا و خفية نه لا يحب المعتدين " , و قد فسر الأعتداء بالجهر بالدعاء و قد يلتحق به الجهر بالذكر من حيث الاعتداء . الجواب أن الآية نص في الدعاء فلا يلتحق به الذكر , و أما نهيه صلى الله عليه و سلم عن رفع الصوت في هذا الحديث , فيحتمل أنه نهى عن رفع الصوت الشديد المؤدي الى ضرر حتى قال عليه السلام لمن رفع صوته بالتكبير و التهليل " اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم و لا غائبا " , أي ارفقوا بأنفسكم ففيه دلالة على أنه خاف عليهم الضرر في أنفسهم , أو كانوا مسافرين فخاف عليهم من الجهر الشديد زيادة المشقة على ما هم فيه من مشقة السفر . و أما تفسير الاعتداء في الآية بالجهر بالدعاء فوجهه مرجوح في التفسير و الوجه الراجح فيه أنه تجاوز المأمور به أو اختراع دعوة لا أصل لها في الشرع , لقوله صلى الله عليه و سلم لما سمع من يقول في دعائه , " اللهم اني أسألك القصر الابيض عن يمين الجنة " . يكون في هذه الأمة من يعتدون في الدعاء , و من الاعتداء فيه أيضا أن يسأل منازل الأنبياء عليهم الصلاة و السلام و نحو ذلك . فحسب الداعي أن يكون دعاؤه اللهم اني أسألك الجنة و ما يقرب اليها من قول و عمل . و على تقدير تسليم أن المراد بالاعتداء الجهر بالدعاء فالآية في الدعاء لا في الذكر . فان الدعاء بخصوصه الأفضل فيه الاسرار لأنه أقرب الى الاجابة , و لهذا أثنى الله تعالى على نبيه زكرياء بقوله تعالى , " و زكريا اذ نادى ربه نداء خفيا " . قال الحسن : " ان الله تعالى يعلم القلب النقي و الدعاء الخفي , ان الرجل لقد جمع القرآن و علم الفقه الكثير و ما يشعر به , بين دعوة السر و العلانية سبعون ضعفا , و من ثم استحب الاسرار بالاستعاذة في الصلاة اتفاقا لأنها دعاء . قلت , و كذلك البسملة التأمين عند الحنفية لأنهما من قبيل الدعاء خلافا لشافعي رحمه الله تعالى . فتلخص من هذه الأحاديث و الدلائل أن ما اعتاده الصوفية و الذاكرون في المساجد غيرها من عقد حلق الذكر بالجماعة و رفع الصوت به لا يخرج عن السنة أو الندب خلافا لمن اعتدى و غلط و قال أن الأماكن التي يجتمع للذكر فيها لا تجوز فيها الصلاة حتى تحفر و يقلب ترابها , و العجب منه حيث لم يسمع ما قيل في تفسير قوله تالى " فما بكت عليهم السماء و الأرض " , و قوله عليه السلام " ان بقاع الارض كل يوم تنادي بعضها بعضا هل مر بك اليوم ذاكر الله تعالى أم لا " , الخ كما تقدم ذلك مستوفى . فعليه ان لا ينبغي لعالم أدنى درجة في الايمان أن يبث و يتشدق بعد ما بلغه علم ما تقدم من الدلائل القاطعة و الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الكلام لدى العوام حتى ينفر الناس عن ذكره تعالى , المأمور به في كل مكان و زمان بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا " , حيث ورد مطلقا غير مقيد بقيد من القيود بخلاف غيره من العبادات كما تقدم , و يتحذر من وعيد قوله تعالى " و من أظلم ممن نع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها " , الآية . فائدة : دليل الايمان المحبة لقوله تعالى " و الذين آمنوا أشد حبا لله " , و دليل المحبة التلذذ بذكر المحبوب . ألم تر الى اعادته ظاهرا مكان المضمر تلذذا به بقوله :
    بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ليالي منكن أم ليلا من البشر
    و فيه تنبيه ن ما غفل عنه كثير و اشارة لمن تفطن من كل بصير و الله أعلم . ثم قال عفا الله عنه :

    ( أذكر أم فكر و عد أفضل و هل بقدره الثواب يحصل )



    اشتمل البيت على ثلاثة سؤالات . الاول أيما أفضل الذكر أم الفكر . الثاني , و هل يصح انحصار الذكر في عدد مع قوله تعالى " اذكروا الله ذكرا كثيرا " , أم لا . الثالث , و هل الثواب يكون مرتبا على العدد المخصوص , فينبغي بالزيادة عليه أو النقص عنه أم لا , و بها تمام سبعة و ثلاثين سؤالا . قوله أذكر أم فكر أفضل , أي هل الافضل الذكر أم الفكر . قد تقدم معنى الذكر لغة واصطلاحا , و أما الفكر لغة : قال في القاموس الفكر بالكسر و يفتح , اعمال النظر في الشيء كالفكرة الخ . و اصطلاحا تلمس البصيرة لادراك البغية . الفصل الخامس و الثلاثون : في الجواب على قوله أذكر أم فكر , أي أيما أفضل الذكر أم الفكر . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " الذكر أفضل لأنه ربما مات صاحبه فيموت في الله تعالى , و اللمتفكر يموت في الكون , قاله بن العربي " . و قال السلمي : " سألت أبا علي الدقاق أيما أتم الذكر أم الفكر , فقال ما الذي يقع للشيخ فيه , فقال أبو عبد الرحمان السلمي عندي صح الذكر أتم من الفكر , لأن الحق تعالى يوصف بالذكر و لا يوصف بالفكر و ما وصف الحق به أتم مما اختص غيره به " , انتهى كلامه . قلت قال بعض المحققين : " انما كان الذكر أفضل من الفكر لأنه , أي الفكر لا يكون غالبا الا بعد الذكر , اذ لا يكون الا عن صفاء القلب من الأكدار , و كيف النظر عن الأغيار الا بعين الاعتبار و ذلك يحصل بالذكر لا بالفكر . تنبيه : المراد بالفكر التفكر في آلاء الله تعالى لا في ذاته , كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم : " تفكروا في خلق الله و لا تفكروا في الله , فانكم لن تقدروا قدره " .
    فائدة : و لفكر ابتداء و وسط و غاية . فالابتداء منه هو استعماله في تذكر التبعات و الظلامات , و تذكر أفعاله القبيحة ليتندم عليها و يعزم أن لا يعود اليها , لأن من لا توبة له لا عمل له , و ان عمل من البر ما عمل . و الوسطى هي التفكر في انعام الله تعالى بالرحمة و الجود على كافة الوجود و به يترقى الى مقام الشكر لقولهم : " من عرف النعمة عظمها و من عظمها شكرها و من شكرها قيدها واستوجب المزيد من الله تعالى بوعده الصادق " لئن شكرتم لأزيدنكم " , الآية . ولهذا قال عليه الصلاة و السلام : " تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة " , و في رواية " ثمانين سنة " . و غايته التفكر في دقائق المعارف الربانية و العلوم اللدنية التي بها يلج القلب حضرة القدس و يخلع عليه فيها خلع الأنس حيث المشاهدة و المفاتحة و المواجهة و المطالعة و المكالمة و المنادمة بلذيذ الخطاب عند رفع الحجاب . تتمة : نحى الامام تاج الدين في حكمه الى أفضيلة الفكر على الذكر , بقوله ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكره , الخ . قال شارحه و هو مذهب القوم . قال شارح المعارف : " و هو ظاهر ان أريد به الذكر اللساني المجرد " . أما الذكر النفساني , فقد قال الدقاق أنه أتم من الفكر , الخ , و قد تقدم قوله في أول الفصل . و
    لقد اختلف الناس في الترجيح بينهما , و الحق الذي يتم الكلام به أن الحكم يختلف فيه باختلاف الأحوال و مراتب الرجال و الله أعلم , انتهى قوله . و عد أفضل , يعني و هل يصح انحصار الذكر في عدد و يكون أفضل من الزيادة عليه مع قوله تعالى " اذكروا الله ذكرا كثيرا " , أم لا . الفصل السادس و الثلاثون : في الجواب على قوله و عد أفضل , أي و هل العدد في الذكر أفضل أم الاطلاق كما تقدم قبله . أعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " نعم يصح في المأثور بل الوقف عند العدد المسنون أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم , كثلاثة و ثلاثين من التسبيح و التحميد و التكبير , و كعشرة مرات لا اله الا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي دائم لا يموت بيده الخير و اليه المصير هو على كل شيء قدير , بعد صلاة الصبح و العصر و المغرب , و كقراءة سورة الاخلاص ثلاثا و نحو ذلك , يكون الذكر دالكثير لا ينحصر في عدد . و قد فسر بعضهم الذكر الكثير بالخالص , لأن الله تعالى وصف ذكر المنافقين بالقلة لعدم اخلاصهم . قال تعالى : " يراءون الناس و لا يذكرون الله الا قليلا " , يعني غير خالص . و قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : " ركعتان من عالم زاهد خير من عبادة المتعبدين المجتهدين الى آخر الدهر , و المراد بالزهد الاخلاص , لأن الاخلاص الزهد فيما سوى الله تعالى و الله أعلم " , انتهى كلامه . قلت ظاهر كلامه رحمه الله تعالى , العدد في الذكر أفضل حيث مال الى تفسير الكثير بالاخلاص و هو كذلك , و بيانه أن الذكر اذا ورد فيه نص بالعدد لا خلاف في أفضلية الوقوف مع نص الشارع , و ان لم يرد فيه عدد . فقال الصوفية رضي الله تعالى عنهم , لا بد أن يقيد لنفسه عددا يلتزمه , فان التزام العدد يأدي الى التنشيط , و الاهمال عنه يفضي الى التفريط , هكذا كان يقول شيخنا الازهري نفعنا الله تعالى به آمين . و هذا في الذكر اللساني لا القلبي و النفسي , فانه لا يشترط فيه الا الاستغراق في الحضور دون تقييد بعدد , فان الالتفات الى العدد يخل بالحضور و الله أعلم . فان قلت من أين للصوفية التزام العدد في الذكر , و هل أخذوا بأطلاق الدليل و هو قوله تعالى " اذكروا الله ذكرا كثيرا " , و " اذكروا الله في أيام معدودات " , و " قل الله ثم ذرهم " , الآية , حيث لم يقيد فيها عدد . قلت الدليل فيه اجمال , و قد فسرته السنة و هو ما ورد عن ابن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم , أنهم التزموا عددا من الذكر و أخبروا رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك , فأقرهم و أرشدهم الى ما و أكثر بطريق أسهل منه , صلى الله عليه و سلم . فمن ذلك ما ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم , يا معاذ مالك لا تأتينا كل غداة , قال يا رسول الله اني أسبح كل غداة سبع آلاف تسبيحة قبل أن آتيك , قال عليه الصلاة السلام , ألا أعلمك كلمات هي أخف عليك و أثقل في الميزان و لا تحصيه الملائكة و لا هل الأرض , قال قل لا اله الا الله عدد رضاه , لا اله لا الله زنة عرشه , لا اله الا الله عدد ملائكته , لا اله الا الله عدد خلقه , لا اله الا الله ملأ سماواته , اله الا الله ملأ أرضه لا اله الا الله ملأ ما بينهما " , رواه الديلمي . قال الأجهوري رحمه الله تعالى , قوله " و لا تحصيه " , أي ثواب هذا الذكر . و منها ما أخرجه الترمذي و الحاكم و الطبراني عن صفية رضي الله تعالى عنها , قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم , و بين يدي أربعة آلاف نوات أسبح بهن فقال ما هذا يابنت حبيبي , قالت أسبح بهن , قال صلى الله عليه وسلم قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا , قلت علمني يا رسول الله قال قولي سبحان الله عدد ما خلق من كل شيء " , الخ . و قد ورد الأمر بالعد أيضا , و هو ما أخرجه ابن أبي شيبة و أبو داوود و الترمذي عن بسيرة رضي الله عنها , و كانت من المهاجرات , قالت : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عليكن يالتسبيح و التهليل و التقديس , و لا تغفلن فتنسين التوحيد و اعقدن بالأنامل فانهن مسئولات و مستنطقات " . و قوله " و اعقدن بالأنامل " , أي اعددن , و منه تعلم أن الصوفية رضي الله عنهم لا يخرجون عن ظاهر الشريع و لا عن باطنها , و ما فعلوا أمرا الا عن طريق صحيح , و لهذا قال الامام السبكي و شارحه الجلال المحلي : " و نرى أن طريق الشيخ أبي القاسم الجنيد , سيد الصوفية علما و عملا و صحبه , طريق مقوم خال عن البدع مشيد بالكتاب و السنة , دائر على التسليم و التفويض و التبري من النفس " , الخ . فان قلت انما ورد الأمر بالذكر في الكتاب بالاطلاق دون العدد , و السنة اقتضت العدد فيه , قلت ذلك لفوائد عظيمة و منن جسيمة رحمة و لطف منه تعالى و تيسير على عباده تعالى , لأن الناس مراتب , أقوياء و ضعفاء , فربما ذكر كثير في حق قوم , قليل في حق آخرين و العكس . فكل على حسب استطاعته لقوله تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم " , فلو عدد لكان حرجا و هو منفي بقوله تعالى " و لن يجعل عليكم في الدين من حرج " , و الله أعلم . تنبيه : ان من ذكر من غير عدد فهو مأجور , ذاكر مثاب . و انما فائدة العدد العزيمة الى التنشيط احتياطا عن الترك و التفريط كما سبق ذكره . و كذلك من ذكر بغير حضور , فهو بتحريك لسانه به مأجور . قال تاج الدين في الحكم " لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه " , الخ . و لكن ينبغي لكل فطين أن لا يتقاعس عن رتبة المؤمنين من نداء رب العالمين فيأخذ حظه بالذكر من العدد على ساق العزيمة و الجد و يتعاطى قسطه من الحضور , ليحوز مقامه من الثواب الموفور . قال تالى : " واذكر اسم ربك و تبتل اليه تبتيلا " , الآية و الله أعلم , انتهى قوله . و هل بقدره الثواب يحصل , يعني هل يكون الثواب مرتبا على العدد المخصوص , فينتفي الثواب على الزيادة على العدد أو نقصه أم لا . الفصل السابع و الثلاثون : في الجواب على قوله و هل بقدره , أي العدد المذكور قبله الثوايب يحصل , يعني فاذا زاد أو نقص , ما حكمه هل يثاب بقدره أو بقدر العدد المعين , أو لا يثاب أصلا . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " اختلف الناس في هذه المسألة . قال القرافي رحمه الله تعالى : " لا يحصل ان زاد عليه أو نقص " . و قال ابن العماد : " سمعت بعضهم يذكر في توجيهه أنه ان زاد على ثلاثة و ثلاثين تسبيحة مثلا , فقد آخر التحميد عن وقته و موضعه , و تأخير العبادة عن موضعها يفوت كمال أجرها " . ثم قال : " رأيت في تفسير السلمي في قوله تعالى " قل الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى " , قال لأن العبادة قد تكون في ترك العبادة كما تكون بالعبادة , أي بأحوال تعرض للذكر كما اذا سلم عليه انسان فرد عليه السلام ثم يعود الى الذكر , و تشميت العاطس ثم يعود الى الذكر و نحو ذلك . و ربما وجه كلام القرافي على المفتاح اذا كان له أسنان فزيد واحدة أو نقص لا يفتح , فكذلك اذا زيد على الأعداد المشروعة أو نقص . ثم قال : " ان العماد و هذا كله مردود لا يحل اعتقاده لأنه قول بلا دليل , لم يعثر القرافي على المعنى الذي لأجله سيق العدد المخصوص , و لا يصح قياسه على الآية السابقة , لأن لفظ القرآن معجز , و تلاوته عبادة لا يجوز الزيادة فيها و لا النقص و مراعاته مطلوبة . و مما يدل على عدم منع الزيادة في غير القرآن عموم قوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها , و من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها " .و ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم , قال : " من قال في دبر كل صلاة عشر تسبيحات و عشر تحميدات و عشر تكبيرات في خمس صلوات , فتلك خمسون و مائة باللسان , و و ألف و خمسمائة في الميزان " . و في رواية عنه صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يصبح و حين يمسي مائة مرة سبحان الله و بحمده , لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال ما قال أو زاد عليه " . و في حديث أبي أمامة : " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت " , و في حديث صحيح : " يسبح بعد صلاة العصر خمسا و عشرين و يحمد و يكبر كذلك , و لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير " . فهذه الأحاديث و نحوها دالة على عدم اعتبار الزائد و الناقص , و انما المقصود هو الاتيان بهذه الأنواع الثلاثة من الذكر , و أن أصل السنة يحصل بدون العدد المحصور في المائة , و أن الأكمل العدد فقط كالمائة و الثلاثة و الثلاثين من التسبيح و التحميد و التكبير , و العشر من التهليل . و ان القول بعدم الثواب مطلقا لا وجه له ظاهرا , لأن كل تسبيحة و تحميدة و تكبيرة و تهليلة وحدها عبادة مستقلة يثاب عليها بمجرد ذكرها مفردة و غير مفردة , و ان لم تكن محصورة بعدد . و لا يفوت الثواب الا بعدم الاخلاص , لقوله تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " , و قوله تعالى " اني لا أضيع عمل عامل منكم " . و الذي ينبغي أن يقال ما ورد من الأذكار في السنة , فيه فضل خاص و حكمة لا نعلمها , و يخص بعلمها من شاء , يفوت بفوات العدد المذكور بالزيادة او النقص عنه فقط دون فوات الثواب بالكلية , هذا ما ظهر لي و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت و قد وقع التنبيه في الفصل الذي قبله و غيره على أن مطلق التلفظ بالذكر مثاب عليه و متعبد به و كلام ابن العماد فيه كفاية لمن كانت له به عناية , و ملخصه أن الذي سيق له العدد في الذكر هو الخاصية التي في أسماء الله تعالى و أذكاره لا للثواب , فانه يحصل بعدد أو بغير عدد . و منها ما ورد في السبعين ألفا من لا اله الا الله , أنها فداء من النار كما نص عليه الشيخ السنوسي رحمه الله تعالى من طريق الظاهر و الباطن . انما الاصية في العدد و أما الثواب فانه يحصل ولو بمرة فقط . و كذلك الاثنتي عشرة ركعة في صلاة الضحى خاصيتها في بناء البيت في الجنة , كما ورد ذلك في الحديث , و اما الثواب بركعة أو ركعتين يحصل . فتبين أن كلام ابن العماد هو الذي ان شاء الله عليه الاعتماد , بخلاف ما قاله الامام القرافي لما فيه من التنافي و الله أعلم . ثم قال عفى الله عنه :

