خاتم سليمان بين الحقيقه والخيال
قال الإمام النسفي في تفسيره (ج 4 ص 42) وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود اهـ وقال الإمام الصابوني في كتابه ـ النبوة والأنبياء ـ ص 317 وعلى كل حال فإن ما ورد في قصة الخاتم كله باطل وبهتان انتهى· وقد زعمت الإسرائيليات أن سيدنا سليمان كان له خاتم يقضي به الحاجات، إذا أراد شيئا أدار الخاتم فيكون ما أراده· وشاعت هذه الأكذوبة عند عوام المسلمين حتى صارت مثلا بينما القرآن الكريم يذكر لنا أن نبي الله سليمان لما أراد إحضار عرش ملكة سبأ لم يدر خاتما في يده وإنما قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ـ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين ـ قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم سورة النمل فانظر كيف طلب سليمان عليه السلام من الملأ أن يأتوه بعرشها ولا ذكر للخاتم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة· وقد حذر العلماء من أكاذيب اليهود على الأنبياء خاصة ما كذبوه على داود عليه السلام وابنه سليمان عليه السلام، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ج 7 / 51: وقد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثـرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم حديث يجب اتباعه انتهى، وقال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى ج 8 / 158 لا تلتفت إلى ما سطره الإخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه، ولا ورد في حديث صحيح انتهى· يقول الشيخ العلامة أبو شهبة رحمه الله في الإسرائيليات في التفسير ص 382 أي ملك أو نبوة يتوقف أمرهما على خاتم يدومان بدوامة ويزولان بزواله؟ وإذا كان خاتم سليمان عليه السلام بهذه المثابة فكيف يغفل الله شأنه في كتابه الشاهد على الكتب السماوية ولم يذكره بكلمة؟ انتهى· أما ما يرويه جابر بن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم:كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله أخرجه ابن عدي في الكامل، وابن عساكر عن جابر قال المحدثون فيه شيخ بن أبي خالد متهم بوضع الحديث، قال الحافظ الذهبي: هذا الحديث من أباطيله، وأورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، انظر كنز العمال 11 / 498 رقم 32337 وقال الزمخشري رحمه الله في الكشاف3 / 329 بعد أن ذكر حكاية الخاتم وغيره·· ولقد أبى العلماء المتقنون قبوله، وقالوا هذا من أباطيل اليهود·· انتهى ولم يكتف اليهود في كذبهم على نبي الله سليمان، بل ذهبوا إلى أبعد من هذا فزعموا أن ماردا من الجن مكلفا بالبحر اسمه صخر بن عمير احتال على سليمان حتى ظفر بخاتمه وزعموا أن سليمان كان لا يدخل إلى بيت الخلاء بخاتمه، فجاء صخر هذا في صورة سليمان، فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان يقال لها ـ الأمينة ـ فقام هذا الجني بعد أن استولى على خاتم سليمان وتشبه به بالاستيلاء على ملك سليمان وجلس على كرسيه، متشبها بصورته· وبلغ بهم الحمق والحقد على نبي الله سليمان درجة أنهم زعموا أن هذا الجني الذي تشبه به وأخذ خاتمه كان يدخل على نساء سليمان ويأتيهن في الحيض ويتمتع بهن وهن يعتقدن أنه سليمان الحقيقي· أما سيدنا سليمان النبي فزعموا أنه لما فقد خاتمه فقد النبوة والملك فخرج هاربا إلى ساحل البحر يحمل الأسماء للصيادين مقابل أجر، ثم فجأة يصطاد سليمان سمكة ليأكلها فيجد في بطنها خاتمه، وذلك أن الجني ألقاه في البحر حتى لا تعود النبوة لسليمان ولكن سليمان ما إن وضع الخاتم حتى أمر بإحضار الجني الذي كان يأتي زوجاته في الحيض فأوثقه وأرسل به إلى جبل الدخان فالدخان الذي يصعد من ذلك الجبل هو دخان الجني والماء الذي يسيل طول السنة هو بوله!! وقد رد الأمام القرطبي هذه الفرية اليهودية فقال ج 8 ص 171 في تفسيره لسورة ص وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل· اهـ قال القاضي عياض في الشفا ج 2 / 162 ولا يصح ما تقله الإخباريون من تشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله· اهـ
(منقول)