في مركب على النيل
للشاعر محمود درويش


مركب علي النيل*. ‬يوم الثلاثاء*. ‬قهوة*
‬وشاي ودخان سجائر*. ‬وكلام عن الدنيا
التي لا نعرف* ‬غيرها*. ‬أما ما يتخيله كل*
واحد من المتحلقين حول نجيب محفوظ عما
وراء الدنيا،* ‬فيتقاسمه سرا مع طيور
تحلق فوق نهر الأبدية*. ‬وهو،* ‬هو
المستمع بأذن انتقائية،* ‬تأخذ الكلمات وقتها في
الوصول إليه،* ‬لا يريد للمريدين أن
يفسروا كلامه المتقشف بأكثر مما فيه.
يعرف من المدائح ما يكفي ليجعل العبث*
‬زهدا*. ‬ولا يريد لأحد أن يحدق إلى
صنم أو منحوتة*. ‬لكننا نحج إليه،* ‬لا
لنعرفه*... ‬فقد امتلأنا برواياته وتقمصنا
شخوصها،* ‬بل لنحييه علي ما كتب،* ‬ولنحيي
أنفسنا جالسين بحضرة أسطورة حية خرجت
من مخطوطة فرعونية*. ‬رأيت نساء قادمات
من أقاصي حرف الضاد يقبلن يده،* ‬فيخجل
ولا يعرف السبب،* ‬كأنه هو ولا هو
في آن واحد*. ‬ثم يضحك ضحكة عالية،* ‬ويطلب
سيجارة حان وقتها ليبدد بسحابة
دخانها قداسة لا يصدقها ماكر مثله،* ‬
وللناس التأويل*. ‬عاش ليكتب*. ‬ومنذ
طعنه خنجر في الرقبة تخلي عن سرد
التفاصيل بدأب النملة،* ‬واختار تقطير
النحلة*. ‬من يومها،* ‬ونحن نجيء إليه
مودعين،* ‬فالحياة انتبهت إلي نقصانها وسئم الموت
التأجيل*... ‬دون أن نشي بذلك،*
‬ونحن من حوله في مركب علي النيل،*
‬يوم الثلاثاء*! ‬لكن يوم الثلاثاء لم يعد موعدنا*!‬