    ( و هل ملائكة سرا تكتب و أي حال فيه قطع يندب )

    اشتمل البيت على سؤالين . الأول هل تكتب الملائكة ذكر السر أم لا . الثاني , هل يستثنى من الذكر الكثير حال من الاحوال أو مكان أو زمان يكره فيها الذكر أو عندها , و ما يندب القطع فيه من ذلك و بهما تمام تسعة و ثلاثين سؤالا . قوله و هل ملائكة سرا تكتب أي و هل تكتب الملائكة ذكر السر أم لا . فملائكة فاعل بتكتب , و سرا مفعول السر لغة . قال في القاموس : السر بالكسر ما يكتم كالسريرة , و جمعه أسرار , الخ . و أما في اصطلاح الصوفية , لطيفة مودوعة في القلب كالروح في البدن , و هو محل المشاهدة كما أن الروح محل المحبة و القلب محل المعرفة . الفصل الثامن و الثلاثون : في الجواب على قوله هل تكتب الملائكة ذكر السر أم لا . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " قال بعض العلماء لا تكتب الملائكة ذكر السر , اذ لا علم عندهم به , و انما يكتبون اللفظ الظاهر فقط لقوله تعالى " ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد " . و قال بعضهم بل تكتبه الملائكة , فقد قال مالك ابن دينار : " سألت أبا معشر عن الذكر الذي لا يتكلم العبد به , فكيف تكتبه الملائكة , قال تجد الرائحة الطيبة فتكتبه و الله أعلم " , انتهى كلامه . قلت و قد تقدم من معنى قوله صلى الله عليه وسلم " خير الذكر الخفي " , هو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت , و هو خاص بأهل الكمال الواصلين الذين ترقت أنفسهم من الدرجة التي تنزلت اليها الى اللطيفة السرية , فيحصل لهم ذكر السر , و هو المشاهدة كما تقدم . تنبيه : ذكر شيخ مشائخنا سيدي مصطفى البكري , نفعنا الله تعالى به , في الفيتة في التصوف , ذكر اللطائف السبعة المتنزلة اليها النفس في عالم الشهادة بانفراد و ذكر الجملة و كل ذلك بالأثارة دون تلفظ بذكر ما عدى الذكر اللساني . قال رحمه الله تعالى :
    الذكر لله على أقسام من يدرها له المقام السامي
    ذكر السان ثم الجنان و الروح و السر مع الاركان
    و بعده ذكر الخفى و الاخفا و دكر جملة و هذا أصفى
    و قد على الجميع ذكر الله لأنه الأكبر و هو الزاهي
    و ما عدى الاول بالملاحضه عين الرضى للمقتفي ملاحضه
    بدون لفظ و بدون حركه و لا مع الأنفاس قلبا حركه
    و كل واحد من اللطائف له محل في سويدى الطائف
    الى أن قال :
    و عندنا في هذه الطريقه اجازة من شيخنا وثيقه
    الى آخر كلامه رضي الله عنه , فليتنبه ما هو ذكر السر . و ذكر العلامة شيخ مشائخنا السهروردي قال : " و قيل من أصول الملامتية , أن اتلذكر على أربعة أقسام : ذكر باللسان , و دكر بالقلب , و ذكر بالسر , و ذكر بالروح . فاذا صح ذكر الروح سكت السر و القلب و اللسان , و ذلك ذكر المشاهدة . و اذا صح ذكر السر سكت القلب و اللسان عن الذكر و ذلك ذكر الهيبة . و اذا صح ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر , و ذلك ذكر الآلاء و النعماء . و اذا غفل القلب عن الذكر , أفبل اللسان على الذكر , و ذلك ذكر العادة , الخ كلامه , فلينظره من أراده في العوارف . ان الذاكر باحدى اللطائف المتقدم ذكرها هو المختلي في الخلوة المعنوية أي صارت جلوته خلوة , أشار اليه سيدي مصطفى البكري في النظم بقوله :
    و ذا طريق النقشبندي المجتلي حال الخلا و في الملاء مختلي
    و قال في هداية الاحباب فيما للخلوة من الشروط و الآداب : " الخلوة على ثلاثة أقسام , خلوة سالك و خلوة عارف و خلوة محقق . فخلوة العارف في الملاء , و هي التي تعرف بالخلوة المطلقة , و هي عبارة عن الحضور مع الحق تعالى في كل نفس , و لا تكون هذه الخلوة الا لمن جمع و فرق حتى شاهد الكثرة في الوحدة و الوحدة في الكثرة . و أما خلوة المحقق الكامل فهي الخلوة بالله تعالى و لا تكون الا للقطب الغوث في كل زمان , و لا تكون لشخصين في زمان واحد . قال ابن العربي : " ان خلوة غير القطب فلا تكون بالله تعالى , انما هي لمزيد الاستعداد و البعد عما يشغله عن الطاعة من المخلوقين . و أما خلوة السالك فهي طريق موصل الى هاتين الخلوتين و سبيل يشرف فيه السيار على حقيقة النسبتين " , انتهى باختصار و المعنى و الله أعلم . و اذا ثبت أن الذكر قد يكون غير ملفوظ به و أن الملائكة عليهم السلام لا يكتبون الا الملفوظ به و لا يكتبون عمل الأسرار على أحد الأقوال المتقدم ذكرها و هو ثابت عند الله تعالى , لا يحصي أجره و ثوابه الا هو سبحانه و تعالى , و لا يضيع من عمل عامل مثقال ذرة من خير سواء كان ذلك العمل قولا أو فعلا , بدنا أو قلبا , اعتقادا أو ضميرا أو نية و سرا , فكذلك غيره من عمل الشر و الاثم و لو تكتبه الملائكة و تصعد به و لكن لا تطلع على آفته السرية , فانه مضر محيط ممقت , كما ورد ذلك من حديث معاذ رضي الله تعالى عنه , و هو حديثه الطويل الذي خرجه ابن المبارك رحمه الله تعالى , كان معاذ اذا تلاه بكى بكاء شديدا , و آخره " و تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة و صيام و زكاة و حج و عمرة و خلق حسن و صمت و ذكر الله تعالى , و تشيعه ملائكة السماوات السبع حتى يقطع الحجب كلها الى الله تعالى , فيقفون بين يدي الله تعالى و يشهدون له بالعمل الصالح المخلص , فيقول تعالى أنتم الحفظة على عمل عبدي و أنا الرقيب على ما في نفسه , نه لم يردني بهذا العمل و لا أخلصه لي و أنا أعلم بما أراد بعمله , عليه لعنتي , غر به الآدميين و غركم و لم يغرني , و أنا علام الغيوب المطلع على ما في القلوب لا تخفى علي خافية و لا تعزب عني عازبة , علمي بما كان كعلمي بما لم يكن , و علمي بما مضى كعلمي بما بقي " , الخ , ذكره الغزالي و غيره . فعليه , و لا ينبغي للعبد الا افراد الوجه لله تعالى و التبتل اليه و امحاض الاخلاص له تعالى بالمراقبة و المشاهدة بالسر و الروح والقلب و جميع الجوارح , فلعله ان تطرقه نفحة من الحق تعالى تعمر وجوده بعد ما كان خاليا , و تحيي سعادته بعد ما كان شاقيا . فقد نقل العلامة المجدوبي في المسائل الظرفية , أن الحفظة يكتبون القول و العمل و الاعتقاد و الهم و العزم و التعزير , أي تعزيرك الغير و تسليمك له ما قاله , و العمد و الذهول و النسيان , حتى الأنين في المرض , انتهى و الله أعلم . قوله , و أي حال فيه يندب , أي , و أي مكان أو زمان أو حال من الأحذوال يندب فيه قطع الذكر , و يكره الذكر فيها و ما لا يكره فيها , و ما الأحوال التي عند عروضها يندب له القطع ثم يعود اليه , أي الذكر . الفصل التاسع و الثلاثون : في الجواب على قوله , و أي حال من الأحوال أو زمان أو مكان فيه , أي في ذلك الحال قطع , أي قطع الذكر و لا يكره و أو يندب . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " فمن ذلك يكره الذكر عند قضاء الحاجة , و حال الجماع , و في حال الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب , و في القيام الى الصلاة , بل يشتغل بالقراءة , في حال النعاس , و لا يكره في الحمام و لا في الطريق . و أحولا يستحب قطع الذكر فيها اذا عرضت له , ثم يعود بعد زوالها , منها اذا سلم عليه شخص رد عليه السلام و عاد الى الذكر , و كذا اذا شمت العاطس , و كذا يقطعه لسماع الخطبة و الأذان و لاجابة المؤذن في كلمة الأذان و الاقامة , يحصلها ثم يعود الى الذكر , و كذا اذا رأى منكرا أزاله أو معروفا أرشد اليه , أو من يسترشد أجابه و الله أعلم " , انتهى كلامه رحمه الله تعالى . قلت , قوله يكره الذكر عند قضاء الحاجة و حال الجماع ليس على اطلاقه . أما عند قضاء الحاجة , ان منع لسانا فلا يمنع قلبا , فان القلب من عالم الملكوت كما اللسان من عالم الملك و التباين ظاهر . و أيضا فان الفكر ذكر , فاذا تفكر فيما أنعم الله تعالى عليه و أخرج ما فيه ضرره و أبقى ما فيه بقائه و نفعه كان شاكرا ذاكرا . و اذا اتبع السنة في دخوله و جلوسه و خروجه كان بمثابة الذاكر . و قد ورد أن يقول عند دخوله الخلاء " أعوذ بالله من الخبث و الخبائث " , بضم الخاء المعجمة و الباء الموحدة , أو سكون الباء بعد التسمية , لقوله عليه السلام : " ستر ما بين أعين الجن و عورات بني آدم , اذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول بسم الله " , رواه علي رضي لله تعالى عنه , و أن يقدم رجله اليسرى عكس دخوله المسجد , و أن يجلس غير مستقبل القبلة و لا مستديرها , و لو في البنيان كما ذلك مبين في محله من الفقه , و كذلك غير مستقبل عين الشمس و القمر و مهب الريح , و لا في الماء و الظل الذي ينتفع به , و الحجر و الطريق و شجر مثمر , و يجلس معتمدا على يساره من رجليه , ناصبا اليمنى منهما بأن يضع أصابعها على الأرض , و يرفع باقيها لأنه أسهل لخروج الخارج و يوسع فيها بين رجليه و لا يتكلم , غير كاشف عورته الا بقدر الضرورة طارقا رأسه مستحييا من الله تعالى , غاضا بصره عن عورته وما يخرج منه , و قيل لا بأس ان نظر ما يخرج منه ليعرف قدره و يستحقر نفسه . و قد ثبت عن جماعة من السلف لا يدخلون الخلاء الا بعد مدة , منهم الامام مالك رضي الله عنه , كان لا يدخل الا بعد مضي ثلاثة أيام , و يقول غلبتنا البطنة أو كلام مثله . و اا استنجى , و السنة أن يجمع بين الماء و الحجر , خرج و قدم رجله اليمنى عكس الدخول و قال " الحمد لله الذي أذهب عني الأذى و عافاني , غفرانك ربنا و اليك المصير " , اعترافا بالقصور عن بلوغ شكره تعالى . و أما حال الجماع , فقد ورد أن يقول : " بسم الله , اللهم جنبنا الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتنا به " . و أيضا اذا كان في حال مباشرته الفعل مراعيا للسنة , و آتيا ببعض ما تيسر له منها , كان بمثابة الذاكر الشاكر . فان معنى الذكر هو التخلص من الغفلة , أو تردد معناه على القلب كما تقدم . و قد ورد اذا أراد ذلك , ينوي تحصين فرجه , و تطريد نفسه عن المادة الفاسدة المحرقة , و تكثير أهل التوحيد . و قد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول : " اني لا حاجة لي الى النساء , لكن أرجو أن يخلق الله تعالى من صلبي ما يباهي به محمد الامم " , أو كما قال . و ورد بعده بالتسمية و قراءة سورة الاخلاص , و يكبر و يهلل و يقول " بسم الله العلي العظيم , اللهم اجعل لنا من لدنك ذرية طيبة مطيعة لك " . و قيل ان قال " اللهم ان رزقتني من هذه الوقعة ولدا سميته محمدا , فانه يرزقه الله تعالى ذكرا و لا يضره الشيطان ان شاء الله تعالى , انتهى باتصار و باقي كلامه ظاهر صحيح . فتبين منه و مما تقدم كل العبادات يمكن تركها في زمان و مكان الا عبادة الذكر , فانه مهمى كره باللسان الا و ندب بالقلب , و ذلك دليل على أفضليته حيث كان , مأمور به في كل الحالات , بخلاف غيره من العبادات و الله أعلم . ثم قال عفا الله عنه :

    ( ما أفضل أذكر أم جهاد و ما توحيد واحد يفيد )

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  13. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 16-01-2012 الساعة : 10:26 AM رقم #17
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى مميز


    • بيانات علي العذاري
      رقم العضوية : 6016
      عضو منذ : Jan 2012
      الدولة : ariq
      المشاركات : 141
      بمعدل : 0.03 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 14
      التقييم : Array


  14. اشتمل البيت على سؤالين . الأول , هل الذكر أفضل أم الجهاد أفضل . الثاني , ما معنى توحيد العبد لله تعالى و ما فائدته مع أنه واحد قبل توحيدنا , و هل هو أفضل الطاعات أو لا , و بهما تمام واحد و أربعين سؤالا . قوله ما أفضل ذكر أم جهاد , أي أيما أفضل الذكر أم الجهاد . الفضل لغة الزيادة , و أفضل اسم تفضيل يقتضي زيادة على مقابله , و الذكر مر معناه و الجهاد لغة بالكسر القتال مع العدو كالمجاهدة . و بالفتح الأرض الصلبة التي لا نبات بها و ثمر , الا راك قاموس , و اصطلاحا الدعوة الى الدين الحق على طريق المبالغة و بذل الجهد و هو فرض كفاية , و قيل عين الخ . الفصل الأربعون : في الجواب على قوله ما أفضل , هل الذكر أم الجهاد . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد , و أفضل من المجاهد الغافل , و الذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن ذكر الله تعالى . فأفضل الذاكرين المجاهدون , و أفضل المجاهدين الذاكرون . قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا لله كثيرا لعلكم تفلحون " , فأمرهم بالذكر الكثير مع الجهاد رجاء للفلاح . و روى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم , عن الله عز طوجل , أن الله تعالى يقول : " ان عبدي كل عبدي يذكرني و هو ملاق قرنه " , يعني في القتال . و روي أنه صلى اله عليه وسلم سئل " أي أهل المسجد خير , قال أكثرهم ذكرا لله تعالى عز و جل , قيل و أي الحجاج خير , قال أكثرهم ذكرا لله عز و جل , قيل فأي العواد خير , قال أكثرهم ذكرا لله عز و جل , فمن ثم قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه , ذهب الذاكرون لله تعالى بكل خير . و قال صلى اله عليه وسلم : " ذاكر الله تعالى في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين " . و روي عن أبي سعيد الخذري رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم سئل " أي العبادة أفضل درجة عند اله تعالى يوم القيامة , قال الذاكرون الله تعالى ذكرا كثيرا ,قلت يا رسول الله و من المغازي في سبيل الله , قال لو ضرب بسيفه في سبيل الله في الكفار و المشركين حتى ينكسر و يخضب دما , لكان الذاكرون الله تعالى أفضل منهم " . و ذكر ابن الجوزي عن علي ابن الموفق , قال سمعت حاتما يقول : " لقيت الترك فرماني تركي فقلبني عن فرسي و قعد على صدري و أخذ بلحيتي الوافرة و أخذ سكينا ليذبحني , فوحدت سيدي ما كان قلبي عنده و لا عندي سكينه , انما كان قلبي عند سيدي أنظر مذا ينزله من القضاء , فقلت سيدي ان كنت قضيت علي أن يذبحني هذا فعلى الرأس و العين , انما أنا لك و ملكك , قال فرمى بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه فسقط , فقمت اليه فذبحته , فهذا ببركة ذكره لسيده بقلبه و الله أعلم , انتهى كلامه و هو عجيب . قلت , الجهاد جنس تحته أنواع منها جهاد النفس , و منها جهاد شياطين الجن , و منها جهاد شياطين الانس , و من ذلك جهاد الكفار و هو النفس و بالقلب و باللسان و بالمال و باليد , و عند أهل الله , التحقيق, أنه فرض عين , ما عدى جهاد الكفار فانه كفاية على المشهور كما تقدم , و لولا خيفة الاطالة المئدية الى السئامة لذكرناها على التفصيل و لكن نذكر بعضا منها على سبيل الاختصار تتميما للفائدة و الله أعلم . أما جهاد النفس و الشيطان , قال أهل التحقيق أنه من أعظم أنواع الجهاد , لأن أصل العداوة منهما . فجهاد النفس هو الزامها بطاعة الله تعالى و رسوله و محاسبتها على حركاتها و سكناتها و هو أعظم من جهاد الأعداء , لأن النفس الأمارة لا تفارق صاحبها طرفة عين و شيطانها كذلك لا يفارقها , بخلاف جهاد الأعداء من بني آدم , انما يكون في بعض الأحيان دون بعض , و لا يقوى عليه الا بعد جهاد نفسه , فان من لم يجاهد نفسه لا يستطيع أن يجاهد عدوه , و هو ظاهر فلا يحتاج الى دليل . و قد اتفق أهل المعرفة بالله تعالى على اختلاف طرقهم , على أن النفس قاطعة بين القلب و بين الوصول الى الله تعالى , أن العبد لا يصل الى ربه الا بعد تركها و اماتتها , و لا يقدر على امتتها الا بقهرها و مخالفتها . و الناس مع النفس على قسمين قسم ظفرت به نفسه فملكته و أهلكته فصار منقادا لها مأتمرا بأوامرها , و قسم ظفروا بنفوسهم فملكوها و قهروها و زموها بزمام الشرع . فهي تحت قهرهم و ملكهم و أمرهم , كما قال بعض العارفين , انتهى اسفر الطالبين الى الظفر بأنفسهم , فمن ظفر بنفسه أفلح و نجح و من ظفرت به نفسه خسر و هلك . قال تعالى : " فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى " . قال الامام أبو عبد الله بن الضيم رحمه الله تعالى : " فالنفس تدعو الى الطغيان و ايثار الحياة الدنيا , و الرب تعالى يدعو العبد الى خوفه و نهي النفس عن الهوى , القلب بين الداعيين يميل الى هذا مرة و الى هذا مرة , و هذا موضع المحنة و الابتلاء " . و قد وصف سبحانه و تعالى النفس في القرآن بأوصاف جلها راجع الى ثلاثة : مطمئنة و أمارة بالسوء و بينهما لوامة . و اختلف الناس هل النفس واحدة و هذه أوصاف لها , أم لعبد ثلاثة أنفس . و الاول قول الفقهاء و المتكلمين و جمهور أهل التفسير , و قول محققي الصوفية , و الثاني قول كثير من أهل التصوف . و التحقيق انه لا نزاع بين الفريقين , فانها واحدة باعتبار ذاتها و متعددة باعتبار صفاتها . فاذا اعتبرت بنفسها فهي واحدة , و ان اعتبرت مع كل صفة دون الأخرى فهي متعددة . فالنفس اذا سكنت الى الله تعالى واطمئنت بذكره و أنابت اليه و اشتاقت الى لقائه و أنست بقربه , فهي مطمئنة , و هي التي يقال لها عند الموافاة " ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك " , الآية . قال ابن عباس " المصدقة " , و قال قتادة " هو المؤمن اطمأنت نفسه الى ما وعد الله تعالى " . و قال الحسن " المطمئة بما قال الله تعالى و المصدقة بما قال " . و قال مجاهد " هي المخبتة التي أيقنت أن الله ربها و اضطربت جأشا لأمره و طاعته و أيقنت بلقائه " . و حقيقة الطمئنينة السكون و الاستقرار , فهي التي سكنت الى ربها و طاعته و أمره و ذكره و لم تسكن الى سواه . فقد اطمئنت الى محبته و عبوديته , و اطمئنت الى لقائه و وعده , و اطمئنت الى الرضى به ربا و بالاسلام دينا و بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا , و اطمئنت الى قضائه و قدره , و اطمئنت بأنه تعالى وحده ربها و الهها و معبودها و مليكها , و أنها لا غنى لها عنه طرفة عين . و اذا كانت بضد ذلك فهي أمارة بالسوء , تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغي واتباع الباطل فهي مأوى كل سوء . ان أطاعها قادته الى كل قبيح و كل مكروه , و قد أخبر سبحانه و تعالى أنها أمارة بالسوء , و لم يقل آمرة لكثرة ذلك منها , و أنه عادتها و دأبها , الا اذا رحمها الله تعالى و جعلها زاكية , تأمر صاحبها بالخير , فذلك رحمة منه تعالى لا منها . فانها بذاتها أمارة بالسوء لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة , و العلم و العدل طارء عليها بالهام ربها و فاطرها . فاذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها و جهلها , فلم تكن الا أمارة بموجب الجهل و الظلم و كانت النفس الناطقة أسيرة عندها , لا تصرف لها , كالأسير في بلد الكفار , تعرف الحق و لا تقدر عليه و لا على متابعته . فلولا فضل الله تعالى و رحمته ما زكت منهم نفس واحدة , و بهذا يعلم أن ضرورة العبد الى ربه فوق كل ضرورة , فانه ان أمسك عنه رحمته و توفيقه و هدايته طرفة عين , خسر و هلك . و أما النفس اللوامة , فاختلف في اشتقاقها , هل هو من التلوم وهو التلون و التردد أو من اللوم , و عبارات السلف تدور على هذين المعنيين . قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس " ما اللوامة " , قال " هي النفس اللوم " . و قال مجاهد " هي اللتي تندم على ما فات و تلوم عليه " . و قال قتادة " هي الفاجرة " . و قال عكرمة " تلوم على الخير و الشر " . فهذه عبارات من ذهب الى أنها من اللوم , و أما من جعلها من التلوم , فلكثرة ترددها و تلومها و أنها لا تستقر على حال واحدة . و قال بعضهم , و النفس قد تكون تارة أمارة و تارة لوامة و تارة مطمئنة , بل في اليوم الواحد و الساعة الواحدة يحدث فيها هذا و هذا , و الحكم لغالب عليها من أحوالها . فكونها مطمئنة وصف مدح لها , و كونها أمارة وصف ذم لها , و كونها لوامة ينقسم الى المدح و الذم بحسب ما تلوم عليه , فوجب على العاقل أن ياهد نفسه و شيطانه على حفظ الجوارح السبعة التي هي العين و الأذن و الفم و اللسان و اليد و الفرج والرجل . فهذه الجوارح هي مركب العطب و النجاة . فمنها عطب من عطب باهمالها و عدم حفظها , و نجا من نجا بحفظ
    ها و مراعاتها , و منع العدو من الشياطين من الدخول عليه منها , فان الله تعالى قد ابتلى هذا الانسان بعدو لا يفارقه طرفة عين , ينام و لا ينام , و يغفل و لا يغفل عنه , يراه هو دو قبيله من حيث لا يراه , يبذل جهده في معاداته في كل حال , و دلا يدع أمرا يكيده به يقدر على ايصاله اليه الا أوصله اليه , و يستعين عليه ببني جنسه من شياطين الجن و غيرهم من شياطين الانس , قد نصب له الحبائل و بغاة الغوائل و مد حوله الأشراك , و نصب له الفخاخ و الشباك , و قال لأعوانه دونكم عدوكم و عدو أبيكم لا يفوتنكم و لا يكون حظه الجنة و حظكم النار , و نصيبه الرحمة و نصيبكم اللعنة , قد علمتم أنما جرى علي و عليكم من الخزي و اللعن و الابعاد من رحمة الله تعالى فبسببه , و من أجله فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاء في هذه البلية , قد أعلمنا الحق تعالى بذلك كله من عدونا , و أمرنا أن نأخذ له أهبته . و لما علم سبحانه و تعالى أن آدم و بنيه قد ابتلوا بهذا العدو , و أنه قد سلط عليهم , أمدهم بعساكر و جند يلقونه بها , و أمد عدوهم أيضا بجند و عساكر يلقاهم بها . و أقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر , واشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون , ثم أكد ذلك بقوله وعدا عليه حقا في التوراة و الانجيل و القرآن , ثم لا أوفى بعده منه سبحذانه و تعالى , ثم نبه أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر الى المشتري من هو , و الى الثمن المبذول في هذه السلعة ما هو , و الى من جرى على يديه هذا العقد . فأي فوز أعظم من هذا و أي تجارة أربح منه . و لم يسلط سبحانه و تعالى هذا العدو على عبده المؤمن , الذي هو أحب أنواع المخلوقات اليه تعالى , الا لأن هذا الجهاد هو أحب شيء اليه , و أهله أرفع الخلق عنده درجات و أقربهم اليه وسيلة . فعقد سبحانه و تعالى لواء هذه الحرب لخلاصة مخلوقاته و هو القلب الذي هو محل نظره و معرفته و محبته و عبوديته و الاخلاص له و التوكل عليه و الانابة اليه . فولاه أمر هذه الحرب , و أيده بجند من الملائكة لا يفارقونه معقبات من بين يديه و من خلفه , يعقب بعضهم بعضا , كلما ذهب بدل جاء بدل آخر يثبتونه ويأمرونه بالخير , و يحضونه عليه , و يعدونه بكرامة الله تعالى و يصبرونه و يقولون له انما هو صبر ساعة , و قد استرحت راحة الابد . و منهم من يعبر له و يحضه على هذا الجهاد مناما , و منهم يقظة , كل ذلك اعتناء بهذا العبد و رحمة به , و لله الحجة البالغة على خلقه . و من هذا اشترط مشائخ التربية اخبار المريد منامه و خواطره , بحيث لا يفرد أحدهما على الآخر لشيخه و طبيبه و خصوصا المذمومات منهما ليعرف مزاجه بذلك و يعطيه من الدواء ما ينفعه , و أكدوا ذلك و قالوا " من كتم عن طبيبه أمر علته مات عليلا " و هو معنى قولهم لا يفلح أبدا , و هذا على طريق السلوك بالاصطلاح , و أما بالهمة فلا يحتاج اليه , و قد قيل بانقطاعه كما تقدم . و قد أجاب شيخنا نفعنا الله تعالى به , لعدم السالكين و انحطاط الهمة الى الدنيا و قلة الصدق و النية والاخلاص . و لقد أجاد ابن سعيد حيث قال " لكن سر الله في صدق الطلب " , لا لفقد المسلكين , لبقاء الصالحين الى أن تقوم الساعة أو أن ينزل عيسى عليه السلام , كما سبق ذكر منه . ثم أمره الله تعالى بجند آخر من وحيه و كلامه , فأريل اليه رسوله , و أنزل عليه كتابه فازداد قوة الى قوته و مددا الى مدده , و أمده مع ذلك بالعقل وزيرا و مدبرا , و أمره بالمعرفة مشيرة عليه ناصحة له , و بالايمان مثبتا له و مؤيدا و ناصرا , و باليقين كاشفا له عن حقيقة الامر حتى كأنه يعاين ما وعد الله تعالى به أولياءه و حزبه على جهاد أعدائه . فالعقل يدبر أمر جيشه , و المعرفة تضع له أمور الحرب و أسبابها و مواضعها اللائقة بها , و الايمان يقويه و يثبته و يبصره , و اليقين يقدم به و يحمل به الحملات الصادقة . ثم أمده سبح=انه و تعالى بالقوى الظاهرة و الباطنة , فجعل حالعين طليعته و الأذن صاحب خبره , و اللسان ترجمانه , و اليدين و الرجلين أعوانه , و أقوام ملائكته تعالى و حملة عرشه يستغفرون له . و علم سبحانه و تعالى عباده كيفية هذه الحرب و الجهاد فجمعهما لهم في اربع كلمات فقال: " يا ايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " . و لا يتم أمر هذا الجهاد الا بهذه الأمور الاربعة : فلا يتم له الصبر الا بمصابرة العدو و هي مواقعته و منازلته , اذا صابر عدوه احتاج الى أمر آخر و هو المرابطة , و هي لزوم ثغر القلب و حراسته لئلا يدخل منه العدو , و لزوم ثغر العين و الأذن و اللسان و البطن و اليد و الرجل , فهذه الثغور منها يدخل العدو , فيحوس خلال الديار و يفسد ما قدر عليه . فالمرابطة لزوم هذه الثغور , فالمرابطة من روابط ثغور نفسه ببدنه , و من لم يراتبط نفسه لا يقدر يرابط ثغر غيره , فليتنبه . و جماع هذه الثلاثة و عمودها الذي يقوم به , هو تقوى الله تعالى . فلا ينفع الصبر و لا المصابرة و لا المرابطة الا بالتقوى , و لا تقوم التقوى الا على ساق الصبر , فانظر الآن الى التقاء الجيشين , واصطفاف العسكرين , و كيف تدئل مرة و يدئل عليك أخرى . أقبل ملك الكفر بجنوده و عساكره , فوجد القلب في حصنه جالسا على كرسي مملكته , امره نافذ في اعوانه و جنده قد حفوا به يقاتلون عنه و يدافعون عن حوزته , فلم يمكنه الهجوم عليه الا بمخامرة بعض أمرائه و جنده عليه , فسأله عن أخص الجند به و أقربهم منه منزلة , فقيل له هي النفس , فقال لاعوانه ادخلوا عليها من مرادها و انظروا ما هو محبوبها فعدوها به و منوها اياه , و انقشوا صورة المحبوب فيها يقظة و مناما , فاذا اطمأنت اليه و سكنت عنده , فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة و خطاطيفها ثم جروها بها اليكم , فاذا خامرت على القلب و صارت معكم عليه , ملكتم ثغر العين و الأذن و اللسان و الفم و اليد و الرجل , فرابطوا على هذه الثغور كل المرابطة , فمتى دخلتم منها على القلب , فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن بالجراحات . ثم يضع على هذه الثغور حراسا من الشياطين يكيدونه في الطاعة و يعينونه في المعصية , و يقول لهم ان أكثر عونكم على لزوم هه الثغور مصالحة النفس الامارة فأعينوها و استعينوا بها , و أمدوها و استمدوا منها , و كونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها و ابطال قواها , و لا سبيل الى ذلك الا بقطع موادها عنها , فاذا انقطعت موادها و قويت مواد النفس الأمارة , انصاعت لكم أعوانها فاستنزلوا القلب من حصنه و عزلوه عن مملكته وولوا مكانه الامارة , فانها لا تأمر الا بما تحبونه . ثم يقول , و ان أحسستم من القلب منازعة الى مملكته و أردتم الامن من ذلك فانكحوه النفس الأمارة و زينوها له و جملوها و أروه أياها في أحسن صورة , واستعينوا يا بني على بني آدم بجنديين عظيمين لن تغلبوا معهما , أحدهما جند الغفلة , فاغفلوا بني آدم عن الله تعالى و الدار الآخرة بكل طريق , فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك , فان القلب اذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه و من أعوانه . و الثاني جند الشهوات فزينوها في قلوبهم و حسنوها في أعينهم , و صولوا عليهم بهذين العسكرين و استعينوا على الغفلة بالشهوات و بالشهوات على الغفلة , ثم استعينوا بهما على الذاكر و لا يغلب واحد خمسة . يقول اللعين اذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم من ذكر الله تعالى , أو مذاكرة أمره و نهيه و دينه و لم تقدروا على تفريقهم , فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الانس البطالين , فقربوهم منهم و شوشوا عليهم بهم , و ضموا الى سلطان الشهوة الغضب , فاني انما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة , و انما ألقيت العداوة بين اولادهم بالغضب . فيه قطعت أرحامهم و سفكت دمائهم . واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم , و الشهوة نار تثور من قلبه , و انما تطفىء النار بالماء و الصلاة و الذكر و التكبير , فاياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه و شهوته من قربان الوضوء والصلاة و الذكر بأن يطفىء عنهم نار الغضب و الشهوة . قال اللعين , و قد أوصاهم الله تعالى أن يستعينوا عليكم بالصبر و الصلاة فحولوا بينهم وبين ذلك و أنسوهم اياه , انتهى كلامه لعنه الله , مع اختصار جدا , و انما أطلنا الكلام فيه , لأن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر المشار اليه في الحديث السابق و مبنى الدين عليه , و لكون توقف الذكر و الاسلام و غيره من جميع الطاعات عليه , فتبين على هذا أن قوله الذكر أفضل من الجهاد ليس على اطلاقه , فالمراد به هاد الكفار لا غيره من جهاد النفس و الشيطان كما تقدم بيانه . و عليه كما قال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه : " ذكر الله عند أمره و نهيه خير من ذكره باللسان " , أو كلام مثله و الله أعلم . تنبيه : و لما جرى الكلام الى هذا , فلا بد من ذكر قاعدة بها ملاك الامر كله تتميما للجهاد المذكور , و هي معرفة محاسبة النفس . قال بعض السلف : " واعلم أن العبد له مع نفسه حالتان , الاولى قبل العمل : قال الحسن رحمه الله تعالى : " عبدا وقف عند همه , فان كان لله تعالى مضى , و ان كان لغيره تأخر " . و قد شرح هذا بعضهم فقال : " اذا تحركت النفس لعمل من الأعمال و هم به العبد وقف أولا و نظر ان كان مأذونا فيه أو غير مأذون . فان لم يكن مأذونا فيه لم يقدم عليه , و ان كان مأونا فيه وقف وقفة أخرى و نظر هل فعله خير من تركه , أو تركه خير من فعله . فان كان الثاني تركه و لم يقدم عليه , و ان كان الأول وقف وقفة ثالثة و نظر هل الباعث عليه وجه الله تعالى و ثوابه أم ارادة الجاه و الثناء من المخلوق . فان كان الثاني لم يقدم عليه و ان أفضى به الى مطلوبه لئلا تعتاد النفس الشرك , و يخف عليها العمل لغير الله تعالى . فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى , حتى يصير أثقل شيء عليها . و ان كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر هل هو معان عليه و له أعوان يساعدونه و ينصرونه اذا كان العمل محتاجا الى ذلك أم لا . فان لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك النبي صلى الله عليه و سلم عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة و أنصار. و ان وجده معانا عليه فليقدم عليه فانه منصور , و لا يفوت النجاح الا من فوات خصلة من هذه الخصال " . و الثانية محاسبة النفس بعد العمل , و هو ثلاثة أنواع , أحدها محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى , فلم يوقعها على الوجه الذي ينبغي , و حق الله في الطاعة بمراعاة ستة أمور , و هي الاخلاص في العمل و النصيحة لله تعالى فيه , و متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم فيه , و شهود منة الله تعالى عليه فيه , و شهود تقصيره فيه بعد ذلك كله . فيحاسب نفسه هل وفى هذه المقامات حقها , وهل أتى بها في هذه الطاعة أم لا . الثاني , أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم فعله , و هل أراد به الله تعالى و الدار حالآخرة , فيكون رابحا فيه . أو أرد به الدنيا و عاجلها , فيخسر ذلك الربح , فيتدارك ذلك بالتوبة و الاستغفار و الانابة الى الله تعالى . و المقصود أن القيام على النفس و محاسبتها و مجاهدتها في ذات الله تعالى منأهم الأمور , و لا ينقسم سير العبد الى ربه تعالى الا بذلك . و في الحديث الذي رواه الامام أحمد و غيره من حديث شداد ابن أوس , قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت , العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله " . دان نفسه أي حاسبها , و منه قوله تعالى " انا لمدينون " , أي محاسبون . و ذكر الامام أحمد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا, فانه أهون عليكم في الحساب غدا " , الخ . و ذكر عن الحسن قال : " لا يلقى المؤمن الا يحاسب نفسه ما أردت بكلمتي , ما أردت بأكلتي , ما أردت بشربتي , و الفاجر يمضي قدما و لا يحاسب نفسه " . و قال قتادة في قوله تعالى " و كان أمره فرطا " , أضاع نفسه و غبن , مع ذلك تراه حافظا لماله مضيعا لدينه " . و قالت داية لداوود الطاءي : " با أبا سليمان أما تشتهي الخبز " , فقال لها : " يا داية , بين مضغ الخبز و شرب الفتيت قراءة خمسين آية " . و قال بعض الحكماء : " أعز الأشياء شيئان , قلبك و وقتك . فاذا أهملت و قتك و ضيعت قلبك , فقد ذهبت منك الفوئد كلها " . و قال ميمون بن مهران : " لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه " , ولهذا قيل النفس كالشريك الخوان , فان لم تحاسبه و الا ذهب بمالك . و كتب عمر رضي الله تعالى عنه الى بعض أعماله : " حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة , فانه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره الى الرضى و الغبطة , و من ألهته حياته و شغلته أهوائه عاد أمره الى الندامة و الحسرة " . و قال ابن المبارك في تفسير قوله تعالى " و جاهدوا في الله حق جهاده " , هو جهاد النفس و الهوى , و هو الجهاد الأكبر , واستدل عليه بحديث " رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر " , و قال هو أن يطاع فلا يعصى , الخ . وروى الترمذي من حديث فضالة بن عبيد , قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله " , انتهى و الله أعلم . قوله و ما توحيد واحد يفيد , أي ما معنى توحيد العبد لله تعالى , و ما فائدته مع أنه واحد قبل توحيدنا , و هل هو أفضل الطاعات . أولا , التوحيد لغة الحكم بأن الشيء واحد , و العلم بأنه واحد . يقال وحدته أي وصفته بالوحدانية , كما يقال شجعته أي وصفته بالشجاعة . واصطلاحا تجريد الذات الالاهية عن كل ما يتصور في الافهام و يتخيل في الأذهان و الأوهام . و معنى كون الله تعالى واحدا نفي الانقسام في ذاته و نفي الشبه و الشريك في ذاته و صفاته . الفصل الواحد و الاربعون : في الجواب على قوله و ما معنى توحيد العبد لله تعالى لأنه واحد , و ما يفيدنا مع أنه واحد قبل توحيدنا , الخ . اعلم أنه قال الامام زين الدين في الجوهر الخاص , رحمه الله تعالى , معناه معرفة وحدانيته تعالى الثابتة له , و توحيد الخلق له لم يفد الحق بثبوت الوحدانية له تعالى . ليس بتوحيدك يتوحد الواحد , بل هو على كل حال واحد , و انما أفاد الموحد صفة الموحدية , و الحق تعالى وراء كل توحيد , قائم بذاته موصوف بصفاته , غني عن غيره في جميع كملاته . و دالتوحيد سبب النجاة من النار و هو أفضل الطاعات و شرط في صحتها . و اختلفت عبارات الناس فيه , فسئل ذو النون المصري عن التوحيد فقال : " أن تشهد أن قدرته في الاشياء بلا علاج , و صنعه للأشياء بلا مزاج و علة . كل شيء صنعه و لا علة لصنعه , و ما جلاه الوهم أو حكاه الفهم فالله تعالى بخلافه " . و قال ابوالقاسم الجنيد رحمه الله تعالى : " التوحيد اثبات القدم و نفي الحدوث " . و قال الامام الغزالي رحمه الله تعالى : " التوحيد أصل على ثلاثة مراتب . توحيد العامة , و هو أن تشهد أن لا اله الا الله , و يسمى التوحيد المجرد . و توحيد خاصة العامة , و هو أن لا ترى مع الحق سواه , و يحصل لهم بالقائق العشرة و هي المكاشفة و المشاهدة و المعاينة و الحياة و القبض و البسط و الصحو و السكر و الايصال و الانفصال . فأهل الحقائق أهل هذه المقامات و الله أعلم . تحقيق : الحكم بأن الشيء واحد و العلم بأن الشيء واحد أيضا توحيد , و غلبة روية الحق على القلب توحيد . فمن اعتقد أنه تعالى واحد بغير دليل موحدا , وعلم أنه تعالى واحد فهو موحد أيضا . فمن حصل له التوحيد الأول فهو مؤمن , و من حصل له الثاني فهو عالم , و من حصل له الثالث فهو عارف . فالأول توحيد كافة الصوفية . تدقيق قال الجنيد قدس سره : " الوحدانية أعلى من الربوبية , لأن الوحدانية ترجع الى توحيد مولانا جل و علا , و الربوبية ترجع الى مربوبيتنا , و كل ما أضيف اليه يكون أعلا مما أضيف الينا و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت , و لما كان التوحيد سبب النجاة من النار و هو أفضل الطاعات و شرط في صحتها , و اختلفت عبارات الناس فيه كما ذكره الشيخ , ينبغي لنا زيادة كلام فيه على مذهب أهل الحقيقة , ليكون في البيان كافيا و من داء الشكوك و الأوهام و الظنون شافيا ان شاء الله تعالى . اعلم أيه المتجرد المريد المستشرف على مراتب التوحيد أن الحق تعالى واجب الوجود لذاته , يعلم ذاته و يعلم صفاته و يعلم أفعاله . فهناك أربع اعتبارات : الأول من حيث هو واجب الوجود , و ذلك هو الوجود فقط و هو النور المطلق المشار اليه في قوله صلى الله عليه و سلم : " ان الله نظر دالى نوره المطلق " , الخ , و هو البحر الطمس و العمى الذي لا عين فيه و لا اثر و لا كلام و لا خبر بل هو الحق أخ العدم لمن أراد أن يتأخر أو يتقدم . و الثاني من حيث هو يعلم ذاته و هذا هو تعيين ذاته من حيث الذات , و هذا العلم هو المحمول على الذات , الذي هو عين العالم و المعلوم , و هذا هو الكنز المخفي و الذكر الخفي مصدوق التا و المشار اليه بأنا . واعلم أن عن هذا التعيين الذاتي ظهرت الصفات العلية في العلم , اذ هي من الوجود فافهم المقصود , واعلم أن الذكر المشار اليه في قوله صلى الله عليه وسلم " و كتب في الذكر كل شيء " , هو الحقيقة المحمدية , و هو الكنز المخفي و الذكر الخفي اليه ينتهي السير و السفر , و منه تبدو مراتب السفر , و عند ذلك يظفر بمرتبة الصديق و بالاسم الأعظم , و تكمل مراتب التحقيق و ليس شيء بعد ذلك يرام , و ها هنا ينقطع الكلام . و الثالث من حيث هو يعلم صفاته , و هذا هو التعيين الصفاتي من حيث الصفات , و عن هذا التعيين كانت أسمائه الصفاتية العلية , كما ان عن تعيين ذاته كان اسمه الأعظم . فافهم واعلم أن عن هذا التعيين وجدت الافعال , اذ الصفات مرتبطة بأثرها بالذات , فافهم ثم اعلم أن هذا العلم هو مبدأ الكثرة الوهمية و العينية و مبدأ الانفعال و حصول الآثار و تمييز النسب و التفرقة بين العبد و الرب , بل هو البرزخ الواصل و الحجاب الفاصل , مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان . و بالجملة هو أصل المتفرقات و مجمع المختلفات , الذي تنوعت مظاهره , و ان شئت قلت مراتبه , و ان شئت قلت ذاته الى ع ل م و ادراك و و ه م , فاعلم ذلك . و الرابع من هو يعلم أفعاله , و هذا هو التعيين الفعلي من حيث الافعال , و عن هذا التعيين كانت أسماء أفعاله التي هي في الحقيقة أعيان الى ع ا ل م . و بالجملة فالموجود من حيث الوجوب الذاتي الذي هو الحق باطلاق ذات و صفات و أفعال , و لكل مرتبة من هذه تعيين من حيثيتها واسم من ذلك التعيين . فللتعيين الذاتي من حيث الذات الاسم الأعظم , و الصفاتي من حيث الصفات اسم الصفة , و الفعلي من حيث الأفعال أسماء الافعال . فليس الوجود في الحقيقة الا ذات الله جل و علا و صفاته و أفعاله . و صفاته ليست غير ذاته , و أفعاله راجعة الى صفاته , و مراتب الوجود من حيث الوجود الممكن الذي هو الحق باضافة , و هو العبد كلمة ثم روح ثم نفس ثم جسم , فالجسم عالم الملك و النفس عالم الملكوت و الروح عالم الجبروت و الكامة عالم العزة , سبحان ذي الملك و الملكوت , سبحان ذي العزة و الجبروت . فالروح الجبروتي مظهر الذات , و النفس الملكوتي مظهر الصفات , و الجسم الملكي مظهر الأفعال , و الكلمة البرزخ الكلي الجامع و الحيز المانع , حقيقة الحقائق و روح كل الخلائق . قال تعالى : " و يحق الحق بكلماته " , و قال تعالى : " فآمنوا بالله و رسوله النبي المي الذي يؤمن بالله و كلماته " . فالكلمة اذا حقيقة كل كون متعين و الكلمة في ذات المتكلم , الخ . و بالجملة فالحق حل و علا أظهر الموجودات و جعل مبدأها الكلمة الجامعة و الحقيقة الجاذبة الرافعة و العنصر الأعظم و الروح الأعلم أصل حالأكوان علما و عينا و المفيض عليها من حضرة الجود الأسنى صلى الله عليه و سلم و شرف و كرم و مجد و عظم . بل هو مظهر الاسم الأعظم , بل هو كنز من اعتبر و فهم . ثم انه لما أتم الله تعالى مظاهر الحق و مراتب الوجود باللسان الجامع للقبضتين , و ما اشتملت عليه كلتا اليدين من كل ضدين و خلافين و مثلين , و كان المقصود من الجمع معرفة الشأن العزيز الذي هو شأن الله تعالى , كما قال تعالى : " و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون " , " و كنت كنزا " , الخ . و كان هذا الانسان الكامل ليس شيء يصلح لذلك أو يكون أهلا لما هنالك لجمعيته الكلية , و حقيقته البرزخية . فقبل تلك المعرفة من بين من هنالك " انا عرضنا الأمانة " , الآية , فكان من حيث قبضة اليمين في أحسن تقويم , و من حيث قبضة الشمال في أسفل سافلين , و هذا من العلم و الجهل . فشأن العبد اذا رجعوه باليقين و الشهود الى حقيقة التوحيد و وحدة الوجود , بحيث يخير عن الامر بما هو عليه في نفسه ان تكلم و لا يكون للوهم عليه من تحكم . فمن علم ما هو الامر عليه في نفسه أو استعد للعلم بذلك فهو السعيد القويم , و من جهل ذلك و تكاسل عن تحصيل ذلك فهو الشقي السفيل . ثم ان الأنسان القويم على قسمين , من هو باق على تقويمه لم يعرض له ضده , كالأنبياء و الكمل من الأولياء . ومنهم من عرض له ذلك , ثم خلصه الله تعالى من ذلك , و هم الذين آمنوا و عملوا الصالحات , و هؤلاء على قسمين : منهم من وصل بالجذبة الالهية , أعني أخذ الحق تعالى بيده و اخراجه من الكثرة الوهمية الى الوحدة الوجودية , اما ايمانا و علما , أو دراية و فهما , أو وجدا و كشفا , بحيث لا يجد لاخراجه تكلفا و لا لقطع عوالمه الوهمية تألما . و منهم من وصل بالسلوك , و هو الذي قطع بالرياضة و المجاهدة و الخلوة و الذكر مراتب الملك و ظفر بعد ذلك بنتيجة الملك بملك عنان نفسه و سلوكها الى حضرة قدسه , و ذلك باعتنائه بالتقوى التي وصى بها الله تعالى كافة خلقه بقوله تعالى " و لقد و صينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و اياكم أن اتقوا " . و بيانه أن التقوى بلسان المحقق هي ذهاب السوى من الوجود , و ذهاب السوى من الوجود هو التحقق بالوجود , و التحقق بالوجود هو تحققك بفص هويتك , و تحققك بفص هويتك هو وجودك فقط , و وجودك فقط أن لا تكون أنت و لا هو , و أن تكون أنت و لا هو , هو وجود الله , و ودود الله هو كان الله و لا شيء غيره , و كان الله و لا شيء غيره هو أن يكون الله فقط , و أن يكون الله فقط هو أن يكون الله كل شيء , و أن يكون الله كل شيء هو أن تكون أنت , و أن تكون أنت هو أن لا يكون السوى . فانظر هذا الأمر ما أغربه و أعجبه , فانه دوري , فالدور عجيب و الواصل اليه غريب , و لهذا قيل شعر :
    ففي الخلق عين الحق ان كنت ذا عين و في الحق عين الخلق ان كنت ذا عقل
    و ان كنت ذا عين و عقل فما ترى سوى عين شيء واحد فيه بالشكل
    فابحث عن شئونك فانك مجمع الشئون , و محل الظهور و الكمون , و لا تقنع بما يبدو لك من العرفان . فابحث فان القناعة من الله تعالى حرمان , و بأي شيء تقنع و ما بقي فهو أنفع و الأمر من كل هذا أوسع . فالتقوى هي سلم الوصول الى مراتب التوحيد , و لهذا قالوا , ان التوحيد على ثلاثة أقسام تقليدي و نظري و ذوقي . أما التقليدي , فهو الظاهر الجلي الذي يقي من الشرك الأعظم , و عليه نصبت القبلة و به وجبت الذمة و حقنت الدماء و الاموال و صحت به الملة للعامة , و ان لم يقوموا بحق الاستدلال اذ ليس في وسع كل انسان الاهتداء لطريق النظر و الاستدلال , لاختلاف الفطر و تباين الطباع من البشر , لا سيما من أول وهلة , وقد كان الداخلون في الاسلام من الأعراب و غيرهم على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و غيره , يدخلون في الاسلام فيحسبون من أهله بمجرد التقليد , ثم لا يزالون
    يباشرون أحوال الدين و وظائف الاسلام و يعملون بها حتى تستمكن بشاشة الايمان من قلوبهم , فيقوى ايمانهم و يرتص بناء توحيدهم . فهذا النوع من التوحيد أقل ما يجزءى لأهل التوبة التي هي أصل التقوى , و ان فتح لهم في زائد عليه فهو أحسن و أكمل . و أما النظري فهو ما يحصل من اليقين عن النظر في المخلوقات , فيستدل بها على الخالق , و في المصنوعات فيستدل بها على الصانع , و في المحدثات فيستدل بها على القديم بتحقيق جواز الجائز , و وجوب الواجب و استحالة المستحيل بقوانين علمية و مقايس عقلية تفيد القطع بوجود الباري تعالى و صفاته و أفعاله , حتى لا يدخله في ذلك تشكيك و لا احتمال . و ليس من شرط هذا النوع من التوحيد افصاح لسان كل أحد ممن يدعيه بحجج المناظرة على صحة ذلك , و لا تجويد العبارة عن حقائقه , اذ ليس كل انسان يقدر على الوفاء بالتعبير عن المعاني القائمة في نفسه التي هي مناط المعرفة الى ربه تعالى , و هذا النوع من التوحيد أقل ما يجزءى لأهل الاستقامة و هي بداية التقوى , و ذلك بما خالطوه من أمور الدين و وقفوا عليه من آثار الشرع المبين , و بما باشروه من وظائف سنته مع ما واصلوهمن محبته و ذكره و الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم , حتى قام لهم بذلك نور تنشرح به الصدور لتدبر العبر و الاهتاء لطرق الاستدلال و النظر . و لا شك أن العقل تشحره و تجوهره و تصفي مرآته أعمال الطاعات و وظائف العبادات , حذتى يهتدي بذلك الى سبيل النظر و الاستدلال , فيحسب حسن نتيجة الاحوال . و أما التوحيد الذوقي , فله سبع مراتب : الأولى , تفيد حسن الاهتداء بالبطن لنيل مذاق يفيد الزيادة في مادة ما أفاده النظر , و الستدلال من ثلج اليقين في التوحيد القطعي , و هذا من نتائج التقوى , لأن التقوى تنزيه القلب عن الذنوب بملاحظة الله تعالى . فكلما خطر بباطنه همة شيطانية , تذكر ما لديه من أمر العبادة , فظهر له بنورها أن معبوده واجب أن يطاع فلا يعصى , فيطرد بذلك عن باطنه جميع واردات الشر , فتذهب عنه بذلك المكدرات التي تحجب عن استبصار الحقائق , فيزداد بذلك قوة في ثلج اليقين و نور التوحيد ما يغنيه عن النظر و الاستدلال و ضعف التقليد . و الثانية , تفيد تحصيل بداية توحيد الافعال , و تختص بمنزل الاخلاص , أول منازل مقام الايمان . و الثالثة , تفيد تحصيل نهاية توحيد الافعال و تختص بمنزل الصدق ثاني منازل مقام الايمان . و الرابعة , تفيد تحصيل بداية توحيد الصفات , و تختص بمنزل الطمأنينة ثالث منازل مقام الايمان و الخامسة , تفيد تحصيل نهاية توحيد الصفات , و تختص بمنزل المراقبة , أول منازل مقام الاحسان . و السادسة , تفيد تحصيل بداية توحيد الذات , و تختص بمنزل المشاهدة ثاني منازل مقام الاحسان . و السابعة , تفيد تحصيل نهاية توحيد الذات , و تختص بمنزل المعرفة ثالث منازل مقام الاحسان . و نهاية كل مرتبة تشترك مع بداية المرتبة التي تليها . و نعني بتوحيد الأفعال العثور على ما تقتضيه أفعاله تعالى من سر التوحيد , و بتوحيد الصفات العثورعلى ما تقتضيه صفاته تعالى من سر التوحيد , و بتوحيد الذات العثور على ما تقتضيه ذاته المقدسة من سر التوحيد . و توضيحه أن الله تعالى حجب ذاته المقدسة بصفاته , و حجب صفاته العلية بأفعاله , و حجب أفعاله الجميلة بمألوفات طباع الانسان . و قد أفصح بهذا عبد الله بن عباس حين تكلم في التوحيد , فقال : " حجبت الذات بالصفات و حجبت الصفات بالافعال , فبقدر ما يخرج الانسان عنه من مألوفات طباعه , يبدو له من حقائق توحيد الأفعال , و بقدر ما يحصل عليه من توحيد الأفعال , يظفر به من أسرار توحيد الصفات , و بقدر ما يلوح له من أنوار توحيد الصفات يشاهد من عجائب توحيد الذات " . و ذكر غايات ذلك انما هو نسبة أقصى ما يحمله عقل الانسان , لأن أسرار التوحيد لا غاية لها و لا نهاية , فهي تستغرق العقول و تكتنف الاذهان من الفحول , و تقطع نياط مجال الافكار لمن تمعن بالجد و الاستبصار و الله تعالى و دلي التوفيق و اليه يعود التحقيق , و من تحقق بهذا الفصل و الذي قبله , فهو السالك الموحد . فقد ظفر بأسلوب الطريقة و الحقيقة , و ان بقيت هناك أمور لا غرو يعثر عليها ببركة جهاده لنفسه و ولوجه بالتوحيد الى حضرة قدسه . فتبين بما تقرر معنى قوله و ما توحيد واحد يفيد . فائدة : الموحد حقيقته هو الخارج من تقليد المقال بالنظر و الاستدلال الى توحيد الحال , بدايته الافعال و لهذا قال :
    ما وحد الواحد من واحد اذ كل من وحده جاحد
    توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
    توحيده اياه توحيده و نعت من ينعته لاحد
    فافهم الاشارة تغنيك عن العبارة , و في التلويح ما يغني عن التصريح . من عرف نفسه فقد عرف ربه , و قال عليه السلام : " أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه " , و فيه كفاية و الحمد لواهب الهداية . ثم قال عفا الله عنه :


    ( و ما اذكر ربك اذا نسيت حمدلة هيللة فضلت )

    اشتمل البيت على سؤالين . الأول , ما معنى قوله تعالى " واذكر ربك اذا نسيت " . الثاني , أيما افضل , الحمد لله رب العالمين , أو لا اله الا الله , و بهما تمام ثلاثة و أربعين سؤالا . قوله " و ما اذكر ربك اذا نسيت " , أي ما معنى قوله تعالى في التنزيل " واذكر ربك اذا نسيت " . واذكر , أمر من ذكر ذكرا , و هو لغة كما قال في القاموس , الذكر بكسر حفظ الشيء كالتذكار , و الشيء يجري على اللسان و الصيت كالذكرة بالضم و الثناء و الشرف و الصلاة لله تعالى و الدعاء , الخ . و اصطلاحا , كما قال في مفتاح الفلاح هو التخلص من الغفلة و النسيان بدوام حضور القلب مع الرب كما تقدم الخ . و الرب لغة المعبود و السيد و المالك و القائم بالأمور , المصلح لما يفسد منها , كذا في جواهر الحسان . واصطلاحا اسم للحق تعالى عن اسمه باعتبار نسب حالذات الى الموجودات العينية أرواحا كانت أو أجسادا , و الكاف خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم خصوصا و لغيره عموما , و اذا ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه , و نسيت فعل من النسيان بكسر فسكون , و التء خطاب لمحمد صلى الله عليه و سلم كما تقدم في الكاف , و هو لغة خلاف الذكر و الحفظ جوهري , و اصطلاحا الغفلة عن معلوم في غير حالة السنة , فلا ينافي الوجوب , أي نفس الوجوب لا وجوب الأداء , كذا في كتاب التعريفات و الاصطلاحات . الفصل الثاني و الاربعون : في الجواب على قوله تعالى " و اذكر ربك اذا نسيت " , الآية , قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " هذه الآية وقعت بعد قوله تعالى " و لا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله " , قال الواحدي في تفسيره الوجيز هذا تأديب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم , أمر له بالاستثناء بمشيئة الله تعالى " . و اذكره , أي قله . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما , يجوز الاستثناء الى سنة ما لم يحنث , و عن الحسن و طاووس ما دام في الملجس و أكثرهم لا يجوزه حتى يكون متصلا . و اذكر ربك اذا نسيت يذكرك اذا تذكرت . و قال الكواشي " و اذكر ربك " بالاستغفار اذا نسيت الاستثناء , أو اذكر ربك اذا تسيت شيئا ما لتذكره . و قال بعض الصوفية و اذكر ربك بلسانك و ان كان قلبك ساهيا أو غافلا , فقد قال ابن عطاء الله : " لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه , فان غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره , فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود يقظة , من ذكر مع وجود يقظة الى ذكر مع وجود حضور , و من ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع وجود غيبة عن ما سوى المذكور , و ما ذلك على الله بعزيز " . و قال بعض , و اذكر ربك اذا نسيت نفسك , أي تركتها ترك الناسي , أي تركت طاعتها و خالفت هواها لأن من ذكر الله تعالى على الحقيقة نسي في جنبه كل شيء , و حفظ الله تعالى عليه كل شيء , و كان له عوضا عن كل شيء , و هذا حال العارفين المحققين من الأولياء , و هو الغيبة في الذكر عن سوى المذكور , و استدلوا له بهذه الآية " واذكر ربك اذا نسيت " , أي ما دون الله تعالى , فاذا تكون ذاكرا لله تعالى . هذا و ان الذكر في الاصل خلاف الغفلة , لأن الذكر حضور المعنى في النفس ثم يكون في القلب , ثم يكون بالقول , و قد يستعمل من غير سبق نسيان كما قيل :
    حاضر في القلب يعمره لست أنساه فأذكره
    انتهى كلامه و الله أعلم . قلت , و أنسب العبارات للمقام ما ذكره في اللباب , نقلا عن ابن عطا , و اذكر ربك اذا نسيت , أي اذا نسيت ما سوى الله تعالى و ذكرت الله تعالى , فأنت ذاكر حقا , و الا فلم تخرج عن الامر و اجعل نفسك أول منسي كما قيل :
    لازم الباب ان عشقت الجمال و اهجر النوم ان أردت الوصال
    و اجعل الروح منك فداء في الحبيب جماله قد تلالا
    قال , و الىية تفصح عن قوله تعالى " لا يزال عبدي يتقرب الي بنوافل الخيرات حتى أحبه , فاذا أحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مِئيدا , فبي يسمع و بي يبصر" , الخ كلامه , فانظره .تنبيه : في الآية تحريض على الذكر كيف ما أمكن في حال غفلة أو في حال حضور على ما نقله الشيخ عن بعض الصوفية . و المراد بالحضور الفهم عن الله تعالى فيه ما مرادك به و ما الذي أنت تذكر . لا يزال الذاكر يتردد بين فهم ما ذكر حتى يفنى , ما لم يكن و يبقى ما لم يزل . و لقد سال الشيخ أبو عثمان عن ذكر الله تعالى باللسان و القلب غافل , فأجاب : " لا تترك الذكر على أي حال , و دواء هذه العلة في خمسة أشياء . الأولى مجالسة أهل الذكر و البعد من غيرهم . و الثانية , التضرع الى الله تعالى و دوام ذكره في الأسحار , فان الوسوسة في ذلك الوقت أقل من غيره . الثالثة , النظر في كتب الصالحين و حكاياتهم . الرابعة , اقلال الطعام و الاقتصاد في القوت و الملبس . الخامسة , امزاج الذكر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم . فاذا لازمت هذه الخمسة زالت الغفلة عن قلبك , و فتح الله تعالى لك في بصيرتك بابا تفهم منه و تدري ما لم تكن تدري قبل ذلك . قال عليه السلام : " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " . و قال الصوفية " ذكر الله تعالى هو مفتاح الفلاح و مصباح الأرواح و عمدة الطريق الى الفتاح , بدايته المعرفة و نهايته العيان " . و قالوا أيضا " باب الدنيا الهوى , و باب الهوى الحرص و باب الحرص الأمل , و الأمل هو الداء العضال الذي لا دواء له , و أصله حب الدنيا , و باب حب الدنيا الغفلة عن الله تعالى , و الغفلة غلاف في باطن القلب يتربى من ترادف الذنوب , و دواء ذلك كله ذكر الله تعالى باسمه الاعظم . و باب الذكر الفكر , و باب الفكر اليقظة , و باب اليقظة الزهد , و باب الزهد القناعة , و باب القناعة طلب الآخرة , و باب طلب الآخرة التقوى , باب التقوى دوام ذكر الله تعالى . فذكر الله تعالى هو قطب رحاها و شمس ضحاها , و به يسلك الطريق , و يصل الى فهم علم التحقيق . و لهذا قيل " اذا رأيت من فتح له بالتصديق بعلم التقيق فبشره , و اذا رايت من فتح له بالفهم فيه فاغبطه , و اذا رأيت من فتح له بالنطق فيه فعظمه , و اذا رأيت جاحد له او مكذبا , ففر منه " . و قالوا أيضا " كل مصدق بهذا العلم فهو من الخاصة , و كل من فهمه فهو من خاصة الخاصة , و كل من عبر عنه أو تكلم به فهو النجم الذي لا يدرك و لبحر الذي لا ينزف " , كذا في أنوار القلوب من العلم الموهوب . قال صلى الله عليه و سلم : " لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل , و ما بلغ ذلك أحد , قيل و لا أنت يا رسول الله , قال و لا أنا , فقيل ما كنا نرى أن الرسل عليهم الصلاة و السلام يغيب عنهم شيء أو تقصر مقاماتهم عن شيء , فقال صلى الله عليه و سلم , الله أعظم شأنا و أعظم سلطانا من أن ينال أحد أمره كله " . أشار الى المعرفة الخاصة بالحق تعالى , و هي الاحاطة بالمعلومات على الاطلاق من غير تقييد . و أما معرفة الخلق فبقدر ما حوطهم يحيطون . فالناس فيها على درجات , و الذاكرون في الدرجة العليا , لأن لكل قلب من الأنوار بحسب ما ظهر له من الأسرار . فليس من اهتدى بنور ذكر الله تعالى الى الله كمن اهتدى بنور غيره اليه , و لا من استدل يالله على الأشياء كمن استدل بالاشياء على الله , فلا يصل الى الفتح الرباني الوهبي من في قلبه مثقال ذرة من احساس الغيرية من نفسه أو غيره . فان قلب العارف لا ينفك عن شهود الحق تعالى بأنه الخالق لكل شيء . فهو له به مشاهد , و كذا سره الا أن مشاهدة السر غير مشاهدة القلب . فالسر ما يكون مكتوبا بين الحق و العبد , يخص الله تعالى به بعض أصفيائه و هو ألطف من الروح , و ليس مطلوب القوم الا هو مشاهدته , لأن المشاهدة وجود بلا حدود , و شهود العين بلا أين و حضور القلب مع الرب . و ما دام حاضر القلب فهو مشاهده تعالى في سائر مخلوقاته , موجدا بلا حلول و لا اتصال و لا انفصال لأنه لا اتصال لأحد بذاته , لأن التقيد مظهر من مظاهره تعالى , أظهره رحمة و هو ايجاده و خلقه , و الاطلاق وصفه تعالى و ستره . و في الحقيقة لا تغاير لأنه واحد أحد , فلا تلحظ لسواه , لأنه الموجد لكل شيء , و مظهره من العدم , و لا انفصل عنه أحد من حيث العلم , لأن أصل ظهور العالم وجود الصفات و هي لا تنفك عن الذات , لأن الذات ظهرت بصور معلوماتها . فما أظهر العالم الا على وفق ما كان عليه في علمه تعالى , لأن تعلقاته أزلية . فالعالم كله قديم في العلم حادث في الظهور . و ما وقع حقيقة التكوين الا على هذه الصور البارزة لعالم الشهادة , لا على الأمور الثابتة في العلم , فافهم و انظر الى الماء بواسطة النار صار محرقا فهي متصلة بالصفات منفصلة بالذات . فاذا أردت الحضور مع الذات العلية على الدوام , فعليك بذكر الله تعالى , لأنه الحضرة الجامعة للحضرات كلها , و الملازمة عليه تفضي الى انمحاق الآثار و نسيان الاغيار كلها , و لهذا قال تعالى " و اذكر ربك اذا نسيت " , خص الذكر بالربوبية , لأنها اسم للمرتبة المقتضية لأسماء التي تطلب الموجودات , و يدخل تحتها اسم العليم و السميع و البصير و القيوم و المريد و الملك و ما أشبه ذلك , لأن كل واحد من هذه الاسماء و الصفات يطلب ما يقع عليه . فالعليم يقتضي المعلوم و القادر يقتضي المقدور , و المريد يطلب مرادا و ما أشبه ذلك . و بالربوبية ظهور الرحمان الى الموجودات , و من هذه المرتبة صحت النسبة بين الله و عباده . و أن للربوبية تجليان , تجل معنوي و تجل صوري . فالتجلي المعنوي ظهوره في أسمائه و صفاته على مااقتضاه القانون التنزيهي من أنواع الكمالات , و التجلي الصوري ظهوره في مخلوقاته على ما اقتاه القانون الخلقي التشبيهي و ما حواه المخلوق من أنواع النقص . فاذا ظهر سبحانه و تعالى في خلق من مخلوقاته على ما استحقه ذلك المظهر من التشبيه , فانه على ما هو عليه من التنزيه سبحانه . و الامر بين صوري ملحق بالتشبيه و معنوي ملحق بالتنزيه . ان ظهر الصوري فالمعنوي مظهر له , و ان ظهر المعنوي فالصوري مظهر له , و قد يغلب حكم أحدهما فينستر الثاني تحت الحكم بالأمر الواحد على حجاب , فافهم , و من هذا قيل شعر :
    ففي الخلق عين الحق ان كنت ذا عين و في الحق عين الخلق ان كنت ذا عقل
    و ان كنت ذا عين و عقل فما ترى سوى عين شيء واحد فيه بالشكل
    فائدة : لا يزال الذاكر يترقى بالذكر الى المراقبة ثم المشاهدة , فيسمى أولا ذا العقل , و هو الذي يرى الخلق ظاهرا و الحق باطنا , فيكون الحق عنده مرآة الخلق , لاحتجاب المرآة بالصورة الظاهرة فيها احتجاب المطلق بالمقيد . ثم يترقى فيسمى ثانيا ذا العين , و هو الذي يرى الحق ظاهرا و الخلق باطنا , فيكون الخلق عنده مرآة الحق لظهور الحق عنده واختفاء الخلق فيه اختفاء المرآة بالصورة , ثم يترقى الى مقام أيضا , فيسمى فيه ذا العقل و العين , و هو الذي يرى الحق في الخلق و هذا أقرب النوافل , و يرى الخلق في الحق , و هذا أقرب الفرائض , و لا يحتجب بأحدهما عن الآخر , بل يرى الوجود الواحد بعينه حقا من وجه و خلقا من وجه . فلا يحتجب بالكثرة عن شهود الوجه الواحد الأحد , كما لا يحتجب بكثرة المرايا عن شهود الواحد الأحد الراءي . أعني لا يزاحم في شهوده لكثرة المظاهر أحدية الذات التي تتجلى فيها , و لا يحتجب بأحدية وجه الحق شهود الكثرة الخلقية , لا يزاحم في شهود أحدية الذات المتجلية في المجالي كثرتها , و الى المراتب حالثلاث أشير بالبيتين و الله أعلم , فتبين تخصيصها بالذكر لما فيها من معنى التربية التي هي ايصال الشيء الى كماله على التدريج , أي تبليغه شيئا فشيئا من نقص الى كمال قدرته له الربوبية , و علقه على النسيان اشارة الى مقامات الفناء الثلاث على التدريج أيضا , و هو أي الفناء عدم الاحساس بعالم الملك و الملكوت , بالاستغراق في عظمة الباري جل جلاله , و مشاهدة الحق تعالى و اليه الاشارة بقولهم الفقر سواد الوجه في الدارين يعني الفناء في العالمين الملكي و الملكوتي . و قال في العوارف : " الفناء أن تفنى عنه الحظوظ , فلا يكون له في شيء حظ , يفنى عن الاشياء كلها شغلا بمن فني فيه " . قيل هو الغيبة عن الاشياء كلها . و قال الخراز : " علامة من ادعى الفناء ذهاب حظه من الدنيا و الآخرة الا من الله تعالى " . ثم اختلفت عبارة القوم في الفناء , و باختصار قالوا : " و يكون من أقسام الفناء , أن يكون في كل فغل و قول مرجعه الى الله تعالى , و ينتظر الاذن في كليات أموره , فيكون في الاشياء بالله تعالى لا بنفسه . فتارك الاختيار منتظر لفعل الحق تعالى فيه , فان . و صاحب الانتظار لاذن الحق تعالى في كليات أموره راجع الى الله تعالى بباطنه في جزئياتها , فان . و من ملكه الله اختياره و أطلقه في التصرف يختار كيف شاء و أراد , لا منتظرا للفعل و لا منتظرا للاذن , هو باق و الباقي في مقام لا يحجبه الخلق عن الحق و لا الحق عن الخلق . و الفاني محجوب بالحق عن الخلق . و الفناء الظاهر لأرباب القلوب و الأحوال , و الفناء الباطن لمن أطلق عن وثاق الأحوال و صار بالله تعالى لا بالاحوال , و خرج من القلب فصار مع مقلبه لا مع قلبه و هو ابتداء و وسطي و نهائيي . فناء و فناء الفناء , و فناء عن الفناء و قد تقدم طرف منه في أثناء الكتاب فلا نطيل به , و الله أعلم . تنبيه : و لا يصل الى هذا الفناء الا بعد الموت الاختياري , و تقدم طرف في معناه , لقوله عليه الصلاة و السلام " لن يرى أحدكم ربه حتى يموت " , الخ , " ومن مات قامت قيامته " , و قد قال تعالى في القيامة " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة " , الآية . قال في بدء الأمالي :
    فينسون النعيم اذا رأوه فيا خسران أهل الاعتزال
    و في الحديث القدسي : " اذا رأيتني فلا تذكرني , و مهما لم ترني فلا تفارق اسمي " . فتكون الرئية حينئذ هي عين ذكره , بل أفضل منه لوقوع النهي عندها , و يكون النسيان حقيقة عندها , و هو قول صاحب اللبان " اذا نسيت ما سواه و ذكرته فأنت ذاكر حقا " . قال أهل الحقيقة : " حقيقة التوحيد نسيانك أنت في حضورك معه , و هو أن تكون كما كنت قبل نفخ الروح فيك , بأن لا ترى حولا و لا قوة و لا حركة و لا سكونا و لا بعدا و لا وصولا , الا بالله تعالى , و اترك الالتفات الى الأحوال و المقامات و الكرامات و خرق العادات , و دالمعرفة و القرب و دالحب و الوجد و الفقد و غير ذلك , فان ذلك كله بقايا نفسانية تخل باقتضاء الحكمة البالغة , و توجب الحياة الفانية التي لا طائل تحتها . و في الحديث " ان لله عبادا تركوا حظوظ أنفسهم , ثم تركوا الدنيا , ثم تركوا العقبى , ثم تركوا الرئية ثم تركوا المشاهدة , ثم تركوا الترك , ثم ترك الترك فوجدوا الحق تعالى . و شهوده و رئيته أغنتهم عن ذلك من أنفسهم لنسيانهم اياها بموتها قبل موتها , و هو عين حياتها عند موتها , فافهم اللغز وانذفق من الكنز و لا تخشى من الفقر و ان كنت غريبا في فقر , و الحمد لله رب العالمين , انتهى و الله أعلم . و قوله حمدلة هيلة فضلت , أي أيما أفضل , و هو معنى فضلت , الحمد لله أو لا اله الا الله . الحمدلة كالهيللة أحد المصادر المركبة من اسمين كالحوقلة و الحسبلة و قد تقدم معناها , و فضلت فعل و فاعل و هو من التفضيل الذي هو زيادة المزية . الفصل الثالث و الأربون في الجواب على قوله حمدلة هيللة فضلت , أي و ما فضلت حمدلة أو هيللة . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " اختلف العلماء في هذه المسئلة , فقالت طائفة بالأول , لأن في ضمن الحمدلة التوحيد الذي هو لا اله الا الله . ففي قولك الحمد لله توحيد و حمد , وفي قولك لا اله الا الله توحيد فقط . و احتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم : " من قال لا اله الا الله كتب له عشرون حسنة و حط عنه عشرون سيئة , و من قال الحمد لله رب العالمين كتب له ثلاثون حسنة و حط عنه ثلاثون سيئة " . و قالت طائفة بالثاني , لأن كلمة لا اله الا الله ترفع الكفر و الاشراك , و اختاره ابن عطية في تفسيره , قال : " و الحاكم بذلك قوله صلى الله عليه و سلم " أفضل ما قلته أنا و النبيون من قبلي لا اله الا الله وحده لا شريك له " . و على هذا فخير القول لا اله الا الله محمد رسول الله فانها كلمة الاخلاص و بها يحصل الخلاص , انتهى كلامه و الله أعلم . قلت لا حجة للطائفة القائلين بأفضلية الحمد لله على لا اله الا الله . أما قولهم في الحمد لله توحيد و حمد , و في لا اله الا الله توحيد فقط , فلا ينهض حجة . و لقائل أن يقول في لا اله الا الله توحيد و حمد أيضا , و بيانه أن معنى لا اله الا الله نفي نقائص و اثبات كمالات , و الكمالات تستوجب الحمد بلا خلاف و مثبتها حامد , لأن الحمد ثناء و الثناء ذكر و الذكر بالجميل هو الحمد . و اذا كان ذلك كذلك فهي حمد و توحيد و تنزيه , و قد اجتمع فيها ما تفرق في غيرها من التوحيد و التحميد و التنزيه بخلاف غيرها . و أما حجتهم بحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا اله الا الله كتب له عشرون حسنة " , الخ , " و من قال الحمد لله كتب له ثلاثون حسنة " , فلا دليل فيه , و بيانه ن الثواب انما يترتب على قوله لا اله الا الله , و من لم يقلها لا يكتب له ثواب و لو قال الحمد لله ألف مرة . فيحمل قوله صلى الله عليه وسلم " و من قال الحمد لله كتب له ثلاثون حسنة " , أي مع لا اله الا الله , محتمل لوجهين اما مصاحبة و اما ضمنا لترتب الثواب و العقاب عليها . فتبين من هذا أن ما ترتب من ثواب أو من عدم ثواب ذكر أو عمل أو غير ذلك مما يثاب عليه الا كان معلقا عليها , سواء كان مصاحبة أو ضمنا . فهي أفضل الأذكار على الاطلاق , و الجامعة للأسماء و الصفات بالاتفاق . فان قلت فان كان ذلك كذلك , فما معنى تخصيص العدد بالثلاثين في الحمدلة و العشرين في الهيللة . قلت , يحتمل وجوها و أقربها و الله أعلم , أن لا اله الا الله تضمنت حسنتين , حسنة التنزيه و هو النفي , و حسنة التوحيد و هو الاثبات , و الحسنة بعشر أمثالها , فنبه صلى الله عليه و سلم عليه . و الحمد لله تضمنت حسنة التحميد فهي بعشر , و لا تصح هده العشرة الا اذا تضمنت لا اله الا الله , و هي بعشرين كما تقدم , فاجتمع في الحمدلة ثلاثون . نبه عليه صلى الله عليه وو سلم ترغيبا و اشارة الى توقف الثواب على التوحيد بقول لا اله الا الله , و ما كان خيرا الا بشر به صلى الله عليه و سلم , و ما كان شرا الا أنذر عنه و حذر منه . و يحتمل وجها آخر و هو لا اله الا الله و محمد رسول الله , المتضمن فيها جعل اثبات الألوهية حسنة و أثبات الرسالة حسنة , و الحسنة بعشر , فهي العشرون , و يحتمل الحسنات على عدد الحروف المنطوق بها لا المكتوبة و هي عشرون , للحديث الوارد في تلاوة القرآن , و أن الحرف بعشر الى خمسين . و يحتمل هذه الحسنات الذكورة كليات و لواحدة منها أقلها عشر , و الله تعالى أعلم , و كل ذلك محتمل , حدث عن البحر و لا حرج . فانه صلى الله عليه و سلم معدن البالغة و أساس الفصاحة و أوتي جوامع الكلم و شرب من عين التسنيم . فتعين به أن الكلمة المشرفة أفضل الأذكار على الاطلاق , و لذلك كانت مفتاحا لكل مغلاق . و قوله الحمد لله فيه توحيد و حمد , فلو كان كذلك لكان يقتضي اكتفاء دخول الاسلام به , و لا قائل به بخلاف ما ذكرناه في لا اله الا لله , فانه كله على القياس , و يجاب عنه بان مراده بالتوحيد الضمني , و هو اختصاص المحامد بواحد و هو صحيح , لكن فاته أن ذلك متوقف على اثبات التوحيد الطبقي و هو خاص بلا اله الا الله , و الله أعلم . تنبيه : انما كانت الكلمة المشرفة أفضل الأذكار لأنها دالة على ثبوت الألوهية , و الالوهية هي أعلا مظاهر الذات العلية , اذ لها الحيطة و الشمول على كل مظهر و هي عبارة عن حقائق الأشياء أي الموجودات , و حفظها في مراتبها . و نعني بحقائق الموجودات أحكام المظاهر مع الظاهر فيها , أعني به الحق و الخلق . فشمول المراتب الالهية و جميع المراتب الكونية و اعطاء كل حقه من مرتبة الوجود هو معناها , و لا يكون ذلك الا لذات واجب الوجود تعالى و تقدس . و لما كانت الألوهية اعطاء حقائق الوجود و غيره حقها من الحيطة و الشمول , كانت الأحدية التي هي أعلا الأسماء حقيقة من حقائق الوجود تحت الألوهية , و الواحدية تحت الأحدية , و الرحمانية تحت الواحدية , و الربوبية تحت الرحمانية , و الملكية تحت الربوبية , لأن أعلا مراتب الربوبية في اسمه تعالى الملك . فالألوهية أعلا و لهذا كان اسمه تعالى الله أعلا الأسماء حتى من اسمه الاحد الذي هو أعلاها , فافهم كما تقدم . و الأحدية أخص مظاهر الذات لنفسها , و الألوهية أفضل مظاهر الذات لنفسها و لغيرها , و من ثم منع أهل الحق تجلي الأحدية و لم يمنعوا تجلي الألوهية . فان الأحدية ذات محض لا ظهور لصفة فيها فضلا عن أن يظهر فيها مخلوق فامتنع نسبتها الى المخلوقات من كل وجه . فما هي الا للقديم القائم بذاته , و لا كلام في ذات واجب الوجود , فانه لا يخفى عليه شيء من نفسه , فان كنت أنت هو , فما أنت أنت بل هو هو . و أن كان هو أنت فما هو هو بل أنت أنت . فمن حصل في هذا التجلي , فليعلم أنه من تجليات الواحدية , لأن تجلي الأحدية لا يسوغ فيه ذكر أنت و لا ذكر هو . و اعلم أن الوجود و العدم متقابلان و الألوهية محيطة بهما , لأنها تجمع الضدين من القديم و الحادث و الحق و الخلق و الوجود و العدم . فيظهر فيها الواجب مستحيلا بعد ظهوره واجبا , و يظهر المستحيل فيها واجبا بعد ظهوره مستحيلا , و يظهر الحق فيها بصورة الخلق , مثل قوله صلى الله عليه و سلم " رأيت ربي في صورة شاب أمرد " . و يظهر الخلق بصورة الحق مثل قوله صلى الله عليه و سلم " خلق الله ءادم على صورته " . و على هذا التضاد فانها تعطي كل شيء مما شملته من هذه الحقائق حقه من كمال التنزيه و التشبيه , فلا يدرك لها غاية و لا يعلم لها نهاية , و الى سر الألوهية أشار صلى الله عليه و سلم بقوله " أنا أعرفكم بالله و أشدكم خوفا منه " , فما خاف من الرب و لا من الرحمان و انما خاف من الله تعالى , و اليه الاشارة بقوله " و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم " , على أنه صلى الله عليه و سلم أعرف الموجودات بالله تعالى . و ربما يبرز من ذلك الجناب الالهي لا أدري أي صورة أظهر بها في التجلي الالهي , و لا أظهر الا بما يقتضيه حكمها , و ليس لحكمها قانون لا نقيض له , فافهم .
    فهو يعلم و لا يعلم و يجهل و لا يجهل اذ ليس لتجلي الالوهية حد يوقف عليه بالتفصيل , فلا يقع عليها الادراك التفصيلي بوجه من الوجوه لأنه محال أن يكون لله تعالى نهاية , و لا سبيل الى ادراك ما ليس له نهاية , و جلكن اله سبحانه و تعالى قد يتجلى لها على سبيل الكلية و الاجمال , و الكمل متفاوتون في الحظ من ذلك التجلي كل على قدر ما فضل له من ذلك الاجمال , و بحسب ما ذهب اليه الكبير المتعال , و الله أعلم . فالألوهية مشهودة الاثر مفقودة في النظر , يعلم حكمها و لا يرى رسمها , و الذات مرتبة العين مجهولة الاين , ترى عيانا و لا يدرك لها بيانا . ألا ترى أنك اذا رايت رجلا يعلم أنه موصوف مثلا بأوصاف متعددة فتلك الأوصاف الثابتة له انما تقع عليها بالعلم و الاعتقاد أنها فيه و لا شهود لها عينا و أما ذاته فأنت تراها بجملتها عيانا , و جلكن تجهل ما فيها من بقية الأوصاف التي لم يبلغك علمها , اذ يمكن أن يكون لها ألف ألف وصف مثلا و ما بلغك منها الا بعضها . فالذات مرئية و الأوصاف مجهولة و لا نرى من الوصف الا الاثر , أما الوصف فهو الذي لا يرى أبدا البتة مثاله . ما ترى من الشجاع عند المحاربة الا اقدامه , و ذلك أثر الشجاعة لا الشجاعة . و لا ترى من الكريم الا اعطائه , و ذلك أثر الكرم لا نفس الكرم , لأن الصفة كامنة في الذات لا سبيل الى بروزها . فلو جاز عليها البروز لجاز عليها الانفصال عن الذات , و هذا غير ممكن , فافهم , و تقدم أنها ليست غيرها و اله أعلم . فائدة : الأحية تطلب انعدام الأسماء و الصفات مع آثارها و مأثراتها . و الوحدانية تطلب فناء العالم بظهور أسماء الحق و أوصافه . و الربوبية تطلب بقائه و الألوهية تطلب فناء العالم في عين بقائه , و بقاء العالم في عين فنائه . و العزة تستدعي رفع المناسبة بين الحق و الخلق . و القيومية تطلب صحة وقوع النسبة بين الله تعالى و عبده , لأن القيوم من قام بنفسه و قام به غيره , انتهى مع اختصار . فهذه نبذة من علم أصل الحقيقة , ذكرناها على سبيل التبرك باشارة بعض الأحبة , و ان كان يعتاص فهم بعض معانيها , فحسب العقل , المعاشي لا الكلي , المستمد من العقل الأول , فانه يزن بكفتين و يجمع بين الضدين , كما بيناه في غير هذا . فعلى الواقف على مثل هذا الكلام أن لايقابله , ان اعتاص عليه فهمه , بالانكار أولا , فيحرم بركة الاستبصار , و ليقابله بالتصديق لعل الله يفتح بالتحقيق و منه الهداية و به التوفيق و الله أعلم . ثم قال عفا الله عنه :

    (ما أفضل تسبيحكم تحميدكم و ما معناه اذكروني أذكركم )

    اشتمل البيت على سؤالين . الأول ايما أفضل التسبيح أم التحميد , و هو سبحان الله أو الحمد لله . و الثاني , ما معنى قوله تعالى " اذكروني أذكركم " . و بهما تمام خمسة و أربعين سؤالا . قوله ما أفضل تسبيحكم تحميدكم , أي ما افضل التسبيح و هو سبحان الله م التحميد و هو الحمد لله للذاكر , الخ. التسبيح لغة التنزيه مطلقا , و اصطلاحا تنزيه الحق تعالى عن نقائص الامكان و الحدوث . و التحميد مبالغة في الحمد و هو لغة نقيض الذم , و اصطلاحا الثناء على الجميل من جهة التعظيم عن نعمة و غيرها . الفصل الرابع و الأربعون : في الجواب على قوله ما تسبيحكم تحميدكم الخ , أي أيما أفضل قول الذاكر سبحان الله أو قوله الحمد لله . اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى في الجوهر الخاص : " التحميد أفضل باتفاق الأحاديث كلها , حتى جاء أنه يملأ الميزان . و قد جاء صريحا أن التسبيح يملأ نصفها و التحميد يملأها , كما قال صلى الله عليه و سلم " تعليم التسبيح نصف و الحمد يملأه " , خرجه الامام و الترمذي من حديث رجل من بني سليم , و خرجه مسلم و النسائي و ابن ماجة و غيرهما . و في حديث عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم " الحمد تملأ الميزان و سبحان الله نصف الميزان " , و سبب ذلك و الله أعلم أن التحميد اثبات المحامد كلها لله تعالى , فدخل في الاثبات صفات الكمال و نعوت الجلال كلها . و التسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقائص و العيوب و الآفات . و الاثبات أفضل من السلب و لهذا لم يرد التسبيح الا مجردا , لكن مقرونا بما يدل على اثبات الكمال . فتارة يقرن بالحمد , كسبحان الله و بحمده , و تارة يقرن باسم من أسماء العظمة و الجلال , كسبحان الله العظيم و نحو ذلك , و الله أعلم , انتهى كلامه . قلت ليس معنى التسبيح الا التنزيه و هو عند أهل الحقيقة عبارة عن انفراد القديم بأوصافه و أسمائه و ذاته كما يستحقه لنفسه من نفسه بطريق الأصالة و التعالي , لا باعتبار المحدث ماثله أو شابهه . فانفرد الحق سبحانه و تعالى عن ذلك , و اذا كان ذلك كذلك فلا تفاضل بينه و بين التحميد , لأنه نسبة جالحمد الى الله تعالى , و هو معنى الثناء , و الثناء هو ثناء الله سبحانه و تعالى على ذاته الكريمة بصفاته العلية , ثناء ذاتيا وحدانيا , اذ صفاته الكمالية من ذاته , و لا صفة كمالية على الحقيقة الا هي صفته , و بأفعاله الجليلة كذلك , اذ لا فعل على الحقيقة الا هو فعله , أفعاله مظاهر أسمائه و متنزلات صفاته . فنسبة الأسماء الشريفة و الصفات العلية و الأفعال الجليلة الى الذات الكريمة على سبيل الاختصاص و الانفراد هو التنزيه و هو التحميد . فالمنزه و الحامد بهذا المعنى واحد , و التحميد و التنزيه هو عين المحمود و المنزه فافهم . الا أن يقال فليس بأيدينا من التنزيه الا التنزيه المحدث , و التحقق به التنزيه القديم , لأن التنزيه المحدث ما بازائه نسبة من جنسه , لأن الحق لا يقبل الضد و لا يعلم كيف تنزيهه . فلأجل ذا يقال " تنزيه عن التنزيه " . فتنزيهه تعالى في نفسه لا يعلمه غيره , و لا نعلم الا التنزيه المحدث , لأن اعتباره عند أهل الحقيقة هو تعدي عن حكم كان مكن نسبته اليه فتنزه و لم يكن للحق شبيها ذاتيا يستحق عنه التنزيه , اذ ذاته هي المنزهة في نفسها عما لا يناسب كبريائها . فعلى أي اعتبار كان و في أي تجل ظهر أو بان تشبيهها , كان كقوله صلى الله عليه و سلم " رايت ربي في صورة شاب أمرد " , أو تنزيها كقوله صلى الله عليه و سلم " نورانيا أراه " . فان التنزيه الذاتي له حكم لازم لزوم الصفة لموصوف , و هو في ذلك التجلي على ما استحقه من ذاته لذاته بالتنزيه القديم الذي لا يسوغ الا له , و لا يعرفه غيره كما تقدم . فانفرد تعالى في أسمائه و صفاته و ذاته و مظاهره و تجلياته بحكم قدمه عن كل ما يناسب الى الحدوث و لو بوجه من الوجوه . فلا تنزيهه كالتنزيه الخلقي , و لا تشبيهه كالتشبيه , تعالى و انفرد سبحانه التنزيه الحقي عن التنزيه و التشبيه الخلقي . تنبيه : التسبيح , و هو قول القائل "سبحان الله " , فباطنه استحضار القلب وقوع نسبة التنزيه الى الله جل و علا عن ما لا يليق بجلاله و كرمه , بما نسبته الافهام الباطلة و جرته الأوهام العاطلة , و هو على ثلاثة أقسام . تنزيه الأفعال عما يقتضي المشاركة حتى يحصل اليقين , علما بأن لا فاعل الا الله تعالى . و تنزيه الصفات عما يقتضي التعداد و المماثلة في شيء منها , حتى يحصل للقلب اليقين عيانا بأن لا حي الا الله تعالى و تنزيه الذات عما يقتضي التعداد في الوجود حتى يحصل اليقين تحققا بأن لا موجود الا الله تعالى , فافهم . و التحميد و هو نسبة الحمد الى اله تعالى , و أجمع تركيب فيه الحمد لله . فباطنه استحضار القلب وقوع نسبة المحامد كلها الى الله جل و علا , و ذلك ان حقيقة الحمد هو الثناء , و الله جل وعلا قد أثنى على ذاته الكريمة بصفاته العلية ثناء ذاتيا وحدانيا كما تقدم . فاذا جميع المحامد كلها لله تعالى ما علم منها و ما لم يعلم . ثم ان العبد اذا تحقق بحقيقة الحمد على ما ذكر , تحقق بأن ذاته عين الحمد , اذ هي فعله جل و علا , فيكون هو نفس الحمد . و كذلك جميع الذوات اذ هي فعله تعالى , و
    الله جل و علا هو الحامد . و قد يفنى العبد عن اضافته و نسبته و ينتقل عند ذلك من الحمد القولي و العقلي الى الحمد العيني الجوهري المحمول على ذاته محمل هو هو , و يتحقق عند ذلك بقوله صلى الله عليه و سلم " فان الله يقول على لسان عبده سمع الله لمن حمده " . فالله تعالى هو الحامد المحمود فافهم . و افهم قوله عليه السلام " ربنا و لك الحمد " , أي الحمد مصدره منك و عوده اليك , فلم يحمد الله الا الله تعالى , و من هذا كان الحمد أفضل من التسبيح , لأن الحمد حق و خلق و التسبيح الذي هو التنزيه حق فقط و لم نصل اليه لما تقدم , و ما بأيدينا الا التنزيه المحدث الخلقي كما تقدم . فائدة : انما كانت الحمدلة في حديث علي و غيره تملأ الميزان , و السبلة نصفه , و لم تكن أقل و لا أكثر اشارة , و الله أعلم , الى ما ذكر من أن الحمدلة لها مرتبتان الحقية و الخلقية , و السبحلة فلم يكن لها الا مرتبة واحدة فقط و هي الخلقية , و لا وصول للحقية من حيث الخلق , و الله أعلم . فملأت الحمدلة الكفتين من الميزان , أي المرتبتين لجمعيتها بين الحقية و الخلقية , و ملأت الالسبحلة نصفه , كفة واحدة أي مرتبة واحدة . اما حقية لا وصول اليها من الخلقية , أو خلقية لا تشاركها الحقية , فافهم ذلك و الله المستعان , انتهى باختصار , و الله سبحانه و تعالى أعلم . و قوله , و ما معناه أذكروني أذكركم , أي ما معنى قوله تعالى في التنزيل " أذكروني أذكركم " , الآية . فهو أمر من الحق تعالى لجميع خلقه بذكره و قد تقدم معناه لغة و اصطلاحا . و " أذكركم " مضارع فاعله مستتر و مفعول و هو مجزوم بالأمر لنيابته عن الشرط عند الفارسي و السيرافي . و قيل بنفس الامر لتضمنه معنى حرف الشرط عند الخليل و سيبويه , و الجمهور على تقدير أدات الشرط و فعله و هو الأصح . الفصل الخامس و الأربعون : في الجواب على قوله تعالى أذكروني أذكركم , اعلم أنه قال الامام زين الدين رحمه الله تعالى : " ذكر علماء التفسير فيها عشرين وجها . أذكروني بطاعتي , أذكركم

    علي العذاري غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  15. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 25-01-2012 الساعة : 06:49 PM رقم #18
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى ذهبى


    الصورة الرمزية فريدة

    • بيانات فريدة
      رقم العضوية : 6014
      عضو منذ : Jan 2012
      المشاركات : 608
      بمعدل : 0.14 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 19
      التقييم : Array


  16. مشكور على الكتاب والمجهود الرائع شيخنا وبارك الله فيك

    فريدة غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  17. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 25-01-2012 الساعة : 07:01 PM رقم #19
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شيخ الطريقة التجانية العلية


    الصورة الرمزية الشيخ درويش عبود المغربى

    • بيانات الشيخ درويش عبود المغربى
      رقم العضوية : 2
      عضو منذ : Jul 2008
      الدولة : Morocco
      المشاركات : 4,046
      بمعدل : 0.70 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 10
      التقييم : Array


  18. مشكور شيخنا ابو حسين وبارك الله فيك وعليك وجعله الله ذخرا لك يوم تلقاه

    الشيخ درويش عبود المغربى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  19. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-02-2012 الساعة : 05:22 PM رقم #20
    كاتب الموضوع : علي العذاري


    شاملى فضى


    الصورة الرمزية الحسناء

    • بيانات الحسناء
      رقم العضوية : 30
      عضو منذ : Jul 2008
      المشاركات : 435
      بمعدل : 0.08 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 20
      التقييم : Array


  20. شكرا لك .... بارك الله فيك

    مولانا وشيخنا الكريم

    الحسناء غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك